شدد شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى على أن "لا مفر من التعاونِ في مهمات الحياة الواحدة وتحدياتِها المشترَكة، ومواجهتها بالعمل المشترك لإنقاذ الإنسان من خلال الاتفاقَ على قواسمَ مشتركة، لمواجهة التحديات معاً".

وخلال كلمة مسجلة اثناء انعقاد الطاولة المستديرة حول المساحات الدينية المشترَكة في الشرق الأوسط، بمناسبة عيد البشارة، بدعوة من مجلس كنائس الشرق الأوسط في مقره في بيروت قال  أبي المنى: "إذا كان عيدُ البشارة مناسبةً للتلاقي الإسلامي المسيحي، استناداً إلى ما تختزنه العقيدة المسيحية من تقديسٍ للسيدة مريم وإلى ما أُنزل في القرآن الكريم من تقديرٍ لها، فمِمَا لا شكَ فيه أن العيد الجامعَ بين الديانَتين هو أحدُ المشترَكات الإسلامية المسيحية، وليس هو كلها".



أضاف: "لا أظنُ أن مذهباً من مذاهبِنا الإسلامية، ولا من المذاهب المسيحية وغيرِها، يدعو إلى الكفر بالله أو إلى التنكُر للقيم الأخلاقية والاجتماعية أو إلى إفساد الطبيعة وتحطيم النظام الكوني أو إلى قيام حضاراتٍ فاسدة تقوِض أسسَ السلام، لكنَه الإنسانُ من كل دينٍ ومذهب، وبما فيه من قوى الشرِ المواجِهة لقوى الخير، يجنح أحياناً كثيرة إلى خلخلة تلك الأسس، وبالتالي إلى تقليص مساحة المشترَكات الإيجابية بين بني البشر الذين هم جميعُهم خلقُ الله، مما يحتِم بالمقابل مواجهةَ ذلك الجنوح بعقلانية وانفتاح وثبات وتشارك بين المؤمنين والعقلاء والخيِرين لتثبيت تلك الأسس وللحفاظ على المشتركات وتوسيع مساحتها والتلاقي الفعال حولَها، وهذا ما ندعو إليه وما نعملُ عليه".   وتابع: "الإيمانُ الحقيقي موجودٌ في الإسلام وفي المسيحية على حدٍ سواء، ومبدأه الأولُ الإيمانُ بالله الواحد الأحد، وذلك هو القاسمُ المشترَكُ الأساسُ في ما بين المؤمنين: الدينُ يَجمعُنا والحقُ مرجِعُنا شُقوا القلوبَ تُلاقوا الواحدَ الأحدا كما أن القيم الإنسانية واحدة، وعليها يلتقي المسلمون والمسيحيون وجميعُ البشر، وإنِ اختلفت بعضُ المفاهيم وتنوعت الطرقُ والأساليب في المسافرة الدائمة نحو معرفة الحق، وقد قضت مشيئةُ الله بالتعارف في ما بين البشر وبالتعاون في استباق الخيرات وفي حفظ القيم الإنسانية المُثلى وتحقيقها من قبل الإنسان، في ذاته أولاً، وفي علاقاته بمن وبما حوله، وعلى الأخص في علاقته بالآخَر الإنساني أينما كان. في حين أن ما هو غير مشترك يُدخِلُنا في حقل العقائد، وهو حقلٌ بالغُ الدقة لا يقتصر على الاختلاف بين ديانة وديانة، بل يتجاوز ذلك إلى انقسامات عميقة ومؤلمة داخلَ مفاهيم الإيمان في كلِ ديانة بحد ذاتها، وهو ما نحن بغنى عنه في أي حوار".

وشدد أبي المنى على أنه "لذلك فإنه من الأجدى التلاقي في المساحة المشترَكة المتاحة في المسلك وليس في المعتقَد؛ المسلك الروحي والاجتماعي، وركيزتَاه الأساسيتَان الصدقُ والأخوَة، وهاتان هما عندنا ركيزتا التوحيد، والتوحيد جامعٌ مشترَك، والموحِدُ الحقيقي صادقٌ معَ الله ومعَ نفسه ومعَ إخوانِه، ويرتقي كذلك بمفهوم الأخوَة الإنسانية إلى حدِ نكران الذات. كما يكمن التلاقي في مهماتٍ إنسانية سامية، في مواجهة الشر وفي التصدي للتفلت من الدين، والإلحاد والإباحية، والاعتداء على حقوق الإنسان وعلى الطبيعة والبيئة والنظام الكوني والقيم الإنسانية جميعِها، أي في "دائرة العمل المشترك"، لإنقاذ الإنسان، من خلال التكامل والتكاتف، فالقضايا الإنسانية المشتركة تفرضُ علينا الاتفاقَ على قواسمَ مشتركة، لمواجهة التحديات معاً، وهي كثيرة ومتصاعدة مع تقدم البشرية وازدياد التداخلات وتطور العلوم؛ منها قضايا البيئة والحقوق والأخلاقيات وغيرها".

وقال: "علينا جميعاً في الشرق الأوسط، كما في كلِ مكان، النظرُ إلى الإيجابيات الكثيرة والقيم الإنسانية التي تختزنها المسيحية كما يختزنها الإسلام، والتصدي للقضايا الكبرى، وعلى المسلمين، كما على المسيحيين أن يعملوا معاً في المساحات المشتركة، "مثل تلك المتعلقة بخدمة الفقراء، وتقوية العدالة، واحترام الكرامة الإنسانية، والاشتراك معاً في تجارب الحياة؛ وبذلك نتخطى الأحكامَ المسبقة، ويصبح من الممكن فتحُ قنوات الاحترام المتبادَل والمصالحة، من أجل بناء السلام والأخوة في العائلة الإنسانية الواحدة. من جهةٍ أُخرى، هناك بعضُ أوجه التشابه والمشترَكات الحياتية أو الشكلية في ما بين المسلمين والمسيحيين، وهي عديدةٌ، بحكم طبيعة الحياة المشتركة والعلاقات التاريخية القائمة بينهم، ومنها تلك التي تجمع بين أبناء الجبل الموحِدين وأخوانهم المسيحيين، كالمزايا الاجتماعية والعادات والتقاليد، بصرف النظر عن حالات المواجهة والصراع عبر التاريخ والتي كان لها دوافعُ خارجية".

وتوجه الى المؤتمرين: "إنَ إلهَنا واحدٌ وغايةَ الدين واحدة، وهي الإنسان، وتعاليمَنا تلتقي على تلك الغاية، وما علينا إلَا أن نرتقيَ من خلالها؛ فنلتقي لنرتقي، ولا مفرَ من الالتقاء والاشتراك في حوار الحياة الذي هو جزءٌ من الإيمان في كلِ دين، والتعاونِ في مهمات الحياة الواحدة وتحدياتِها المشترَكة، والتي إن توانينا عن مواجهتها تتغلبْ علينا، لأننا متى تصارعنا على السماء نخسرْ ما في الأرض وما في السماء. تعمَقتُ في ديني الحنيفِ فقادني إلى غيرِه لو أن ذاك مُغايِرُ وأدركتُ أنَ الحقَ أصلٌ، وكلُنا فروعٌ وأغصانٌ له وأزاهرُ إذا فرَقَتْ بين الأنامِ عبادةٌ فتجمعُهم فوقَ الطقوسِ الجواهرُ. وفقكم الله في مداخلاتكم وفي مناقشاتِكم، والشكرُ الجزيلُ لمجلس كنائس الشرق الأوسط على تنظيم هذه الطاولة، ولكم جميعاً، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه".

 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

اجتماع لتعزيز التعاون بين لجنة الشؤون الخارجية والأركان البحرية الليبية لمواجهة التحديات الأمنية

الوطن|متابعات

التقى رئيس لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب، يوسف العقوري، مع رئيس الأركان البحرية بالقوات المسلحة العربية الليبية، الفريق شعيب الصابر، لمناقشة القضايا المتعلقة بالأمن القومي الليبي، خصوصاً أمن السواحل ومكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية.

ورحب  العقوري بزيارة الفريق الصابر، مؤكداً على أهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات ذات العلاقة، كما شدد على ضرورة دعم قدرات البحرية الليبية لتأمين السواحل ومواجهة تحديات التهريب بأشكاله المختلفة، إضافة إلى تنفيذ عمليات الإنقاذ البحري. ولفت إلى الحاجة إلى إمكانيات كبيرة بالنظر إلى طول السواحل الليبية.

بدوره قدم الفريق الصابر ملخصاً لأبرز التحديات التي تواجه البحرية الليبية، مشيراً إلى قلة الإمكانيات المتاحة، لكنه أشاد بجهود العناصر البحرية في مراقبة السواحل ومحاربة التهريب والجريمة المنظمة.

وأكد الطرفان على أهمية الحلول الشاملة لقضية الهجرة غير النظامية، مشددين على أن ليبيا لا يمكن أن تكون “شرطي أوروبا”. وأشار الاجتماع إلى ضرورة معالجة أسباب الهجرة عبر الاستثمار التنموي في دول المصدر.

وفي ختام الاجتماع، اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق والتواصل لتوحيد الجهود بين الجانب السياسي والأمني، خاصة في مجال الأمن البحري، بما يساهم في تعزيز الأمن القومي الليبي في ظل الظروف الراهنة.

 

الوسومالتحديات الأمنية الهجرة ليبيا مجلس النواب محاربة التهريب

مقالات مشابهة

  • شيخ العقل يسلّم الشرع رسالة خلال اللقاء في قصر الشعب... هذا ما جاء فيها
  • منال عوض: التعاون بين وزارتي التنمية والمحلية والصحة نموذج مشرف لمواجهة التحديات
  • النائب حازم الجندي: حديث السيسي بأكاديمية الشرطة يعكس رؤية استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات
  • ختام اجتماع ” النواب العموم” في نيوم.. تعزيز التعاون القضائي العربي لمواجهة التحديات
  • المرقشي يدعو لتحالف قبائل المراقشة والصبيحة لمواجهة التحديات
  • المراكز البحثية المصرية في 2024.. محرك رئيسي لمواجهة التحديات وتعزيز الاقتصاد الوطني
  • نائب: كلمة الرئيس السيسي بقمة الثمانية خارطة طريق لمواجهة التحديات الاقتصادية
  • عاصم الجزار: الحزب الجديد يسعى لإيجاد أرضية مشتركة تجمع كل التوجهات لمواجهة التحديات الراهنة
  • اقتصادية النواب: كلمة السيسي بقمة الثمانية خارطة طريق لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية
  • اجتماع لتعزيز التعاون بين لجنة الشؤون الخارجية والأركان البحرية الليبية لمواجهة التحديات الأمنية