بوابة الوفد:
2025-02-06@18:57:30 GMT

د. كريمة عودة تكتب.. مصابيح القلوب

تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT

يحيا الإنسان وهو يحاول التعايش بصفاء روحي في واقع مشحون بأعاصير من الاضطرابات، يتعثر وينهض، تارة يستلهم مصادر القوة ويتصالح مع مشاق الحياة، وأخرى يشعر بالتراجع وعدم القدرة على مواصلة السير، وهنا يحتاج لما ينير دربه ويسهل سيره، ويعينه على تخطى أهواء نفسه، والسبيل إلى ذلك التمسك بما كان عليه خير البريه ونورها ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ؛ حيث أرشدنا إلى مفاتيح العيش في الحياة بلا عنت، ووسائل تهدي القلوب وترشد البصائر، وسَنُعَرّج في هذه الكلمات حول بعض الوصايا النبوية التي تُضيء القلوب، وتُسعدها، وتُسَكِّنها عند ثورتها، وفي الالتزام بها دليل على حسن عبودية العبد لباريه.

البحوث الإسلامية يصدر عدد رمضان من مجلة الأزهر مع ملف خاص عن الشهر الفضيل مصابيح القلوب 

ومن مصابيح القلوب: تهذيبها من الشوائب التي تجعل الإنسان مشغولًا بغيره، ينظر لما في يده من نعمة، متناسيًا قَدَر الله في خلقه، الذي قسم الأرزاق بين عباده لحِكَم قد تخفى علينا، وفيها الخير لكلٍ منَّا، والمصباح الذي يزيل عن القلب ظلمته، ويعيده إلى فطرته التمسك بهدي المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ـــ في قوله: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". (رواه الشيخان)، ففي هذا الحديث قاعدة إيمانية عظيمة؛ لو طبقها الإنسان في حياته بأن يحيا متمنيًا لغيره الخير، سعيدًا بما يحظى به؛ ستهدأ روحه، وتسكن نفسه، ويسعد بما قُسم له من رزق. 

ومن مصابيح القلوب: الرضا، ولا يقصد به الرضا بالنفس؛ لأن من رضي عن نفسه استحسن حالها، ولم يدافع المعاصي ويخالف هواه، ولكن المقصود هو الرضا بالرزق من مال وصحة وولد بعد الأخذ بأسباب السعي المشروعة، فقد نبهنا المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لذلك في قوله: "فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" (سنن الترمذي)، بالرضى ينشرح الصدر وتهدأ النفس ولا تكترث بمصابها بشكل يعوقها عن القيام بدورها. قال أحد الصالحين في فضل الرضا: إنه عبادة لا ينقطع أجرها.
مع ملاحظة أن الرضا لا يتنافى مع حسن السعي، وليس المقصود به الرضا بالنقائص فقد قال الطيب المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيبًا ... كنقص القادرين على التمام. 

ويضيء القلب أيضا بالصبر عند الابتلاء، والقدرة على تخطي ما أصابه دون فزع، وكذلك الصبر على الطاعات بعدم الانقطاع عنها، ويدل على عظم أجر الصبر أن المولى عز وجل ذكره في القرآن في نحو سبعين موضعًا، وقال الإمام الغزالي ـــ رحمه الله ـــ: "فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر". تذكر أجر الصبر يضيء القلب عند الجزع، ويعين الإنسان على التمسك بأسباب القوة النفسية والمادية التي يحتاج إليها ليواصل السير في دربه بتوازن وحِكمة.
فإذا رضي الإنسان برزقه، وصبر على ما ألمَّ به، ولم يقارن حاله بغيره، سينعم بنور في بصيرته، وسبيلًا للسير في الحياة بلا أسى، ولم تطغى عليه طِباع السوء.

بقلم د. كريمة عودة، باحثة بمجمع البحوث الإسلامية

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التعايش

إقرأ أيضاً:

خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (لماذا تجلى الله على جبل الطور وكلَّم عليه سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إن اختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات كما جعل له فضائل متعددة.

وأضاف أن جبل الطور من جبال الجنة، وهو حرز يحترز به عباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وهو كذلك من البقاع التي حرَّمها الله على الدجال، وقد تواضع جبل الطور لله فرفعه واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي وقع عليه تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام.

وتابعت: جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.

وقد خصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾(الأعراف~144) الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك، ولم يقل على الخَلْق؛ لأنَّ من هذا الاصطفاء أنه كلَّمه، وقد كلَّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره، فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.

أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ [الطور:1] الطور اسم الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".

ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، أنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".

وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: «لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ».

وجاء في بعض الآثار أنَّ الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".

وأوضحت أن هذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبرى المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].

مقالات مشابهة

  • خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنزود إسرائيل بكل الاسلحة التي تحتاجها
  • هل تكتب المقادير في ليلة النصف من شعبان؟ أسرار نفحات الليلة المباركة
  • دعاء الضيق كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
  • 5 كلمات حث عليها النبي أمته.. اعمل بهن وعلمهن لغيرك
  • الشهيد الصماد .. الخالد في القلوب
  • خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها
  • في محراب القلوب.. رحلة الروح إلى بارئها
  • كيفية صلاة الاستخارة للزواج والدعاء المستحب.. تفتح أبواب الرضا والتوفيق
  • أمين الفتوى: ذكر الله يحيي القلوب ويطمئنها