هل تعمد الجيش الإسرائيلي الخطأ في إعلان معتقلي الشفاء؟
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
غزة- بعد ساعات على نشره قائمة بصور لأشخاص زعم أنهم من قادة المقاومة الفلسطينية اعتقلهم في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، تراجع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقال إنه نشر صورا عن طريق الخطأ لأشخاص على أنهم اعتقلوا في المستشفى وهم ليسوا معتقلين.
وقد أحدثت قائمة الصور التي نشرها جيش الاحتلال مساء أمس الخميس صدى كبيرا، إذ تضمنت قادة بارزين من كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، منهم القيادي رائد سعد، وزعم أنه اعتقلهم أثناء العملية العسكرية المستمرة في مجمع الشفاء، وإنه لا يستطيع كشف هويتهم الآن.
وفيما نفت حماس على الفور وبشكل قاطع اعتقال قادة من مستشفى الشفاء، تفاعل نشطاء غزيون على نطاق واسع مع هذه القائمة، وفندوا ما تضمنته من صور، وشخصوا الكثير منها تعود إلى أشخاص لا يرتبطون بالمقاومة، أو لشهداء، أو لأشخاص يقيمون بالخارج من فترات متفاوتة.
لم يمض وقت طويل حتى تأكد زيف الادعاء الإسرائيلي، عبر إعلان المتحدث باسم الجيش بقوله "بسبب خطأ بشري نشرنا صورا لأشخاص على أنهم اعتقلوا في مستشفى الشفاء بغزة وهم ليسوا معتقلين"، كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن "إعلان الجيش حول أن القيادي في كتائب القسام رائد سعد قد اعتقل في مستشفى الشفاء تبين أنه خاطئ".
وجاء التراجع الإسرائيلي بعد ساعات على نفي حماس على لسان مسؤول أمني فيها لقناة الجزيرة الفضائية اعتقال العشرات من قيادة المقاومة في مستشفى الشفاء، ووصف قائمة الصور بأنها "غير دقيقة"، وقال إن عددا من الصور في القائمة تعود لأشخاص هم خارج غزة حاليا، وصورا أخرى لشهداء، و3 صور تعود لأطباء أفرج عنهم الاحتلال سابقا.
وقال المسؤول الأمني في حماس إن "ما ينشر عبر الإعلام الإسرائيلي غير دقيق، ويدخل ضمن الحرب النفسية والمعنوية ضد المقاومة في قطاع غزة".
حرب نفسيةلا يعتقد المختص بالشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم أن نشر هذه القائمة كان مجرد خطأ، وإنما كان في سياق الحرب النفسية، بما تتضمنه من كذب وتحريض وتضليل ضد المقاومة، وهي ضمن حملة دعاية ذات أهداف على المستوى الدولي، لتقول بأنها عادت إلى مستشفى الشفاء، وقد حققت أهدافا وإنجازات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى إبراهيم أن "إخفاق الجيش في تمرير هذه الرواية الزائفة سيكون له مردود سلبي عليه، وعلى جهاز الأمن الداخلي-الشاباك، وقد طالتهما الانتقادات داخليا، ولكنها لن تتطور إلى أكبر من مجرد انتقادات واتهامات بالإخفاق، أما على المستوى الدولي، فستزداد الاتهامات لإسرائيل بممارسة الكذب والتضليل في حربها المستمرة على غزة".
ويعتبر إبراهيم أن لجوء جيش الاحتلال أكثر من مرة خلال هذه الحرب لروايات كاذبة عن سير العمليات على الأرض في غزة، يقع في إطار سعيه الحثيث وحاجته الماسة إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه يحقق إنجازات، "لكن الأخطاء المتكررة سيكون لها مردود سلبي عكسي على أصعدة مختلفة في الداخل الإسرائيلي".
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون مع ما سبق، إذ يرى أن "نشر هذه القائمة لم يكن خطأ، وإنما كان عملا مقصودا يريد الاحتلال من خلاله إحداث بلبلة وجمع المعلومات"، ولذلك "لن يكون له مردود كبير داخل الجيش، ويمكن تفسيره على أنه عمل استخباراتي".
إخفاق متكررويقول المدهون للجزيرة نت إن "الأثر الأكبر على جيش الاحتلال هو تآكل مصداقيته، فهناك سقوط للرواية الإسرائيلية منذ عملية طوفان الأقصى، وهذه ليست المرة الأولى التي ينشر بها معلومات ويؤكدها ويتبين كذبها"، كما أن هذه هي المرة الثانية التي يقتحم فيها جيش الاحتلال مستشفى الشفاء، منذ بدء العملية البرية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بعد حملات تحريض واسعة ضد المقاومة وحركة حماس على وجه التحديد بأنها تستخدمه لأغراض عسكرية.
وبحسب المدهون، فإن هناك مجموعة أهداف أرادها الاحتلال من وراء ادعائه اعتقال قيادات مركزية لكتائب القسام، وهي:
البحث عن صورة نصر يفتقدها جيش الاحتلال بعد 6 أشهر من العدوان، رغم ما ارتكب من مجازر مروعة غالبية ضحاياها من المدنيين والنساء والأطفال. تعويض عقدة النقص، خصوصا أن الاحتلال وحتى اللحظة لم يعتقل أيا من قادة كتائب القسام المعروفين، وما زالت قيادة القسام تقود المعركة، وتمارس دورها في التحكم والسيطرة. محاولة جمع المعلومات، والتعويل على أن نشر أسماء قادة سيدفع للتواصل معهم وإحداث فوضى يستغلها الاحتلال في التوصل لأهداف استخباراتية. لا يخلو ذلك كله من حرب نفسية متواصلة ضد شعبنا، ومحاولات هز ثقته بمقاومته وضرب الحاضنة الشعبية، ومحاولة إرسال رسالة لبعض القوى أن حكم حماس ووجودها انتهى وبدأت قيادتها بالاستسلام.وقال المختص في الشأن الإسرائيلي مصطفى إبراهيم إن "إسرائيل تريد من وراء الاقتحام الثاني لمستشفى الشفاء، ونشر مثل هذه القائمة الكبيرة التي تتضمن قادة كبار بالمقاومة، أن تقول للعالم: الحرب تحقق أهدافها، ولا تضغطوا علينا، وامنحوا الجيش الغطاء والفرصة للعمل، من أجل استكمال أهدافه بالقضاء على حماس، ولكن سرعة الكشف عن القائمة الزائفة من المعتقلين ستؤشر إلى حالة إرباك وتهز صورة إسرائيل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات فی مستشفى الشفاء جیش الاحتلال هذه القائمة على أن
إقرأ أيضاً:
عدم اختصاص قضاء المحتل بمُحاكمة المقاومة
د. عبدالله الأشعل **
إسرائيل قامت على الأراضي الفلسطينية وفق قرار التقسيم الذي رفضته الدول العربية عام 1947، لكن بريطانيا وأمريكا تمكنتا بالضغوط من أن يستوفي مشروع القرار نصابه اللازم، لكى يتحول المشروع إلى قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستكمالًا للتلبيس فإنَّ بريطانيا التي قدمت مشروع القرار امتنعت عن التصويت عليه.
وكان أبا إيبان مندوب الوكالة اليهودية التي تشكلت عام 1918 وحضرت بهذه الصفة مؤتمر فرساي، ومهمة الوكالة الإشراف على الهجرات الصهيونية وحمايتها بالتعاون مع القوات البريطانية ضد المقاومة الفلسطينية لهذه الهجرات. ورفض أبا إيبان في كلمته اعتبار قرار التقسيم شهادة ميلاد إسرائيل، ولكن القرار هام في جانب آخر وهو أنَّه دليل على إجماع المجتمع الدولي بأن الصهاينة كانوا في فلسطين منذ آلاف السنين بدليل تقسيم فلسطين بين سكانها العرب واليهود.
وبالفعل عمدت بريطانيا والصهاينة إلى صياغة مشروع قرار التقسيم بين اليهود والعرب حسب نص قرار التقسيم، وقال أبا إيبان إن فكرة ملكية اليهود لفلسطين أو لجزء منها كما نص تصريح بلفور، كانت حلماً هبط إلى الأرض والواقع بقرار التقسيم. ورغم أن إسرائيل رفضت القرار إلّا أنها قامت على الجزء الأكبر المخصص لها في القرار ثم أضافت الدول العربية ربع فلسطين خارج قرار التقسيم ظنا منهم أن إعطاء إسرائيل 78% من مساحة فلسطين يمكن أن يُغريها بقبول الجزء الخاص بالفلسطينيين في القرار، فقد قدمت السعودية الصيغة التي أصبحت المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت العربية عام 2002؛ وهي أن توافق إسرائيل رغم أن قرار التقسيم لا يتطلب موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطين على حدود 4 يونيو 1967؛ أي التنازل الرسمي لإسرائيل عن 21.5% خارج قرار التقسيم، وعاصمة الدولة شرق القدس، فتنازلوا عن غرب القدس واعترفوا بملكية إسرائيل لها، رغم أن القدس شرقها وغربها أراضٍ فلسطينية محتلة، الغرب عام 1949 والشرق عام 1967، كما اعترفوا ضمنيا بتقسيم القدس إلى شرقية وغربية، فاستغلت أمريكا التراجع العربي، واعترقت لإسرائيل بكل فلسطين وشاركت إسرائيل في إبادة سكان فلسطين العرب ونقلت سفارتها من غرب القدس إلى شرق القدس وهي رسميًا أراضٍ فلسطينية محتلة بنص قرار مجلس الأمن رقم 242 في نوفمبر 1967، والآراء الاستشارية من محكمة العدل الدولية.
ولم يكترث ترامب ولا الكونجرس الأمريكي لانتهاك قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980 الذي رعاه الرئيس كارتر شخصيا وحصل على إجماع الأعضاء وحظر نقل السفارات إلى القدس الشرقية باعتبارها أراضٍ محتلة.
وفي عام 2004، طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية الرأي الاستشاري في شأن قانونية بناء إسرائيل جدارًا أسمته جدار الأمن على الأراضي الفلسطينية المحتلة وأسماه الفلسطينيون جدار الفصل العنصري. قالت المحكمة إنَّ إسرائيل دولة محتلة للأراضي الفلسطينية وليس من سلطة المحتل أن يبنى جدارًا على الأراضي المحتلة وكلفت الأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة تطبيق الرأي الاستشاري.
وفي عام 2024 أكدت المحكمة في رأي استشاري جديد أن علاقة إسرائيل بالأراضي الفلسطينية هي أنها سلطة احتلال ويجب أن يزول.
وقضى القانون الدولي بأن السلطة المحتلة احتلالًا عاديًا بخلاف الاحتلال الإسرائيلي وله طابع خاص ليس لها اختصاص قضائي بمحاكمة أعضاء المقاومة، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى الانفراد بفلسطين والاستيلاء على فلسطين كلها تطبيقا للمشروع الصهيوني، وهو بالطبع طويل الأجل. وكانت أحكام القانون الدولي الخاصة بالمقاومة التي وضعتها أوروبا وفق مصالحها تقضي بأن من حق البلاد المحتلة أن تقاوم الفتح (Conquest) فإذا تحول الفتح إلى غزو واحتلال يتوقف الحق في المقاومة. ولما احتلت ألمانيا فرنسا في الحرب العالمية الثانية غيرت أوروبا قواعد الحق في المقاومة فأجازت الحق في مقاومة المحتل، بعد أن كان الحق قاصرًا على مقاومة الغزو، ولكن اتضح بعد ذلك أن أوروبا عنصرية ولا تعترف بالحق في المقاومة لغير الأوروبيين.
وإسرائيل تعتقل المقاومين وهم لهم حصانة في اتفاقية نيويورك عام 1979؛ فالاعتقال والمحاكمة تخرج عن سلطات الاحتلال. ويترتب على ذلك إبطال الاعتقال والمحاكمة والأحكام والقرارات المترتبة عليها والمطالبة بالتعويض.
وإذا جاز للقضاء الإسرائيلي محاكمة بعض أنواع الجرائم فيجب أن يطبق القانون الدولي وليس القانون الإسرائيلي، لأن إسرائيل بذلك تنتهك مبدأ قانونيًا مُهمًا وهو أنه لا يجوز للدولة أن تكون خصمًا وحكمًا في نفس الوقت.
الاحتلال طويل الأجل يضفي حقًا إضافيًا لشرعية المقاومة الفلسطينية ولا حقوق لهذا الاحتلال خاصة إذا كان الاحتلال يهدف إلى توطين الصهاينة. وزعم إسرائيل والغرب بأن لها حق الدفاع الشرعي يعتبر ادعاءً باطلا. فإذا كان الاحتلال غير مشروع يكون كل ما يترتب عليه غير مشروع. بما فيه الاعتقال والتعذيب والأحكام. ولذلك لا يجوز أن تستفيد إسرائيل من هذا الوضع. فيكون اعتقال المقاومة الفلسطينية غير مشروع، ولا يجوز مبادلتهم بمخطوفين صهاينة بل يجب إطلاق سراحهم فورًا.
ثم إن السلطة المحتلة عليها التزامات تجاه السكان المدنيين وفق اتفاقية جنيف الرابعة، فلا يجوز حصار غزة وإبادة أهلها وتجويعهم وتدمير مقومات الحياة لديهم ومنع المعونات، ويجب على مصر أن تفي بالتزاماتها كدولة طرف في اتفاقية جنيف الرابعة خاصة معبر رفح.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر