الإمام الأكبر: الله غافر غفور غفار يمتد ستره لما في داخل الإنسان وباطن قلبه
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
أوضح فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن اسم الله «الغفار» ورد بثلاث صيغ في القرآن الكريم، وهي «غافر وغفور وغفار»، مبينا أن كل صيغة لها مدلول يختلف عن مدلول الأخرى، فغفور صيغة مبالغة على وزن فعول، لا تدل على حدوث الشيء وفقط، بل تدل على الثبوت والقوة والتكرار، وذلك مثل صبور وشكور أيضا، في حين أن «غافر» على وزن فاعل، صيغة لا تدل على المبالغة، إنما تدل على مجرد حصول الحدث، أما «غفار»، على وزن «فعال»، فهي تفيد الاستمرار والمداومة.
وأضاف شيخ الأزهر، خلال حديثه اليوم بالحلقة الثانية عشرة، من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»، أن اسم «غافر» يفيد أن الله تعالى يغفر الذنوب، و«غفور» تفيد بأنه تعالى كثير الغفران، أما «غفار» فتفيد بأنه تعالى يداوم على الغفران، مبينا أن هذه الصيغ الثلاثة تأتي من الغفر وهو الستر، أي أن الله تعالى يستر ذنوب عباده عن الناس، كما تأتي بمعنى الصفح والعفو والتغاضي، أي يعفو عن الذنوب في الدنيا، ثم يمحوها، وبعد ذلك لا يعاقب عليها يوم القيامة، لافتا إلى أن الستر يمتد أيضا ليشمل ما بداخل الإنسان، سواء كان مما يبطن القلوب، أو حتى من الناحية المادية الجسدية.
وبيّن فضيلة الإمام الأكبر أن الصفة التي تكون لله سبحانه وتعالى ولا تتعداه إلى غيره تسمى «صفة ذاتية»، مثل صفة الوجود، فالله سبحانه وتعالى موجود، وهذه صفة تعد أول الصفات، كما تسمى «الصفة النفسية»، لأنها متعلقة بذاته ونفسه تعالى، أما بالنسبة لغافر، فهي «صفة أفعال»، أي سوف يغفر أفعال وذنوب المخلوقات.
وعن مواصفات العبد المستحق لمغفرة الله تعالى، أوضح الإمام الأكبر، أن المعتزلة يقولون إن الله سبحانه وتعالى يجب عليه قبول توبة التائب إذا تاب، لافتا إلى أن هذا المذهب لا يمثله كثيرون، لكن أهل السنة والجماعة، وهم جمهور المسلمين قديما وحديثا، قالوا بأن العبد ليس من حقه، إنما إذا تاب الله عليه فمن فضله ورحمته سبحانه، وأن العبد العاصي إذا تاب فإن الله سبحانه وتعالى يقبل توبته، أما إذا لم يتب، يقول المعتزلة بأنه معذب ويجب على الله أن يعذبه، لأنه مات مصرا على معصيته، أما أهل السنة فيقولون بأن أمره مفوض إلى الله، لا نقول إنه يجب على الله سبحانه وتعالى أن يعذبه، ولا نستطيع أن نقول لمن مات على الطاعة إنه يجب عليه أن يثيبه، هو سبحانه وتعالى فعال لما يريد.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأزهر الإمام الأكبر أ د أحمد الطيب شيخ الأزهر الله سبحانه وتعالى الإمام الأکبر تدل على
إقرأ أيضاً:
فتاوى: فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
السائل يقول: في قوله تعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، هل المقصود هنا الحديد فقط، أم حتى المعادن الأخرى كالذهب والفضة وغيرها؟
في قول الله تبارك وتعالى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، ذهب أكثر المفسرين، بل ذهب جمهور المفسرين، كما نقل غير واحد منهم، إلى أن المقصود بالحديد هنا جنسه من المعادن، ويقصدون بذلك ما يشترك معه في المنافع والخواص، ولا يقصدون مطلق المعادن كالذهب والفضة، وإنما يقصدون ما يشترك مع الحديد في الخواص والمنافع، وما يُستعمل فيه.
لكننا إذا نظرنا إلى الآية الكريمة، فإننا نجد أن الله تبارك وتعالى خصَّ الحديد بالذكر، وإن كان غيره يشترك معه في جملة من المنافع والخواص، إلا أن ذلك لا يعني عموم ما يمكن أن ينقدح في الذهن من المعادن الأخرى، ولهذا ذهب الجمهور حينما قالوا بأن المقصود ما يشترك مع الحديد من جنسه من المعادن، فإنهم يذكرون الحديد ويخصونه بالذكر؛ لأنه يدخل في أكثر صناعات السلاح والعتاد، وهذا هو المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».
وهو بما أودعه الله تبارك وتعالى فيه من خواص قابل للمطاوعة والتعدين، ليُصنع منه مختلف أنواع السلاح والعتاد اللازم لإقامة العدل في الأرض، وردع البغي والعدوان، وزجر المعتدين ذوي الجبروت والظلم الذين يسعون في الأرض فسادًا، والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
ولذلك، ذكر غير واحد أن الحديد يدخل في صناعة أغلب السلاح والعتاد الذي يحتاج إليه في هذه المنافع، فهذا هو معنى الآية الكريمة، فذكر الحديد على جهة التخصيص مقصود، لكن المعنى لا يقتصر عليه، كما أن المعنى لا يتسع ليشمل كل معدن، وإنما يُقصد بذلك ما يشترك مع الحديد في عِظَم المنافع، وفي صلابة الخواص، وقابليته للتصنيع، وشدة احتياج الناس إليه، وفيما يُتخذ منه من صناعة الحديد، كل هذه المنافع والاستعمالات والخواص هي التي تجعل من ذكر الحديد على جهة التخصيص في هذه الآية الكريمة مفهومًا، فلا ينبغي أن يتوسع ليشمل ما خُصَّ بالذكر في مواضع أخرى في كتاب الله عز وجل، أو في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يتخذه الناس حُلِيًّا، على سبيل المثال.
فالذهب والفضة إنما تُتخذ لتكون حلية وزينة، أما الحديد وما أشبهه مما يذكره بعض المفسرين المعاصرين اليوم، كالنيكل والرصاص والمعادن التي تشبه الحديد في خواصه ومنافعه فإنها داخلة بالمعنى لا بالذكر، وتقدم الجواب في معنى: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس».
والصحيح أن هذا الفعل «وأنزلنا» في سياق الامتنان من الله تبارك وتعالى، يأتي فيما هو أمرٌ يمتن الله عز وجل به على عباده، مما تشتد إليه حاجتهم، فالله تبارك وتعالى استعمله في إنزال الكتاب، واستعمله في إنزال المطر، وفي الرحمة، واستعمله كذلك في الأنعام، «أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج».
وهذا لا يتأتى مما يذكره بعض المعاصرين من كون الحديد عنصرًا غريبًا عن الأرض، فهو موجود في لبِّ الأرض وفي ظاهرها، وإنما المعنى هو ما نصَّ عليه غير واحد، وهو الإيجاد والخلق، لكن هذه الصيغة، فيما أوجده الله تبارك وتعالى وخلقه لعباده، إنما ترد فيما يكون وجه الامتنان فيه كبيرًا، لشدة احتياج الخلق إليه، ولعِظَم منافع ما امتنَّ الله عز وجل عليهم به، ووروده بهذه الصيغة في معايشهم وحياتهم.
ومن ذلك أيضًا امتنان الله تعالى على داود عليه السلام: «وألنّا له الحديد»، فالحديد ورد في ثلاثة مواضع شهيرة في كتاب الله عز وجل: ورد في سورة الكهف: «آتوني زبر الحديد»،، وزُبَر الحديد هي القطع التي تنتج من صهْر الحديد لإزالة الخبث عنه، وليكون نقيًّا خالصًا، ثم يُطرَق بعد ذلك حتى يصير زُبَرًا، أي قطعًا.
وورد أيضًا في سياق الامتنان على داود عليه السلام: «وألنَّا له الحديد»، في هذه المواضع كلها تأكيد على أن الحديد مقصود بذكره على جهة الخصوص، لكن هذا لا ينفي أن يكون الامتنان والإنعام شاملًا لما يشترك معه في المنافع والخواص، دون اتساع لما كان دونه في المنافع والخواص؛ لأن غالب عتاد الناس في الماضي وفي الحاضر، من العتاد والسلاح، من السيوف والسكاكين والمدرعات والأسلحة اليوم، إنما يُتخذ من الحديد أصالةً، أو من معادن تشترك مع الحديد في الصلابة والقوة والخواص، وما يحتاج إليه في صناعة العتاد والسلاح، والله تعالى أعلم.
السائل يقول: كيف نوفِّق بين محاربة التسوُّل وبين التصدُّق على الفقراء والمساكين؟
الأصل أن هناك فارقًا جوهريًّا ينبغي أن يُنتبَه إليه، التصدُّق على الفقراء والمساكين يكون في وجهه الأول الذي يُندَب إليه، بأن يتفقد المتصدِّق أحوال الناس، ليتعرف على المستحقين للصدقات والزكوات، أي صدقات النفل، والصدقات الواجبة التي هي فريضة الزكاة، فهو الذي يتعرَّف عليهم، وهو الذي يبحث عنهم، ثم هو بعد ذلك يوصِل إليهم ما تجود به نفسه، إن كان ذلك على سبيل التبرع، أو ما يلزمه إن كان ذلك على جهة الواجب، أي فريضة الزكاة، فهذا فارق ينبغي أن يكون حاضرًا، حتى لا يُظن أن المسكين أو الفقير هو الذي يأتي ليسأل، بل الواجب على الغني والمُوسِر والمُحسنين أن يبحثوا، وأن يتفقدوا أحوال مجتمعاتهم، وأن يتخذوا الوسائل الكفيلة بالتعرف على أحوال المعوزين في مجتمعهم، وألَّا يُلجِئوهم إلى السؤال، بل يُبادروا هم إلى تفقد أحوالهم ومد يد العون إليهم، لا أن يضطروهم إلى السؤال.
أما المتسوِّل، فهو الذي يأتي ليسأل الناس، قد يكون ذا حاجة، وقد لا يكون صاحب حاجة، وهو ما يشير إليه السائل، فقد يكون من المحتالين الذين يكتسبون الأموال، وقد يكون قادرًا على العمل أو في يُسر، لكنه يتكثَّر من المال، ويريد أن يثري بسؤاله الناس، فهؤلاء هم الذين لا ينبغي أن يُعانوا؛ لأن هذا سيكون فيه عون على الاحتيال، وخداع الناس، وهم غير مستحقين لذلك.
ويُرَدُّون بالكلمة الطيبة، إلا إذا قامت البينة على أنهم من هذا الصنف الذي يحتال على الناس ويخدعهم، فهؤلاء لا بد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنعهم من التسول، والاحتيال على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، أما من كان مُرتابًا منهم، أو قويت الشبهة فيهم، فالواجب أن يكون الرد دون نهر، كما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأما السائل فلا تنهر»، والأصل في السائل أن يُعطَى، كما دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن لشدة الريبة، وكثرة الاحتيال، ولعموم ما ابتُليت به المجتمعات اليوم من المتسوِّلين، فإن التثبُّت أولى، دون مبالغة في التعنيف أو الزجر، وإنما بالكلمة الطيبة، بالدعاء بأن يفتح الله تبارك وتعالى عليه، أو بالاعتذار إليه بكلمة حسنة وبرفق، فإن كانت هناك دلائل على أنهم إنما يخدعون الناس، ويأكلون الأموال بالباطل، فهؤلاء هم الذين يُتخذ في حقهم الإجراءات المعروفة. أما كيف يُتوصل إلى التعرف عليهم، فهذه مسألة أخرى، لكن ينبغي للناس اليوم أن يكونوا حذرين يقظين، وأن يتنبهوا وألَّا تُستثار عواطفهم؛ لأن الحال كما لا يخفى على كثير من الناس للأسف الشديد قد عمت به البلوى فعلًا، وإن كان مع هذا التنبيه، فلا ينبغي أيضًا أن يُبالَغ، أو أن يُتَّهم الناس جزافًا. وبحمد الله تعالى أننا اليوم نجد كثيرًا من اللجان المختصة والجمعيات التي تتفقد أحوال المحتاجين من الفقراء والمساكين، فيمكن اللجوء إليهم لتبيُّن أحوال هؤلاء السائلين، ومعرفة احتياجهم وصدقهم، إذ لا يلزم أن يكون الأداء إليهم فور سؤالهم، بل يمكن أن تُؤخذ بياناتهم، فإذا ثبت بعد ذلك أنهم مستحقون، أُعطوا مما تجود به النفس، والله تعالى الموفِّق.