تمر سنوات العمر فى غفلة وتظهر تأثيرات الأيام على الوجوه لتأخذ من نضارتها وترسم ملامح الشيب على الرأس وتحفر التجاعيد خطوطها العريضة دون استئذان، وتكفى لحظات أمام المرآة لتخبر صاحبها بأن ما فات أكثر مما هو آت، وأن لحظات الحياة المتبقية مربوطة بعدد الأنفاس، فلا تدرى نفس ما بين طرفة عين وإفاقتها هل ستبقى على قيد الحياة.
فلسفة الحياة يا سادة أننا جميعاً راحلون وأن بيوتنا الحقيقية نشيدها بأعمالنا وصدقاتنا، وأن أموالنا نرسلها للآخرة مغلفة بما اقترفت أيدينا لنبنى بها منازل الخلد عند مليك مقتدر «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير» لقمان (34).
من هذا المنطلق ومن خلاصة تجربة الحياة لا شىء يبقى إلا الأثر، وكل إلى زوال، ولو كان لبشر أن يخلد لخلد الله الأنبياء والرسل، فما استطاع فرعون الذى ملك الدنيا وقال أنا ربكم الأعلى أحيى وأميت على البقاء، وما لحقه الجبابرة والأكاسرة على من التاريخ.
نحن لا نناقش فكرة الخلود والبقاء «إنك ميت وإنهم ميتون» الزمر (30)، ولكنها فرصة فى تلك الأيام المباركة لتذكر أنفسنا وكل من تقع عيناه على كلماتنا أن الحياة أقصر من أن نقضيها فى معصية الله ورضاء شيطان النفس لنعيم زائل، والأصل أن الإنسان خلق لعبادة الله وتنفيذ فرائضه ووصايا رسله لينعكس الدين على أخلاقنا ومعاملاتنا ومراعاة قواعده وأحكامه السامية فى كل أمور حياتنا فننعم وينعم غيرنا تنفيذاً لوصية رسولنا الكريم «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
نعم ما أحوجنا إلى العودة لأصول ديننا الذى وضع أحكاماً ثابتة لتنظيم أمور حياتنا فى أبسط صورها لتعود لأمتنا هيبتها وكرامتها وقوتها بدلاً من الفرقة والضعف والهوان ليصدق علينا قول الرسول الكريم «توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».
إصلاح النفس هو البداية.. ابدأ بنفسك ومن تعول سيصلح الله حال المجتمع كله لتتسع الدائرة، ويصلح الله حال الأمة كلها فقد بدأت الدولة الإسلامية قوتها من دعوة فى الخفاء للنبى المختار، ثم بدأت عملية الإصلاح تنتقل إلى مجموعة معدودة على أصابع اليد ثم إلى مجموعات تكبر وتكبر لتنتشر الدعوة الربانية حتى سادت العالم بقوانين لا تفرق بين غنى ولا فقير تحت دستور ربانى شعاره «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
الآن وقد بلغ عدد المسلمين حول العالم أكثر من 2 مليار مسلم يملأون بقاع الأرض مسلمين اسمياً دون وجود فعلى للإسلام قولاً وعملاً، فهانت علينا أنفسنا وهان علينا ديننا، فتكالبت علينا الأمم قتلاً وتجويعاً وتشريداً وسلباً ونهباً واعتداء على المقدسات والحرمات، واكتفينا بالشجب ومصمصة الشفاه ودعاء الغلابة والمقهورين ومسلوبى الإرادة.
باختصار.. النجاة فى العودة إلى الدين والتمسك بأصوله وثوابته وإفراغ النفس من شهواتها، واليقين أن العمل الخالص هو أساس النجاح والتوكل على الله فى كل أمورنا والبعد عن التواكل الذى يفتح الباب على مصرعيه للشيطان ليأتى على ما تبقى منا ويزيد ضعفنا ويهزم إرادتنا وتخور عزائمنا، فتتكالب علينا الأمم، فنخسر دنيانا وآخرتنا.
تبقى كلمة.. ما يشهده عالمنا الإسلامى ووطننا العربى من صراعات وتناحرات وفرق وشيع مرجعه الأساسى هو التكالب على الدنيا، والبعد عن الأسس والقواعد التى وضعها الدين الحنيف، والتى ترسم خريطة النجاة المبنية على العدل والقواعد الربانية ولا أمل لدينا سوى العودة إلى الحق وتعديل المسارات الخربة قبل فوات الأوان.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار سنوات العمر الحقيقية
إقرأ أيضاً:
زيارة السيسي إلى قطر والكويت: دبلوماسية تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط
في توقيت بالغ الدقة، تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دولتي قطر والكويت لتؤكد مجددًا أن القيادة السياسية المصرية تُجيد قراءة المتغيرات وتوظيفها ببراعة لصالح الدولة. لم تعد القاهرة مجرد طرف في معادلات المنطقة، بل أصبحت بوصلة يُعاد وفقها ترتيب الحسابات.
قبل سنوات، كانت قطر رأس حربة في مشروع تقسيم الشرق الأوسط عبر تمويل جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية. سارت حينها في فلك يخدم أجندات الفوضى الخلاقة، وسخّرت أدواتها الإعلامية لضرب استقرار الدول. لكن المعادلة تغيرت، وبفضل القيادة السياسية المصرية، نجحت القاهرة في تفكيك ذلك المشروع، وإعادة ضبط العلاقة مع قطر. اليوم، لم تعد الدوحة في موقع الخصومة، بل أصبحت شريكًا استراتيجيًا وأداة فاعلة ضمن مساعي إنهاء الحرب في غزة، في تنسيق مصري- قطري يعكس نضجًا سياسيًا يُحسب للطرفين.
أما الكويت، التي مرت علاقتها بمصر بمرحلة من البرود، فقد عادت إلى موقعها الطبيعي كداعم استراتيجي، بعدما تيقنت أن القاهرة هي الضامن الحقيقي للاستقرار. الزيارة الأخيرة فتحت أبواب التعاون، وجددت الثقة المتبادلة، وأعادت العلاقات إلى عمقها التاريخي.
ولا يمكن إغفال الأثر الكبير لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، التي شكلت نقطة تحول في نظرة القوى الكبرى إلى مصر. ما شهدته تلك الزيارة من استقبال استثنائي وحوار سياسي عميق، قدّم صورة واضحة عن دولة باتت تتعامل بندية واحترام مع العالم. لقد أعادت هذه الزيارة ترتيب الكثير من الحسابات، وجعلت عواصم عدة تهرول إلى القاهرة لكسب هذا الحليف القوي، الذي يثبت يومًا بعد يوم أنه لا ينكسر ولا يساوم.
الملف الفلسطيني كان حاضرًا بقوة، لا سيما في ظل التصعيد الإسرائيلي في غزة. زيارة السيسي إلى قطر جاءت في إطار مبادرة مصرية حقيقية لوقف إطلاق النار وإنهاء الكارثة الإنسانية. التحول القطري في هذا الملف لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة لجهد مصري طويل أعاد توجيه بوصلة السياسات القطرية لتصبح جزءًا من الحل. مصر، بعلاقاتها التاريخية مع السلطة الفلسطينية والفصائل، تستثمر هذا الرصيد لتقود مسار التسوية في ظل صمت دولي وعجز أممي.
الجانب الاقتصادي حظي كذلك باهتمام كبير، إذ أعلنت قطر والكويت عزمهما ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في السوق المصري، في قطاعات حيوية كالبنية التحتية، والطاقة، والسياحة، والعقارات. تلك الاستثمارات تمثل شهادة ثقة في الاقتصاد المصري، وفرصة لتعزيز النمو وخلق فرص عمل، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابًا.
ما تحقق خلال هذه الجولة الدبلوماسية يؤكد براعة مصر في إدارة التوازنات السياسية والاقتصادية، ويُظهر قدرتها على التأثير الإقليمي الهادئ دون ضجيج. الرئيس السيسي لا يطرق الأبواب طلبًا للدعم، بل يفرض احترامه بسياسات رشيدة ومواقف ثابتة تستند إلى رؤية وطنية وشعبية صلبة.
بهذا النهج، انتقلت مصر من موقع الدفاع إلى موقع التأثير وصناعة القرار. دبلوماسية هادئة، لكنها تُغيّر موازين القوى، وتصنع واقعًا جديدًا عنوانه: مصر أولًا.. .والعرب أقوياء بوحدتهم.