تونس- تباينت ردود الفعل بشأن موقف هيئة المحامين تجاه وضع الحقوق والحريات وجهاز القضاء في تونس، فبينما اعتبر البعض أنها عادت بعد طول غياب لتنتفض ضد نظام الرئيس قيس سعيد بسبب ما تعتبره تدهورا للحريات، قال آخرون إن موقفها يقع في إطار دفاعها عن الحقوق المادية فحسب.

وبعدما وُصفت بأنها مساندة للرئيس سعيد، أصدرت هيئة المحامين في خطوة مفاجئة أمس الخميس بيانا نددت فيه بما وصفته "التضييقات على الحريات، وتواتر استهداف المحامين والصحفيين والنقابيين والناشطين السياسيين والحقوقيين، بموجب قوانين زجرية أحكامها قاسية، من دون احترام الإجراءات القانونية وحقوق الدفاع، وبدون ضمانات قضائية".

واستنكرت هيئة المحامين "تردي" واقع الحريات العامة والفردية، بسبب تواتر الملاحقات القضائية بموجب المرسوم 54، المتعلق بمكافحة جرائم المعلومات والاتصالات، والذي تعتبره المعارضة ونقابة الصحفيين وغيرها من المنظمات الحقوقية "سيفا مسلطا على رقاب كل من ينتقد الرئيس سعيد"، وقالت هيئة المحامين إن "استفحال" الملاحقات القضائية بموجب ذلك القانون "يعتبر تجسيدا لقمع حرية التعبير ومصادرة الرأي المخالف للسلطة".

تهديد باحتجاجات

ويأتي بيان هيئة المحامين إثر شكاوى عديدة من قبل محامين يتم التحقيق معهم بتهم التآمر على أمن الدولة والإساءة للغير، ويتم أيضا التضييق على عملهم بإجراءات تعسفية تنتهك حقوق الدفاع عند الوقوف إلى جانب موكليهم، سواء أمام الفرق الأمنية أو إدارات السجون، بحسب محامين.

ولا يقتصر بيان هيئة المحامين فحسب عند حدود التنديد والاستنكار بوضع الحريات، وتواتر الملاحقات أو ضرب استقلال قطاع المحاماة أو جهاز القضاء، وإنما بلغ درجة التهديد بالقيام بتحركات احتجاجية، بدءا بالمقاطعات في الجلسات، وصولا إلى الوقفات للتنديد بتردي أوضاع الحريات.

وبالفعل، فقد أصدرت هيئة المحامين بيانا ثانيا، بعد سويعات من بيانها شديد اللهجة ضد السلطة، دعت فيه عموم المحامين للحضور بكثافة يوم الأربعاء المقبل، للاحتجاج على محاكمة المحامي عبد العزيز الصيد، أحد أعضاء لجنة الدفاع عن المساجين السياسيين، المتهمين من قبل السلطة بالتآمر على أمن الدولة.

وطالبت الهيئة بالإفراج الفوري على كل المساجين السياسيين والمحامين والصحفيين، وغيرهم ممن زج بهم في السجون بسبب مواقفهم، أو إبداء آرائهم، احتراما لقرينة البراءة وتوفيرا لظروف المحاكمات العادلة، ودعت إلى إرساء نظام سياسي عصري وديمقراطي وتشاركي يفصل بين السلطات.

ويعتبر البعض هذه الانتقادات والدعوات الموجهة من قبل هيئة المحامين ضربة قوية ومباشرة للرئيس قيس سعيد، ومنظومته السياسية التي يسعى لإرسائها منذ 25 يوليو/تموز 2021، والتي قام بموجبها بالإطاحة بالبرلمان السابق وإلغاء دستور 2014، ليسن دستورا جديدا يحظى فيه بنفوذ يكاد يكون مطلقا.

الناشط الحقوقي العياشي الهمامي يرى أن بيان هيئة المحامين لم يكن كافيا لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح (الجزيرة) خطوة إيجابية

يرى المحامي والناشط الحقوقي العياشي الهمامي أن بيان هيئة المحامين "جاء متأخرا، قياسا بالتاريخ النضالي لقطاع المحاماة، وفي ظلّ الانتكاسة التي تشهدها تونس بسبب الانقلاب على الدستور من قبل الرئيس قيس سعيد"، لكنه يعتبر أن بيان الهيئة خطوة في الاتجاه الصحيح لإدانة "الانقلاب".

وفي تصريح للجزيرة نت، يقول الهمامي، وهو أحد المحامين الملاحقين قضائيا بتهمة التآمر على أمن الدولة، وبموجب المرسوم 54، إن "هيئة المحامين سجلت موقفا إيجابيا بفضحها الممارسات القمعية للنظام الحالي، وتمسكها بمبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء والمحاماة ضد هيمنة السلطة ووضع اليد عليها".

لكنه يعتبر أن بيان هيئة المحامين لم يكن كافيا، لأنه لم يدع إلى إرجاع 57 قاضيا لعملهم، بعد عزلهم من قبل الرئيس سعيد في الأول من يونيو/حزيران 2022 بتهم الفساد، مستشهدا باتهامات تشمل عرقلة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، والفساد المالي والأخلاقي، رغم أن المحكمة الإدارية قررت في أغسطس/آب 2022 أحكاما لإرجاع 49 قاضيا مشمولا بالعزل إلى عملهم.

كما قال الهمامي إن بيان هيئة المحامين لم يتوجّه مباشرة للرئيس سعيد لإلغاء المرسوم رقم 35 لسنة 2022، الذي منح بموجبه لنفسه "سلطة إعفاء القضاة والوكلاء العامين على هواه، استنادا إلى تقارير من جهات مخوّلة غير محددة، تفيد بأنهم يشكلون تهديدا للأمن العام أو المصالح العليا للبلاد".

ومع ذلك يؤكد الهمامي أن بيان هيئة المحامين يعد "البيضة الأولى في السلة"، باعتبار أن قطاع المحاماة التونسية له تاريخ عريق في مقاومة الاستبداد والنضال من أجل الديمقراطية، وليس تاريخ التقرب من السلطة، لافتا إلى أنه "من السابق لأوانه الحديث عن تداعيات الموقف الجديد لهيئة المحامين".

موقف متأخر

من جهة أخرى، يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني إن "بيان هيئة المحاماة يأتي في المسار الصحيح، ردا على تدهور مناخ الحريات في البلاد"، لكنه يؤكد للجزيرة نت أنه "جاء متأخرا بالنظر إلى موقفها الصامت والمؤيد لمسار الرئيس منذ تاريخ إعلانه عن التدابير الاستثنائية في سنة 2021".

وأشار إلى الانتقادات العديدة في حق هيئة المحامين، بسبب صمتها عن فضح الانتهاكات الحاصلة، قائلا "الهيئة لم تقف حتى إلى جانب المعتقلين السياسيين من أجل المهنة، على غرار غازي الشواشي ورضا بالحاج ونور الدين البحيري، وحتى عميد المحامين لم يكلف نفسه عناء زيارتهم في السجن".

ولا يعلم العجبوني إن كان تغيير موقف هيئة المحامين من النظام الحاكم يأتي في سياق مراجعة جذرية لخياراتها، بناء على استنتاجها لتردي الأوضاع العامة وواقع الحريات، أم أنه مجرد مناورة لتحسين شروط التفاوض، بسبب بعض المستجدات ذات العلاقة بمهنة المحاماة، والتي تمس مصالح المحامين المادية.

ويرى بعض المنتقدين لهيئة المحامين أنها فوتت على نفسها تسجيل موقف مشرف بمواجهة "الانقلاب" وقبولها بالإجراءات التي أقرها الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021، مشيرين إلى أنه تمت مكافأة عميد المحامين السابق إبراهيم بودربالة برئاسة البرلمان الحالي بعد دعمه للرئيس سعيد.

وقبل أيام، أعلن مجلس المنافسة اتخاذ قرار وقتي بوقف العمل بقرار هيئة المحامين، المتعلق بتحديد قائمة في مقادير الأتعاب الدنيا للمحامي ومعايير تحديدها، إلى حين البت في الموضوع، وأثار هذا القرار حفيظة هيئة المحامين الممتعضة أصلا من إحالة مشروع قانون عدول الإشهاد للنظر في البرلمان.

ويوسع مشروع هذا القانون صلاحيات عدول الإشهاد، خاصة في مستوى إبرام عقود الزواج وتنظيم مسارات الطلاق إذا كان بالتراضي بين الزوجين، وهو مشروع تعترض عليه جملة وتفصيلا هيئة المحامين، وتعتبر أن فيه "استيلاء على صلاحيات وتخصصات المحامين، وضربا لمكتسبات الأسرة التونسية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات المحامین لم من قبل

إقرأ أيضاً:

نشأت الديهي: الأحداث بالمنطقة الآن حذر منها الرئيس السيسي منذ طوفان الأقصى

قال الإعلامي نشأت الديهي، إن كل ما يجري في المنطقة الآن كان قد تنبأ به الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد 3 أيام فقط من عملية طوفان الأقصى في 10 أكتوبر 2022.

نشأت الديهي: مقترح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين مرفوض عربيانشأت الديهي يطالب بمنح الرئيس السيسي جائزة نوبل للسلام.. لهذا السبب


وأضاف "الديهي" خلال تقديم برنامجه "بالورقة والقلم" المذاع عبر فضائية "TeN"، مساء اليوم السبت، "كل ما يجري الآن تنبأ إليه الرئيس السيسي منذ سنة وكان يُحذر انتبهوا وهو يتحدث يوم 10 أكتوبر 2023 بعد 3 أيام من حرب طوفان الأقصى وكان يقول دي البداية بعدها كنا في الكلية الحربية وشوفنا الحرب في لبنان وسوريا وإيران والقادم يحتاج إلى مزيد من الصحيان".


وتابع "ما استشرفه الرئيس كان يُشير إلى ما يحدث وكان فيه قراءة دقيقة للأحداث ومجرياتها وإحنا رايحين فين، ثقوا في الرئيس وأحسنوا الظن به كل ما يجري كان ينبه إليه والله ما قاله تحقق حرفيًا وكل اللي بيحصل شوفناه كان ينبه إليه الرئيس السيسي، لأن إدارة الدول ليست مثل الشركات ولكنه شيء شديد التعقيد".


وأردف "هناك مخاوف من عودة الحرب مرة أخرى بعد استلام الأسرى الإسرائيليين وشوفنا الجارديان يتحدث عن اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يخطط لأن تكون غزة بلا فلسطينيين وأن نتنياهو لا ينوي الانسحاب الكامل ولن يمنعه دونالد ترامب من ذلك، وبعد تبادل الأسرى نتنياهو يرفض استمرار وقف إطلاق النار وأنا لا استبعد أنه يقوم بهذا الأمر".

مقالات مشابهة

  • الرئيس السوري يكشف ملامح المرحلة السياسية المقبلة في البلاد
  • الرئيس الأوكراني يحذر من التحالف الثلاثي روسيا وكوريا وإيران: خطير للغاية
  • نقيب المحامين يترأس ثلاث جلسات لحلف اليمين للأعضاء الجدد بأكتوبر
  • نقيب المحامين يترأس جلسات حلف اليمين للأعضاء الجدد بأكتوبر
  • نقيب المحامين يترأس 3 جلسات لحلف اليمين للأعضاء الجدد.. صور
  • لماذا اختار "الشرع" السعودية أولاً؟: زيارة الرئيس السوري تحمل رسائل غير متوقعة
  • إسرائيل تُعيّن إيال زامير خلفا لهاليفي.. ماذا نعرف حتى الآن؟
  • نشأت الديهي: الرئيس السيسي حذر من كل ما يجري في المنطقة الآن
  • نشأت الديهي: الأحداث بالمنطقة الآن حذر منها الرئيس السيسي منذ طوفان الأقصى
  • اتحاد المحامين العرب يرفض استحداث الحوثيين كياناً موازياً لنقابة المحامين اليمنيين