هل تمهد خلافات المعارضة لفوز مرشح العدالة والتنمية ببلدية إسطنبول؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
من غير الواضح كيف ستخوض المعارضة التركية انتخابات المجالس المحلية وتواجه ثقل خصمها التقليدي حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) وحليفه حزب الحركة القومية في عموم البلاد.
وبحسب رئيس اللجنة العليا للانتخابات أحمد ينير، فإن 36 حزبا سياسيا تمتلك النصاب القانوني لدخول الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية الشهر الحالي، منها 6 أحزاب معارضة هي الأكثر حضورا، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، ويليه أحزاب الجيد والمستقبل والسعادة والنصر والوطن.
وتشكل الأحزاب الأخيرة الجسم الرئيسي لمعارضة سياسية هشة، تشهد خلافات داخلية وانقسامات فيما بينها وصفتها وسائل إعلام محلية بالمتوترة على نحو غير مسبوق.
لكن مع تشتت تحالف "الأمة" المعارض بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مايو/أيار الماضي إثر الخلافات بين أحزابه، زادت فرص العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، لكنها لم تصل إلى حد الحسم.
وتشير استطلاعات الرأي في تركيا إلى أن فرص رئيس بلدية أنقرة الحالي (المعارض) منصور يافاش أفضل بكثير من منافسه مرشح العدالة والتنمية تورغوت ألتينوك.
أما المنافسة على بلدية إسطنبول الكبرى بين رئيسها الحالي إمام أوغلو ومرشح العدالة والتنمية مراد قوروم فمحمومة، وليس ثمة تقدم كبير لأي منهما على الآخر، أو الحديث عن ترجيح فوز أحدهما بشكل بارز.
يتطور المشهد السياسي في تركيا بشكل دراماتيكي منذ انتخابات مايو/أيار 2023 الرئاسية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان على منافسه مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
ومن الصعب تقدير ما إذا كان بإمكان أحزاب المعارضة، التي توحدت لوقف تصاعد قوة حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2019 لكنها نجحت بشكل نسبي، أن تواصل زخمها السياسي والاجتماعي، وتنتزع ثقة الناخبين الأتراك من جديد، بعد أن تفكك تحالفها وخرج التوتر فيما بينها من الغرف المغلقة إلى العلن، واختار كل طرف خوض معركته بشكل منفرد في عموم الولايات البالغ عددها 81 ولاية.
وقد انتشرت مؤخرا مقاطع فيديو عبر منصات وسائط التواصل الاجتماعي، تلقي الضوء مجددا على هذا الواقع وتداعياته.
فقد كشف فيديو وجود مشادات كلامية وخلافات تنم عن عدم رضا قسم من الحضور على قوائم مرشحي حزبهم "الشعب الجمهوري"، الذي تولى رئاسته أوزغور أوزيل بعد أن أزاح زعيمه التاريخي كمال كليجدار أوغلو عن منصبه.
وأظهر الفيديو ردودا غاضبة لأعضاء وصفوا ما يجري بأنه "علاقة مصالح وصراع على السلطة داخل الحزب".
في حين نقلت فيديوهات أخرى اعتراض بعض الحضور في اجتماع لحزب الجيد المعارض، الذي تترأسه ميرال أفشنار، على قوائم مرشحيه.
واستقال نائب في البرلمان التركي عن حزب الرفاه الجديد، بزعامة فاتح أربكان، احتجاجا على موقف حزبه المعارض لتوجهات الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة.
أجواء تتبددومن المهم الإشارة هنا -كما يقول برهان الدين دوران المنسق العام لوقف مركز سيتا للأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة- إلى أن الأجواء السياسية التي كانت سائدة قبل مايو/أيار 2023 قد تبددت إلى حد كبير قبل الانتخابات البلدية المقبلة، مع التأكيد أن "قوة الرئيس رجب طيب أردوغان التي لا تقهر" و"تشرذم المعارضة وصفقاتها الرخيصة" كانا من أسباب نفور ناخبيها.
ويرى أن "أيّا من الأحزاب التي اجتمعت لدعم مرشح حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو في انتخابات مايو/أيار 2023، لن تشارك بحملة لمرشحي هذا الحزب لرئاسة بلدية إسطنبول في انتخابات مارس/آذار 2024".
بل على العكس من ذلك، فإنها جميعها، بما في ذلك الحزب الاشتراكي وحزب المستقبل وحزب ديفا وحزب النصر، ستطرح مرشحين لتعزيز قاعدة ناخبيها، وهذا يعني أن خطاب حزب الشعب الجمهوري "صوتوا لنا أو سيفوز حزب العدالة والتنمية" قد ضعف إلى حد كبير في معسكر المعارضة.
إن انتقاد حزب العدالة والتنمية بقسوة -كما يرى دوران- يكشف عن نقطة ضعف مهمة لحزب الشعب الجمهوري في إطار بحثه عن أصوات تعزز فرصه في الانتخابات.
ويتابع أنه يجب أن يدرك مرشحو حزب الشعب أنهم فقدوا مزاج عام 2019، وأن نهج إمام أوغلو "أنا والآخرون" أو انتقاده للرئيس أردوغان لن يؤدي إلى الحصول على العديد من الأصوات، كما يتوقع من ناخبي المعارضة.
يعترف الجميع بأن الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2023 من أكثر عمليات التصويت أهمية خلال نصف القرن الأخير في تركيا، ومن الواضح أيضا أنها كشفت خريطة معقدة للتنافس السياسي وصراع المصالح والمكتسبات تعيشه المعارضة اليوم، مما سيرخي بظلاله على الحياة السياسية المقبلة.
إن رؤية المشهد الداخلي عبر هذه الخريطة منحت أطياف المجتمع التركي فرصة لفهم مغزى إصرار الرئيس أردوغان على محو أثر الضربة التي وجهها له تحالف المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية السابقة حين انتزع الأخير مدينة إسطنبول بعد أن حكمها العدالة والتنمية نحو 20 عاما.
تُعرف إسطنبول بأنها مدينة ودودة، تستقبل دون تمييز كل زائر، إنها روح الشرق المطعمة ببريق أوروبا، وهي التي يخفق قلبها كلما اشتد صراع الساسة للسيطرة عليها.
إلى الغرب من وسطها التاريخي، تقع منطقة "كوتشوك شكمجة"، إنها واحدة من البلديات التي يجري التنافس على رئاستها بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري.
في 10 فبراير/شباط الماضي، تعرض مركز حملة انتخابية لمرشح حزب العدالة إلى هجوم مسلح أسفر عن وقوع ضحايا، مما دفع أردوغان للقول إن "هناك من يحاول تسميم العملية الانتخابية لعدم تقبله سيرها بطريقة سليمة ومناسبة لديمقراطيتنا".
تعتبر كوتشوك شكمجة من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في إسطنبول، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 750 ألف نسمة، موزعين على مساحة 43 كيلومترا مربعا، وما يميزها أنها تضم مجموعة من أهم مراكز الصناعة والتجارة والاستثمار العقاري.
نجح حزب الشعب الجمهوري المعارض في انتخابات عام 2019 بالفوز بها، وحصل مرشحه على 48.8% من أصوات الناخبين، بينما حصل مرشح العدالة والتنمية على 44.2% من الأصوات.
لقد عكست هذه التنافسية المصغرة واقع التنافس الكبير الذي شهدته بلدية المدينة الكبرى قبل خمس سنوات، حين فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاستها، متقدما على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم بفارق 800 ألف صوت.
وفي ظل سعيه الراهن للحفاظ على مكتسباته بالقوة المتاحة، ليس من السهل أن يتخلى الشعب الجمهوري المعارض عن الجوهرة التي يملكها، لذا ستكون إسطنبول على الدوام بمنزلة اختبار كاشف وحاسم بالنسبة لأي طرف، ومؤشر القبان الرئيسي لجودة الأداء.
ترميم الخسارة
يسعى الرئيس أردوغان وحليفه التقليدي زعيم الحركة القومية دولت بهجلي، عبر تحالف وثيق وإستراتيجية واضحة، من أجل ترميم خسارتهما للمدينة إلى جانب 4 مدن رئيسة أخرى هي العاصمة أنقرة وإزمير وأضنه وأنطاليا.
وستزيد كبوة الحصان التي تعرضا لها أمام صناديق الانتخابات المحلية ثم فوز أردوغان الساحق بولاية رئاسية جديدة من حماستهما للربح من جديد. فبعد لقاء جمعهما استمر قرابة ساعة في منزل أردوغان، تم التأكيد على الثوابت المشتركة بين الطرفين.
وزاد بهجلي من صراحته ردا على سؤال وجّه إليه في مؤتمر صحفي قائلا "حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية هما حزب واحد، متشابكان، وسيواصلان موقفهما الحازم في الانتخابات المحلية".
في أسواق المدينة المكتظة بالمارة، تلفت نظرك ملصقات تطل من خلف واجهات محال تجارية مرموقة، وأخرى جدارية تتدلى من أعالي أبنية تاريخية، لمرشحين يبحثون عن مكان ما في هذا السباق، يمثلون أحزابا دخلت المعترك الانتخابي ببرامج عمل ضعيفة.
مرشح العدالة والتنمية مراد قوروم، ومرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو، يتنافسان بقوة للفوز بها، بالنسبة لكثير من سكان الأحياء، لم تشهد المدينة في السنوات الخمس التي مضت على تولي الأخير رئاستها أي تطور لافت يسجل له.
أحدث انصراف إمام أوغلو عن مهمته رئيسا لبلدية كبرى، وجريه وراء طموح سياسي ينتهي به إلى قيادة البلاد "كما يرى معظم المحللين" هزة عنيفة لدى السكان، كما خلق استياء شعبيا، بلغت ذروته في مطلع يناير/كانون الثاني 2022 حين أطلق مغردون أكثر من 100 ألف تغريدة عبر وسوم مختلفة، تنتقد فشله في إدارة تبعات عاصفة ثلجية ضربت المدينة، عطلت حركة المرور فيها بشكل كامل.
وصِفت التغريدات بأنها رسائل حادة، وأحيانا ساخرة، من جمهور يشكو غياب خدمات الطوارئ وإجراءات الإغاثة، وغياب الطاقم البلدي الرسمي، الذي كان رئيسه "بحسب صور متداولة" يتناول وجبة عشاء فاخرة في أحد المطاعم الرئيسية.
قبول الأخطاء
في خطوة وصفت بالضرورية، أعاد حزب العدالة والتنمية تقييم حصاد مرحلته السابقة بعد خسارته إسطنبول وشقيقاتها، وأوضح الرئيس أردوغان في رسالة لإدارة الحزب بقوله "أينما ارتكبنا خطأ سنقبله دون أي تعقيد، وسنبحث عن طرق لتصحيحه".
وفي هذا الصدد، أكد رئيس حزب العدالة والتنمية في إسطنبول عثمان نوري كاباك تبه أن الحزب أجرى تحليلات للانتخابات المحلية، وتبين أن ديناميكيات انتخابات يونيو/حزيران 2019 المحلية، التي شهدت جولة إعادة وفاز بها أكرم إمام أوغلو بفارق 800 ألف صوت، كانت مختلفة.
وتابع في مؤتمر صحفي "أجرينا تقييماتنا لنتائج جولة الإعادة من الانتخابات المحلية في يونيو/حزيران، بالإضافة إلى انتخابات الجولة الأولى في مارس/آذار، حيث وجدنا أن نسبة التصويت في إسطنبول يجب أن تكون بين 50% و51%، وألا تقل عن 48%".
ووفقا لأرسين جليك رئيس تحرير الموقع الإلكتروني لصحيفة "يني شفق" اليومية، فإن التقييمات الأولية التي أجراها الحزب أبرزت وجود أسباب اقتصادية.
وقال "إن الزيادة غير المنضبطة في إيجارات المنازل في ولاية إسطنبول أمر واضح. لقد أصبحت الحياة المعيشية في إسطنبول تزداد صعوبة. والمأوى يتحول إلى مشكلة كبيرة، فإذا كان حزب العدالة والتنمية يريد الفوز في الانتخابات المحلية في إسطنبول، فعليه إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية الأساسية لأهالي المدينة".
إسطنبول من جديدوتحت مظلة الشعار الذي رفعه حزبه "إسطنبول من جديد"، قدم مراد قوروم مرشح العدالة والتنمية لرئاسة بلديتها الكبرى نفسه.
وبخلاف إمام أوغلو الذي استعان في مشروعه الانتخابي بقضايا وطنية ذات إشكالية على أمل أن يدعم رصيده بأصوات جديدة بعد أن خسر دعم حلفائه في المعارضة، يركز قوروم في مشروعه على مهمة واضحة ومحددة وهي إعادة تأهيل المدينة، "من أجل 16 مليون إسطنبولي، سنعمل على مكافحة الفوضى وسوء التنظيم في الولاية، وإزالة مخاوف شعبنا بشأن الزلزال".
وأكد في تغريدة له على موقع إكس "نحن نعرف إسطنبول وما يتوقعه سكان إسطنبول منا، سوف نقوم بالقضاء على الفوضى الحالية في أسرع وقت ممكن".
ويتصاعد التنافس الانتخابي اليوم ويزداد خفقان القلوب كلما اقترب موعد التصويت، إنه وقت عصيب بلا شك.. لكن ليس بالنسبة لـ"كاباك تبه" وحزب العدالة الذي يردد "لسنا مهتمين بهوية خصمنا أيا كان المنافس، نحن واثقون من قوتنا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الشعب الجمهوری المعارض مرشح العدالة والتنمیة حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری بلدیة إسطنبول فی الانتخابات فی انتخابات إمام أوغلو فی إسطنبول مایو أیار مرشح حزب من جدید بعد أن
إقرأ أيضاً:
العدالة والتنمية المغربي.. تجديد القيادة وتثبيت الديمقراطية في مواجهة الأزمات
في زمن يشهد تحولات إقليمية ودولية عميقة، وفي ظل أزمات سياسية داخلية خانقة، جاء انعقاد المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي ببوزنيقة يومي 26 و27 أبريل 2025، ليؤكد أن الديمقراطية الداخلية لا تزال خيارًا أصيلاً لدى الحزب، وأن الدفاع عن قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية لا يزال محوراً أساسياً في خطابه السياسي.
المؤتمر شكل لحظة فارقة، جمعت بين تجديد الهيكلة الحزبية وتثبيت المبادئ المرجعية، في مشهد تميز بحضور وطني ودولي لافت.
جامع المعتصم: المؤتمر تتويج لمسار الديمقراطية الداخلية
أكد جامع المعتصم، رئيس المؤتمر الوطني التاسع، أن المؤتمر يمثل تتويجًا لمسار طويل من الممارسة الديمقراطية الداخلية التي يتميز بها حزب العدالة والتنمية. واعتبر المعتصم أن المؤتمر هو "عرس ديمقراطي"، مشيدًا بالعمل الجاد الذي قامت به اللجنة التحضيرية بقيادة إدريس الأزمي الإدريسي، عبر تنظيم لقاءات موسعة ومشاركة فاعلة لأعضاء الحزب، فضلا عن إشراك خبراء مستقلين في تقييم أوراق الحزب ومقترحاته.
كما شدد المعتصم في كلمته الافتتاحية، على أهمية المرجعية الإسلامية للحزب، مؤكدًا أنها ليست فقط هوية بل أساس للعمل السياسي، داعيًا إلى تخليق السياسة وإعطاء القدوة.
عبد الإله بنكيران: نقد لاذع للحكومة وتأكيد على مواصلة النضال
أكد بنكيران في بداية كلمته أن حكومة عزيز أخنوش، منذ توليها المسؤولية في عام 2021، قد تراجعت بشكل ملحوظ في أدائها، متهماً الحكومة بالوقوع في تضارب المصالح، وإبرام صفقات مشبوهة، بالإضافة إلى "تحزيب الإدارة". كما انتقد بشدة الصفقة المتعلقة بتحلية المياه في الدار البيضاء التي استفاد منها رئيس الحكومة، قائلاً إنها مخالفة واضحة للقانون.
وأضاف بنكيران أن الحكومة الحالية فشلت في الوفاء بوعودها، خصوصًا في مجالات حساسة مثل دعم النساء الأرامل، إدارة أزمة طلبة كليات الطب والصيدلة، وسوء إدارة القطاع التعليمي الذي شهد تراجعًا في النتائج بسبب النهج المعتمد في تدريس اللغة الفرنسية.
أزمة الدعم الحكومي
فيما يخص التمويل، ذكر بنكيران أن وزارة الداخلية ما تزال تحجب الدعم عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب. وفي المقابل، شكر الحزب أعضاءه على التمويل الذاتي للمؤتمر، معبرًا عن تقديره لهذه المبادرة التطوعية.
وشدد بنكيران على أن حزب العدالة والتنمية سيظل مستمرًا في لعب دوره الوطني في الحياة السياسية المغربية، مشيرًا إلى أن الهدف هو خدمة الوطن والمواطنين والعمل من أجل الحفاظ على الدولة المغربية الحرة والقوية.
القضية الفلسطينية والموقف الثابت لحزب العدالة والتنمية
وأضاف بنكيران في تقريره أن المغاربة لا يفرقهم عن الفلسطينيين سوى الجغرافيا، مؤكدًا أن الدين، اللغة، والتاريخ بين الشعبين واحد. وشدد على أن الفلسطينيين هم مغاربة والمغاربة فلسطينيون، مُبديًا إدانته لأي محاولات للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. في هذا الصدد، أشار إلى أن من يؤيد الاحتلال الصهيوني يتنكر لجميع القيم الإنسانية والأخلاقية التي تربط الشعوب العربية والإسلامية.
وأشار إلى أن المقاومة الفلسطينية أظهرت أن المعركة لا تحتاج فقط إلى السلاح، بل إلى الإيمان العميق بحتمية النصر وحسن التخطيط. ودعا إلى أن تتوحد الأمة الإسلامية وتعمل بنية حسنة من أجل أن يكون المستقبل أفضل للجميع.
وحمّل بنكيران الإدارة الأمريكية المسؤولية المباشرة عن المجازر في غزة، معتبراً أن استخدام واشنطن للفيتو في مجلس الأمن دعم صريح للإبادة الجماعية. وأشاد بالمظاهرات الشعبية المغربية الداعمة لفلسطين، مؤكداً أن هذا الالتزام الأخلاقي والإنساني يعكس أصالة الشعب المغربي.
في ختام كلمته، كشف عبد الإله بنكيران عن أن وفد حركة "حماس" الفلسطينية الذي كان مدعوًا لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر لم يتمكن من الحصول على تأشيرة دخول إلى المغرب. وأعرب عن أسفه لعدم تمكن الوفد من الحضور، مُشيدًا بمواقف الحركة الفلسطينية في دعم قضية الأمة.
ورغم عدم تعليق بنكيران بشكل مباشر على السبب وراء عدم منح التأشيرات أو الجهة التي اتخذت القرار، إلا أن رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، إدريس الأزمي، قد أكد في وقت سابق أن الأمر كان بسبب ظروف خارجة عن إرادة الحزب.
وحرصت حركة "حماس" على إيصال صوتها عبر كلمة مباشرة ألقاها فوزي برهوم عبر تقنية الاتصال المرئي، معبراً عن تقديره للشعب المغربي وندد بالإبادة الجماعية الجارية في غزة، مشيدًا بصمود الفلسطينيين.
كلمات داعمة من الخارج.. فلسطين محور الإجماع
تميزت الجلسة الافتتاحية بكلمات متضامنة من شخصيات عربية وازنة: العلامة محمد الحسن ولد الددو، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أكد أن حزب العدالة والتنمية أثبت أنه حزب ديمقراطي يؤمن بالتداول السلمي على السلطة، وأنه لا يُضاهى في دفاعه عن قضايا الأمة، مشددًا على وحدة الصف الإسلامي.
مصطفى البرغوثي، الذي قدم صورة قاتمة عن جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة والقدس، أكد أن الشعب الفلسطيني ثابت على أرضه ولن يستسلم، ودعا لإلغاء كل أشكال التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، مثمنا مواقف الشعب المغربي الثابتة.
حمادي ولد سيد المختار، رئيس حزب تواصل الموريتاني، أشاد بالتجربة الديمقراطية لحزب المصباح، معبرًا عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني.
الغنوشي الغائب الحاضر
في كلمة ممثل حركة النهضة التونسية، رضا إدريس، سلط الضوء على الانتكاسة التي تمر بها تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس. وأشار إدريس إلى الأوضاع السياسية المتدهورة في بلاده، حيث تتعرض حركة النهضة وأحزاب سياسية كبرى أخرى لاضطهاد واضح من خلال اعتقال قادتها، وعلى رأسهم زعيم الحركة ورئيس البرلمان السابق، راشد الغنوشي.
وقد أثارت هذه الممارسات استياءً واسعاً بين الحاضرين في المؤتمر، حيث رددوا هتافات قوية تطالب بإنهاء الاعتقال السياسي في تونس، وتنادي بالإفراج عن الغنوشي. كما تم ترديد النشيد الوطني التونسي "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"، في لحظة تضامن قوية مع الشعب التونسي.
وتم عرض صورة كبيرة للغنوشي على شاشة المؤتمر، ليؤكد الحاضرون دعمهم المستمر لقضية الديمقراطية في تونس، وجددوا دعوتهم للإفراج عن قادة المعارضة الذين يتعرضون للاعتقال السياسي.
قواسم حزبية مغربية مشتركة
في كلمته، انتقد نبيل بنعبد الله أمين عام حزب التقدم والاشتراكية حكومة عزيز أخنوش، مؤكداً أنها تفتقد للحس السياسي ولم تقم بأي إجراء إصلاحي جاد في الفضاء الديمقراطي والحقوقي. وقال إن الحكومة الحالية فشلت في الوفاء بوعودها أمام الشعب، مؤكدًا أن المغرب بحاجة إلى حكومة جديدة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين.
من جانبه أكد محمد أوزين أمين عام حزب الحركة الشعبية، على عمق العلاقة التاريخية بين حزبه وحزب العدالة والتنمية، مستعرضًا مراحل التعاون المشترك بين الحزبين في مختلف المجالات السياسية. كما شدد على ضرورة تعزيز التعاون بين الأحزاب السياسية من أجل مغرب قوي ومتماسك. أوزين شدد على أن الرهان الانتخابي لا يصنع الأحزاب الكبيرة، بل التزام الأحزاب بتطوير المجتمع وتنمية المؤسسات هو ما يجعلها راسخة وقوية.
أما محمد جودار أمين عام حزب الاتحاد الدستوري، فقد أشار إلى العلاقات الوطيدة التي تجمع حزب الاتحاد الدستوري بحزب العدالة والتنمية، موضحًا أن هذا التعاون يمتد على سنوات من العمل المشترك في البرلمان. وأشاد جودار بنجاحات الحزبين في خدمة المصلحة العامة، خاصة في مشروع خط الترامواي في الدار البيضاء، وهو مثال على التعاون الناجح بين الحزبين.
وأكد مولاي امحمد الخليفة القيادي الوطني، أكد أن حزب العدالة والتنمية قد تخطى مرحلة الاستثناء التي عاشها منذ المؤتمر الاستثنائي في 2021. وأشاد الخليفة بقيادة عبد الإله ابن كيران التي تمكنت من صمود الحزب في مواجهة التحديات. ودعا إلى وحدة الصف والعمل الجاد من أجل إعادة الحزب إلى مكانته الطبيعية في الساحة السياسية المغربية.
وقد كشفت مداخلات الضيوف خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية عن مجموعة من القواسم المشتركة التي تؤكد رسوخ فكرة النضال من أجل مغرب ديمقراطي متجدد.
ورغم اختلاف المشارب السياسية، أجمع المتدخلون على الإشادة بصمود حزب العدالة والتنمية وبدوره المحوري في المشهد السياسي الوطني. كما شددوا على أهمية التمسك بالعمل السياسي النبيل الذي يعلو فوق الاعتبارات الظرفية والرهانات الانتخابية الضيقة.
كما أجمعوا على ضعف أداء الحكومة الحالي وغياب الحس الإصلاحي، ودعوا إلى ضرورة تجاوز الاصطفافات الانتخابية لبناء مغرب المؤسسات.
غيابات بارزة في المؤتمر
ورغم الحضور المكثف لشخصيات حزبية ومدنية من المغرب وخارجه، لوحظ غياب بعض الشخصيات الوطنية البارزة، مثل: ىعزيز أخنوش، رئيس الحكومة وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرا،. إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قادة جماعة العدل والإحسان، أكبر تنظيم إسلامي معارض في المغرب.
وقد علم أن غياب هؤلاء القادة كان مرتبطًا بعدم توصلهم بدعوات رسمية من اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وهو ما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقات الراهنة بين العدالة والتنمية وباقي الفاعلين السياسيين.
ويعد المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية وفق قادة الحزب وأنصاره بمثابة لحظة حاسمة للمضي قدماً في إصلاح الحياة السياسية المغربية، في إطار من التعاون والتنسيق بين مختلف القوى السياسية. وتظل أولوية الحزب في المرحلة القادمة تتمثل في تعزيز دوره كحزب ديمقراطي قادر على التأثير الإيجابي في بناء مستقبل أفضل للمغرب، مع الحفاظ على قيم الوطنية والكرامة والعدالة.
واختتم حزب العدالة والتنمية فعاليات اليوم الأول من مؤتمره الوطني التاسع بانتخاب مجلس وطني، والمصادقة على أوراق المؤتمر، على أن يخصص اليوم الثاني من مؤتمره لانتخاب الأمانة العامة للحزب، حيث تشير التقديرات إلى أن التشكيلة الجديدة لن تحمل مفاجآت كبيرة، بل ستكون خطوة نحو إنهاء مرحلة الاستثناء التي تلت المؤتمر الاستثنائي بعد انتخابات 2021، في محاولة لترسيخ الاستقرار داخل الحزب.
يأتي هذا في وقت يطمح فيه الحزب إلى استعادة مكانته كقوة انتخابية منافسة في الانتخابات المقبلة في العام 2026.
ورغم الجدل والنقاشات الحادة التي سادت قبل وأثناء المؤتمر، والتي أثارت مخاوف البعض من حدوث انشقاقات داخل الحزب نتيجة تباين وجهات النظر، إلا أن التوقعات تشير إلى أن المؤتمر سيسفر عن تمكين الأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران من ولاية ثانية على رأس الحزب.
ويهدف بنكيران من خلال ولايته الجديدة، كما تشير ذات التوقعات، إلى مواجهة التحديات السياسية المقبلة والإشراف على مرحلة تحول جيلي داخل الحزب، حيث يصر الحزب على كونه جزءًا من حركة إصلاحية وطنية تهدف لخدمة الوطن، والمساهمة في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين بعيدًا عن الصراع على السلطة.