إنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية .

كانت امرأة فائقة الحسن والجمال، شاعرة، أديبة وخطيبة مفوهة.

أوتيت من الجمال شطرا كبيرا، فكان جمالها ملفتاً للأنظار،إذا حضرت بين الناس يشار إليها بالبنان،واذا غابت لم تفتقد .

وكم اشرأبت أعناق الرجال للتقدم إليها وخطبتها ومن ثم الزواج بها، ولكنها رغم ما أوتيت من جمال كبير ومكانة بين قومها كانت طموحة فلم ترض بالدون من الناس!

تسابق الرجال طالبين قربها.

ولكن عاتك كانت واثقة في نفسها وبما حباها الله من مقومات الشخصية الفريدة التي تجعلها في الصدارة وفي مقدمة الركب .

وهذه الزاوية الفكرية ترد وتفند وتدحض مزاعم  القائلين بأن المرأة في بداية عهد الإسلام كانت مضطهده وكانت مرغمة ومجبرة على الزواج ممن لا تحب ولا ترضى!

بل عرف الاسلام للمرأة حقوقها وبسط لها امتدادا لرأيها،وجعل لها الإرادة المستقلة طالما لم تخالف شرعاً ولا عرفا.

فمن حقها أن تحلم ومن حقها أن تختار شريك حياتها وفارس أحلامها ومن حقها أن تنغمس في مجتمعها عملا وريادة،مشاركة وتطلعا.

ولم يك جمال المرأة في الإسلام شماعة لحبسها عن المجتمع بذريعة الفتنة بل عرفنا كيف أن المجتمع حينذاك وقف على حدوده متمسكاً بفلسفته السلوكية من خلال وازعه الديني والعرفي والاخلاقي .

وكيف أن المرأة كانت أديبة وشاعرة وطبيبة وخطيبة للنساء ومفتية لهن فلم تك محصوره أو حبيسة جدران منزلها  .

بل عرفت المرأة في عصر النبوة وما تلاه برجاحة عقلها وقدرتها على الانغماس المجتمعي وتأثيرها بالايجاب  .

بل نقرر حقيقة هامة وهى أن المرأة عبر تاريخ البشرية الكبير والحافل بالعطاء كانت ولا تزال رمزاً للعطاء والمشاركة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلم تك بمعزل عن قضايا أمتها ورفعة أوطانها  .

وبتصفح بطون الكتب نرى كيف أن عاتكة قد انتهت لبيت عريق هو من أشراف قريش في العزة والكرامة والمكانة فأبيها هو الباحث عن الحقيقة والفار بفطرته السوية"زيد بن عمرو بن نفيل" الذي لم يشارك قريش في عبادتها للأوثان،ولم يسجد لصنم من الأصنام،بل اختار الفطرة السليمة طريقاً ومسلكا فظل على عقيدته الصافية لم تغيرها الدواخل والخوارج إلى أن مات قبل بعثة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام وبشر النبي بمقعده في الجنة وشقيقها هو الصحابي الجليل سعيد بن عمرو بن نفيل زوج السيدة فاطمة أخت سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع .

تدور الأيام دورتها ويتقدم عبدالله بن أبي بكر الصديق لخطبة عاتكة فتعلن موافقتها ويعقد قرانها ويدخل بها ،ويعيش الزوجان في حياة سعيدة هانئة إلى أن يحدث مالم يحمد عقباه فينشغل عبدالله بمساهرة عاتكة وحلو حديثها مما حبسه في يوم من الأيام عن صلاة الجمعة!

فيعلم الصديق أبو بكر بذلك فيغضب ويأمر عبدالله أن يطلق عاتكة خوفاً عليه من الركون لجمالها افتتانا مشغولاً عن فرائض الشرع الحنيف .

وقد يتبادر إلى الذهن السؤال كيف للأب أن يجبر الإبن على طلاق زوجته وهل يحق له ذلك؟
وللإجابة عن ذلك نقرر: إنها المدرسة المحمدية الجامعه التي تطرح الحلول الموضوعية والمنطقية والمبادرات من أجل الدواء الناجع وقد يكون في الفطام شيئاً قليلاً ما يصلح النفس إصلاحا كبيرا .

وبالفعل طلق عبدالله عاتكة محاولا نسيانها ولكن كل محاولاته باءت بالفشل وفي ليلة ظلماء إذا بالصديق يستمع إلى ابنه يرتجل أبياتا من الشعر شاكيا مر الفراق والقطيعة قائلاً:
أَعَاتِـكُ لَا أَنْسَاكِ مَـا ذَرَّ شَارِقٌ           
وَمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ
أَعَاتِـكُ قَلْبِي كُــلَّ يَــوْمٍ ولَـيْــلَةٍ            
إِلَيكِ بِمَــا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّــقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ            
وَخَـلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَــوْمَ مِثْلَهَا          
وَلَا مِثْلُهَــا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلّـَقُ
يرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه لابنه العاشق فيأمره بمراجعة زوجته فيفرح الإبن لذلك أيما فرح ويعود الحبيبان إلى منزل الزوجية في حياة سعيدة وهكذا عاشا يقتسمان الحب والطاعة إلى أن أصيب عبدالله في الطائف بجرح غائر في كتفه جراء طعنة غادرة وظل في محنته ومرضه إلى أن مات بسببه وقبيل موته يوصي عاتكة بعدم الزواج بعده كي تكون زوجة له في الجنة ويمنحها جراء ذلك بستانا واسعا ومثمرا  .

ترملت عاتكة ودارت بها الايام وهي ذات جمال كبير  وكان مجتمع الصحابة لا يتركون أرملة دون التقدم إليها حرصاً على صونها وعفتها لا مثلما نشاهده في عصرنا الحاضر من أعراف قد تخالف الشرع وخوفاً من نظرة المجتمع التي طالما دفع الأبرياء ثمنها.

فارتفعت نسب المطلقات والأرامل ارتفاعاً مخيفاً الأمر الذي كان ولا يزال باب شر يحرك الرزائل ويذهب بالبعض إلى السير نحو المجهول ومن ثم الهاوية !

يتقدم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عاتكه فترفض متعللة بوعدها مع زوجها الراحل وأنها قد حصلت منه على بستان تنفيذ لذلك العهد !

فيعرض عليها الفاروق الاحتكام إلى مفتي الصحابة"أبا الحسن الإمام علي كرم الله وجهه" ليقرر بأن هذا الوعد يخالف شرع وهو العفة والتحصين ويفتي أن ترد الحديقة على آل عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إن أرادت زواجا  .
فتشترط على عمر:_
١_ عدم ضربها ٢_عدم الغيرة الزائدة عليها ٣حسن معاشرتها ..فيفعل ويفي بذلك وظل معها إلى أن قتل شهيدا فترملت عاتكة للمرة الثانية!

فتعزف عن الزواج لازمة بيتها إلى أن يتقدم للزواج منها الزبير بن العوام وكان رجلا مهيبا ذا بسطة في العلم والدين والمال إلى مات هو الآخر فكان المنعطف الأخطر في حياة عاتك!
قيل: أن الإمام علي تقدم هو الآخر للزواج منها فرفضت متعللة بأنها تخشى عليه من الموت قتيلا حيث أنه قد أشيع في الآفاق من أراد أن يموت قتيلاً فليتزوج عاتكة!
وإذا كنت لم أقف على صحة هذه الرواية إلا أنني أتوقف ناحيتها من عدة وجوه:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر الإمام علي بالشهادة في سبيل الله بل وقد حدد له قاتله وهو عبدالرحمن بن ملجم!

الثاني:كيف لمثل الإمام علي أن يحجم عن الزواج بامرأة خوفا من الموت؟

الثالث:وهل تستطيع عاتكة أن ترد نسب الإمام علي وهو ولي المؤمنين وباب مدينة العلم النبوية وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ؟

الرابع: إن مكانة الإمام علي في الاسلام و الفتوحات وصدارته بين الصحابة تجعل من نسبه ومصاهرته شرف لا يدانيه شرف .

الخامس: إن نظرة التشاؤم لم تعرفها مدرسة الصحابة وهم من تربوا وتخرجوا من الجامعة المحمدية.

وقد ورد أيضاً أنها تزوجت من الإمام الحسين  شهيد كربلاء .
وهذا القول أيضا محل توقف حيث أن السيدة  عاتكة رضي الله عنها ماتت سنة ٤٠ من الهجرة النبوية وأن الإمام الحسين عليه السلام لم يمت عنها شهيداً بل استشهد بعد وفاتها ب ٢١ سنة فوافق استشهاده سنة ٦١ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام  .

وعلى كل، ماتت السيدة عاتكة وظلت حكايتها وجمالها باقيين عنواناً مضيئا في تاريخ الدنيا بأسرها ورغم خيوط الأقدار العجيبة حول حياتها ورغم حياتها المتقلبة بالأفراح والأتراح 
إلا أنها لم تيأس وظلت تواجه الحياه واثقة في جمالها وعفتها وهي في أتم التسليم للخالق جل في علاه ورغم وفاة ازواجها عنها واحداً تلو آخر إلا أننا رأينا الاقدام من فطاحل الصحابة للارتباط بها من غير نظرة مجتمعية دونية ومن غير التفات إلى أقوال الآخرين..وما أحوج مجتمعاتنا لذلك في مثل هذه الأيام العصيبة لتعديل بوصلتنا الفكرية والاختيارية التي افتقدناها ضربا لموروثات مغلوطة لم تك من الدين ومن العرف الأخلاقي في شئ !

متى نفيق ونعود إلى الاحتكام لصوت العقل والمنطق والرأي السديد مواجهة للقضاء على ظاهرة الترمل والطلاق عوناً وعفة من الأبواب المشروعة درئا للانحراف والسير في براثن الشيطان؟

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رضی الله عن الإمام علی إلى أن

إقرأ أيضاً:

كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْه» فما كيفية هذا الإحسان؟ وهل يجب الالتزام بالوارد فقط ؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن الشرع أمر بإحسان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا ومرفوعًا: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْه» رواه ابن ماجه في "السنن"، وعبد بن حميد وأبو يعلى في "المسند"، وابن أبي خيثمة في "التاريخ"، وغيرهم، وحسّنه جمعٌ من الحفّاظ؛ كالمنذري، وابن حجر، وصححه الحافظ مغلطاي.

وإحسان الصلاة: يحصل بكل ما يؤكد مقاصدها، ويبلغ مرادها، ويفصح عن الشرف النبوي، ويبين مظاهر الكمال المحمدي؛ اعتناءً واقتداءً، وتمجيدًا وثناءً. وفي ذلك إذنٌ بالصلاة عليه بكل ما يمكن ذكره به من صيغ حسان، وأوصافٍ ومعان، وإذنٌ باستحداث ما يُسْتَطَاعُ من الصيغِ الفصيحة المعبرة عن ذلك؛ على وسع ما تصل إليه بلاغة المرء في التعبير اللائق عن خير الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم من غير تقيد بالوارد؛ كما قرره المحققون ودرج عليه العلماء والصالحون سلفًا وخلفًا من غير نكير؛ حتى فعل ذلك الصحابة والتابعون، وتتابع عليه العلماء والأولياء والعارفون عبر العصور والقرون، وتفنَّن علماء الأمة وأولياؤها وعارفوها في صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نثرًا ونظمًا بما لم تبلغه أمة من الأمم في حق نبي من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.

قال الحافظ جمال الدين بن مُسْدِي [ت: 663هـ] -فيما نقله عنه الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص: 146، ط. الريان)-: [ وذهب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم: إلى أن هذا الباب لا يوقف فيه مع المنصوص، وأن مَنْ رزقه الله بيانًا فأبان عن المعاني بالألفاظ الفصيحة المباني، الصريحة المعاني، مما يُعرِب عن كمال شرفه صلى الله عليه وآله وسلم وعظيم حرمته، كان ذلك واسعًا، واحتجّوا بقول ابن مسعود رضي الله عنه: "أحسنوا الصلاة على نبيكم؛ فإنكم لا تدرون لعل ذلك يُعرَض عليه"] اهـ.

مقالات مشابهة

  • عبد الله بوصوف يكتب..النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام
  • أبرز المعلومات عن المخرج عمر زهران بعد القبض عليه بتهمة سرقة زوجة خالد يوسف
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: الشهادتان
  • أحمد الشناوي يكشف صحة ركلتي جزاء الأهلي أمام الاتحاد السكندري
  • علاء عرموش ابو عبدالله في ذمة الله
  • حسين خوجلي يكتب: معزوفة درويش كئيب على أطلال الجزيرة
  • د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!
  • ما يجب فعله على الخياط بالملابس إذا تركها أصحابها عنده مدة طويلة
  • د.حماد عبدالله يكتب: الجامعات والبيئة !!
  • كيفية إحسان الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام