الحفاظ على قوة واستقرار وأمان العلاقات مع شعوب الدول الجارة والصديقة هو شكل من أشكال الاستثمار فى المستقبل. هذا إذا أردنا أن ننظر إليها من زاوية المصلحة المباشرة. الاستثمار فى العلاقات هو استثمار ممتد وطويل الأجل، وليس وقتيًّا قصير النظر. هو استثمار فى المستقبل.
علاقاتنا مع أنظمة دول الجوار تتأرجح تاريخيًّا بين القرب الشديد، إلى درجة الوحدة أو الاتحاد، إلى الحشد العسكرى.
وهى الإجراءات التى لا أظنها تصب فى إطار مفهوم الاستثمار طويل الأجل، حتى لو حقق تطبيقه نتائج إيجابية سريعة فى تشديد الإجراءات أو زيادة الحصيلة فى بعض البنود.
تُعد ليبيا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى سوقاً كبيرة للعمال المصريين، وحتى الآن. بعد لقاء القذافى مع مبارك عام 1989 أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية فى المغرب، شهدت العلاقات تطورًا إيجابيًّا. ونتج عنه توقيع عشر اتفاقيات فى 1991 سُميت «الحريات الأربع»، التى تمنح مواطنى البلدين الجارين حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك.
الملاحظ أن الإجراءات، بعد أن كانت فى إطار تسهيل الحركة والحياة وحق العمل لمواطنى البلدين، أصبحت الأمور تتجه إلى التشديد والتضييق المتبادل. يبدأ طرف، فيرد الآخر.
وكما علمت، اشتكى عدد من المواطنين الليبيين، خاصة أهالى المنطقة الشرقية، الأقرب إلينا، من ارتفاع الرسوم المفروضة من السلطات المصرية على الليبيين الذين يقصدون مصر عبر منفذ السلوم.
لم تترك الحكومة الليبية فى طرابلس الفرصة، فقررت المعاملة بالمثل، فأصدرت مصلحة الجوازات التابعة لوزارة الداخلية بحكومة طرابلس، المسماة حكومة الوحدة الوطنية، قرارًا بتاريخ 14 مارس الجارى تقرر فيه تنفيذ نفس الإجراءات على المصريين القادمين أو المغادرين ليبيا. الأمر يعنى ببساطة إلغاء فعليًّا لمكاسب الشعبين من اتفاقيات الحريات الأربع.
صديق ليبى أرسل إلىَّ حزينًا على هذا الموقف، يقول: «مصر أعادت التأشيرات والإقامات وألف بوابة ورسوم وقيود، فردت حكومة طرابلس بالمثل. لن يأتى أحد غدًا ليوقع مع مصر اتفاقًا كهذا. للأسف، هذه الخطوات المصرية ألغت الاتفاقيات العشر، التى كانت تسمح بالعمل والتنقل والإقامة لست ملايين ليبى مقابل 100 مليون مصرى لهم نفس الحقوق (…).
هذا سينعكس على أكثر من مليون سائح ليبى وعلى حركة التجارة، وملايين العمال لن يُسمح لهم بالإقامة». ويُنهى رسالته بقوله: «أشعر بالأسف، سيتجه الليبيون إلى تونس وأوروبا».
أتفهم أهمية اتخاذ الإجراءات التى تكفل حماية الأمن القومى للبلاد، خاصة فى ظل ما تشهده المنطقة. لكن وفى نفس الوقت أؤكد أهمية الاستمرار فى الاستثمار فى علاقاتنا مع شعوب شقيقة وجارة. هذا يعود على الجميع بمكاسب حقيقية مستمرة.
عبداللطيف المناوي – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
العاصمة البديلة؟
في خضم التوترات السياسية والصراعات المستمرة في لبنان، ومع إغلاق العديد من المطاعم ومحلات السهر في العاصمة بيروت والمناطق الجنوبيّة، تحوّلت طرابلس إلى وجهة بديلة للكثير من اللبنانيين. فقد أصبحت أسواق المدينة ومحلاتها التجارية تشهد ازدحامًا ملحوظًا، مع تدفق أعداد كبيرة من الزوار من مختلف المناطق.ووفقًا لما ذكره أحد أصحاب المحلات التجارية في المدينة، فانه على الرغم من الظروف الاستثنائية الّتي يمر بها البلد، لم تشهد أسواق طرابلس أي تراجع في المبيعات، وبقيت ثابتة بل وزادت قليلاً. ويعود ذلك إلى تأثير النزوح من مناطق أخرى، والذي أسهم بشكل كبير في زيادة الطلب وتعزيز دخل التجار في المنطقة.