التناقض بين الحالة الإبداعية والموقف الأخلاقي
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
مارس 22, 2024آخر تحديث: مارس 22, 2024
إبراهيم أبو عواد
كاتب من الأردن
الإبداعُ الفَنِّي يَرتبط بالبُنيةِ الأخلاقية الفَرْدِيَّة والجَمَاعِيَّة ، ولُغَةُ العملِ الأدبي تَرتبط بِنَبْضِ الواقعِ اليَوْمِي ، والمشاعرُ الإنسانية نابعةٌ مِن تفاصيل الحياة ظاهريًّا وباطنيًّا ، والتَّعَمُّقُ في الطاقةِ الرمزية اللغوية إنَّما هو _ في الحقيقة _ تَعَمُّقٌ في مَكنوناتِ النَّفْسِ البشرية ، لأنَّ اللغةَ والإنسانَ هُمَا الحاملان للأدبِ والفَنِّ والفِكْرِ والمَعرفةِ ، ورُوحُ اللغةِ ورُوحُ الإنسانِ هُمَا القاعدتان اللتان تَقُوم عليهما العمليةُ الإبداعيةُ نَصًّا ومَعْنى .
والأدبُ هُوَ الابنُ الشَّرْعِيُّ للأخلاقِ، واللغةُ هي الوريثةُ الشرعيةُ للحُلْمِ الإنساني . وإذا حَصَلَ صِرَاعٌ بَين الأدبِ والأخلاقِ، فإنَّ الإبداعَ سَيُصبحُ شَبَحًا باهتًا بِلا سُلطةٍ ولا هُوِيَّة ، وإذا حَدَثَ صِدَامٌ بَيْن الفَنِّ والشُّعُورِ فَإنَّ اللغة سَتُصبحُ صَدى مَبحوحًا لا صَوْتًا هادرًا .
ولا يَخفَى أنَّ الشِّعْرَ هُوَ الفَنُّ الأكثرُ التصاقًا باللغةِ ، لأنَّه قائمٌ على التَّكثيفِ والنَّقَاءِ والصَّفَاءِ والصُّوَرِ الجَمَالِيَّةِ المُدْهِشَةِ ، والشُّعُورِ الإنساني النَّبيل ، وإعادةِ تَشكيلِ الأشياءِ العاديَّة لِتُصبح مُبْهِرَةً ، وتَكثيرِ زَوايا الرُّؤية لتفاصيل الحياة لِتُصبح عوالم سِحْرِيَّة مِن الأحلامِ المُحَلِّقَةِ والذكرياتِ المُلَوَّنَةِ . وإذا خَسِرَ الشاعرُ لُغَتَه خَسِرَ هُوِيَّتَه ، وإذا فَقَدَ الشاعرُ شُعُورَه فَقَدَ إنسانيته .
ومِن أسوأ التناقضات بَين الحَالةِ الإبداعيَّةِ والمَوْقِفِ الأخلاقيِّ ، التناقضُ الصارخُ في حياة الشاعر الأمريكي عِزرا باوند( 1885_1972)الذي يُعْتَبَر أحد أهَمِّ شخصيات حركة شِعْر الحداثة في الأدب العالمي في النِّصْفِ الأوَّلِ مِن القَرْنِ العِشرين، حتى إنَّ الشاعر الإنجليزي مِن أصلِ أمريكي تي إس إليوت أهدى إلَيه قصيدته ” الأرض الخراب” ( أشهر قصيدة في القرن العِشرين ) باعتباره مُعَلِّمًا له ، وأبًا للحداثة الشِّعْرية الغربية، حيث قال : (( إلى عِزرا باوند الصانع الأمهر )) .
وُلِدَ عِزرا باوند في ولاية آيداهو في المنطقة الشمالية الغربية من الولايات المتحدة. وكان طِفلاً وحيدًا لعائلته، وكان والده يَعمل مُسَجِّلًا في مكتب الأراضي العامة .
دَرَسَ الأدبَ المُقَارَن في جامعة بِنسلفانيا في الفترة ( 1900_ 1905 ) ، ولكنَّه غادرَ أمريكا إلى أوروبا عام 1908 ، لأنَّه كان عاجزًا عن التأقلم معَ المجتمع الأمريكي .
تزوَّجَ عِزرا باوند مِن دورثي شكسبير ابنة العشيقة السابقة للشاعر الأيرلندي وليام بتلر ييتس (1865 _ 1939) الفائز بجائزة نوبل للآداب (1923). وقد أسهمَ ييتس وباوند في بدايات الحداثة الإنجليزية، وانخرطا في حركات عديدة أثَّرَتْ في مُستقبَل الشِّعْر الإنجليزي.
تَرَكَ عِزرا باوند إنجلترا مع بداية الحرب العالمية الأُولَى . وبِحُلول عام 1924 كان قَد استقرَّ بصفة دائمة في إيطاليا مع عائلته . وخلال الحرب العالمية الثانية ، كان أحد أشهر مُؤيِّدي نِظام مُوسوليني ، بَلْ وكانَ مُنَظِّرًا لِدُوَلِ المِحْوَر ( ألمانيا ، إيطاليا ، اليابان ) . لذلك لَمْ يَكُن غريبًا أن تُلْصَق بِه تُهمة الخِيانة لبلده الأُمِّ أمريكا بسبب كتاباته وخِطاباته الإذاعية .
وفي نِهاية المَطَاف، قَبَضَتْ عَلَيه قُوَّات إيطالية مُسانِدة للحُلَفَاء، وتَمَّ تَسليمُه إلى أمريكا التي حاكمته بِتُهمة الخِيانة، لكنَّ المحكمة قَضَتْ بأنَّه غَيْرُ مُذنِب لأنَّه مجنون. وعِندها، عارضَ الكثيرون هذه الفِكرة، وأُعِيدَ النظر في قضيته، وحُكِمَ عليه بالسجن 12 عامًا في مُستشفى إليزابيث للأمراض العقلية. وبعد إطلاق سَرَاحِه بِضُغوطات مِن كُتَّاب العَالَمِ، عادَ إلى إيطاليا، حيث عاش حتى وفاته عام 1972 .
كانَ عِزرا باوند يَبحث عن البِدائية والعَفْوِيَّة والبراءة والصِّدْق في شِعْر الأُمَم التي لَمْ تُفْسِدْها الحَداثة الصناعية والتكنولوجيا الماديَّة، كما حَدَثَ لِمُجتمعاتِ أوروبا وأمريكا. والفكرة الأساسية لديه هي أنَّ العلاقات الكائنة بين الأشياء أهَمُّ مِن هذه الأشياء ذاتها، ولكن ليس كل الناس يَرَوْنَها. وَحْدَه الشاعر الكبير يَرَاها.
يُعْتَبَر عِزرا باوند من أعظم شُعَراء الحداثة في تاريخ الأدب الإنجليزي ، ولا يُمكِن إنكار تأثيره على الشِّعْر. وكان مِن أوائل مَن استخدموا الشِّعْرَ الحُر ، كما لَعِبَ دَوْرًا عظيمًا في اندلاع الثَّورة الشِّعْرية الحديثة التي أثَّرَتْ على الأدبِ الإنجليزي كُلِّه في القرن العشرين .
وتَمَرُّدُه الشِّعْرِي كانَ مُتوازيًا معَ تَمَرُّدِه النَّفْسِيِّ والشَّخْصِيِّ، فقد اشْتُهِرَ باحتقاره للعاداتِ والتقاليدِ السائدة في المُجتمع ، ومَيْله إلى الاستفزاز والخُروج على المألوف . وكانَ مِن أتباع الفَيْلَسُوف الصيني كونفوشيوس ، وكان يَعتقد أنَّ الدولة الفَاشِيَّة التي أسَّسها مُوسوليني في إيطاليا هي تجسيد للدَّولة المدنية التي حَلُمَ بها كونفوشيوس .
لَقَد ارتكبَ عِزرا باوند خطيئةَ حياته بِدَعْمِه المُطْلَقِ للفَاشِيَّةِ ، ومُساندته العلنية لِمُوسوليني ، حَيث سَخَّرَ مَوْهبته الشِّعْرية ومكانته الأدبية لدعمِ العُنْفِ والإرهابِ ، وإيجادَ مُبَرِّر أخلاقي لهما . وهكذا يَتَّضِح التناقضُ الصارخُ بَين الحالةِ الإبداعية والمَوْقِفِ الأخلاقيِّ ، ويَظْهَر الصِّدَامُ الحَتْمِي بَيْنَ الوَظيفةِ الجَمَالِيَّةِ للنَّصِّ الشِّعْرِيِّ الإنسانيِّ الذي يَحْفَظ كَرامةَ الإنسانِ ويُحَافِظ على شُعُورِه وأحلامِه وتاريخه وحضارته ، وبَيْنَ الوظيفةِ الأيديولوجية للفَاشِيَّةِ التي تَقُوم على القتلِ والكَرَاهِيَةِ وتَصفيةِ الخُصُومِ وإلغاءِ الحُرِّياتِ الفرديةِ وتَدميرِ مُستقبلِ الإنسانِ وإقحامِ الدُّوَلِ في حُرُوب دموية عبثية .
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
تفاصيل تدهور الحالة الصحية للفنان نعيم عيسى
نعيم عيسى.. تعرض الفنان، نعيم عيسى، لأزمة صحية شديدة، خلال الأيام الماضية، استدعت دخوله غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات بمدينة الإسكندرية، بسبب إصابته بالتهاب رئوي شديد.
تطورات الحالة الصحية للفنان نعيم عيسىوكشف إبراهيم حفيد الفنان نعيم عيسى، آخر تطورات الحالة الصحية لجده الفنان الكبير إبراهيم عيسى، الذي ما زال في العناية المركزة، وقال: وُضع الفنان نعيم عيسى على أجهزة تنفس صناعي، ليستطيع التنفس بشكل جيد، خاصة وأنه تعرض لنزلة برد شديدة أدت لنقص الأكسجين في الدم، ويحاول الأطباء إجراء فتحة بـ الرقبة لتوصيل خراطيم الأجهزة من الحنجرة، خاصة وأن استمرار وضعه على أجهزة التنفس الصناعية بؤثر على الأحبال الصوتية.
- وُلد نعيم عيسى بحي الجمالية في القاهرة 6 يناير 1933.
- نعيم عيسى هو ممثل أفلام وممثل تلفزيوني وممثل مسرحي مصري.
- التحق بفرقة مدبولي وفرقة الإسكندرية في بداية حياته الفنية.
- شارك بعدها في العديد من المسرحيات، ولعل أبرزها: الواد سيد الشغال.
- شارك بعدها في العديد من المسرحيات منها «الزمبليطة في الصالون، ناس كده وكده، ريا وسكينة».
- ثم انتقل للعمل في السينما والتلفزيون ومن أبرز أعماله: «المتسول، مين فينا الحرامي، الباشا تلميذ».
- قدم العديد من الأعمال الفنية المتميزة في السينما والتليفزيون، ومن أبرز أعماله السينمائية «الهروب، صرخة بريء».
- وشارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية: منها "الجوع، أصدقاء الشيطان، سفر الأحلام، مين فينا الحرامي، سري للغاية، الهلفوت، وتمضي الأيام، وإسكندرية ليه، والمتسول، والباشا تلميذ".
-وعلى الصعيد المسرحي، قدم: شاهد مشفش حاجة، وريا وسكينة.
- وعلى الصعيد الدرامي، قدم العديد من الأعمال الدرامية المميزة، التي من أبرزها «صابر يا عم صابر، رحلة أبو الوفا، ضمير أبلة حكمت، شارع عبد العزيز».
- سبق للفنان نعيم عيسى أن تحدث عن معاناته الصحية والفنية، وذلك خلال ظهوره في برنامج واحد من الناس مع الإعلامي عمرو الليثي، حيث أوضح أنه لم يتلقَّ أي عروض للعمل منذ أكثر من عشر سنوات، ويعتمد على المعاش في إعالة أسرته.
- وذكر في اللقاء أنه يعاني من عدة أمراض مزمنة، قائلاً: «أنا تعبان بسبب بطني وضهري، وجاتلي جلطة في رجلي وقلبي، وركبولي دعامتين، وغيرولي الشريان التاجي، وشالوا المياه من على عنيا وركبولي عدسات، والله قاسيت وما زالت رجلي وجعاني».
اقرأ أيضًاآخر تطورات الحالة الصحية للفنان نعيم عيسى
«أنا مش رقاصة».. مي القاضي ترد على انتقادات فيفي عبده لمشاهدها في العتاولة 2
بالأسماء.. مصرع مواطن وإصابة 19 آخرين في حادث انقلاب سيارة نصف نقل بالمنيا