إنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية .

كانت امرأة فائقة الحسن والجمال، شاعرة، أديبة وخطيبة مفوهة.

أوتيت من الجمال شطرا كبيرا، فكان جمالها ملفتاً للأنظار،إذا حضرت بين الناس يشار إليها بالبنان،واذا غابت لم تفتقد .

وكم اشرأبت أعناق الرجال للتقدم إليها وخطبتها ومن ثم الزواج بها، ولكنها رغم ما أوتيت من جمال كبير ومكانة بين قومها كانت طموحة فلم ترض بالدون من الناس!

تسابق الرجال طالبين قربها.

ولكن عاتك كانت واثقة في نفسها وبما حباها الله من مقومات الشخصية الفريدة التي تجعلها في الصدارة وفي مقدمة الركب .

وهذه الزاوية الفكرية ترد وتفند وتدحض مزاعم  القائلين بأن المرأة في بداية عهد الإسلام كانت مضطهده وكانت مرغمة ومجبرة على الزواج ممن لا تحب ولا ترضى!

بل عرف الاسلام للمرأة حقوقها وبسط لها امتدادا لرأيها،وجعل لها الإرادة المستقلة طالما لم تخالف شرعاً ولا عرفا.

فمن حقها أن تحلم ومن حقها أن تختار شريك حياتها وفارس أحلامها ومن حقها أن تنغمس في مجتمعها عملا وريادة،مشاركة وتطلعا.

ولم يك جمال المرأة في الإسلام شماعة لحبسها عن المجتمع بذريعة الفتنة بل عرفنا كيف أن المجتمع حينذاك وقف على حدوده متمسكاً بفلسفته السلوكية من خلال وازعه الديني والعرفي والاخلاقي .

وكيف أن المرأة كانت أديبة وشاعرة وطبيبة وخطيبة للنساء ومفتية لهن فلم تك محصوره أو حبيسة جدران منزلها  .

بل عرفت المرأة في عصر النبوة وما تلاه برجاحة عقلها وقدرتها على الانغماس المجتمعي وتأثيرها بالايجاب  .

بل نقرر حقيقة هامة وهى أن المرأة عبر تاريخ البشرية الكبير والحافل بالعطاء كانت ولا تزال رمزاً للعطاء والمشاركة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلم تك بمعزل عن قضايا أمتها ورفعة أوطانها  .

وبتصفح بطون الكتب نرى كيف أن عاتكة قد انتهت لبيت عريق هو من أشراف قريش في العزة والكرامة والمكانة فأبيها هو الباحث عن الحقيقة والفار بفطرته السوية"زيد بن عمرو بن نفيل" الذي لم يشارك قريش في عبادتها للأوثان،ولم يسجد لصنم من الأصنام،بل اختار الفطرة السليمة طريقاً ومسلكا فظل على عقيدته الصافية لم تغيرها الدواخل والخوارج إلى أن مات قبل بعثة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام وبشر النبي بمقعده في الجنة وشقيقها هو الصحابي الجليل سعيد بن عمرو بن نفيل زوج السيدة فاطمة أخت سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع .

تدور الأيام دورتها ويتقدم عبدالله بن أبي بكر الصديق لخطبة عاتكة فتعلن موافقتها ويعقد قرانها ويدخل بها ،ويعيش الزوجان في حياة سعيدة هانئة إلى أن يحدث مالم يحمد عقباه فينشغل عبدالله بمساهرة عاتكة وحلو حديثها مما حبسه في يوم من الأيام عن صلاة الجمعة!

فيعلم الصديق أبو بكر بذلك فيغضب ويأمر عبدالله أن يطلق عاتكة خوفاً عليه من الركون لجمالها افتتانا مشغولاً عن فرائض الشرع الحنيف .

وقد يتبادر إلى الذهن السؤال كيف للأب أن يجبر الإبن على طلاق زوجته وهل يحق له ذلك؟
وللإجابة عن ذلك نقرر: إنها المدرسة المحمدية الجامعه التي تطرح الحلول الموضوعية والمنطقية والمبادرات من أجل الدواء الناجع وقد يكون في الفطام شيئاً قليلاً ما يصلح النفس إصلاحا كبيرا .

وبالفعل طلق عبدالله عاتكة محاولا نسيانها ولكن كل محاولاته باءت بالفشل وفي ليلة ظلماء إذا بالصديق يستمع إلى ابنه يرتجل أبياتا من الشعر شاكيا مر الفراق والقطيعة قائلاً:
أَعَاتِـكُ لَا أَنْسَاكِ مَـا ذَرَّ شَارِقٌ           
وَمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ
أَعَاتِـكُ قَلْبِي كُــلَّ يَــوْمٍ ولَـيْــلَةٍ            
إِلَيكِ بِمَــا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّــقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ            
وَخَـلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَــوْمَ مِثْلَهَا          
وَلَا مِثْلُهَــا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلّـَقُ
يرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه لابنه العاشق فيأمره بمراجعة زوجته فيفرح الإبن لذلك أيما فرح ويعود الحبيبان إلى منزل الزوجية في حياة سعيدة وهكذا عاشا يقتسمان الحب والطاعة إلى أن أصيب عبدالله في الطائف بجرح غائر في كتفه جراء طعنة غادرة وظل في محنته ومرضه إلى أن مات بسببه وقبيل موته يوصي عاتكة بعدم الزواج بعده كي تكون زوجة له في الجنة ويمنحها جراء ذلك بستانا واسعا ومثمرا  .

ترملت عاتكة ودارت بها الايام وهي ذات جمال كبير  وكان مجتمع الصحابة لا يتركون أرملة دون التقدم إليها حرصاً على صونها وعفتها لا مثلما نشاهده في عصرنا الحاضر من أعراف قد تخالف الشرع وخوفاً من نظرة المجتمع التي طالما دفع الأبرياء ثمنها.

فارتفعت نسب المطلقات والأرامل ارتفاعاً مخيفاً الأمر الذي كان ولا يزال باب شر يحرك الرزائل ويذهب بالبعض إلى السير نحو المجهول ومن ثم الهاوية !

يتقدم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عاتكه فترفض متعللة بوعدها مع زوجها الراحل وأنها قد حصلت منه على بستان تنفيذ لذلك العهد !

فيعرض عليها الفاروق الاحتكام إلى مفتي الصحابة"أبا الحسن الإمام علي كرم الله وجهه" ليقرر بأن هذا الوعد يخالف شرع وهو العفة والتحصين ويفتي أن ترد الحديقة على آل عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إن أرادت زواجا  .
فتشترط على عمر:_
١_ عدم ضربها ٢_عدم الغيرة الزائدة عليها ٣حسن معاشرتها ..فيفعل ويفي بذلك وظل معها إلى أن قتل شهيدا فترملت عاتكة للمرة الثانية!

فتعزف عن الزواج لازمة بيتها إلى أن يتقدم للزواج منها الزبير بن العوام وكان رجلا مهيبا ذا بسطة في العلم والدين والمال إلى مات هو الآخر فكان المنعطف الأخطر في حياة عاتك!
قيل: أن الإمام علي تقدم هو الآخر للزواج منها فرفضت متعللة بأنها تخشى عليه من الموت قتيلا حيث أنه قد أشيع في الآفاق من أراد أن يموت قتيلاً فليتزوج عاتكة!
وإذا كنت لم أقف على صحة هذه الرواية إلا أنني أتوقف ناحيتها من عدة وجوه:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر الإمام علي بالشهادة في سبيل الله بل وقد حدد له قاتله وهو عبدالرحمن بن ملجم!

الثاني:كيف لمثل الإمام علي أن يحجم عن الزواج بامرأة خوفا من الموت؟

الثالث:وهل تستطيع عاتكة أن ترد نسب الإمام علي وهو ولي المؤمنين وباب مدينة العلم النبوية وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ؟

الرابع: إن مكانة الإمام علي في الاسلام و الفتوحات وصدارته بين الصحابة تجعل من نسبه ومصاهرته شرف لا يدانيه شرف .

الخامس: إن نظرة التشاؤم لم تعرفها مدرسة الصحابة وهم من تربوا وتخرجوا من الجامعة المحمدية.

وقد ورد أيضاً أنها تزوجت من الإمام الحسين  شهيد كربلاء .
وهذا القول أيضا محل توقف حيث أن السيدة  عاتكة رضي الله عنها ماتت سنة ٤٠ من الهجرة النبوية وأن الإمام الحسين عليه السلام لم يمت عنها شهيداً بل استشهد بعد وفاتها ب ٢١ سنة فوافق استشهاده سنة ٦١ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام  .

وعلى كل، ماتت السيدة عاتكة وظلت حكايتها وجمالها باقيين عنواناً مضيئا في تاريخ الدنيا بأسرها ورغم خيوط الأقدار العجيبة حول حياتها ورغم حياتها المتقلبة بالأفراح والأتراح 
إلا أنها لم تيأس وظلت تواجه الحياه واثقة في جمالها وعفتها وهي في أتم التسليم للخالق جل في علاه ورغم وفاة ازواجها عنها واحداً تلو آخر إلا أننا رأينا الاقدام من فطاحل الصحابة للارتباط بها من غير نظرة مجتمعية دونية ومن غير التفات إلى أقوال الآخرين..وما أحوج مجتمعاتنا لذلك في مثل هذه الأيام العصيبة لتعديل بوصلتنا الفكرية والاختيارية التي افتقدناها ضربا لموروثات مغلوطة لم تك من الدين ومن العرف الأخلاقي في شئ !

متى نفيق ونعود إلى الاحتكام لصوت العقل والمنطق والرأي السديد مواجهة للقضاء على ظاهرة الترمل والطلاق عوناً وعفة من الأبواب المشروعة درئا للانحراف والسير في براثن الشيطان؟

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رضی الله عن الإمام علی إلى أن

إقرأ أيضاً:

د. عمرو عبد المنعم يكتب: بعد اغتيال نصر الله.. هل انتهى زمن القيادات المركزية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق ١ - الأجهزة الاستخباراتية تتعامل مع قادة المقاومة بنفس الأسلوب الذى تتبعه ضد التنظيمات الإرهابية

تعد عملية اغتيال قادة التنظيمات والحركات المسلحة من أهم الأهداف الحيوية التي تتبعها أجهزة الاستخبارات الدولية حاليًا. تعمل هذه الأجهزة على الإيقاع بعناصر هذه التنظيمات سواءً بالسجن أو بالملاحقة، وذلك بهدف كشف بقية شبكاتهم التنظيمية أو عن طريق الاستهداف المباشر بالقتل والاغتيال والتصفية الجسدية.

تمر عملية اغتيال قادة التنظيمات الإرهابية والحركات المسلحة بعدة مراحل، تتضمن تحليل المعلومات ودراسة شخصية المستهدف من أجل اختيار الطريقة الأنسب لاغتياله، تعتمد الجهة المسئولة عن الاغتيال على تحديد نقاط الضعف المحيطة بالمستهدف، وعندما تجد هذه النقاط، تستطيع الوصول إليه، وهذا ما حدث عند استهداف أسامة بن لادن، حيث تم رصد هدف مقرب منه، وهو أبو عبد الله الكويتي، الذي كان يغادر منزله في أبوت آباد للاتصال بأهداف القاعدة هاتفيا ثم التخلص من الشريحة والهاتف بعدها، كذلك حدث مع أيمن الظواهري، حيث تم استهدافه من خلال خادمه المقرب الذي كان يقدم له الطعام والشراب والكتب ووسائل التواصل مع العالم الخارجي.

الأمر الأخطر في تتبع عمليات اغتيال قادة تنظيم القاعدة، والنصرة، وحراس الدين، وحماس، والجهاد الإسلامي، وأخيرًا قيادات حزب الله، وزعيمهم حسن نصر الله، هو القاسم المشترك بينهم، وهو الجاسوس الذي بين أيدي الجميع: الهاتف النقال والإنترنت، بالإضافة إلى ذلك، يتم اختراق شبكات المعلومات الداخلية لهذه الحركات، والأهم هو وجود عميل في قلب القاعدة التكنولوجية لهذه التنظيمات المسلحة، ينقل للأجهزة الاستخباراتية التي تستهدفهم كل صغيرة وكبيرة عن هذه الجماعات أو التنظيمات والمجموعات الإرهابية.

وعندما يحين وقت التنفيذ، يكون الهدف جمع المعلومات ووضعه تحت السيطرة الكاملة، يتم ذلك إما عن طريق زرع شريحة تتبع في سيارة أو دراجة نارية، أو وضع شريحة لتوجيه طائرة مسيرة تستهدف الموقع المحدد باستخدام تقنيات تعتمد على بصمات الصوت أو درجات حرارة الجسم، أو حتى تحديد طول الشخص بالسنتيمترات، كلما تم تشغيل شريحة جديدة، يتم تتبعها عبر تقنيات حديثة تعتمد على بصمة الصوت، حيث تُسجل بصمة صوت لكل شخص، وعند تشغيله لأي شريحة جديدة، يتم التعرف عليها من خلال أول اتصال هاتفي يجريه بفضل برامج الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الدقيقة.

الجواسيس واختراق التنظيمات الجهادية

أهمية وجود جواسيس لأي جهة هو العملية المعلوماتية والتي تكشف عن ضرورة حماية الأشخاص من السقوط في فخ العمالة والتجسس لصالح العدو منذ قديم الزمان، تقوم فكرة الجاسوسية على جمع المعلومات الاستخبارية، مما يسمح بالتنبؤ بتصرفات العدو.

وتُظهر أهمية الجواسيس من خلال إحدى النظريات العسكرية التي أقرها القائد الصيني صن تزو، حيث قال: «إن وجود جاسوس لك داخل العدو يعادل جيشًا كاملًا، وأفضل جاسوس هو الذي يحمل جنسية عدوك ويؤمن بأفكارك».

لهذا السبب، تقوم أجهزة الاستخبارات بتجنيد الجواسيس من داخل الحركات نفسها، حيث يسهل عليهم العمل من داخل التنظيم دون أن يُكتشفوا، وهنا يتم تجنيدهم لأهداف سواء مباشرة او غير مباشرة، بل إن بعض الجواسيس يحتلون مناصب حساسة في هذه التنظيمات فيما بعد، ويساهمون بتقديم معلومات دقيقة لهم، مما يعزز موقفه في الحزب أو الجماعة او التنظيم فيما بعد.

يقول صن تزو أيضًا: «إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك، فلن تخشى خوض مئة معركة. وإذا عرفت نفسك ولم تعرف عدوك، ستتجرع هزيمة مقابل كل انتصار. أما إذا لم تعرف نفسك ولا عدوك، فستواجه الهزيمة في كل معركة».

وهنا يكشف مسئول استخباراتي أمريكي كبير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن استراتيجية التعامل مع الكيانات المسلحة والإرهابية، قائلًا: «لم تكن مهمتنا فهم العدو( أي التنظيمات القاعدة وغيرها)، بل التغلب عليه». وهذا كان نهج الإدارة الأمريكية، فقد فهمت عبر سنوات تكوين هذه التنظيمات الإرهابية طبيعتها وأفكارها، لكن كما قال دبلوماسي آخر في منصب مهم: ربما أعطى السياسيون قادة شبكات التجسس المهمة الخطأ ففي حرب تُخاض بين الارهابيين، ليس هناك «أخيار أو اشرار» واضحين، بل يجب اكتشاف هؤلاء والسيطرة عليهم وهو أمرًا بالغ الأهمية، وهو ما قامت به أجهزة الاستخبارات خلال السنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر.

وهو معرفة قاعدة البيانات الخاصة بهؤلاء وكيف يتحركون ومصادر تمويلهم وكفاءتهم القتالية والفكرية لكي يكون اصطيادهم فيما بعد سهلًا ميسرًا.

٢ - طرق اغتيال القادة العسكريين فى القاعدة وحماس وحزب الله

 

تكشف عملية استهداف عناصر القاعدة خلال العشر سنوات الأخيرة حجم الاختراقات التي تعاني منها هذه التنظيمات الإرهابية، رغم أنها تدعي عكس ذلك. ورغم وجود حركات مقاومة مشروعة ضد الدول المحتلة، وأكد ميثاق الأمم المتحدة على عدم شرعية احتلال أراضي هذه الدول، إلا أن العديد من الأجهزة الاستخباراتية تتعامل مع قادة المقاومة بنفس الأسلوب الذي تتبعه ضد التنظيمات الإرهابية.

على سبيل المثال، الشخص الذي تسبب في مقتل مؤسس الجهاز العسكري الأول لحركة حماس، "صلاح شحادة"، كان عميلًا جندته المخابرات الإسرائيلية «الموساد» باستخدام أساليب الابتزاز من خلال النساء والحاجة المادية. كان شحادة على رأس قائمة المستهدفين من قبل إسرائيل نظرًا لكونه قائد الجناح العسكري للحركة والمسئول عن مئات القتلى في العمليات الاستشهادية ضد إسرائيل. وفي منتصف ليل ٢٣ يوليو ٢٠٠٢، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة على مبنى سكني مكتظ بالسكان في مدينة غزة، بناءً على معلومات قدمها عميل فلسطيني للاستخبارات الإسرائيلية، ما أسفر عن انهيار المبنى وتحوله إلى ركام، بالإضافة إلى سقوط منزل آخر بجانبه. قُتل «صلاح شحادة» على الفور، إلى جانب ستة عشر مدنيًا، بينهم تسعة أطفال ورضيعان، وأصيب أكثر من مئة وخمسين شخصًا. وكان هذا الجاسوس الفلسطيني هو أكرم الزطمة، الذي تم تجنيده بعد ابتزازه من قبل ضباط الاستخبارات الإسرائيلية.

تم تصفية عدد من القيادات الفلسطينية بالطريقة نفسها. على سبيل المثال:

- في ٨ مارس ٢٠٠٣، اغتيل إبراهيم المقادمة وثلاثة من مساعديه بواسطة صواريخ أطلقت من طائرة هليكوبتر فوق مدينة غزة.

- في ٢١ أغسطس ٢٠٠٣، اغتيل القائد البارز في حركة حماس إسماعيل أبو شنب عبر قصف سيارته التي وضعت فيها شريحة تتبع.

- في ٢٢ مارس ٢٠٠٤، اغتيل أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حماس، مع حراسه الشخصيين في قطاع غزة بواسطة طائرة أباتشي.

- وفي ٣١ يوليو، اغتيل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في حادث سقوط مروحية في طهران أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الجديد، بعد اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وآخرين.

رغم هذه الاغتيالات المؤثرة، لم تؤثر كثيرًا على حركة المقاومة الفلسطينية. بل استمدت المقاومة قوتها من هذه العمليات، إلا أن تكثيف عمليات الاغتيال قد يؤدي إلى إضعاف بعض أركانها في المستقبل.

الخداع والانتقام

عملية الاختراق والتصفية ليست دائمًا ناجحة، وبعضها يفشل. على سبيل المثال، رغم وجود اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل، حاولت وحدة "كيدون" التابعة للموساد اغتيال خالد مشعل في سبتمبر ١٩٩٧، ولكن العملية فشلت وكانت فضيحة لإسرائيل.

في المقابل، نجحت القاعدة في تنفيذ واحدة من أكبر عمليات الاختراق ضد وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» بواسطة الطبيب الأردني «همام البلوي»، المعروف بأبو دجانة الخرساني. تمكن البلوي من خداع الـ «CIA» بعد أن أقنعهم بأنه يملك معلومات مهمة عن مكان اختباء أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، وأبدى استعداده للتعاون معهم. قطع البلوي علاقته بالمخابرات الأمريكية لمدة أربعة أشهر لتظن أنه ابتعد، ثم عاد إليهم بأفلام مصورة مع بعض قادة المجاهدين، مما أقنعهم بصدق نواياه. بعدها، تم تحديد موعد للقاء، حيث ادعى البلوي أنه يمتلك معلومات عن مكان تواجد الظواهري.

أعد التنظيم سيارة مفخخة للبلوي ليأخذها إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في خوست، وتم السماح له بالدخول دون تفتيش يذكر. نفذ البلوي عملية تفجير ضخمة أسفرت عن مقتل سبعة من كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية، منهم جينفر ماثيوز، رئيسة قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعدد من الضباط الأمنيين الآخرين. كانت هذه الحادثة واحدة من أكبر النجاحات للقاعدة في اختراق الأجهزة الاستخباراتية.

الاغتيالات واختراق التنظيمات

من خلال رصد عدد كبير من عمليات الاغتيال التي استهدفت عناصر إرهابية في مناطق الصراع، مثل سوريا ولبنان والعراق، يتضح أن ٣٥ من أصل ٧٣ قائدًا من قيادات القاعدة قُتلوا بواسطة غارات جوية أو طائرات مسيرة أو عبر تفجير سيارات أو دراجات نارية خلال السنوات العشر الماضية. وهذا يؤكد أن عملية اختراق التنظيمات، سواء بشكل مباشر عن طريق العملاء أو غير مباشر عبر الهجمات السيبرانية، هي عنصر أساسي في نجاح هذه العمليات.

من المهم الإشارة إلى أن طرق استهداف قادة المقاومة من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله تتشابه إلى حد كبير مع تلك المستخدمة ضد تنظيمات القاعدة وداعش والنصرة وحراس الدين في السنوات الأخيرة. ومع أن الاغتيالات تؤثر على هذه التنظيمات، فإنها لا تنهي وجودها بالكامل. بل يظهر جيل جديد من القادة قد يغير الأهداف والوسائل الاستراتيجية، مما يستدعي دراسة أعمق للتنظيمات وآليات عملها.

نماذج من الاستهداف بالمسيرات والشرائح الإلكترونية

أبو خلاد المهندس «ساري محمد حسن شهاب»:

يُعرف بأسماء متعددة مثل أبو خلاد المهندس، أبو سفر، وصهيب. هو قيادي جهادي أردني من مواليد ١٩٧٣. انتمى في بداياته إلى جماعات أسسها أبو مصعب الزرقاوي.

كان شهاب أحد قادة تنظيم القاعدة الخمسة الذين أطلقت إيران سراحهم في مارس ٢٠١٥ مقابل دبلوماسي إيراني مخطوف في اليمن. والأربعة الآخرون هم: سيف العدل، أبو محمد المصري، أبو الخير المصري، وأبو القسام الأردني.

ووفقًا لأحد التقارير، فإن ساري شهاب كان «متورطًا في برامج ومؤامرات أسلحة الدمار الشامل". ووصفت شبكة سكاي نيوز أبو خلاد وأبو القسام الأردني بأنهما "ناشطان أقل شهرة، وإن لم يكونا أقل خطورة، وكلاهما من أصول أردنية».

بعد اختبائه لعدة سنوات، عاد إلى الساحة في ٢٠١٧ عبر إنشاء قناة خاصة به على تطبيق تيليجرام، حيث أطلق على نفسه لقب «الأمير المنسي». وكان أحد قادة تنظيم حراس الدين. قُتل بانفجار عبوة ناسفة في سيارته في إدلب، سوريا في ٢٢ أغسطس ٢٠١٩ وقيل من مقربين انها بشريحة وضعت له قبل تحركه بسعات. 

أبو خديجة الأردني «بلال خريسات»:

قُتل بوساطة طائرة بدون طيار «درون» تابعة لقوات التحالف الدولي في بلدة ترمانين بريف إدلب، بعد زرع شريحة الكترونية حددت الهدف بدقة شديدة، وكتب فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تغريدة على «تويتر» حينها: "مقتل أبو خديجة الأردني، قائد حراس الدين، خلال غارة بطائرة مسيرة تابعة لقوات التحالف الدولي على بلدة ترمانين في ريف إدلب.

تأسس تنظيم «حراس الدين» في فبراير ٢٠١٨ بعد تفكك الفرع الأصلي لتنظيم القاعدة في سوريا، وكان التنظيم يقوده عدة الشخصيات الرئيسية، من بينهم خالد العاروري «أبو القاسم الأردني»، وسمير حجازي «أبو همام الشامي أو فاروق السوري»، وسامي العريدي «أبو محمود الشامي»، وبلال خريسات «أبو خديجة الأردني»، وفرج أحمد النعنع، وأبو عبد الكريم المصري معظمهم تم استهدافهم بنفس الطريقة. 

في فبراير ٢٠١٧، استهدفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة اجتماعًا لقياديين في تنظيم «حراس الدين» في شمال غربي سوريا. أسفر الهجوم عن مقتل ستة قياديين في التنظيم، من بينهم تونسيان، جزائريان، مصري، وسوري بشريحة الكترونية.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد حددت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن ثلاثة قياديين تابعين لتنظيم القاعدة في سوريا كان علي رئيسهم أبو خديجة الأردني وآخرين.

 

٣ - ببلوجرافيا.. اغتيال عناصر القاعدة بالشرائح والمسيرات وزرع العبوات دليل على أن الأصابع واحدة وأن هناك اختراقًا وتتبعًا واستهدافًا

 

١. نصر فهمي: قيادي في تنظيم الجهاد المصري. هرب في الثمانينيات إلى أفغانستان وانضم للقاعدة. قُتل بغارة أمريكية في أفغانستان عام ٢٠٠١.

٢. أبو خباب المصري المعروف بـ«الكيماوي»: اسمه الحقيقي مدحت مرسي السيد عمر. كان خبيرًا في المتفجرات وقائدًا عسكريًا في تنظيم القاعدة. يُقال إن ابنه محمد مدحت كان سبب رصده حيث اتصل به أكثر من مرة. قُتل بغارة جوية أمريكية في باكستان عام ٢٠٠٨.

٣. أبو الليث الليبي: اسمه الحقيقي علي عمار الرقيعي. كان قائدًا عسكريًا في تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في وزيرستان عام ٢٠٠٨.

٤. صالح نبهان «أبو يوسف التنزاني»: كيني الجنسية، وقائد ميداني في تنظيم القاعدة ومسئول شرعي. قُتل بغارة جوية أمريكية في الصومال عام ٢٠٠٩.

٥. طاهر يولداشيف: أوزبكي، الأمير السابق لحركة أوزبكستان الإسلامية الموالية للقاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في باكستان عام ٢٠٠٩.

٦. بيت الله محسود: باكستاني، مؤسس وأمير حركة طالبان باكستان. قُتل بغارة جوية أمريكية في وزيرستان عام ٢٠٠٩.

٧. أنور العولقي «أبو عبد الرحمن»: منظر جهادي يمني وأمريكي الجنسية. ارتبط اسمه بتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. قُتل بغارة جوية أمريكية في اليمن عام ٢٠١١.

٨. إلياس الكشميري: باكستاني، قائد عسكري في تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في جنوب وزيرستان عام ٢٠١١.

٩. عطية الله الليبي: اسمه الحقيقي جمال اشتيوي. كان منظرًا جهاديًا وقياديًا شرعيًا وميدانيًا في تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في وزيرستان عام ٢٠١١.

١٠. أبو يحيى الليبي: اسمه الحقيقي محمد حسن قايد. كان منظرًا جهاديًا ورئيس اللجنة الشرعية في تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية شمال وزيرستان عام ٢٠١٢.

١١. هشام السعيدني المعروف بـ«أبو الوليد المقدسي»: فلسطيني، اسمه الحقيقي هشام السعيدني، مؤسس وأمير جماعة التوحيد والجهاد في غزة. قُتل بغارة جوية إسرائيلية عام ٢٠١٢.

١٢. عادل العباب «أبو الزبير»: يمني، مسئول الهيئة الشرعية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. قُتل بغارة جوية أمريكية في شبوة عام ٢٠١٢.

١٣. عبد الله خالد العدم «أبو عبيدة المقدسي، أبو أسامة الفلسطيني»: فلسطيني، قيادي في اللجنة الأمنية لتنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في أفغانستان عام ٢٠١٣.

١٤. عماد الدين محمود «أبو حازم»: سوداني، أمير تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية فرنسية في مالي عام ٢٠١٣.

١٥. أختر محمد منصور «الملا منصور»: أفغاني، أمير حركة طالبان بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦. قُتل بغارة جوية أمريكية في باكستان.

١٦. أبو أحمد العلواني: عراقي، اسمه الحقيقي وليد جاسم العلواني. كان قائدًا عسكريًا في تنظيم الدولة الإسلامية. قُتل بغارة أمريكية عام ٢٠١٤.

١٧. أحمد فاروق «عبيد الله»: باكستاني، نائب أمير تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية. قُتل بغارة جوية أمريكية في منطقة وزيرستان الباكستانية عام ٢٠١٥.

١٨. أبو خليل المكي: سوداني، اسمه الحقيقي عمر خليل. كان قائدًا ميدانيًا في تنظيم القاعدة. قُتل بغارة جوية أمريكية في أفغانستان عام ٢٠١٥.

١٩. حارث النظاري: يمني، اسمه الحقيقي محمد المرشدي. كان قياديًا في اللجنة الشرعية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. قُتل بغارة جوية أمريكية في شبوة عام ٢٠١٥.

٢٠. أبو صالح العفري: عراقي، اسمه الحقيقي موفق مصطفى الكرموش. كان المسؤول المالي لتنظيم الدولة الإسلامية. قُتل بغارة جوية أمريكية في العراق عام ٢٠١٥.

٢١. الملا عبد الرؤوف: أفغاني، قائد عسكري سابق في حركة طالبان. بايع تنظيم داعش وشغل منصب نائب أمير ولاية خراسان. قُتل بغارة جوية أمريكية في هلمند عام ٢٠١٥.

٢٢. مهند غلاب «أبو حفص المصري»: مصري، اسمه الحقيقي عمرو عبد الحميد عبد الوهاب البرماوي. كان مسؤول الإعلام الخارجي في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. قُتل بغارة جوية أمريكية في المكلا عام ٢٠١٥.

٢٣. محسن الفضلي: كويتي، قائد ميداني في تنظيم القاعدة. كان مسؤولًا عن جماعة خراسان التابعة للتنظيم في سوريا. قُتل بغارة جوية أمريكية في بلدة سرمدا عام ٢٠١٥.

٢٤. عمرو العبسي «أبو الأثير»: سوري، قيادي في تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية في الحسكة عام ٢٠١٦.

٢٥. أبو محمد العدناني: سوري، اسمه الحقيقي طه صبحي فلاحة. كان المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية في ريف حلب عام ٢٠١٦.

٢٦. أبو محمد الفرقان «أبو محمد العراقي، أحمد الطائي، أبو سجاد»: عراقي، اسمه الحقيقي وائل عادل حسن سلمان الفياض. كان الأمير السابق لديوان الإعلام في تنظيم الدولة الإسلامية. قُتل بغارة جوية أمريكية قرب مدينة الرقة عام ٢٠١٦.

٢٧. أبو عبد الله المهاجر «عبد الرحمن العلي»: منظر جهادي مصري. قُتل بغارة جوية أمريكية في سوريا عام ٢٠١٦.

٢٨. أحمد سلامة مبروك «أبو الفرج»: مصري، قيادي في تنظيمي الجهاد. شارك في تأسيس جبهة فتح الشام في سوريا «النصرة سابقًا». قُتل بغارة جوية أمريكية في إدلب عام ٢٠١٦.

٢٩. رفاعي أحمد طه «أبو ياسر»: مصري، أحد القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية المصرية. شغل منصبي رئيس مجلس شورى الجماعة بالخارج ومسؤول الجناح العسكري. قُتل بغارة جوية أمريكية في سوريا عام ٢٠١٦.

٣٠. أبو بكر القحطاني: سعودي، اسمه الحقيقي عمر بن سعود القحطاني. كان قياديًا شرعيًا في تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية في العراق عام ٢٠١٧.

٣١. أبو عبد البر الصالحي الكويتي: اسمه الحقيقي فلاح نمر. كان قياديًا شرعيًا في تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية عام ٢٠١٧.

٣٢. أبو أسامة الغريب: مصري نمساوي، اسمه الحقيقي محمد محمود. كان عضوًا قياديًا في تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية في دير الزور عام ٢٠١٨.

٣٣. أبو الحسن المهاجر: المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم داعش. قُتل بغارة جوية أمريكية في سوريا عام ٢٠١٩.

٣٤. حسام عبد الرءوف «أبو محسن المصري»: مصري، قيادي في تنظيم القاعدة ومسؤول الإعلام في مؤسسة السحاب. قُتل في عملية أمنية في أفغانستان عام ٢٠٢٠.

٣٥. خالد العاروري «أبو القسام»: أردني من أصل فلسطيني، نائب أمير تنظيم حراس الدين في سوريا. قُتل بغارة جوية أمريكية في إدلب عام ٢٠٢٠.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: (الروشتة) المؤجل تفعيلها !!
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»
  • خالد الصاوي عن إصابته بـ "فيرس سي": عرفت بالصدفة والتجربه كانت صعبة وقاسية
  • د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!
  • حذر من المؤامرات الصهيونية.. خالد الجندي: المثلية كانت موجودة في العصر العباسي
  • محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية تشارك كراعٍ استراتيجي في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي
  • د.حماد عبدالله يكتب: وزارة للأقاليم الإقتصادية !!
  • د. عمرو عبد المنعم يكتب: بعد اغتيال نصر الله.. هل انتهى زمن القيادات المركزية؟
  • ضبط مخالف لارتكابه مخالفة رعي بمحمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية
  • القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفًا لنظام البيئة لارتكابه مخالفة رعي بمحمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية