عربي21:
2024-07-03@18:42:50 GMT

نزع الملكية الخاصة.. التاريخ العربي القديم والحديث

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

أثناء زيارته إلى فلسطين، كتب الرحالة الأندلسي ابن جبير في كتابه "رحلة إلى الشرق" في القرن الثاني عشر، "إن المسلمين يفضلون العيش تحت سلطة الكافرين، لأن هؤلاء يتصرفون بإنصاف".

وفي نفس القرن، كتب ابن رشد: "إن الناس في كثير من الممالك الإسلامية صنفان: صنف يعرف بالعامة وآخر يعرف بالسادة، وفي هذه الحال يسلب سادتُهم عامتهم، ويُمعن السادة في الاستيلاء على أموال العامة إلى أن يؤدي بهم الأمر أحيانا إلى التسلط، كما يعرض هذا في زماننا هذا وفي مدننا هذه".



بعد أكثر من قرنين، كتب ابن خلدون "ثم إن كل طبقة من طباق (طبقات) أهل العمران من مدينة أو إقليم لها قدرة على من دونها من الطباق، وكل واحد من الطبقة السفلى يستمد بذي الجاه من أهل الطبقة التي فوقه، ويزداد كسبه تصرفا في من تحت يده على قدر ما يستفيد منه.

والجاه على ذلك داخل على الناس في جميع أبواب المعاش؛ ويتسع ويضيق بحسب الطبقة والطور الذي فيه صاحبه: فإن كان متسعا كان الكسب الناشئ عنه كذلك، وإن كان ضيقا قليلا فمثله.

والجاه بهذا المعنى يسري في جسم المجتمع من أعلى إلى أسفل ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل وعلى مستوى الطبقات كذلك".

وقد شخّص ابن خلدون أسباب هذا الوضع، بقوله إن "التنكيد بالملكية الخاصة، يقتل في الناس الإرادة على الكسب الإضافي، وذلك بدفعهم إلى الفزع مـن أن تلاقي جهودهم السلب مصيرا".

كتب ابن خلدون هذه العبارات بسبب استيائه من الأذى الذي تعرضت له الملكية الخاصة، فهو يعتبر أن هذه الملكية تشكل حافزا فرديا للنشاط الاقتصادي وللمجتمع المدني، وأن نزع الملكية أشبه بعملية انتحار ذاتي وجماعي وشكل من أشكال تخريب وخراب اقتصادي.

من وجهة نظر عالم السوسيولوجيا الإيطالي لوتشانو بليكاني، لم يكن سلوك الأسياد المسيحيين محكوما بقانون أخلاقي متفوق على المسلمين، وكل ما في الأمر أنهم حكموا بإنصاف، لأن أوروبا خلال مرحلة الإقطاع، أصبحت بسبب الصراعات الداخلية العنيفة مجتمعا موزعا للحقوق.

ويتابع بليكاني، إن هذا هو السبب الذي سمح لأوروبا الغربية بخلق النمو الاقتصادي ومأسسته وبنشوء مجتمع مدني برجوازي، في حين عجزت الحضارات الشرقية الكبرى عن السير في ركاب النمو.

على مدار التاريخ، كانت الملكية الخاصة حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وكلما كانت الملكية الخاصة مستقرة وغير مهددة، كان المجتمع أكثر استقرارا، في حين يعد غياب مفهوم الملكية الخاصة سببا للتوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية.

وقد كشف فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر أن ارتباط الملكية بظهور الدولة كمنظومة سياسية يعد فكرة محورية.

إن المفهوم المزدوج لسمو القانون وسمو الجماعة في القرون الوسطى، كان يحد بشكل طبيعي تماما من السلطة الملكية، وقد توق هذا التحديد بشكل خاص، بالفكرة التقليدية الآتية من ميثاق أو عقد موجود بين الملك والجماعة، ومعبر ضمنيا عن سمو الجماعة.

ومع تطور النظام الإقطاعي الذي يسيطر عليه الطابع التعاقدي للالتزامات بين السيد الإقطاعي والمزارع التابع له، ازدادت أهمية هذا القسم: فعند كل درجة من درجات التسلسل الإقطاعي، كان القسم بالطاعة يؤدى مقابل إعطاء ضمانة، والوفاء بالوعد حسب ما بين جان جاك شوفالييه.

أشار جون لوك، إلى أن السبب في تكوين الأفراد للمجتمع هو رغبتهم في الحفاظ على الملكية، وهذه نقطة محورية في فلسفته، إذ يعتبر أن حق الملكية هو الحق المؤسس لكافة الحقوق الأخرى، هو حق طبيعي لا يمكن انتزاعه من الفرد.

الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة انطلاقا من هذا الأساس الفلسفي، قدم آدم سميث أفكاره الرئيسية حول النظام الرأسمالي، واعتبر أن ملكية الإنسان لناتج عمله تمثل أصل كل الحقوق الأخرى.

أقرت نصوص الشريعة الإسلامية الملكية الفردية وأكدت عليها على أن تكون منسجمة مع مصلحة الجماعة، لكن التاريخ الإسلامي المتأخر حاد عن هذا المبدأ، وهو ما بينه كل من ابن رشد وابن خلدون.

وباسم هذه المصلحة الجماعية، كتب وائل حلاق في كتابه "الدولة المستحيلة" أن "الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة".

وبحسب حلاق، يفسر هذا، تشريع الإسلام الاهتمام بالفقراء على أنه حق لهم في أموال الأغنياء، حيث إن ثروة هؤلاء هي ملك لله.

غير أن هذه الصيغة الإنسانية أخذت منحى آخر، قائم على سلب الملكية الفردية، لأسباب عديدة، منها أن عقل الغنيمة ظل سمة أساسية في العقل السياسي ـ الاقتصادي العربي منذ الفتوحات الأولى، في وقت لم ينشأ مجتمع مدني برجوازي قوي أو طبقة أرستقراطية قوية قادرة على الوقوف في وجه السلطان ووزراءه، كما كان الأمر في أوروبا، حيث شكلت الطبقة الفيودالية في العصور ذاك التوازن والجدار المنيع الذي منع سلطة الملوك من أن تتحول إلى ملكية مطلقة.

يشكل النموذج السوري مع سلطة البعث مثالا حيا لظاهرة انتهاك الملكية الفردية، وعلى الرغم من أن انتهاك الملكية الفردية / الخاصة سمة واضحة خلال الحروب، إلا أن بشاعتها وقسوتها كانت أكثر وضوحا في سوريا.

وقد تنبهت ليلى فيغنال في دراسة لها حملت عنون "الأماكن التي تعرّض أهلها لنزع الملكية خلال الحرب في سوريا"، وترجمها مركز حرمون، أن ضخامة ظاهرة نزع الملكية في سوريا لم يكن نتيجة حتمية للحرب والدمار، إنما كانت نتيجة لعمليات متعددة الأوجه، سببها الاختلاف في استراتيجيات الجهات الفاعلة في زمن الحرب.

اعتمد النظام السوري منذ البدء استراتيجية تدمير الممتلكات الخاصة للمعارضة، لما تعنيه من قتل للكينونة الاجتماعية والاقتصادية للإنسان، ودفعه إلى حافة العدم، عندما يتم تدمير ممتلكاته الخاصة.

كان الهدف الأساسي هو دفع الناس المعارضة إلى الخروج من البلاد وعدم التفكير في العودة إليها، ولم يكن عبثا ما قاله بشار الأسد "فقدنا أفضل شبابنا، لكننا في المقابل اكتسبنا مجتمعا أكثر صحة وتجانسا".

*كاتب وإعلامي سوري

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الملكية العالم ملكية رأي نظريات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملکیة الخاصة ابن خلدون

إقرأ أيضاً:

مجلس الشيوخ يوافق على تقرير عن دراسة الأثر التشريعى لقانون سوق رأس المال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

وافق مجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، على  تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن الطلب المقدم من  النائب هانى سرى الدين، بشأن "دراسة الأثر للمادة 35 من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 بشأن التشريعي التنظيم القانوني الخاص بصناديق الملكية الخاصة، وما دار بشأنه من مقترحات وما ورد به من توصيات، على أن يتم إحالته إلى رئيس الجمهورية.
كان النائب هاني سري الدين، رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار، استعرض تقرير اللجنة عن الدراسة، مشيرا إلى أن الإطار القانوني لصناديق الملكية الخاصة في التشريع المصري شديد التعقيد، ولا يتناسب  مع المرونة اللازمة لعمل هذه الصناديق ويتعارض مع ما يجري عليه العمل الدولي، ولذلك لم يكن من المستغرب أن يأتي السوق المصرية خاليا من أي نمو حقيقي لهذه الصناعة داخل مصر وهي الآلية الرئيسية لقيام المؤسسات المالية بضخ استثمارات مباشرة، حيث يتجاوز إجمالي المبالغ المستثمرة تريليون دولار أمريكي، وأن تكون جميع صناديق الملكية الخاصة التي تستثمر في شركات مصرية منشأة في الخارج، ويكون مديرو الاستثمار لهذه الصناديق من الشركات الأجنبية.
وأوضح أن تقرير اللجنة تضمن أن عدم ملاءمة الشكل القانوني لصناديق الملكية الخاصة في القانون المصري هو المعوق الرئيسي الذي يحول دون نمو هذه الصناعة في مصر، ويضيع على الدولة المليارات سنوياً من عائدات الضرائب، ويجعل الرقابة على إدارة هذه الصناديق مسألة شبه مستحيلة.
وقال إن حصر الشكل القانوني لصناديق الملكية الخاصة في شكل شركات المساهمة يمثل قصور تشريعي يتعارض مع طبيعة نشاط صناديق الملكية الخاصة وهى إحدى الآليات الرئيسية للاستثمار المباشر، حيث اشترط القانون الحالي أن يتخذ الصندوق شكل شركة مساهمة وهو ما يعد من أهم المعوقات القانونية التي حالت دون نمو هذا النشاط الاقتصادي الهام في مصر، والباعث الرئيسي على لجوء مديري الاستثمار إلى تأسيس صناديق الملكية الخاصة خارج مصر رغم أن نشاطها الرئيسي هو الاستثمار والاستحواذ على شركات مصرية.
ورصد التقرير المعوقات التي يثيرها نص المادة 35 بوصفه الحالي بشأن التنظيم القانوني لصناديق الملكية الخاصة من عدة نواحي، فمن ناحية أولى  فإن الهيكل التنظيمي لشركات المساهمة يتعارض مع إدارة الصناديق الخاصة وطبيعة عملها، فالأصل أن إدارة الصناديق اختصاصها جامع مانع بحيث يمتنع على مستثمري الصندوق التدخل في اتخاذ القرارات الاستثمارية للصندوق، أو أعماله، وهو ما يتناقض مع دور مجلس إدارة شركات المساهمة قانوناً ، كما أنه لا يتفق مع أ أحكام قانون الشركات والتي تستلزم التمثيل النسبي للمساهمين في عضوية مجالس إدارة الشركات المساهمة.
وتابع: الأصل في صناديق الملكية الخاصة أن مدتها تتراوح من خمس سنوات إلى عشر سنوات يتم فيها تصفيتها بنهاية هذه المدة وبيع استثماراتها إلى الغير وهو الأمر الذي لا يتفق مع طبيعة شركات المساهمة، كما أن تصفية شركات المساهمة في القانون المصري تستلزم مدة طويلة وإجراءات شديدة التعقيد، وهو الأمر الذي يتعارض مع طبيعة صناديق الاستثمار.
وأشار إلى أن صناديق الملكية الخاصة تفترض سهولة وسرعة إجراءات استدعاء رأس المال دون تطلب أية إجراءات قانونية، وهو ما قد يصطدم مرة أخرى بالنظم القانونية التي تحكم شركات المساهمة، وصناديق الملكية الخاصة تتيح تصفية أصولها وتوزيع ناتج عمليات البيع على المستثمرين أثناء حياة الصندوق، وهو مرة أخرى من الأمور التي تصطدم بالتنظيم القانوني لشركات المساهمة، ومعايير المحاسبة التي تحكمها.

مقالات مشابهة

  • طلب برلماني بتعديل قانون سوق رأس المال لإزالة معوقات تأسيس صناديق الملكية الخاصة
  • مجلس الشيوخ يوافق على طلب دراسة الأثر التشريعي لقانون سوق رأس المال
  • مجلس الشيوخ يوافق على إجراء تعديل تشريعي بـ"صناديق الملكية الخاصة"
  • الشيوخ يوافق على طلب «برلماني» بشأن قانون سوق المال لصناديق الملكية الخاصة
  • مجلس الشيوخ يوافق على تقرير عن دراسة الأثر التشريعى لقانون سوق رأس المال
  • الشيوخ يفتتح جلساته بمناقشة دراسة "صناديق الملكية الخاصة"
  • الحكومة توافق على مناقشة دراسة " صناديق الملكية الخاصة " المقدم من هانى سرى الدين
  • «الشيوخ» يناقش الأثر التشريعي لتعديلات قانون سوق المال
  • عبدالرزاق يفتتح أعمال الجلسة العامة للشيوخ
  • انطلاق ندوة البرامج مفتوحة المصدر للاتحاد العربي للملكية الفكرية بالقاهرة.. صور