نزع الملكية الخاصة.. التاريخ العربي القديم والحديث
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
أثناء زيارته إلى فلسطين، كتب الرحالة الأندلسي ابن جبير في كتابه "رحلة إلى الشرق" في القرن الثاني عشر، "إن المسلمين يفضلون العيش تحت سلطة الكافرين، لأن هؤلاء يتصرفون بإنصاف".
وفي نفس القرن، كتب ابن رشد: "إن الناس في كثير من الممالك الإسلامية صنفان: صنف يعرف بالعامة وآخر يعرف بالسادة، وفي هذه الحال يسلب سادتُهم عامتهم، ويُمعن السادة في الاستيلاء على أموال العامة إلى أن يؤدي بهم الأمر أحيانا إلى التسلط، كما يعرض هذا في زماننا هذا وفي مدننا هذه".
بعد أكثر من قرنين، كتب ابن خلدون "ثم إن كل طبقة من طباق (طبقات) أهل العمران من مدينة أو إقليم لها قدرة على من دونها من الطباق، وكل واحد من الطبقة السفلى يستمد بذي الجاه من أهل الطبقة التي فوقه، ويزداد كسبه تصرفا في من تحت يده على قدر ما يستفيد منه.
والجاه على ذلك داخل على الناس في جميع أبواب المعاش؛ ويتسع ويضيق بحسب الطبقة والطور الذي فيه صاحبه: فإن كان متسعا كان الكسب الناشئ عنه كذلك، وإن كان ضيقا قليلا فمثله.
والجاه بهذا المعنى يسري في جسم المجتمع من أعلى إلى أسفل ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل وعلى مستوى الطبقات كذلك".
وقد شخّص ابن خلدون أسباب هذا الوضع، بقوله إن "التنكيد بالملكية الخاصة، يقتل في الناس الإرادة على الكسب الإضافي، وذلك بدفعهم إلى الفزع مـن أن تلاقي جهودهم السلب مصيرا".
كتب ابن خلدون هذه العبارات بسبب استيائه من الأذى الذي تعرضت له الملكية الخاصة، فهو يعتبر أن هذه الملكية تشكل حافزا فرديا للنشاط الاقتصادي وللمجتمع المدني، وأن نزع الملكية أشبه بعملية انتحار ذاتي وجماعي وشكل من أشكال تخريب وخراب اقتصادي.
من وجهة نظر عالم السوسيولوجيا الإيطالي لوتشانو بليكاني، لم يكن سلوك الأسياد المسيحيين محكوما بقانون أخلاقي متفوق على المسلمين، وكل ما في الأمر أنهم حكموا بإنصاف، لأن أوروبا خلال مرحلة الإقطاع، أصبحت بسبب الصراعات الداخلية العنيفة مجتمعا موزعا للحقوق.
ويتابع بليكاني، إن هذا هو السبب الذي سمح لأوروبا الغربية بخلق النمو الاقتصادي ومأسسته وبنشوء مجتمع مدني برجوازي، في حين عجزت الحضارات الشرقية الكبرى عن السير في ركاب النمو.
على مدار التاريخ، كانت الملكية الخاصة حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وكلما كانت الملكية الخاصة مستقرة وغير مهددة، كان المجتمع أكثر استقرارا، في حين يعد غياب مفهوم الملكية الخاصة سببا للتوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية.
وقد كشف فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر أن ارتباط الملكية بظهور الدولة كمنظومة سياسية يعد فكرة محورية.
إن المفهوم المزدوج لسمو القانون وسمو الجماعة في القرون الوسطى، كان يحد بشكل طبيعي تماما من السلطة الملكية، وقد توق هذا التحديد بشكل خاص، بالفكرة التقليدية الآتية من ميثاق أو عقد موجود بين الملك والجماعة، ومعبر ضمنيا عن سمو الجماعة.
ومع تطور النظام الإقطاعي الذي يسيطر عليه الطابع التعاقدي للالتزامات بين السيد الإقطاعي والمزارع التابع له، ازدادت أهمية هذا القسم: فعند كل درجة من درجات التسلسل الإقطاعي، كان القسم بالطاعة يؤدى مقابل إعطاء ضمانة، والوفاء بالوعد حسب ما بين جان جاك شوفالييه.
أشار جون لوك، إلى أن السبب في تكوين الأفراد للمجتمع هو رغبتهم في الحفاظ على الملكية، وهذه نقطة محورية في فلسفته، إذ يعتبر أن حق الملكية هو الحق المؤسس لكافة الحقوق الأخرى، هو حق طبيعي لا يمكن انتزاعه من الفرد.
الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة انطلاقا من هذا الأساس الفلسفي، قدم آدم سميث أفكاره الرئيسية حول النظام الرأسمالي، واعتبر أن ملكية الإنسان لناتج عمله تمثل أصل كل الحقوق الأخرى.
أقرت نصوص الشريعة الإسلامية الملكية الفردية وأكدت عليها على أن تكون منسجمة مع مصلحة الجماعة، لكن التاريخ الإسلامي المتأخر حاد عن هذا المبدأ، وهو ما بينه كل من ابن رشد وابن خلدون.
وباسم هذه المصلحة الجماعية، كتب وائل حلاق في كتابه "الدولة المستحيلة" أن "الملكية البشرية من أي نوع، بما فيها ملكية الأشياء التي لا يمكن المساس بها على الإطلاق، تعتبر مجرد ملكية مجازية وغير حقيقية في نهاية الأمر، وهي، في أفضل الأحوال، مشتقة من الملكية الأصلية ذات السيادة".
وبحسب حلاق، يفسر هذا، تشريع الإسلام الاهتمام بالفقراء على أنه حق لهم في أموال الأغنياء، حيث إن ثروة هؤلاء هي ملك لله.
غير أن هذه الصيغة الإنسانية أخذت منحى آخر، قائم على سلب الملكية الفردية، لأسباب عديدة، منها أن عقل الغنيمة ظل سمة أساسية في العقل السياسي ـ الاقتصادي العربي منذ الفتوحات الأولى، في وقت لم ينشأ مجتمع مدني برجوازي قوي أو طبقة أرستقراطية قوية قادرة على الوقوف في وجه السلطان ووزراءه، كما كان الأمر في أوروبا، حيث شكلت الطبقة الفيودالية في العصور ذاك التوازن والجدار المنيع الذي منع سلطة الملوك من أن تتحول إلى ملكية مطلقة.
يشكل النموذج السوري مع سلطة البعث مثالا حيا لظاهرة انتهاك الملكية الفردية، وعلى الرغم من أن انتهاك الملكية الفردية / الخاصة سمة واضحة خلال الحروب، إلا أن بشاعتها وقسوتها كانت أكثر وضوحا في سوريا.
وقد تنبهت ليلى فيغنال في دراسة لها حملت عنون "الأماكن التي تعرّض أهلها لنزع الملكية خلال الحرب في سوريا"، وترجمها مركز حرمون، أن ضخامة ظاهرة نزع الملكية في سوريا لم يكن نتيجة حتمية للحرب والدمار، إنما كانت نتيجة لعمليات متعددة الأوجه، سببها الاختلاف في استراتيجيات الجهات الفاعلة في زمن الحرب.
اعتمد النظام السوري منذ البدء استراتيجية تدمير الممتلكات الخاصة للمعارضة، لما تعنيه من قتل للكينونة الاجتماعية والاقتصادية للإنسان، ودفعه إلى حافة العدم، عندما يتم تدمير ممتلكاته الخاصة.
كان الهدف الأساسي هو دفع الناس المعارضة إلى الخروج من البلاد وعدم التفكير في العودة إليها، ولم يكن عبثا ما قاله بشار الأسد "فقدنا أفضل شبابنا، لكننا في المقابل اكتسبنا مجتمعا أكثر صحة وتجانسا".
*كاتب وإعلامي سوري
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الملكية العالم ملكية رأي نظريات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملکیة الخاصة ابن خلدون
إقرأ أيضاً:
«الاقتصاد» تُطلق مبادرة ة لحماية الملكية الفكرية في قطاع الرياضة
أبوظبي (الاتحاد)
أطلقت وزارة الاقتصاد مبادرة «IP SPORT»، بالتعاون مع وزارة الرياضة، تحت شعار «في عالم الرياضة نحترم حقوق الملكية الفكرية كما نحترم قواعد اللعبة»، بهدف تحقيق توازن مستدام بين الالتزام بقواعد اللعب النزيه واحترام الحقوق الفكرية، وحماية العلامات التجارية الرياضية في الدولة، مما يسهم في دعم وتحفيز الابتكار والاستثمار في القطاع الرياضي، وخلق بيئة رياضية محفزة على احترام حقوق الملكية الفكرية، وتعزيز الوعي بها لدى العاملين في المنظومة الرياضية في الدولة، بما يتماشى مع المستهدفات الوطنية بتعزيز مكانة الإمارات كوجهة رائدة عالمية للابتكار والإبداع.
جاء ذلك خلال فعالية نظمتها الوزارة، بحضور الجهات الشريكة في هذه المبادرة وعلى رأسها وزارة الرياضة، ومجلس أصحاب العلامات التجارية، وجمعية الإمارات للملكية الفكرية، ومركز الإمارات للعلوم الرياضية والطب الرياضي، ودانوب سبورتس وورلد، والرابطة الدولية لحماية الملكية الفكرية UAE ومجموعة عمل دبي للملكية الفكرية، وذلك بالتزامن مع احتفاء الدولة بشهر الابتكار تحت شعار «الإمارات تبتكر 2025».
وفي هذا السياق، أكد عبدالله أحمد آل صالح، وكيل وزارة الاقتصاد، أن دولة الإمارات رسخت مكانتها الرائدة إقليمياً وعالمياً في تطوير منظومة حماية متكاملة لحقوق الملكية الفكرية، اعتماداً على أفضل الممارسات المتبعة عالمياً، وذلك من خلال تبني تشريعات متقدمة وإطلاق مبادرات مبتكرة تدعم المبدعين والمبتكرين في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الرياضي، الذي يمثل أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي في الدولة، مما يُسهم في ترسيخ مكانتها ضمن الدول الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم، وبما يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031».
وأشار آل صالح إلى أن مبادرة «IP SPORT»، والتي تأتي بالتعاون مع عدد من الجهات المعنية في الدولة، تسهم في تحقيق التكامل بين حقوق الملكية الفكرية والقطاعات الحيوية في الدولة، لا سيما القطاع الرياضي، حيث تعمل المبادرة على توفير بيئة رياضية متوازنة تدعم الابتكار وتحمي حقوق جميع الأطراف في القطاع الرياضي، وتعزز مساهمته في نمو واستدامة الاقتصاد الوطني، كما توفر المبادرة للعاملين في القطاع الرياضي في الدولة الممكنات اللازمة لحماية ابتكاراتهم وأعمالهم الإبداعية من أي انتهاك أو استخدام بشكل غير قانوني.
وقال آل صالح خلال كلمته التي ألقاها في الفعالية: «تواصل وزارة الاقتصاد جهودها لترسيخ مبادئ حماية الملكية الفكرية في مختلف القطاعات في الدولة، وإتاحة كافة الممكنات التنظيمية والتشريعية والتقنية لحماية الأفكار والإبداع في بيئة الأعمال، وتحفيز الأفراد والجهات بالالتزام بقواعد الملكية الفكرية، وكذلك توفير حماية متكاملة لأصحاب الأفكار والمواهب والمبدعين والمبتكرين ورواد الأعمال، من خلال إصدار وتحديث سلسلة من السياسات والتشريعات الاقتصادية، تضمنت قوانين «حماية حقوق الملكية الصناعية» و«العلامات التجارية» و«حقوق المؤلف والحقوق المجاورة»، مما يؤكد استباقية الدولة في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي».
ومن جانبه، أوضح غانم مبارك الهاجري، وكيل وزارة الرياضة، أن إطلاق مبادرة «IP SPORT»، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، يجسد التزام الوزارة بنشر الوعي حول أهمية الملكية الفكرية في القطاع الرياضي، قائلاً: «تعكس هذه المبادرة حرصنا على تعزيز القيم الأساسية التي تتبناها وزارة الرياضة، والمتمثلة في الحوكمة والشراكة والإنجاز للوصول بالرياضة الإماراتية إلى مراحل جديدة من التميز، وذلك عبر الاهتمام بعدد من المسارات، ومنها حماية حقوق الملكية الفكرية، وتشجيع الابتكار وتحفيز الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي».
وأضاف: «إن حماية العلامات التجارية الرياضية وبراءات الاختراع الخاصة بالتقنيات والمعدات الحديثة يساهم بشكل فعال في تطوير البنية التحتية للرياضة الوطنية، ويدعم جهودنا في استقطاب الاستثمارات الخارجية، بما يتماشى مع رؤية الدولة المستقبلية نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وتوفر هذه المبادرة بيئة رياضية آمنة تكفل حقوق المبدعين والمبتكرين وتحمي المحتوى الرياضي من الاستخدام غير القانوني».
وأشار الهاجري إلى أن مبادرة «IP SPORT» تتماشى مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2031، والتي تهدف إلى زيادة مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 0.5% بحلول عام 2031، وذلك من خلال دعم المشاريع المبتكرة، وتحفيز الشراكات الفعالة بين المؤسسات الرياضية وقطاع الأعمال والاستثمار، وضمان الحماية الكاملة للابتكارات الوطنية في مجال الرياضة، بما يعزز مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للابتكار الرياضي.
وتعمل مبادرة «IP SPORT» على دمج تطبيقات حماية حقوق الملكية الفكرية في القطاع الرياضي، من خلال تشجيع أصحاب العلامات التجارية الرياضية على تسجيل علاماتهم، واتخاذ كافة التدابير المتوفرة لحمايتها، باعتبارها مصدراً من مصادر تنمية الصناعة، مثل أسماء الفرق وشعارات الأندية لحمايتها ضد الاستخدام غير القانوني، كما توفر حماية حقوق منتجي المحتوى الرياضي من أفلام وثائقية ومقالات، وضمان عدم بثها إلا بإذن من مالكي حقوق توزيعها ونشرها، كونها أعمال مؤلفة تتمتع بالحماية القانونية، وكذلك توفر المبادرة الحماية اللازمة لكافة الابتكارات وبراءات الاختراع في المجال الرياضي، من معدات وتقنيات حديثة وغيرها.
ووفق أحدث النتائج المعلنة بنهاية عام 2024، والتي تُشير إلى نمو القطاع ومساهمته في نمو الناتج المحلي غير النفطي للدولة، وصل إجمالي عدد العلامات التجارية الوطنية والدولية المسجلة في دولة الإمارات إلى 370 ألفاً و600 علامة تجارية ومنها 1909 علامات مسجلة في القطاع الرياضي، وبلغ عدد براءات الاختراع المسجلة في الدولة 6162 براءة اختراع، فيما وصل عدد المصنفات الفكرية المسجلة في الإمارات إلى 21268 مصنفاً، وبلغ إجمالي النماذج الصناعية المسجلة إلى 9503.