#سواليف

نشرت مجلة “ #إيكونوميست ” في عددها الأخير افتتاحية حذّرت فيها من وقوع #إسرائيل في #مستنقع #غزة، وقالت إنها تبدو في لحظة تفوقها العسكري عرضةً للخطر العظيم، داعية الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل للبحث عن إستراتيجية جديدة.

وقالت: “هناك طريق ضيق للخروج من #جحيم_غزة؛ وقف مؤقت لإطلاق النار، والإفراج عن #الأسرى الذي قد يؤدي إلى تغيير في الحكومة الإسرائيلية، أما ما تبقى من مقاتلي “ #حماس ” في الجنوب، فيمكن احتواؤهم، أو ربما تلاشوا.

ومن أنقاض غزة يمكن أن تبدأ المحادثات حول الدولة الفلسطينية التي تضمنها أمريكا وحلفاؤها في الخليج. ومن المحتمل أن تفشل المحادثات لوقف إطلاق النار، وهو ما سيترك إسرائيل عالقة في المسار الأكثر قتامة منذ إنشائها قبل 75 عاماً، ويتميز باحتلال لا نهاية له وسياسة متطرّفة وعزلة. ويعيش اليوم الكثير من الإسرائيليين في حالة إنكار بشأن هذا، لكن الحساب السياسي سيأتي في النهاية، ولن يكون السؤال حول مصير الفلسطينيين فقط، لكن فيما إن كانت إسرائيل ستزدهر في الـ 75عاماً المقبلة”.

ظل #نتنياهو يكرر تصريحاته بأنه سيغزو رفح، آخر معاقل “حماس” كما يقول، في وقت يعيش فيه اليمين المتشدد فانتازياته حول العودة إلى غزة والاستيطان فيها

وأضافت المجلة: “لو كنت صديقاً لإسرائيل فهذه لحظة غير مريحة للغاية”، مشيرة إلى أنها شنت، في تشرين الأول/أكتوبر، حرباً مبررة ضد “ #حماس ”. وربما دمرت إسرائيل نصف “حماس” حتى الآن، ولكن “فشلت مهمتها” ومن عدة نواح؛ أولاً، فقد قاد رفضُها المساعدة في وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة لكارثة إنسانية كان يمكن تجنّبها، وتجاوزت حصيلة #القتلى في الحرب أكثر من 20,000 وفي تزايد [تجاوزت 31,000 ]. ورفضت حكومة المتطرفين التي يتزعمها نتنياهو خطط ما بعد الحرب، والتي اقترحت تسليم غزة للسلطة الوطنية، أو إلى قوة دولية.

مقالات ذات صلة الصحة العالمية: نناشد الجميع الضغط من أجل وقف استهداف المستشفيات بغزة 2024/03/22

وعليه، فالنتيجة المحتملة لحربها هي إعادة احتلال القطاع، ولو أضفت الضفة الغربية، فستسيطر إسرائيل على حياة ما بين 4- 5 ملايين فلسطيني.

وفشلت إسرائيل ثانياً في الداخل، حيث أصبحت المشاكل أعمق من قيادة نتنياهو الخطيرة. فقد حرفت حركةُ مستوطنين وجماعاتٌ قومية مفرطة السياسة نحو اليمين، وأدّت لاستقطاب في المجتمع. فقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت هذه معركة حول استقلالية القضاء، إلا أن الحرب زادت من الرهانات، فمع أن اليمين المتطرف استُبعد من حكومة الحرب، إلا أنهم أضرّوا بمصالح إسرائيل القومية من خلال استخدام خطاب ناري وإثارة ودعم عنف المستوطنين الذين يريدون عرقلة المساعدات الإنسانية وإفشال خطط ما بعد الحرب. ولم تعد المؤسسة الأمنية، البراغماتية والمؤهلة، في مقعد القيادة.

أما الملمح الثالث لفشل إسرائيل، فقد كان من خلال الدبلوماسية الخرقاء، وكان الغضب بشأن الحرب متوقعاً، وخاصة في عالم الجنوب، ولكن إسرائيل قامت بمهمة فقيرة لمواجهة الغضب.

فالحرب القانونية، بما في ذلك مزاعم الإبادة الجماعية التي تصفها المجلة بـ “الزائفة” أضرّت بسمعتها. وكذا تراجع تعاطف الجيل الأمريكي الشاب مع إسرائيل، كما فعل آباؤهم. وحاول الرئيس جو بايدن الضغط على نتنياهو وحكومته من خلال تبنّي مواقفهم، لكنه فشل. وفي 14 آذار/مارس هاجم تشاك شومر، أقوى حلفاء إسرائيل في الكونغرس، جرائمَ “حماس”، لكنه وَصَفَ الزعيمَ الإسرائيلي بأنه ضلّ الطريق. وهي حقيقة لم يتم الاعتراف بها في إسرائيل، حيث ظل نتنياهو يكرر تصريحاته بأنه سيغزو رفح، آخر معاقل “حماس” كما يقول، في وقت يعيش فيه اليمين المتشدد فانتازياته حول العودة إلى غزة والاستيطان فيها.

هذا إلى جانب الوهم الذي يعيشه الكثير من الإسرائيليين، حيث يعتقدون أن استخدام الوحشية لإعادة الردع في غزة مبررة، ومن أجل التصدي للتهديدات الحقيقية.

وقد أثبتت غزة أنك لو قتلت إسرائيلياً فإن الدمار سيتبع. ولم يعد الكثيرون يؤمنون بوجود شريك للسلام. فالسلطة الوطنية متعفّنة، فيما تُظهِر الاستطلاعات أن نسبة 93% من الفلسطينيين تنكر ارتكاب “حماس” جرائم في هجومها على إسرائيل.

ويرى الإسرائيليون أن الاحتلال هو أفضل الخيارات السيئة، ويفضّل الإسرائيليون أن تكون لهم شعبية في الخارج، لكن الشجب ومعاداة السامية هو ثمن صغير يدفعونه مقابل الأمن.

وبالنسبة لأمريكا، فقد عبّرت عن غضبها من قبل، ولن تتأثر العلاقات، ولو عاد دونالد ترامب، فربما منح إسرائيل يداً مطلقة.

وَهْم يعيشه الكثير من الإسرائيليين، حيث يعتقدون أن استخدام الوحشية لإعادة الردع في غزة مبررة، ومن أجل التصدي للتهديدات الحقيقية

وتعلّق المجلة بأن هذه القصة المغرية هي طريق للكارثة. فالضرر على سمعة إسرائيل قد يعقد من مهمتها للقتال في غزة، كما أن التهديد بعيد المدى نابعٌ من إيران وجماعاتها الوكيلة، بما فيها “حزب الله”. وردع هذه الجماعات يحتاج إلى شراكة مع أمريكا، وبتعاون الحزبين في الكونغرس، والدعم الخليجي العربي. ويعتمد الاقتصاد على تصدير وخبرات التكنولوجيا بمنافذ على الأسواق العالمية. وبدلاً من توفير الأمن لإسرائيل، فالاحتلال الدائم يسمّم السياسات، ويزيد من جرأة المتطرفين، ويولّد التشدّد الفلسطيني.

وتعتقد المجلة أن مسار إسرائيل الحالي سيزيد السياسات الإثنية- القومية، ما يشكّل تهديدات قانونية على الاقتصاد، ومع زيادة العزلة مع الغرب، ربما ضعف الردع. وربما وضعت شركات على القوائم السوداء، ما يدفع مدراءها لنقل عملياتهم إلى الخارج، أو اعتقالهم لو كانوا من جنود الاحتياط.

وتدعو المجلة الولايات المتحدة للمساعدة في تجنّب هذا المصير، ولو فشلت فستدفع نفسها الثمن الدبلوماسي. وأحسن طريق للخروج، هو وقف مؤقت لإطلاق النار، وفتح مسار لحل الدولتين. وبدون هذا، تحتاج السياسة الأمريكية لإعادة ضبط. وقد فشل تبنّي بايدن نتنياهو بداية الحرب، وكذلك ممارسة الإكراه. ولو حاولت أمريكا إجبار إسرائيل على الخروج من غزة في الوقت الذي تستطيع فيه “حماس” تجميع من نفسها من جديد، أو قيدت الدعم العسكري، وسحبت دعمها في الأمم المتحدة، فسيكون أمن إسرائيل عرضة للخطر. وربما استخدمت أمريكا طرقاً أخرى، مثل زيادة الدعم الإنساني واتخاذ قرار من جانب واحد لرفض توفير الأسلحة لغزو رفح، نظراً لعدم توفر المساعدات للمدنيين. وعليها توسيع قائمة العقوبات ضد المستوطنين المجانين، ومن أجل الإظهار للإسرائيليين أن أمريكا تدعم أمنهم، ولكن ليس المتطرفين أو الاحتلال الدائم. ويجب عليها مواصلة الإشارة بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية كجزء من حل الدولتين. ولكن هناك حدود لما يمكن أن تعمله أمريكا، ولن يتم التخلص من نتنياهو بسهولة، ولكن عندما يأتي الحساب فسيكون باهظاً.

فقد هزت الحرب كل الأوهام، ومنها أنه يمكن تجاهل الفلسطينيين، وأن السلطة لديها رغبة في الإصلاح، وأن معاداة السامية هي أمر نادر، وأن إسرائيل تستطيع إطلاق التصريحات حول حل الدولتين ومواصلة التوسع الاستيطاني في نفس الوقت، وأنه يمكن تدجين اليمين المفرط بالتطرف.

والأخبار الجيدة هي أن تيار الوسط لديه شعبية ما بين 50-60% بين الناخبين، وأن المحكمة العليا لا تزال قوية، وهناك قادة أقوياء، وربما انتظر مستقبل إسرائيل، إلا أن #معركة_غزة بدأت.

وبالمحصلة تعتقد المجلة، في تقرير مطول آخر، أن الحرب لم تنتج بعد خاسرين ورابحين، فمع مرور ستة أشهر عليها، لم تحقق إسرائيل هدفيها: تدمير “حماس” أو #تحرير_الأسرى.

ومن الواضح أن غزو منطقة يعيش فيها 2.2 مليون، وبَنَتْ فيها “حماس” متاهة من الأنفاق للصمود أمام الهجوم، لم يكن سهلاً. وتعلّق بأن النظرة العامة تشي بأن إسرائيل أضعفت من قدرات “حماس”، ولم تخسر الكثير من جنودها، كما لم ينتشر النزاع في المنطقة، ولا في الضفة الغربية، أو بين الفلسطينيين في إسرائيل، وتم تحرير بعض الأسرى، لكن السؤال هل تَحسّنَ المنظور الأمني لإسرائيل؟

تقدم المجلة تفاصيل عن الضرر الذي أحدثته إسرائيل على بنية “حماس” العسكرية وترسانتها، وتزعم أن 13,000 من مقاتليها قتلوا في المعارك، وأنه تم سحق كتائب عدة، مع أن الوكالات الاستخباراتية الأجنبية تقدّم أرقاماً مختلفة.

رغم الغضب العالمي، فإن الدول العربية الست، التي وقّعت اتفاقيات تطبيع، لم تفعل أكثر من استدعاء سفرائها، ورغم الغضب على الحرب لا يزال الإسرائيليون يسافرون إلى دبي، ويومياً

وتزعم المجلة أن إسرائيل استطاعت تحرير نصف الأسرى تقريباً بدون تقديم تنازلات لـ “حماس”. إلى جانب هذا استطاعت التحكم بالجبهة الشمالية مع “حزب الله”. وعلى الجبهة الداخلية، وحّدت الحرب الأحزاب التي كانت متنازعة والرأي العام وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.

ورغم الغضب العالمي، فإن الدول العربية الست، التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، لم تفعل أكثر من استدعاء سفرائها، ورغم الغضب على الحرب لا يزال الإسرائيليون يسافرون إلى دبي، ويومياً.

كل هذا لا يمكن أخذه كنجاح على المدى البعيد، فحصيلة القتلى غير مهمة في حرب غير متناسقة. وقد تعلّمت أمريكا هذا الدرس في فيتنام والعراق وأفغانستان. فـ “حماس” لن تجد فرصة لإعادة التجمّع وسط حطام غزة. وعندما تنتهي الحرب لن يكون القطاع قابلاً للعيش، وسيكون الناس بدون مأوى.

وتظهر دراسةٌ لجامعة سيتي في نيويورك، وجامعة أوريغان، أن نسبة 55% من مباني غزة دُمّرت وتم سحق اقتصادها، حيث ضربت المصانع والأعمال الصغيرة التي محيت ودمرت المحاصيل والماشية. ومزقت الدبابات والغارات الجوية الطرق. وتقدر الأمم المتحدة أن نسبة 76% من مدارس غزة تضرّرت أو دمرت، ونفس الأمر ينسحب على المستشفيات. وأشارت للمخاطر على السكان، فمن جهة سيحاول المتعلّمون الخروج إلى الخارج، وسيتجه من لديهم قدرات متواضعة إلى أوروبا للهجرة، إلا أن غالبية السكان سيظلون في الخيام والمخيمات المكتظة، ولسنوات قادمة، ومعظم هؤلاء من أحفاد اللاجئين. ولو حاولت “حماس” الخروج من أنفاقها واستعادة السيطرة فستفشل، نظراً لخسارتها الحكم، أو تراجع شعبيتها، أو المخاطرة بنزاع جديد مع إسرائيل. وبدلاً من ذلك قد تعود إلى حرب العصابات.

وترى المجلة أن السلطة الوطنية ستجد صعوبة في إدارة غزة، وهي غير القادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها في الضفة الغربية.

ترى المجلة أن السلطة الوطنية ستجد صعوبة في إدارة غزة، وهي غير القادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها في الضفة الغربية

ويكافح الرئيس العجوز محمود عباس لاحتواء دعم “حماس” في مناطقه، حيث كشف استطلاع أن 62% من سكان الضفة يعتقدون أن “حماس” تمثل الشعب الفلسطيني، مقارنة مع 43 في غزة. لكن نسبة 88% تريد منه الاستقالة، وهو بالضرورة غائب عن غزة منذ سيطرة “حماس”، عام 2007.

وتأمل أمريكا والحلفاء العرب إعادة تنشيط الشرطة الفلسطينية في غزة، التي ظلَّ أفرادُها يتلقّون الرواتب بدون عمل. ولكن فعالية من تبقّى منهم بعد 17 عاماً غير مضمونة. وربما لجأت السلطة إلى العشائر لتوفير الأمن، وما سينتج هو أمراء حرب، وهذا لن يجعل إسرائيل آمنة. وتعتقد المجلة أن كل أعمدة الأمن الإسرائيلي: الردع، والتحذير السريع، والنصر الحاسم، انهارت في الحرب الحالية.

ومهما كانت النتيجة، نصراً فارغاً، أو احتواء لـ “حماس”، فالسيناريو الواضح هو أن إسرائيل دخلت في مستنقع غزة والاحتلال الدائم.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف إيكونوميست إسرائيل مستنقع غزة جحيم غزة الأسرى حماس نتنياهو حماس القتلى معركة غزة تحرير الأسرى الضفة الغربیة أن إسرائیل المجلة أن الکثیر من إلا أن من أجل فی غزة

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد

نتنياهو ووالده أعلنا العداء لمناحيم بيجين بزعم أنه تخلى عن سيناء للسادات

جد نتنياهو أوصى: لا تتخلوا عن شبر واحد من القدس.. فهي لكم، ومنها سيأتي البعث!!

نتنياهو كان يرى أن الرئيس مبارك هو «عربي-مصري» أكثر من كونه «مصريًا-عربيًا»

في هذه الحلقة الجديدة من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع لمؤلفه الكاتب الصحفي مصطفى بكري، يستعرض الكاتب أهم وصايا عميد عائلة نتنياهو وجده «ميليكوفسكي» والتي كتبها في عام 1935، وجمع أولاده التسعة وأوصاهم بها ومنها: «لا تتركوا القدس أبدًا، استقروا فيها، تزوجوا فيها، أنجبوا فيها، موتوا فيها، القدس لكم وأنتم لها». وأوصى الجد أيضًا بدحر السكان العرب لتكون القدس خالية فقط على اليهود، وهو ما تعهد به نتنياهو لوالده منذ طفولته.

ويتطرق المؤلف في هذه الحلقة إلى الخلاف الذى جرى بين نتنياهو ووالده مع مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، بسبب ما أسموه بتنازله عن سيناء للرئيس السادات، معتبرين أن ذلك حق أصيل لإسرائيل. ويرصد المؤلف مواقف نتنياهو وعائلته من حكام مصر وتوصيفهم، حيث ظل الاعتقاد والسائد لديهم جميعًا أنهم ليسوا سوى أعداء لإسرائيل وأن إسرائيل يجب أن تتعامل معهم فى حدود مصلحتها القومية والأمنية.

يسترجع بنيامين في كثير من الأحيان وصية جده ميليكوفسكي عميد العائلة والتي كتبها في سنة 1935، حيث جمع أولاده التسعة: بن تسيون، وسعديا، واليشع، ونتنياهو، وعاموس، وميريام، وزفارياى وعزرا، وحوفيف (أي والد وأعمام بنيامين) وبعد أن جمعهم وكان قريبًا من الموت، قال لهم وصيته: “أوصيكم بألا تتركوا القدس أبدًا، استقروا في القدس، تزوجوا في القدس، أنجبوا في القدس، موتوا في القدس، القدس لكم، وأنتم لها، افعلوا ما شئتم ولكن عودوا إلى القدس، وصيتي لكم لا تدعوا يهوديًا لا يعرف قدر القدس إلا وشرحتم له ماذا تكون القدس في الميزان، من القدس سيكون لليهود شأن، وإلى القدس سيكون البعث والخلود، إن كان معكم مال فاشتروا به حفنة رمال أو تراب من القدس لا تدعوا فرصة تفوتكم في شراء المنازل والأراضي، ودحر السكان العرب من هذه الأرض المباركة، اعقدوا رباط الإيمان والمحبة فيما بينكم في القدس، ابنوا بيوتًا جميلة في القدس، شاهدوا العالم وأنتم في القدس، إذا ما حققتم ذلك فإن العالم كله سيأتي إليكم سريعًا مهرولًا، لأن القدس هي القدس، والعالم كله يعرف سر القدس، واليهود آخر من يعلمون سرها العظيم”.

كانت الوصية التى كتبها ميليكوفسكى لأولاده عن القدس تعد من أهم الوصايا التى تركها الحاخام اليهودى. هذه الوصية بالذات تجدها عند كل عم من أعمام نتنياهو ووالده، وهى محفوظة عن ظهر قلب لبنيامين نتنياهو الذى كثيرًا ما يتعهد لنفسه وأمام أهله بأنه سيحافظ على وصية جده بشأن القدس، وهذا يعنى أن بنيامين مهما خادع في قبول أي سلام مع الفلسطينيين حول القدس، فإن القدس ستظل في ذاكرة بنيامين كما رسمتها وصية جده ميليكوفسكي، ويؤمن بنيامين بهذه الوصية إيمانًا عميقًا ويدرك أن القدس يجب أن تظل للأبد في يد إسرائيل، ومجرد الحديث في عائلة نتنياهو عن القدس من حيث إمكانية التفاوض مع العرب بشأنها، يعتبر خيانة كبرى في حق دولة إسرائيل، كما أن وصية جد نتنياهو تركت فيه أثرًا عميقًا من حيث ضرورة تشبثه بالقدس، وكان دائمًا يوعظ أبناءه: إذا رأيتم غريبًا دخل القدس فاقتلوه، فالقدس لليهود وليست للأغراب، حيث يقول: يجب أن يعلم الجميع أن القدس هي أرض الميعاد، وهناك اعتقاد لدى بعض أفراد أسرة نتنياهو أن القيامة ستنبثق من القدس، وأن الذين عاشوا بالقدس سيكونون أوائل من يغفر لهم، ويدخلون الجنة، ويبتعدون عن النار، كما أنهم أول من يحاسبون وسيتجنبون زحام يوم القيامة، أو حرقة الشمس، وغير ذلك من تداعيات يوم القيامة، وأن هذه الفكرة الدينية تتناقلها أسرة نتنياهو ويحاولون غرسها في الصغار، وكان بنيامين أحد الأطفال الذين أعجبتهم هذه الفكرة، وكان من طفولته- مثل أسرته- قد بدأ يروج لهذه الفكرة وسط أصدقائه من اليهود الآخرين.

نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى.. وصايا الجد

وإذا كانت وصية الجد “ميليكوفسكى” بشأن القدس بدأت تضعف شيئًا فشيئًا لدى العديد من أعمامه بسبب تقلبات الحياة، فإن “تسيون” والد نتنياهو، وعمه اليشع هما أكثر الأخوة تمسكًا بهذه الصيغة لأن الآخرين فضلوا الانتقال والسعي وراء لقمة العيش، بل إن والده بن تسيون- وتحت ضغوط الحياة في مرحلة من مراحل حياته أيضًا- ترك القدس ورحل إلى الولايات المتحدة، بل إن بنيامين نتنياهو يعتبر في أوراقه ومذكراته أن الـ17 عامًا التي قضاها في الولايات المتحدة كانت فترة إعداد جيد له، من أجل أن يعود ليستقر في القدس نهائيًا وأن أصعب شيء على نفسه أن يُتوفى خلال الـ17 عامًا التي قضاها بأمريكا، حيث كان يخشى ألا يحصل على المغفرة الواجبة في الآخرة بالنسبة إليه إذا لم يستقر في القدس، أو أن يكون قريبًا منها.

لقد كانت هذه الأفكار الدينية سببًا في بداية الصدام بين والد نتنياهو “تسيون” ومناحم بيجين الذى كان قائدًا للمنظمة العسكرية “إتسل” الذى أصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل، حيث إن بن تسيون وأخاه اليشع وغيرهما من أفراد أسرة بنيامين دخلوا في خلافات ومساجلات ضخمة مع مناحم بيجين حول سياساته وبخاصة تلك التي أدت إلى سياسة السلام مع السادات، خاصة وأن أسرة نتنياهو ونظرًا إلى ازدياد الخلافات مع بيجين كانوا يرون أن السادات استطاع أن يؤثر بشخصيته القوية في تفكير وقرار بيجين، وأن الأخير عندما تنازل عن سيناء، إنما تنازل عن حق أصيل لدولة إسرائيل، وأن أكبر خسارة في تاريخ إسرائيل منذ عام 1948، هو التنازل عن سيناء، وكان أحد أعمام بنيامين نتنياهو المستقرين في أمريكا، والذى قام بالإنفاق على الحملة الانتخابية له، سأله: إذا نجحت وكنت رئيسًا لوزراء إسرائيل هل ستعمل على إعادة سيناء إلى إسرائيل؟ هل ستستطيع تصحيح خطأ بيجين، وتعيد لنا الكرامة التي ضاعت في سيناء؟ وعلى الرغم من أن عم نتنياهو هذا لا يعرف شيئًا في السياسة إلا أنه صهيوني متعصب، كل ما يهمه هو الأرض في سيناء، وشراء أكبر عدد من المنازل العربية لليهود في القدس، ويذكر أن أعمام نتنياهو قرر كل منهم أن يخصص ربع أمواله لشراء المنازل والأراضي العربية بخاصة فى مدينة القدس، وأن هذه الفكرة أقنعهم بها بنيامين، عندما طلب منهم في زيارة إلى الولايات المتحدة بعد نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية أن ينفذوا نصيحة الجد ميليكوفسكى ويعودوا ويستقروا في إسرائيل، إلا أنهم رفضوا دعوة ابن أخيهم وقالوا له: تستطيع أن تعتمد علينا ونحن هنا، سنمدك بالمال والقوة، سيخصص كل واحد منا ربع أمواله لشراء الأرض والمنازل في القدس، والمناطق العربية، سنفعل ما بوسعنا من أجلك ومن أجل إسرائيل، ومن المعروف أن أعمام نتنياهو مليارديرات وهم من الذين اشتهروا بالتحكم في تجارة الصلب على مستوى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، وعنما سأل عم بنيامين هذا السؤال لابن أخيه كان رد بنيامين ولم لا، يمكن أن يحدث ذلك؟ فرد عمه: إذا استرددت سيناء من مصر سأقول إن إبن أخى نجح فى إسرائيل، لأن التخلى عن سيناء ليس أمرًا سهلًا، ولكنه أصعب من الإدراك، وكان أعمام نتنياهو جميعًا من المعمرين حيث إن أعمارهم تتراوح ما بين عقدى السبعينيات والثمانينيات وجميعهم من أهل الخبرة فى التجارة، والمال الوفير، ويعيشون حياة رغدة، وهم قيادات مؤثرة فى جماعات اللوبى الصهيونى الأمريكى، ولهم نفوذهم الواضح داخل الأوساط السياسية الأمريكية، وهم من الناحية الدينية متعصبون، للأيديولوجية الصهيونية، وهم لا ينشغلون بالأحوال السياسية فى العالم، إلا أنهم منشغلون بتحليل الشخصيات التى تقود المنطقة العربية.

ووفق المعلومات فإن أكثر الزعماء العرب كرهًا لأعمام نتنياهو في الماضي هم جمال عبد الناصر والعقيد القذافي والرئيس الأسد، وعندما مات جمال عبد الناصر احتفل أعمام نتنياهو بموته على طريقتهم الخاصة، حيث أعدوا ثلاث ولائم كبرى في ثلاث ليال، ودُعي إلى هذه الولائم السياسيون الأمريكيون وشخصيات من العديد من الدول الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى القيادات اليهودية في جميع أنحاء العالم، كما شارك في هذه الولائم بعض الساسة الإسرائيليين الذين سافروا خصيصًا من إسرائيل إلى أمريكا للمشاركة في ولائم أولاد “ميليكوفسكي” ابتهاجًا بوفاة جمال عبد الناصر، وعلى الرغم أيضًا من أن نتنياهو اليسع- وهو أحد علماء الرياضيات- يشارك إخوته في ذلك، إلا أنه يرى أن عبد الناصر كان يتصرف بعقلية العربي وليس الإسرائيلي، وأن الإسرائيليين يفكرون مثل عبد الناصر في القضاء عليه، أما والد بنيامين نتنياهو، فكان يرى أن السادات أكثر خطورة من عبد الناصر، لأنه يستخدم سلاح المراهنة والقرارات الفجائية، وأنه إذا كان عبد الناصر عقلًا مفتوحًا للإسرائيليين فإن السادات عقل مغلق، لا أحد يستطيع أن يعرف الخطوة التالية التي يمكن أن يضع فيها قدمه، كان بنيامين يؤمن بأفكار والده في هذا الشأن، أما حسنى مبارك فقد اختلف تقويم عائلة ميليكوفسكي له، فهم وإن كانوا متفقين على أنه شخصية عسكرية إلا أنه لم يخبر السياسة طويلًا، وتوقعوا في أوائل الثمانينيات عندما جاء للحكم أنه سيعسكر المجتمع المصري، وأن الأهمية القصوى له ستكون القوات المسلحة وأنه كان في اعتقادهم أن إسرائيل ستخوض حربًا عسكرية في عهد مبارك، وكان من وجهة نظرهم ضرورة مباغتة مصر عسكريًا، واسترداد سيناء حتى يمكن الحفاظ على الأرض في ظل عسكرة المجتمع المصري والتي سيسعى إليها، إلا أن آخرين كانوا يرون أن مبارك سيحافظ على حدود دنيا للسلام تمكنه من عدم مباغتة إسرائيل، وهكذا هذا الوضع ثابتًا في تفكير عائلة ميليكوفسكي، إلا أن أكثر فترات القلق التي عايشها بنيامين مع تفكير والده وبقية أسرته كانت تلك التي أعلن فيها عن تشكيل مجلس التعاون العربي بين مصر والعراق والأردن واليمن، حيث كانوا يرون أن هذا التحالف لابد أن يفضى إلى عمل عسكري عربي ضد إسرائيل، وقد بذل أعمام بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة جهودًا كبيرة إبان تلك الفترة لتعبئة الرأي الأمريكي ضد مصر وسعوا إلى إقناع الساسة الأمريكيين بأن العرب يعدون لحرب شاملة ضد إسرائيل، وأن توقيت هذه الحرب مرتبط بالنجاح في إزالة الخلاف السوري والعراقي، وأن مصر هي التي تقود ذلك المحور إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في تقييم مبارك، هل هو شخصية تريد السلام مع إسرائيل؟ أم أن هناك تفكيرًا آخر غير السلام؟

بنيامين نتنياهو كان يرى أن مبارك هو عربي مصري أكثر من كونه مصريًا عربيًا، وأن التعامل مع مبارك يجب أن يكون في إطار قلب المعادلة وإقناعه بأنه مصري قبل أن يكون عربيًا، وبن تسيون يرى أن هناك دورة للحكم في مصر، حيث إن عبد الناصر كان عربيًا مصريًا، والسادات كان مصريًا عربيًا، ومبارك عربيًا مصريًا، ومعنى هذه المعادلة باختصار أن العربي- المصري يولى أهمية أكثر للمصالح العربية عن المصالح المصرية، والعكس صحيح، وبنيامين نتنياهو وجميع الإسرائيليين يفضلون التعامل مع نموذج المصري العربي، ولكن هناك اتفاقًا بين عائلة ميليكوفسكي على أنه أيًا كان النموذج الذى يحكم مصر، فإنهم جميعًا أعداء لإسرائيل، وأن إسرائيل يجب أن تتعامل معهم في حدود مصلحتها القومية والأمنية، وبنيامين يعد من أكثر شخصيات عائلة ميليكوفسكي مرونة وتطورًا في تفكيره، إلا أن تفكيره لا يخل بالمفاهيم الأساسية لعائلة ميليكوفسكي، أما بالنسبة إلى إليشع عم نتنياهو الذى يقدره بنيامين كثيرًا فيرى أن قوة إسرائيل في قوتها العلمية والتكنولوجية، وأنه إذا كان هناك استعداد للحرب فإن هذا الاستعداد يجب أن ينبع من القوة العلمية والتكنولوجية، ومن المعروف عن إليشع أنه عالم في الرياضيات ويعتز بتعليمه في القدس، وفى التخنيون وهو أرقى معهد علمي في إسرائيل، وإليشع أيضًا متعصب للصهيونية بقدر تحمسه لقوة واستمرار دولة إسرائيل، وكانت له أفكاره التي غرسها بنيامين قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، أهمها ضرورة أن تعتمد إسرائيل على قوة دولية كبرى تكون دائمًا عونًا لها، وأن التحالف الإستراتيجى مع القوى الكبرى هو الذى سيمكن إسرائيل من الانتصار على العرب كلما قويت شوكتهم، وبن تسيون يعتقد أيضًا بأفكار أخيه بالإضافة إلى بقية عائلة ميليكوفسكى، ولذلك لم يتورع إليشع عن أن يحارب في صفوف البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بهدف إقناع البريطانيين بعد ذلك بأن اليهود الذين حاربوا في صفوفها يستحقون أن تكون لهم دولتهم، وأن يكون البريطانيون على وعى بأهمية تنفيذ وعد بلفور في عام 1917، واستطاع اليشع أن يثبت جدارته في هذه الحرب، حيث إنه وضع عدة خطط للقصف الجوي البريطاني، كان محل تقدير من القادة العسكريين البريطانيين حتى أنهم عرضوا على اليشع- الذى يتميز بذكائه الحاد- أن يحصل على الجنسية البريطانية وأن يستمر في تقلد المناصب العسكرية البريطانية، إلا أن إليشع رفض هذا العرض البريطاني وألح في أن تجند بريطانيا كل قوتها من أجل تمكين إسرائيل من إنشاء دولتها.

وبالتأكد فإن مجهود اليشع أو مجهود عائلة ميليكوفسكي لم يكن مجهودًا فاصلًا، حيث إن هناك العديد من آباء الصهيونية ومؤسسي دولة إسرائيل كانت لهم مجهوداتهم البارزة في هذا الشأن، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأن عائلة ميليكوفسكي كان لها دور كبير، ومن المعروف أنه عندما دارت رحى حرب عام 1948، أسهمت إسهامًا كبيرًا، حيث إنهم اشتركوا في هذه الحرب اشتراكًا مباشرًا، كما أن القيادة العسكرية الإسرائيلية قررت الاستفادة من اليشع نتنياهو عالم الرياضيات والاستفادة من خبراته مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، فأسندوا له إعداد الخطط العسكرية ذات الأهمية الخاصة، وهذه الخطط كانت بحاجة إلى تفصيلها على خرائط عسكرية حتى تكون جاهزة للتنفيذ.

ويفتخر بنيامين نتنياهو دومًا بأن عمه هو الذى وضع الخرائط العسكرية لحرب عام 1948، وأنه لولا هذه الخرائط ما تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على جنوب فلسطين، وضرب القوى العسكرية العربية في منطقة النقب، وبنيامين نتنياهو مما لا يعرفه الكثير عنه، أنه يلجأ في أوقات الفراغ إلى رسم الخطط العسكرية بخرائطها مسترشدًا في ذلك بخطط عمه اليشع نتنياهو، وبالتأكيد فإن هذه الخطط والخرائط تكون موجهة لكل دولة عربية على حدة، لذلك فإن البعض من الخبراء الإسرائيليين ووثيقي الصلة ببنيامين نتنياهو يقولون إنه لا توجد دولة عربية، إلا وكانت لها خطة عسكرية جاهزة في تفكير بنيامين.

اقرأ أيضاًشهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: قبل الانفجار الشعبي بقليل

«مصطفى بكري»: الانتصار والتنمية على أرض سيناء إهداء لأرواح الشهداء

3 مليارات جنيه.. مصطفى بكري يكشف دور وزير التعليم لمواجهة مافيا الكتب الخارجية

مقالات مشابهة

  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد
  • جهاد حرب: الإدارة الأمريكية ليست جادة في الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب
  • وفد حماس يصل إلى القاهرة لبحث مقترح صفقة شاملة مع إسرائيل
  • فورين بوليسي: أمريكا ستفتقد بشدة زمن الوصاية والنفوذ على أوروبا
  • باراك: نتنياهو يقود “إسرائيل” نحو الهاوية.. وحربنا في غزة عبثية 
  • دعوة إسرائيلية لفتح تحقيق جنائي ضد نتنياهو وإلا فالهجرة الجماعية هي الحل
  • محلل إسرائيلي: حماس تخوض حرب عصابات والجيش يغرق في مستنقع
  • كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
  • جيش الاحتلال يزعم نجاح حركة حماس بإدخال أموال إلى غزة
  • جيش الاحتلال يقدر نجاح حماس بإدخال أموال إلى غزة