سواليف:
2024-10-01@21:16:27 GMT

هذا ما سيذكره التاريخ فقط!

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

هذا ما سيذكره التاريخ فقط!

د. #فيصل_القاسم

صحيح أن #التاريخ يكتبه البشر، وهو في نهاية المطاف صناعة بشرية له ما له وعليه ما عليه، وفي أغلب الأحيان ينظر البشر إلى التاريخ بعين الشك والريبة، لأنه في العادة يكون مكتوباً ومدوناً حسب رغبة كاتبيه ومدونيه. ولطالما مثلاً سمعنا عبارة أن «التاريخ يكتبه المنتصرون» فتبرز في كتب التاريخ فقط رواية المنتصر، بينما يضيع حق الآخرين، لهذا نرى شاعراً كبيراً كمعروف الرصافي ينسف التاريخ من أساسه قائلاً: «ما كُتبُ التاريخ في كل ما روَت لقرَّائها إلا حديثٌ ملفَّقُ! نظرنا لأمر الحاضرين فرابَنا فكيف بأمر الغابرين نصدِّقُ؟!» والرصافي لا شك محق في ملاحظته الرائعة، فالتاريخ اليوم يُزوّر أمام أعيننا، فما بالك أن نصدق أحداثاً وقعت قبل آلاف السنين، لا بل إن #المؤرخين أنفسهم غالباً ما يدونون الأحداث التاريخية من وجهة نظر خاصة جداً، لهذا يقول المؤرخ البريطاني هنري كار: «قبل أن تقرأ التاريخ اقرأ عن المؤرخ، وقبل أن تقرأ عن المؤرخ، اقرأ عن خلفيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والدينية والفلسفية».

بعبارة أخرى، فإن كل مؤرخ يُضفي على التاريخ نظرته الخاصة، أضف إلى ذلك أن الإنسان بطبعه يرى الأمور من زوايا حادة، فلو مثلاً وقع حادث شجار أمام بيتك، وهُرع سكان الحي إلى مكان العراك، ثم عادوا ليتحدثوا عن الواقعة، فستجد أن كل واحد يرويها بشكل مختلف. ولا ننسى أن رواية التاريخ عن مصادر متسلسلة بدورها تزيد الطين بلة، فيصلنا التاريخ مشوهاً ومحوراً وأحياناً مزوراً. وهنا نستذكر لعبة (الهمسة الصينية) وهي عبارة عن (حدوتة) قصيرة يرويها أول شخص في طابور طويل للشخص الذي يصطف وراء، وهو بدوره يرويها للذي بعده، وهلم جرّا، فتصل (الحدوتة) للشخص في آخر الطابور محرفة ومختلفة تماماً عن الحدوتة التي رواها أول شخص في الطابور. وبالتالي، هل يمكن أن تصدقوا أحداثاً وروايات وأحاديث وقصصاً نقلها آلاف الأشخاص عن آلاف الأشخاص عن آلاف الأشخاص عبر القرون؟
لا شك أن هذا يؤثر سلبياً على مصداقية التاريخ والمؤرخين كثيراً مهما امتلكوا من أساليب علمية وتوثيقية في تدوين الأحداث التاريخية. لكن بالرغم من كل مشاكل الرواية التاريخية وآفاتها، فإن هناك جانباً مثيراً للاهتمام في غربال التاريخ، وهو أنه غالباً ما يبدو زاهداً جداً بالجانب المادي للأزمنة التي يؤرخها، لهذا تراه لا يعطيه اهتماماً كبيراً بين صفحاته، وحتى لو تحدث أحياناً عن الرفاهيات والممتلكات المادية لشخصياته، فإنه في أغلب الأحيان لا يركز عليها كثيراً ولا يعتبرها جديرة بالتأريخ، حتى أن القارئ نفسه لا تعنيه التفاصيل المادية المبهرة كثيراً وهو يقرأ التاريخ. أيهما أكثر أهمية بالنسبة لك وأنت تقرأ التاريخ مثلاً: ثروات هارون الرشيد أم مآثره وأفعاله؟ أيهما أهم أن تقرأ عن ممتلكات الحاكم بأمر الله، أم عماذا فعله وأنجزه في مصر أيام حكمه في العصر الفاطمي؟

كل مؤرخ يُضفي على التاريخ نظرته الخاصة، أضف إلى ذلك أن الإنسان بطبعه يرى الأمور من زوايا حادة

من الملفت جداً وفي أغلب الأحيان أن المؤرخين يتجاهلون الوضع المادي للعديد من الشخصيات التاريخية، فلا يذكرون مثلاً كم كان يمتلك ذلك المفكر العظيم من الأموال والممتلكات، ولا كم كان يملك ذلك الفيلسوف أو الشاعر من عقارات، ولا كم كان يملك ذلك الفنان أو الرسام من أرزاق. حتى أن التاريخ لا يذكّرنا بميراث الملوك والأباطرة إلا نادراً. لا يبقى في غربال التاريخ سوى الأعمال الفكرية والفنية والكتب والمؤلفات والإنجازات والأقوال والأفكار واللوحات التي تركتها الشخصيات التاريخية وراءها، وكأنه يقول لنا إن لا محل من الإعراب لقصوركم وملايينكم وملياراتكم وحساباتكم البنكية وسياراتكم وساعاتكم الثمينة ومجوهراتكم وخيولكم، فكلها تسقط من ثقوب الغربال التاريخي، ولا يبقى منكم سوى أعمالكم وما يؤثر بالأجيال القادمة من فكر وأدب وكتب ودواوين وفلسفات، ومآثر ومفاخر، واختراعات، واكتشافات؟ هل قرأتم في كتب التاريخ يوماً كم كان يملك أبو العلاء المعري، أو سبينوزا، أو تولوستوي، أو تسلا، أو أينشتاين، أو ستالين، أو الاسكندر المقدوني، أو بيتهوفن، أو غاليليو، أو المعتزلة؟ هل عندما سنقرأ سيرة بوب غوبز مخترع الآيفون لاحقاً، هل سنكون مهتمين بأنه كان يملك أكثر من ملياري دولار قبل أن يموت، أم إن جُل اهتمامنا سيتركز عي قيمته التكنولوجية العظيمة واختراعات شركة (آبل) التاريخية. وحتى لو ذكر التاريخ الجانب المادي لشخصياته، فإنه يذكرها بشكل عابر، بحيث لا تلفت انتباه القارئ كثيراً، وكأنها بلا قيمة. هل قرأتم تفاصيل كثيرة مثلاً عن منزل العالم البريطاني داروين؟ بالطبع لا، ولولا المهتمون بالسياحة والاستثمار لضاع بيت داروين، لكنهم استثمروه لاحقاً لأغراض سياحية واستثمارية. صحيح أن التاريخ ذكر مال قارون مثلاً، لكن أيضاً ليس لإبراز عظمة قارون المالية والمادية، بل لحكمة ربانية دينية فقط. وعندما يذكر التاريخ القصور التي خلفها الحكام، فليس اهتماماً بممتلكاتهم وثرواتهم، بل تخليداً لما أنجزوه من تحف معمارية جديرة بتنويه تاريخي إما لجمالها، أو لعظمتها الذاتية، أو أحياناً لانتقاد صاحبها، وليس لإبراز الجانب المادي لهذا الملك أو ذاك.
ومن جماليات التاريخ أيضاً أنه يُفرد الكثير من صفحاته لشخصيات عاشت وماتت فقيرة من دون أي جاه أو عز أو مجد مادي، مما يؤكد على زُهد التاريخ التأريخي، فمثلاً فإن الرسام الهولندي التاريخي فان كوخ عاش حياة بائسة جداً، وكان معوّزاً جداً مادياً، ومات دون أن ينعم بأرباح لوحاته العظيمة التي بيعت بعد موته بملايين الدولارات، لكن فقر فان كوخ لم يؤثر على مكانته التاريخية في صفحات التاريخ. وكذلك بدر شاكر السياب الشاعر المُعدم، فلم تؤثر تعاسته المادية على مجده الشعري. وكيف ننسى العالم العظيم نيكولا تسلا، صاحب العديد من الاختراعات العظيمة التي غيرت وجه العالم، فقد مات فقيراً معدماً، لكنه يتربع اليوم على عرش تاريخ العلوم مثل أينشتاين وبقية العلماء العظام الذين ماتوا فقراء معدمين، لكنهم اليوم يملؤون الدنيا ويشغلون العالم بعد وفاتهم. ومن دهاء التاريخ أنه لم يركز مثلاً كثيراً على الخلفية الأرستقراطية للأديب الروسي الكبير تولوستوي، لكنه أبرز تخلي الروائي الكبير عن حياة الترف والبذخ ليعيش بسيطاً مرتحلاً، وكأن التاريخ هنا أيضاً يضع تولوستوي في غربال، فيسقط من الغربال كل ما يتعلق بخلفيته الارستقراطية المادية، ويبق فقط ميراثه الأدبي العظيم.

مقالات ذات صلة الحقد المتجذّر لدى البريطانيين ضد العرب . . ! 2024/03/22

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: فيصل القاسم التاريخ المؤرخين کان یملک کم کان

إقرأ أيضاً:

جيمي كارتر يصبح أول رئيس أمريكي في التاريخ يصل الى 100 عام

أكتوبر 1, 2024آخر تحديث: أكتوبر 1, 2024

المستقلة/- بلغ جيمي كارتر يوم الثلاثاء المائة من عمره، وهي المرة الأولى التي يصل فيها رئيس أمريكي الى هذا العمر. للسلام ومدافع عن الديمقراطية.

بعد أن عاش آخر 19 شهرًا في رعاية المسنين في منزله في بلينز، واصل الديمقراطي والرئيس التاسع والثلاثون من جورجيا تحدي التوقعات.

وخدم كارتر فترة رئاسية واحدة من عام 1977 إلى عام 1981 ثم عمل لأكثر من أربعة عقود في قيادة مركز كارتر، الذي أسسه هو وزوجته روزالين في عام 1982 “لإحلال السلام ومحاربة المرض وبناء الأمل”.

وقال جيسون كارتر، حفيد الرئيس السابق ورئيس مجلس إدارة مركز كارتر، في مقابلة: “لا يحظى الجميع بـ 100 عام على هذه الأرض، وعندما يفعل ذلك شخص ما، وعندما يستخدم هذا الوقت للقيام بالكثير من الخير للعديد من الناس، فإن الأمر يستحق الاحتفال”.

وقال: “لقد كانت الأشهر القليلة الماضية، 19 شهرًا، بعد أن كان في دار رعاية المسنين، فرصة لعائلتنا للتفكير،”

واضاف: “ثم لبقية البلاد والعالم للتفكير فيه حقًا. لقد كان وقتًا مُرضيًا حقًا.”

ولد جيمس إيرل كارتر جونيور في الأول من أكتوبر عام 1924 في بلينز، حيث عاش أكثر من 80 عامًا من عمره البالغ 100 عام. ومن المتوقع أن يحتفل بعيد ميلاده في نفس المنزل المكون من طابق واحد الذي بناه هو وروزالين في أوائل الستينيات – قبل انتخابه الأول لمجلس شيوخ ولاية جورجيا. توفيت السيدة الأولى السابقة، التي ولدت أيضًا في بلينز، في نوفمبر الماضي عن عمر يناهز 96 عامًا.

أشاد الرئيس جو بايدن، الذي كان أول سيناتور في مجلس الشيوخ يؤيد حملة كارتر عام 1976، بصديقه القديم لـ “إيمانه الراسخ بقوة الخير البشري”.

وقال الرئيس البالغ من العمر 81 عاما لكارتر في مقطع فيديو تكريمي تم تصويره أمام صورة كارتر الرئاسية في البيت الأبيض: “لقد كنت دائما قوة أخلاقية لأمتنا والعالم وصديق محبوب لجيل ولي ولعائلتنا”.

خارج الرواق الشمالي، وضع بايدن عرض من الحروف الكبيرة التي تعلن “عيد ميلاد سعيد للرئيس كارتر” والرقم 100. طلب ​​كارتر من بايدن أن يرثي له في جنازته الرسمية عندما يحين الوقت.

استضاف مركز كارتر في 17 سبتمبر حفل موسيقي في أتلانتا للاحتفال بالرئيس السابق مع مجموعة من الأنواع والفنانين، بما في ذلك بعض الذين شاركوا في حملته عام 1976. جمع الحدث أكثر من 1.2 مليون دولار لبرامج المركز وسيتم بثه مساء الثلاثاء على هيئة البث العام في جورجيا.

في سانت بول بولاية مينيسوتا، يكرم متطوعو منظمة هابيتات للإنسانية كارتر بجهد مدته خمسة أيام لبناء 30 منزلاً. أصبح آل كارتر سفراء بارزين للمنظمة الدولية بعد مغادرة البيت الأبيض واستضافوا مشاريع بناء سنوية حتى سن التسعينيات. نجا كارتر من تشخيص إصابته بالسرطان وعلاجه في أوائل التسعينيات من عمره، ثم نجا من عدة سقوطات واستبدال مفصل الورك في منتصف التسعينيات من عمره قبل أن يعلن في سن 98 عامًا أنه سيدخل رعاية المسنين.

خطط سكان في بلينز لإقامة حفل موسيقي آخر مساء الثلاثاء.

كانت آخر مرة شوهد فيها جيمي كارتر علنًا منذ ما يقرب من عام خلال حضوره جنازة زوجته.

قال جيسون كارتر إن احتفالات عيد الميلاد المائة لم تكن شيئًا توقعته الأسرة بعد وفاة جدته. تم تجهيز سرير المستشفى للرئيس السابق في نفس الغرفة حتى يتمكن من رؤية زوجته التي عاش معها 77 عامًا والتحدث معها في أيامها وساعاتها الأخيرة.

قال جيسون كاتر: “بصراحة لم نعتقد أنه سيستمر لفترة أطول. لكنها رحلة إيمانية بالنسبة له، وقد سلم نفسه حقًا لما يشعر أنه خطة الله. إنه يعلم أنه ليس المسؤول. لكن في الأشهر القليلة الماضية، على وجه الخصوص، أصبح أكثر انخراطًا في الأحداث العالمية، وأكثر انخراطًا في السياسة، وأكثر انخراطًا عاطفيًا، معنا جميعًا”.

قال جيسون كارتر إن الرئيس السابق حريص على الإدلاء بصوته في انتخابات الرئاسة لعام 2024 – لنائبة الرئيس كامالا هاريس، الديمقراطية التي ستصبح أول امرأة وثاني شخص أسود وأول شخص من أصل جنوب آسيوي يصل إلى المكتب البيضاوي.

قال كارتر الأصغر: “لقد كان، مثل الكثير منا، مسرورًا للغاية بالاختيار الشجاع لصديقه جو بايدن لتسليم الشعلة. كما تعلم، لقد راقب جدي ومركز كارتر أكثر من 100 انتخابات في 40 دولة أخرى، أليس كذلك؟ لذا، فهو يعرف مدى ندرة تخلي شخص ما عن السلطة في أي سياق وهو رئيس في السلطة”.

وتابع جيسون كارتر: “عندما بدأنا نسأله عن عيد ميلاده المائة، قال إنه متحمس للتصويت لكامالا هاريس”.

 

مقالات مشابهة

  • شهادة السيد نصر الله.. مفتاح للمعركة التاريخية أمام العدو الصهيوني
  • جيمي كارتر يصبح أول رئيس أمريكي في التاريخ يصل الى 100 عام
  • خالد بن محمد بن زايد ورئيس الوزراء القطري يؤكدان عمق العلاقات التاريخية بين البلدين
  • بيغولا تودّع من ثمن النهائي وتشانغ تكتب التاريخ
  • تركيا.. العثور على أقدم كحل في التاريخ
  • على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم
  • النائبة دينا هلالي: حديث السيسي في أكاديمية الشرطة حمل كثيرا من الرسائل
  • بوراص: يسعدني أن أكون مثلاً يقتدى به في قضايا السلام والاستقرار
  • تن هاج: أحترم المنتقدين لكن لا أركز معهم كثيرا
  • مكتبة محمد بن راشد تبحر في «فن كتابة الرواية التاريخية»