وصدر تقرير السعادة العالمي لعام 2024، وحافظت فنلندا على موقعها كأسعد بلد في العالم، بتربعها على الصدارة للسنة السابعة على التوالي، وفقا للتصنيف السنوي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وحازت الدول الإسكندنافية على مواقع متقدمة، فحلت الدانمارك ثانية، تلتها آيسلندا ثم السويد. بينما نالت فرنسا المركز السابع والعشرين.
ولم يكن مفاجئا أن تكون إسرائيل ضمن العشرة الأوائل، فسكانها الذين عانوا من الاضطهاد والتمييز السلبي والقتل في أوروبا، لا يكادون يصدقون أنهم حازوا وطنا يلم شملهم، ولا عليهم أن ذلك كان على حساب أهل الأرض الأصليين، حالهم في هذا كحال الأمريكان، الذين يسمون بلدهم في إنشادهم الوطني "أرض الشجعان"، وفي الأمر تورية مكشوفة، فقد تمثلت شجاعتهم في إبادة السكان الأصليين، ثم حصر ما نجا منهم من الهلاك في حظائر، كتلك التي سمحت إسرائيل بإقامتها للفلسطينيين في الضفة الغربية حاليا، وتقوم حاليا بشن حرب إبادة على فلسطينيي غزة، لأنها لا تريد لهم ان يعيشوا في كامل "القطاع".
على الصعيد العربي، حلت الكويت في المرتبة الأولى، والثالثة عشرة في الترتيب العام، وجاءت أفغانستان في المركز الأخير بينما حل لبنان في المركز ما قبل الأخير، أما الأردن فقد جاء ترتيبه الـ 125 متقدما على مصر (127)، ولي نظرية أو قل وجهة نظر بشأن حظوظ الدول والشعوب من السعادة، ونعمة الأمن والرفاه، فلحكمة يعلمها الله وحده فالدول التي تنتهي أسماؤها بالألف والنون (ان)، تعاني من ويلات الحروب، أو الفقر، أو عدم الاستقرار السياسي، أو التعرض لمخاطر خارجية أو داخلية، أو كل هذه الأمور مجتمعة: السودان ولبنان وأفغانستان وطاجكستان وأذربيجان والشيشان والدومينيكان وتركمانستان وغرغيستان وأوزبكستان وإيران، وفي أوروبا فإن أتعس البلدان حالا هي اليونان، وتعاني بلاد الطليان والأسبان من هزات سياسية متلاحقة، بعد معاناة طويلة من حكم ديكتاتوري (موسوليني في إيطاليا، وفرانكو في أسبانيا).
وكما يحدث في كل عام منذ 2012، حيث بدأت الأمم المتحدة في إصدار تقرير السعادة العالمي، فإن أنصار نظرية المؤامرة في العالم العربي يزعمون أن التقرير يتحامل على بلدانهم، في حين أن التقرير يقوم على استطلاعات رأي يجيب فيها سكان كل بلد على أسئلة تتعلق بظروف عيشهم، ثم مضاهاة تلك البيانات مع عدد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها إجمالي الناتج المحلي، والخدمات الصحية والحريات العامة والفردية وغياب الفساد، وبعبارة أخرى يقوم التقرير على إفادات مواطني كل بلد، والمعطيات المعلنة والمخفية حول الأوضاع فيها، ولاحظ التقرير أن الشباب دون سن الثلاثين في معظم البلدان، كانوا الأقل إحساسا بالرضا والسعادة، وقد يعزى ذلك الى ان ثورة المعلومات الحالية التي يواكبها جيل الشباب، تجعله على اطلاع على أحوال الناس في كل البلدان، مما يسبب له احباطا، عندما يجد بلده دون البلدان الأخرى رفاها واستقرارا وأمنا.
لبنان في زمننا الراهن هذا هو البلد العربي الوحيد الذي لم تتنازل شريحة من مواطنيه عن مواجهة الغطرسة الإسرائيلية بقوة السلاح، وأفغانستان التي تقع في ذيل القائمة، تنعم حاليا باستقرار أمني لم تعهده منذ تسعينات القرن الماضيوفي كل عام يثار السؤال: ما الذي يجعل شعب فنلندا الأكثر سعادة في العالم؟ في حوار أنقله من موقع شبكة الجزيرة الإعلامية على النت (الجزيرة نت)، تقول الباحثة المتخصصة في موضوع السعادة في جامعة هلسنكي، جنيفر دي باولا، إن القرب من الطبيعة والتوازن الجيد بين العمل والحياة يشكلان مفتاح رضا الفنلنديين. ومعلوم ان فنلندا بها آلاف البحيرات وغابات شاسعة، وبها نظام رعاية اجتماعية سخي، ويثق سكانها بالحكومة، كما أن النظام التعليمي في فنلندا يعتبر الأفضل في العالم بدليل عدم وجود "تسرب طلابي" من مدارس التعليم ما قبل الجامعي.
لا أحسب أن هناك دولة عربية تنعم بسخاء الطبيعة كما السودان: غابات وغطاء نباتي في أرجائه الوسطى والجنوبية، وأنهار النيلين الأبيض والأزرق اللذين يلتحمان عند الخرطوم ليشكلا نهر النيل، ثم أنهار عطبرة والقاش وبركة والرهد والدندر، وأمطار سخية، كلما هطلت كشفت عوار وعِيّ الحكومة لغياب ترتيبات لمنع الفيضانات والسيول من اكتساح المساكن والمزارع، ثم ان السودان من أغنى دول العالم بما فيه من خيرات كامنة وان شئت قل افتراضية: الأراضي البكر والمياه الجارية والذهب والثروة الحيوانية، ومع هذا يعاني جل سكانه من العطش والجوع، لأن الله ابتلاهم بحكومات كليبتوكراسية، والكليبتوكراسي هي اللصوصية المتعلقة بالمال العام، ومن ثم فلا غرابة في أن يحل السودان في المراتب مع بعد ال120 عاما بعد عام في مؤشر السعادة.
ولو تم استطلاع آراء السودانيين حول الأحوال في بلادهم في الشهور الستة الأخيرة، لأزاح السودان لبنان وأفغانستان من ذيل قائمة مؤشر السعادة، فلبنان لا يشهد حربا أهلية كما الحال في السودان الآن، وصحيح أن أجزاء منه تتعرض منذ شهور لغارات إسرائيلية وحشية، ولكن ما هذا إلا لأن لبنان في زمننا الراهن، هذا هو البلد العربي الوحيد الذي لم تتنازل شريحة من مواطنيه عن مواجهة الغطرسة الإسرائيلية بقوة السلاح، وأفغانستان التي تقع في ذيل القائمة، تنعم حاليا باستقرار أمني لم تعهده منذ تسعينات القرن الماضي، وبعض معاناة أهلها ناجمة ـ كما هو الحال مع ايران ـ من أن الولايات المتحدة ما زالت تجمِّد أرصدتها من العملات الصعبة.
والعافية درجات، أي تأتي بالتدريج كما يقول السودانيون عندما تغشاهم نوبة تفاؤل بين الحين والحين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تقرير السعادة العالمي رأي العالم تقرير رأي سعادة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی العالم
إقرأ أيضاً:
كيف يفتح العمل الصالح أبواب السعادة الحقيقية ويمنحك حياة مليئة بالطمأنينة
يبحث الإنسان في حياته عن السعادة، التي يظن أن الحصول على المال والسلطة والمكانة الاجتماعية هو السبيل إليها. ولكن في الحقيقة، السعادة الحقيقية لا تأتي من متاع الدنيا الزائل، بل من العمل الصالح الذي يرضي الله ويُحيي النفس البشرية بالطمأنينة والسكينة.
كيف يفتح العمل الصالح أبواب السعادةفي القرآن الكريم، وعد الله تعالى عباده الصالحين بحياة طيبة في الدنيا وآخرة أفضل، حيث قال سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. وهكذا، فإن الله سبحانه وتعالى يوضح لنا أن العمل الصالح هو الذي يقود الإنسان إلى حياة مليئة بالرضا والسكينة، ويمنحه جزاءه في الدنيا وفي الآخرة.
إن العمل الصالح لا يقتصر على الطاعات والعبادات فحسب، بل يمتد ليشمل جميع الأعمال التي تنبع من نية خالصة لله تعالى، كإحسان التعامل مع الآخرين، وتقديم المساعدة للمحتاجين، والسعي وراء الخير في كل جانب من جوانب الحياة. هذا العمل هو ما يزكي الروح ويطهر القلب، ويحقق السلام الداخلي للإنسان، لأن إيمانه بالله ورضاه عن أفعاله يجلب له شعورًا بالطمأنينة.
وفي هذا السياق، لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أن السعادة الحقيقية تكمن في جمع المال أو امتلاك الممتلكات. فهذه الأشياء مؤقتة، بينما السعادة الحقيقية تتجسد في سلامة النفس وراحة القلب والإيمان بالله، الذي ينعكس بدوره في سلوك الإنسان. ومن هنا، تكمن أهمية القناعة والرضا بما قسمه الله له، فالتقدير الصحيح لما في يده يجلب السعادة الداخلية، ويزيد من رضاه عن حياته.
إن الله تعالى يضمن للإنسان الذي يسير على طريق العمل الصالح أن يحييه حياة طيبة، وهو وعد يتكرر في كتابه العزيز؛ حيث أن الحياة الطيبة لا تعني بالضرورة حياة خالية من التحديات، بل حياة مليئة بالإيمان، حيث تكون القدرة على الصبر والتفاؤل في الأوقات الصعبة هي سر السعادة الحقيقية.
ختامًا، إن العمل الصالح والإيمان بالله هما مفتاحا السعادة في الدنيا والآخرة. ولذلك، يجب على الإنسان أن يسعى دائمًا لتحقيق رضا الله، وأن يتذكر أن السلام الداخلي ينبع من تقوى الله والعمل بما يرضيه، لتكون حياته مليئة بالبركة والطمأنينة.