تجري التجهيزات والخطط لإقامة ميناء "مؤقت" لقطاع غزة على قدم وساق، بهدف معلن وهو تسهيل دخول المساعدات إلى القطاع، في ظل استمرار الانهيار نحو المجاعة، خصوصا في مناطق الشمال، بسبب العراقيل التي تضعها دولة الاحتلال.

وعلى الرغم من أن الهدف المعلن للميناء هو إدخال المساعدات، إلا أن هناك مخاوف مشروعة من تحوله إلى ميناء دائم، يسعى الاحتلال من خلاله إلى: تحسين صورته في ظل التدهور العالمي بهذه الصورة بسبب الجرائم والمجاعة، استكمال المجهود الحربي العدواني لجيش الاحتلال دون تعطيل دخول المساعدات من معبر رفح، التحكم في طريقة توزيع المساعدات من خلال بدائل محلية ودولية تقوض دور الحكومة الفلسطينية في غزة، والأهم من كل هذا استخدام الميناء مستقبلا لتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين كما أعلن نتنياهو بشكل واضح في جلسة خاصة مع لجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست.



اقرأ أيضا: تحليل: ميناء بايدن "للتهجير القسري".. العالم والعرب في خدمة "إسرائيل"

استهداف مصر
إضافة للأهداف المذكورة آنفا، فإن أحد التداعيات المحتملة للميناء المؤقت/ الدائم هي إنهاء الدور المصري في القضية الفلسطينية، من خلال إغلاق البوابة الوحيدة لهذا الدور متمثلة بما منحته الجغرافيا لمصر باعتبارها المنفذ الوحيد لقطاع غزة، في ظل سيطرة الاحتلال على كافة الحدود والمعابر الأخرى للقطاع.

ولا يتعلق الدور المصري هنا بالإشراف المباشر على معبر رفح فقط، ولكن وجود هذا المعبر كمنفذ وحيد من غزة للعالم، أعطى القاهرة نفوذا على الفصائل الفلسطينية في القطاع وعلى رأسها حركة حماس، التي يؤكد قادتها في كل مناسبة أهمية الدور المصري، سواء بالتنسيق لدخول وخروج الأفراد من القطاع، وإدخال البضائع خصوصا منذ عام 2017، والأهم من ذلك دور القاهرة في جولات المفاوضات بين الفصائل ودولة الاحتلال، في كافة الحروب التي شنتها ضد غزة، وفي الحرب العدوانية الأخيرة التي تدور رحاها منذ أكثر من خمسة أشهر.

إن الدور الاستراتيجي المصري بني تاريخيا -على الأقل منذ ثورة يوليو52- على ثلاثة أسس: القوة الديمغرافية والتاريخية والاقتصادية لمصر، النفوذ في إفريقيا، القضية الفلسطينية. وبالتركيز على الأساس الثالث، يذكر أن مصر ظلت تلعب الدور العربي الأكبر في الصراع العربي الإسرائيلي، سواء من خلال الحروب التي خاضتها مع الاحتلال وآخرها حرب 1973، أو عبر المساهمة في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، أو بالتأثير على المنظمات الفلسطينية المقاومة ابتداء من فتح وليس انتهاء بحماس والجهاد الإسلامي.

لقد تراجعت الأسس الثلاثة التي بنيت عليها القيمة الاستراتيجية لمصر، فالعامل الديمغرافي أصبح عبئا على الدولة بسبب فشل سياسات التنمية التي اتبعتها الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر، أما النفوذ الإفريقي فقد بدأ بالتراجع في عهد مبارك حتى انهار تماما في عهد السيسي، الذي لم يفقد فقط نفوذ مصر الإفريقي بل فشل حتى في أهم ملف له علاقة بهذه القارة ويمثل شأنا حيويا لمصر وهو ملف النيل والصراع مع إثيوبيا.

وبسبب هذا التراجع في السياسة الخارجية والداخلية، بقيت القضية الفلسطينية كعنصر واحد ووحيد في القيمة الاستراتيجية لمصر، ولا قيمة للحديث هنا عن العلاقة مع أوروبا لأنها تتلخص في لعب القاهرة دور الشرطي في منع تدفق الهجرة غير القانونية لدول الاتحاد الأوروبي، إذ أن هذا يقزم الدور الاستراتيجي ولا يضيف له.

ولعل من الشواهد الدالة على أن القضية الفلسطينية هي البوابة الرئيسية وربما الوحيدة للنفوذ المصري، هو أن الرئيس الأمريكي بايدن لم يجر أي اتصال مع السيسي إلا عند اندلاع الحرب العدوانية ضد قطاع غزة في أيار/ مايو 2021.

تمتلك مصر فرصة كبيرة للعب دور في القضية الفلسطينية لو أحسنت إدارة موقفها كأكبر دولة عربية وثاني اقتصاد عربي، ولكن هذا الدور تراجع أيضا بسبب السياسات التي اتخذها النظام انطلاقا من عامل واحد، وهو عامل صراعه الداخلي مع جماعة الإخوان المسلمين، وقصر التعامل مع قطاع غزة على أساس أمني. ولهذا أصبح عامل الجغرافيا التي تحكم قطاع غزة هو البوابة الوحيدة للنفوذ المصري في هذه القضية، وهو ما يجعل من الميناء ضربة مباشرة لهذا النفوذ.

وإضافة لذلك، فإن مصر عليها مسؤولية تاريخية تجاه قطاع غزة، لأنه احتل من قبل "إسرائيل" وهو تحت الحكم العسكري المصري.

الموقف المصري
على الرغم من أن مصر لم تعلن رسميا عبر الرئاسة أو وزارة الخارجية عن رفضها لفكرة الميناء، إلا أن محافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة قال قبل أيام إن الميناء غير مجد، وإنه لا "يمكن أن يحل محل معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع". وفي نفس السياق، أكد مصدر مصري مسؤول لصحيفة الشرق الأوسط السعودية " أن "القاهرة كان لديها تحفظات على الميناء؛ لكنها لم تثرها مع الأطراف المعنية؛ لأنها مهمومة في الأساس بإنفاذ أكبر قدر من المساعدات إلى قطاع غزة".

اقرأ أيضا: كيف ترى مصر مقترح الميناء العائم في غزة؟

وأوضح المصدر أن "هناك ستة معابر بين إسرائيل وقطاع غزة، لا بد من إعادة تشغيلها"، مشيراً إلى أن "التحفظ المصري منبعه مخاوف من تكريس الواقع المؤقت والإبقاء على هذه المعابر مغلقة بدلاً من إعادتها للعمل، وتعديل الاتفاقية الخاصة بتشغيلها".

وبحسب وسائل إعلام "إسرائيلية"، فإن مصر تدرك خطورة إقامة الميناء على دورها الاستراتيجي في قطاع غزة، ولكنها لا تريد إظهار موقفها المعارض بشكل رسمي حتى لا تغضب واشنطن وحلفاءها العرب، وخصوصا دولة الإمارات العربية. ولعل لجوء مصر للتعبير عن هذا الموقف إلى مصادر خاصة -كالمصدر الذي تحدث لصحيفة الشرق الأوسط- أو عبر محافظ شمال سيناء بدلا من التعبير عن ذلك من خلال وزارة الخارجية أو الرئاسة، يؤكد التسريبات الإعلامية "الإسرائيلية".

ويذكر في هذا الصدد، أن مشروعا أوروبيا لإقامة ميناء دائم لقطاع غزة، عرض أثناء الحرب العدوانية ضد القطاع عام 2014، حصل على موافقة الفصائل الفلسطينية وتل أبيب، ولكنه توقف بسبب الرفض المصري.

تؤكد هذه المواقف "الخجولة" المعلنة من مصر، أن القاهرة تدرك خطورة إقامة ميناء بحري لقطاع غزة على الدور المصري في القضية الفلسطينية، ولكن شأنا استراتيجيا كهذا لا تكفي معه المواقف الخجولة، ويتطلب موقفا واضحا من القاهرة، ليس فقط برفض الميناء، وإنما عبر قرارات جريئة تمثل حجم مصر وتاريخها:

أولا: رفع الحصار عن غزة عبر فتح معبر رفح بشكل كامل ودائم للأفراد والبضائع والمساعدات.

ثانيا: الرفض العملي والحقيقي لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية، ومقاومة مشاريع التهجير، بدلا من بناء مخيمات في سيناء لاستيعاب المهجرين -إذا اضطرت مصر لاستيعابهم-.

ثالثا: ممارسة ضغط حقيقي عبر قيادة منظومة العمل العربي لوقف الحرب، بدلا من الضغط على الفصائل الفلسطينية في المفاوضات.

رابعا: سحب السفير المصري من تل أبيب وطرد السفير "الإسرائيلي" من القاهرة للضغط على الاحتلال وحلفائه.

خامسا: وضع اتفاقية كامب ديفيد واتفاقيات الغاز مع تل أبيب على الطاولة، والتهديد بإلغائها إذا لم تراع "إسرائيل" المصالح القومية لمصر.

لم تعد غزة وفلسطين فقط مهددة بالعدوان الإسرائيلي الغاشم، بل دور مصر الاستراتيجي وأمنها القومي كذلك، ومثل هذا التهديد يتطلب مواقف قوية واستخدام كل أوراق الضغط، لا الاكتفاء بإعلان مواقف خجولة عبر مصادر مجهولة أو مسؤولين منخفضي المستوى السياسي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الاحتلال المصري القاهرة التهديد مصر القاهرة الاحتلال تهديد ميناء غزة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الدور المصری لقطاع غزة معبر رفح قطاع غزة من خلال

إقرأ أيضاً:

الحرية المصري: حديث الرئيس بأكاديمية الشرطة اتسم بالمكاشفة بشأن التحديات التي تواجه الوطن

أشاد حزب الحرية المصري برئاسة الدكتور ممدوح محمد محمود بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأكاديمية الشرطة، مشيرا إلى أنها تعكس اهتمام القيادة السياسية بتطوير المنظومة الأمنية واختيار أفضل العناصر، فضلا على التركيز على التعليم والتدريب المستمر وتعزيز قدرات رجال الشرطة في مجال الأمن السيبرانى لضمان جاهزيتهم للحفاظ على الأمن والاستقرار الاجتماعي ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في ظل الاضطرابات الإقليمية والعالمية.

وقال الدكتور ممدوح محمد محمود رئيس حزب الحرية المصري، أن حديث الرئيس السيسي تضمن رسائل مهمة لطمأنة المصريين بشأن مستقبل البلاد، مشددا على التزام القيادة السياسية والحكومة بتحقيق الأمن والاستقرار وتحسين مستوى معيشة المواطنين، كما أشار إلى التركيز على تطوير منظومة التعليم والتكنولوجيا والخدمات الصحية لتحقيق التنمية التي تلبى طموحات المواطنين.

وأضاف ممدوح محمود، أن الحوار الذي أجراه الرئيس مع طلاب أكاديمية الشرطة اتسم بالمكاشفة والشفافية حول التحديات التي تواجه الوطن، وأكد على ضرورة التصدي للشائعات والأكاذيب التي يبثها أعداء البلاد على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي مشيرا إلى أن التصدي لحروب الجيل الرابع يتطلب تعزيز الوعي لدى المواطنين بحجم المخططات والمؤامرات التي تستهدف أمن واستقرار الوطن.

وأكد رئيس حزب الحرية المصري، أن الحكومة والمؤسسات الإعلامية والدينية ومنظمات المجتمع المدني يقع على عاتقهم دور مهم في التصدي للشائعات والأكاذيب التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار الوطن.

فيما يتعلق بالاقتصاد، أوضح د.ممدوح محمود أن الرئيس السيسى أكد أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح، وأن الحكومة تعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال خلق بيئة جاذبة للاستثمار وزيادة حجم الصادرات وتوفير فرص عمل جديدة للشباب، فضلا على زيادة الإنفاق لتحسين البنية التحتية والخدمات للمواطنين.

وأكد أن الدولة تبذل جهودا كبيرة لتوطين الصناعة وزيادة مساحة استصلاح الأراضي إلى 4 ملايين فدان، مما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي من المحاصيل الاستراتيجية وتوفير العملة الأجنبية.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يوجه باستمرار العمل على تطوير منظومة الطيران بشكل متكامل

«العاصمة الإدارية فرصة لبناء البلد».. أبرز تصريحات الرئيس السيسي من مقر أكاديمية الشرطة

مقالات مشابهة

  • مصر في عيون أبنائها في الخارج: قمة الثمانية تسلط الضوء على الدور المصري المحوري
  • الحرية المصري: حديث الرئيس بأكاديمية الشرطة اتسم بالمكاشفة بشأن التحديات التي تواجه الوطن
  • جماهير الأهلي تهاجم ثلاثي الفريق: "يا شناوي متعش الدور خد كهربا وغور"
  • «القاهرة الإخبارية» تعرض: عقود من الدعم المصري المتواصل للقضية الفلسطينية (فيديو)
  • عقود من الدعم المصري المتواصل للقضية الفلسطينية.. روابط تاريخية وجغرافية
  • أمل الحناوي: الدور المصري بارز في دعم القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول للعدوان
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: نطالب بإرسال بعثات دولية إلى غزة لمتابعة حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها شعبنا
  • خبير استراتيجي: استضافة اجتماعات الدول الثماني تعكس محورية الدور المصري
  • بوتين عن موقف كييف من عقد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا: تعض اليد التي تطعمها
  • «الحرية المصري»: كلمة الرئيس السيسي في قمة الثماني حددت ثوابت موقف مصر