شيخ العقل: لمواجهة التحديات بالتعاون وتوسيع مساحة المشترَكات
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
شدد شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى على أن "لا مفر من التعاونِ في مهمات الحياة الواحدة وتحدياتِها المشترَكة، ومواجهتها بالعمل المشترك لإنقاذ الإنسان من خلال الاتفاقَ على قواسمَ مشتركة، لمواجهة التحديات معاً".
وخلال كلمة مسجلة اثناء انعقاد الطاولة المستديرة حول المساحات الدينية المشترَكة في الشرق الأوسط، بمناسبة عيد البشارة، بدعوة من مجلس كنائس الشرق الأوسط في مقره في بيروت قال أبي المنى: "إذا كان عيدُ البشارة مناسبةً للتلاقي الإسلامي المسيحي، استناداً إلى ما تختزنه العقيدة المسيحية من تقديسٍ للسيدة مريم وإلى ما أُنزل في القرآن الكريم من تقديرٍ لها، فمِمَا لا شكَ فيه أن العيد الجامعَ بين الديانَتين هو أحدُ المشترَكات الإسلامية المسيحية، وليس هو كلها".
أضاف: "لا أظنُ أن مذهباً من مذاهبِنا الإسلامية، ولا من المذاهب المسيحية وغيرِها، يدعو إلى الكفر بالله أو إلى التنكُر للقيم الأخلاقية والاجتماعية أو إلى إفساد الطبيعة وتحطيم النظام الكوني أو إلى قيام حضاراتٍ فاسدة تقوِض أسسَ السلام، لكنَه الإنسانُ من كل دينٍ ومذهب، وبما فيه من قوى الشرِ المواجِهة لقوى الخير، يجنح أحياناً كثيرة إلى خلخلة تلك الأسس، وبالتالي إلى تقليص مساحة المشترَكات الإيجابية بين بني البشر الذين هم جميعُهم خلقُ الله، مما يحتِم بالمقابل مواجهةَ ذلك الجنوح بعقلانية وانفتاح وثبات وتشارك بين المؤمنين والعقلاء والخيِرين لتثبيت تلك الأسس وللحفاظ على المشتركات وتوسيع مساحتها والتلاقي الفعال حولَها، وهذا ما ندعو إليه وما نعملُ عليه". وتابع: "الإيمانُ الحقيقي موجودٌ في الإسلام وفي المسيحية على حدٍ سواء، ومبدأه الأولُ الإيمانُ بالله الواحد الأحد، وذلك هو القاسمُ المشترَكُ الأساسُ في ما بين المؤمنين: الدينُ يَجمعُنا والحقُ مرجِعُنا شُقوا القلوبَ تُلاقوا الواحدَ الأحدا كما أن القيم الإنسانية واحدة، وعليها يلتقي المسلمون والمسيحيون وجميعُ البشر، وإنِ اختلفت بعضُ المفاهيم وتنوعت الطرقُ والأساليب في المسافرة الدائمة نحو معرفة الحق، وقد قضت مشيئةُ الله بالتعارف في ما بين البشر وبالتعاون في استباق الخيرات وفي حفظ القيم الإنسانية المُثلى وتحقيقها من قبل الإنسان، في ذاته أولاً، وفي علاقاته بمن وبما حوله، وعلى الأخص في علاقته بالآخَر الإنساني أينما كان. في حين أن ما هو غير مشترك يُدخِلُنا في حقل العقائد، وهو حقلٌ بالغُ الدقة لا يقتصر على الاختلاف بين ديانة وديانة، بل يتجاوز ذلك إلى انقسامات عميقة ومؤلمة داخلَ مفاهيم الإيمان في كلِ ديانة بحد ذاتها، وهو ما نحن بغنى عنه في أي حوار".
وشدد أبي المنى على أنه "لذلك فإنه من الأجدى التلاقي في المساحة المشترَكة المتاحة في المسلك وليس في المعتقَد؛ المسلك الروحي والاجتماعي، وركيزتَاه الأساسيتَان الصدقُ والأخوَة، وهاتان هما عندنا ركيزتا التوحيد، والتوحيد جامعٌ مشترَك، والموحِدُ الحقيقي صادقٌ معَ الله ومعَ نفسه ومعَ إخوانِه، ويرتقي كذلك بمفهوم الأخوَة الإنسانية إلى حدِ نكران الذات. كما يكمن التلاقي في مهماتٍ إنسانية سامية، في مواجهة الشر وفي التصدي للتفلت من الدين، والإلحاد والإباحية، والاعتداء على حقوق الإنسان وعلى الطبيعة والبيئة والنظام الكوني والقيم الإنسانية جميعِها، أي في "دائرة العمل المشترك"، لإنقاذ الإنسان، من خلال التكامل والتكاتف، فالقضايا الإنسانية المشتركة تفرضُ علينا الاتفاقَ على قواسمَ مشتركة، لمواجهة التحديات معاً، وهي كثيرة ومتصاعدة مع تقدم البشرية وازدياد التداخلات وتطور العلوم؛ منها قضايا البيئة والحقوق والأخلاقيات وغيرها".
وقال: "علينا جميعاً في الشرق الأوسط، كما في كلِ مكان، النظرُ إلى الإيجابيات الكثيرة والقيم الإنسانية التي تختزنها المسيحية كما يختزنها الإسلام، والتصدي للقضايا الكبرى، وعلى المسلمين، كما على المسيحيين أن يعملوا معاً في المساحات المشتركة، "مثل تلك المتعلقة بخدمة الفقراء، وتقوية العدالة، واحترام الكرامة الإنسانية، والاشتراك معاً في تجارب الحياة؛ وبذلك نتخطى الأحكامَ المسبقة، ويصبح من الممكن فتحُ قنوات الاحترام المتبادَل والمصالحة، من أجل بناء السلام والأخوة في العائلة الإنسانية الواحدة. من جهةٍ أُخرى، هناك بعضُ أوجه التشابه والمشترَكات الحياتية أو الشكلية في ما بين المسلمين والمسيحيين، وهي عديدةٌ، بحكم طبيعة الحياة المشتركة والعلاقات التاريخية القائمة بينهم، ومنها تلك التي تجمع بين أبناء الجبل الموحِدين وأخوانهم المسيحيين، كالمزايا الاجتماعية والعادات والتقاليد، بصرف النظر عن حالات المواجهة والصراع عبر التاريخ والتي كان لها دوافعُ خارجية".
وتوجه الى المؤتمرين: "إنَ إلهَنا واحدٌ وغايةَ الدين واحدة، وهي الإنسان، وتعاليمَنا تلتقي على تلك الغاية، وما علينا إلَا أن نرتقيَ من خلالها؛ فنلتقي لنرتقي، ولا مفرَ من الالتقاء والاشتراك في حوار الحياة الذي هو جزءٌ من الإيمان في كلِ دين، والتعاونِ في مهمات الحياة الواحدة وتحدياتِها المشترَكة، والتي إن توانينا عن مواجهتها تتغلبْ علينا، لأننا متى تصارعنا على السماء نخسرْ ما في الأرض وما في السماء. تعمَقتُ في ديني الحنيفِ فقادني إلى غيرِه لو أن ذاك مُغايِرُ وأدركتُ أنَ الحقَ أصلٌ، وكلُنا فروعٌ وأغصانٌ له وأزاهرُ إذا فرَقَتْ بين الأنامِ عبادةٌ فتجمعُهم فوقَ الطقوسِ الجواهرُ. وفقكم الله في مداخلاتكم وفي مناقشاتِكم، والشكرُ الجزيلُ لمجلس كنائس الشرق الأوسط على تنظيم هذه الطاولة، ولكم جميعاً، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
الحب في ألفاظ العربية
الحب في العربية له معانيه، منها ميل النفس مع العقل، فإن تجاوز العقل أصبح عشقاً، فالنفس تميل لتحاكي العقل في تصوراته وأحاسيسه، وربما تجاوزت التصورات، وهذه الأحاسيس عقلانية العقل، وخرجت عن مساقاته، فيصبح ذلك الحب عشقاً خارجاً عن نطاق المعقول، لا يوثقه الوثاق، ولا يحده الإطار، ومن أحب إنساناً صار له محبوباً وحبيباً، ووصفه بما يستجلب الودَّ والوصال، فصار له حباً متفرداً عن غيره، لا ينافسه الغير البتة على محبته.
والحب قد يأتي بمعنى الرغبة في المحبوب وتملكه، وقد تعبّر الأنانية عنه أحياناً، لكنها تدل عليه وتحوطه في جمالها رغم كونها ظاهرة غير محببة في تصور العاقلين، لكن الأنانية في المحبة فيها دلالة لما وصل إليه المحب من تعلق أخرجه من المعقول إلى ما لا يتصوره عاقل. ومن معاني الحب الخضوع والاستسلام، فمن أحب شخصاً خضع واستسلم له، وعظّم فعله، وفي الانقياد التام محبة خالصة يترك فيها المحب الاختيار، ويصبح تابعاً لمن أحب.
ومن أحب شخصاً مدحه بأجمل العبارات، ووصفه بأجمل الصفات، فهو في المديح غايته ومطلبه، وفي الصفات أكملها مشابهة ووصفاً. وإذا أحب المرء شخصاً صار حَبَّة القَلْبِ ومُهْجَتهُ، وسُوَيْداءهُ، ولامس شغائف قلبه وكَمَنَ فيه لا يغادره البتة، ولا ينظر إلى سواه. والحب العُذْرِيُّ ما كان فيه التَّعَلُّقُ الطَّاهِرُ والعفاف بمن أحب عِشْقاً وَوَلَهاً، فالطهر هنا التجرّد عن الرذائل والتخلق بالعفاف، ألزمه ذلك العشق، وساقه إليه الاشتياق والوله.
ومراتب الحب كثيرة، منها: الهوى وهو الميل والحنان، والصبوة وهي شدة الاشتياق، والعلاقة التي تعلق المحب بمن يحب، والكلف وهو الولع مع عدم القدرة على التصبر، والوصب يعبّر عن الألم والوجع الذي يُصيب المحبوب، والعشق وهو فرط الحب وتجاوز المحب عن أقوال وأفعال محبوبه ، والنجوة وهي شدة الحب مع حزن تصاحبه معاناة، والشغف أن يبلغ الحب شغاف القلب، أي هي غلافه وحجابه وسويداؤه في لذة يجدها المحب، والجوى شدة الوجد من عشق وحزن وحرقة، والتيم وهو استعباد الحب لصاحبه المتيم، والتَّبْلُ وهو أن يسقم المحب من حبه فيصبح متيماً، والتّدْلِيهُ وهو ذهاب العقل من الحب ومنه رجل مُدَلَّهٌ، والاستكانة شدة الحب الذي يُسبب الشعور بالذل والخضوع، والغرام هو التولع والابتلاء بالمحبة، والهيام أن يتملك المحب الحب فيهيم على وجهه.
يبقى الحب في العربية جميلاً في ألفاظه ومعانيه، ودلالة أكيدة على غناها وتفردها بين اللغات، لا سيما السامية منها.
(القبس الكويتية)