في محاولة لتنظيف الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون المسبّب لظاهرة الاحتباس الحراري، قام فريق علمي من جامعة أوكلاند في نيوزلاندا بالتعاون مع باحثين في المؤسسات الصينية، بدمج الكيمياء الحاسوبية مع التجارب الكهروكيميائية لابتكار طريقة تحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك.

وجاء ذلك من خلال تطوير نظام يلتقط غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي ويحوله إلى حمض الفورميك ومنه إلى منتجات كيميائية مفيدة أو مواد أولية مثل الميثانول والإيثانول الذي يُمكن استخدامهما كوقود.

وتعتمد التقنية الجديدة على استخدام عملية التحليل الكهربائي أو الكهروكيميائي، بواسطة ابتكار غشاء تبادل البروتونات في الخلية الكهروكيميائية، وذلك لاختزال ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك في محفز مشتق من نفايات بطاريات الرصاص الحمضية.

ومن المتوقع أن يفتح هذا الابتكار إمكانيات مثيرة في المستقبل مثل استخدام الوقود الناتج عن السيارات ومحطات الوقود.

مع نمو الصناعات يزداد ثاني أكسيد الكربون تركيزا في الغلاف الجوي مما يفاقم التغيرات المناخية (شترستوك) أخطر الغازات الدفيئة

تُعرف الغازات الدفيئة بغازات الاحتباس الحراري، وهي غازاتٌ موجودة في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وأهمها غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والهيدروكلوروفلوروكربونات والهيدروفلوروكربونات والأوزون في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.

وتتميز هذه الغازات بقدرتها على امتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تُطلقها الأرض وتعيد إطلاقها، مما يؤدي لرفع درجة حرارة الأرض، وبالتالي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي.

وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تكمن المشكلة الرئيسية في تزايد تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وأبرزها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري سواء من المنشآت الصناعية أو من محطات الطاقة أو من وسائل المواصلات، إذ يُطلق منه سنوياً ما يزيد على 20 مليار طن في جوِّ الأرض، وهي نسبة تمثل 0.7% من كمية الغاز الموجودة طبيعيا في الهواء.

يسعى العلماء الى ابتكار طرق وأساليب للتخلص من ثاني أكسيد الكربون عبر تحويله إلى مواد مفيدة (شترستوك) محاولات سابقة

وبحسب دراسة سابقة نشرتها دورية ساينس دايركت، فقد طُورت تقنيات مختلفة لمعالجة التأثير السلبي لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويشمل ذلك تحسين كفاءة الطاقة، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون واستخدامه، وتطوير الطاقة الحيوية (مثل زراعة الطحالب لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتقليله)، أو العزل الجيولوجي من خلال احتجاز الكربون وتخزينه في باطن الأرض والمحيطات، أو استخدام مصادر الطاقة المتجددة والتي لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون (مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، هذا بالإضافة إلى ابتكار طرق وأساليب التخلص من ثاني أكسيد الكربون عن طريق تحويله إلى مواد مفيدة.

ومن بين هذه الأمور تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك، مع إمكانية استخدامه وقودا للنقل وتخزين الطاقة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تمكين صناعة البتروكيماويات من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتقليل من تركيزه في الغلاف الجوي، وهو ما يجعل من هذه العملية ضرورة لمواجهة التحديات البيئية العالمية.

الطريقة التي طورها الباحثون تعتمد على استخدام عملية التحليل الكيميائي في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد مفيدة (غيتي) التحليل الكهربائي

التحليل الكهربائي في الكيمياء والصناعة هي الطريقة التي يُستخدم بها تيار كهربائي لإطلاق تفاعل كيميائي، وذلك باستخدام خلية التحليل الكهروكيميائية، ولهذه العملية أهمية في فصل العناصر من أشكالها الموجودة في الطبيعة مثل الفلزات. كما يستخدم التحليل الكيميائي لتحضير مواد يصعب تحضيرها بالوسائل الكيميائية أو بسبب ارتفاع تكاليف الطرق الكيميائية، والأمثلة على ذلك موجودة في تحضير الألمونيوم والكلور ومحلول هيدروكسيد الصوديوم النقي.

وغالبا ما تستخدم في عملية التحليل الكهروكيميائي مادة محفزة، وهي مادة كيميائية تضاف بكميات قليلة للتفاعل الكيميائي بهدف تسريع التفاعل دون أن تتغير خواص المواد الكيميائية، بمعنى أنها قادرة على أن تزيد سرعة التفاعل الكيميائي عن طريق خفض طاقة التفاعل أو تنشيطه دون أن يحدث بها تغيير كيميائي دائم.

ووفقا لدراسة نشرتها دورية نيتشر يمكن للتحليل الكهربائي -الذي يختزل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية مفيدة- أن يساهم في مستقبل أكثر استدامة، ويخفف من تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ومع ذلك لا تزال هناك بعض المشكلات التي تواجه عملية اختزال ثاني أكسيد الكربون بواسطة التحليل الكهربائي، منها صعوبة ترسب ثاني أكسيد الكربون على شكل كربونات. ولحل هذه المشكلة طوّر الباحثون نظام غشاء تبادل البروتونات الذي يختزل ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك أثناء عملية التحليل الكهروكيميائي عن طريق تغذية ثاني أكسيد الكربون في الخلية الكهروكيميائية وتحويله إلى حمض الفورميك ومنه إلى وقود، تماما مثل شحن البطارية، وذلك باستخدام محفز مصنوع من نفايات بطاريات الرصاص الحمضية، وهو ما أتاح تحولا لم يكن ممكنا من قبل.

ويعتقد العلماء أن هذه العملية يمكن توسيع نطاقها للاستخدام الصناعي بطريقة فعالة من حيث الكلفة ومع التطبيقات المحتملة في السيارات ومحطات الوقود وصناعة البتروكيماويات، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في التحول نحو اقتصاد خالٍ من الكربون وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

يقول الدكتور زيون وانغ من كلية العلوم الكيميائية في جامعة أوكلاند: "يفتح هذا الابتكار إمكانيات مثيرة لتقنيات محايدة للكربون، حيث يمكن استخدامه في المستقبل للسيارات وفي محطات الوقود".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الاحتباس الحراری فی الغلاف الجوی

إقرأ أيضاً:

هل سافر ابن بطوطة إلى الصين؟ باحثون يروون من جديد حكاية الرحالة المغربي

طنجة- في مدخل متحف برج النعام بمدينة طنجة، يقف تمثال ابن بطوطة بشموخ حاملا رسالة تذكّر العالم برحلته التاريخية التي ساهمت في مد جسور بين الشرق والغرب.

انطلق ابن بطوطة من هذه المدينة الساحلية، حيث ولد، في رحلة استغرقت ربع قرن، جاب خلالها العالم، ووصل إلى بلدان لم يسبقه إليها أحد، في أقصى الشرق في ماليزيا والفلبين، ومرورا بجزر المالديف والهند.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسجد إيفري كوركورون.. تحفة معمارية أندلسية ومنارة علمية وثقافية في فرنساlist 2 of 2المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضانend of list

ترك هذا الرائد في الرحلة وأدبها كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، المعروف أيضا بـ"رحلة ابن بطوطة"، لكن ما جاء في روايته عن زيارته الصين أسال كثيرا من المداد وأثار حوله الشكوك من قِبل المستشرقين.

جدل رحلة الصين

يرى الباحث المغربي عبد الله العلوي مؤلف كتاب "ابن بطوطة في الصين" -في حديث للجزيرة- أن سوء الترجمة أدى إلى تشكيك المؤرخين الغربيين في بعض روايات ابن بطوطة، إذ فهم المؤرخ الفرنسي هنري بول (1946-2017) من وصف ابن بطوطة تجارا صينيين يستخدمون الفيلة في مدينة "قلقيلية" (مدينة لم تعد قائمة) بالأرخبيل الإندونيسي أنه يتحدث عن الصين، وهو ليس كذلك.

كما أن المغاربة شككوا في روايات ابن بطوطة التي تصف ثراء الصين، وفي القصص الخارقة مثل حكاية المشعوذ الذي قطع أعضاء صبي ثم ركبها من جديد، وهذه حكاية أكد ابن بطوطة أنها خدعة.

إعلان

لذلك، فإن انتقاد ابن بطوطة جاء نتيجة سوء فهم، وقد تعرض لهذا الموقف كل الرحالة تقريبا ومنهم ماركو بولو، فالناس تظن أن جميع الشعوب تعيش على شاكلتها، ثم إن الصين كانت بعيدة ومختلفة الثقافة كليا، ومن ثم فلا أحد صدق الرحالة فيما رووه.

ويلاحظ الأكاديمي المغربي ناصر بوشيبة -في حديث للجزيرة نت- أن ابن بطوطة يعد من أبرز رواد أدب الرحلة في العالم الإسلامي، إذ جاب أصقاع الأرض من المغرب إلى الصين وإندونيسيا، حاملا معه رؤية صوفية ساهمت إلى حد ما في المبالغة في روايته لبعض الأخبار، متأثرا بالمتخيل الشعبي الذي يؤمن بالكرامات والخوارق.

الباحث المغربي ناصر بوشيبة رئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية (مواقع التواصل) تاريخ المغرب والصين

مع ذلك، يشدد الباحث بوشيبة -صاحب كتاب "تاريخ العلاقات بين المغرب والصين"- على أن انتقاص مستشرقين من ابن بطوطة غير مقبول، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في سياق تاريخي من التنافس بين الشمال والجنوب، ومحاولات التقليل من قيمة الحضارة الإسلامية.

ويستعرض عدة أدلة من المصادر الصينية التي تثبت صحة رواية ابن بطوطة، ومن أهمها وجود شخصية الشيخ برهان الدين الكازروني، الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته، في الوثائق الصينية القديمة، كما أن وصف ابن بطوطة مختلف الهدايا المتبادلة بين سلطان الهند وإمبراطور الصين وأهداف البعثة الدبلوماسية الصينية إلى الهند، تتطابق بشكل كبير مع ما ذكره المؤرخون الصينيون.

في حين يقول رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث وارف قميحة للجزيرة نت إن الشكوك حول رحلة ابن بطوطة إلى الصين تعود إلى: "وصفه بعض العادات الصينية (مثل استخدام الأوراق النقدية) الذي يتطابق مع روايات ماركو بولو، مما دفع المؤرخ هنري بول للاعتقاد بأنه نقلها من مصادر أخرى. كما أن غياب ذكر سور الصين العظيم في روايته، رغم أنه رمز بارز، يثير تساؤلات عن مدى دقته". ويرى المغاربة أن رواية ابن بطوطة عن "عجائب الصين" تشبه قصص "ألف ليلة وليلة"، مما قد يشير إلى تضخيم أو استعارة أدبية.

فضاء عرض ذاكرة ابن بطوطة رائد الرحلات البحرية (الجزيرة) تتبع الخطى

دور التجار والمستكشفين العرب في نقل المعرفة والثقافة بين الحضارتين الصينية والعربية أثار اهتمام الباحثين، فوجدوا في تتبع خطى ابن بطوطة وسيلة لفهم هذا الترابط العميق.

إعلان

ولاحظ الباحث اللبناني وارف قميحة التأثير الإسلامي في المعمار المحلي، إذ إن هناك جناح الآثار الإسلامية بمتحف مدينة الزيتونة (تشيوانتشو حاليا) للمواصلات البحرية مما يؤكد وجود جالية إسلامية نشطة.

ومن الآثار التي صادفها وذكرها ابن بطوطة:

ميناء تشيوانتشو حاليا الذي كان يعد من أكبر الموانئ التجارية. مسجدها القديم (مسجد تشينغ جينغ/ مسجد الأصحاب) ولا يزال قائما حتى اليوم، ويعد من أقدم المساجد في الصين. في مدينة خان بالق (عاصمة الخان/ بكين حاليا)، تحدث عن قصر الإمبراطور المنغولي، الذي يحتمل أن يكون موقع "المدينة المحرمة" لاحقا. وصفه العمارة الفخمة في المدينة يتوافق مع سجلات الحقبة اليوانية (سلالة يوان). مقابر صحابة النبي محمد ﷺ في جنوب الصين، مثل مقبرة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في غوانغتشو، وهذه المقبرة لا تزال مزارا للمسلمين الصينيين. الباحث اللبناني وارف قميحة لاحظ التأثير الإسلامي في المعمار المحلي الصيني (الجزيرة) قصر الرحلة

يقول الأكاديمي قميحة إن ابن بطوطة وصل إلى الصين في أواخر عهد أسرة يوان (المنغولية)، التي كانت تعاني اضطرابات سياسية وثورات ضد الحكم الأجنبي، مما جعل تحركاته محدودة وخطرة.

ويرجح أن تنقله بين المدن الساحلية بدلا من التوغل داخليا جعله يعتمد على كرم التجار المسلمين، مما يفسر تغير وضعه المادي بين الرفاهية والاعتماد على الآخرين.

وهو ما أكده بوشيبة بذكره أن ابن بطوطة سافر عبر القناة المائية التي تربط بين الخنساء (هانغتشو) وبكين، وقدم وصفا تفصيليا لكل مدينة وحاكمها، مبرزا أن رحلته أثارت إعجاب الباحثين الصينيين، الذين رأوا في شهادته دعوة إلى التعايش الممكن بين الثقافات المختلفة.

ويبرز العلوي أن ابن بطوطة كان "متغير الخاطر"، كما عبر هو بنفسه، إذ لم تعجبه المنكرات في الصين، ولم يكن له حظ للالتقاء بالإمبراطور والأمراء كما في بلدان أخرى، بينما كان مصدره الأساسي للمعلومات التاريخية هو القاضي "الصاغرجي"، الذي نصحه بمغادرة الصين.

إعلان

ويشير إلى أن ابن بطوطة وضع عِلم الرحلة المقارن على خلاف من سبقوه الذين كانت رحلاتهم وصفية فقط، إذ كان يقارن الخضر واللحوم، والخزف، والفواكه، والأنهار، والكرم، والبحار، وعادات الشعوب، حتى أنه قارن فاكهة "النبق" الشوكية في المغرب وفي الهند، وذكر أن الخزف الصيني الذي يصنع بها يصل إلى المغرب في تلك المرحلة.

عرض ذاكرة ابن بطوطة (الجزيرة) اختراعات

يقول قميحة إن ابن بطوطة انبهر أيضا بالاختراعات الصينية مثل الورق النقدي، مقارنة باستخدام المغرب للعملة المعدنية، كما أشار إلى أن الصينيين "لا يغادرون بلادهم أبدا" بسبب الاكتفاء الذاتي، بينما المغاربة كانوا تجارا رحالين، ووصف القصور الصينية ذات الأسقف المزخرفة، مقارنة ببساطة العمارة المغربية الإسلامية، وذكر أن المسافر في الصين يمكنه حمل الذهب لمسافات دون خوف، بينما في المغرب كانت القوافل تحتاج حراسة مسلحة.

ويقول رئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية بوشيبة أن المؤرخين الصينيين استفادوا من كتاب ابن بطوطة لفهم تاريخ المجتمع الصيني والإدارة العمومية المحلية في تلك الحقبة، والذي كان مقسما إلى الطبقة الحاكمة من أسرة اليوان (المغول)، والعرب من غرب آسيا المشتغلين في الصناعات الحربية والمصارف، ثم الصينيين الأصليين (الهان) الذين كانوا يعانون الاضطهاد.

ويضيف أن ابن بطوطة روى أن الصين أحسن مكان لتطوير الأعمال التجارية، لوجود إجراءات أمنية صارمة، مثل محطات الإقامة والتفتيش، وتجهيز المسافرين بالمؤن الضرورية، وإرسال كل المعلومات الضرورية إلى المحطة الموالية، كما وصف بدقة جوانب من الحياة الصينية، مثل الطبخ بالبخار وصناعة الخزف، وقارنها بالمنتجات المحلية.

لوحات ابن بطوطة بريشة الفنان أومولود (الجزيرة) حقيقة السرد

كان ابن بطوطة يميز ما شهده وما سمع به وما حُكي له، ويضيف أحيانا "والله على ما أقول شهيد". ويشرح العلوي أن خلفيته الإيمانية تمنعه من مخالفة الصدق، فمثلا سمع أن سد يأجوج ومأجوج يقع على بعد 6 أشهر من خان بالق، وأن هناك بشرا يأكلون "بني آدم إذا ما ظفروا به"، غير أنه أكد أنه "لم يشاهد السد ولا من شاهده".

إعلان

بينما يبرز قميحة أن ابن بطوطة، بصفته فقيها مالكيا، كان ينظر إلى الصين عبر عدسة "دار الإسلام ودار الكفر"، فوصف إعجابه بتسامح الصينيين مع المسلمين، لكنه استنكر عادات مثل عبادة الأصنام.

ويضيف أن عدم إتقانه اللغة الصينية جعله يعتمد على ترجمة التجار المسلمين، مما قد يكون سبب أخطاء في نقل بعض التفاصيل. كما قد يكون أدخل بعض القصص الشفوية التي سمعها في رحلته ضمن سياق مشاهداته الشخصية، لتعزيز عنصر الإثارة في الرواية.

مدخل متحف ابن بطوطة في برج النعام، ويضم تمثال ابن بطوطة (الجزيرة) نظرة الصينيين

يحتفي الصينيون بابن بطوطة ليس فقط بصفته رمزا للتعددية الثقافية، بل أيضا لجذب السياح وتعزيز السياسة الخارجية.

يقول الأكاديمي قميحة إن الصين اليوم تروج لتراثها كملتقى للحضارات، وابن بطوطة يمثل التواصل التاريخي بين الصين والعالم الإسلامي. كما أن تسمية الشوارع والفنادق باسمه في مدن مثل تشيوانتشو تعكس رغبة في تسليط الضوء على تاريخها كجزء من شبكة طريق الحرير.

ويضيف أن الاحتفاء يأتي بتوافق مع خطاب "الحزام والطريق" الذي يُظهر الصين دولة منفتحة تاريخيا، وهي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ19 من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.

بالإضافة إلى ذلك، أفرد الصينيون لابن بطوطة دراسات منشورة في مجلة العالم العربي، وهناك عديد من الكتب حول تاريخ أسرة "اليوان" التي اعتمدت على رحلاته، والتي لم تُترجم بعد إلى اللغة العربية، كما يبرز الكاتب العلوي.

ومن بين من اهتم برحلة ابن بطوطة المستشرق الصيني عضو مجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي وو فو قوي (عبد الكريم)، الذي استغرق تأليف كتابه "رحلات ابن بطوطة في الصين" عدة عقود.

ويعد هذا الكتاب مرجعا أكاديميا مهمًا يوثق عملية الترجمة والتواصل الثقافي بين الصين والمغرب، ويقدم تحليلات وشروحات النسخ الأصلية من "رحلة ابن بطوطة".

يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط الصيني وو فو قوي عبد الكريم للجزيرة نت إن كتاب "رحلة ابن بطوطة"، قدم وصفا دقيقا لتفاصيل الحياة في الصين، من عادات وتقاليد وفنون وعمارة، مما أتاح للأوروبيين والعرب على حد سواء فرصة التعرف على حضارة بعيدة ومختلفة، وصحح الصورة المشوشة وغير الدقيقة التي كانت سائدة في أوروبا عن الصين.

ويبرز أن كتاب ابن بطوطة يعد وثيقة تاريخية ثمينة توثق العلاقات العريقة بين العرب والصين في القرن الـ14، وشهادة حية على الروابط الثقافية والتجارية التي كانت قائمة بين الحضارتين.

إعلان

كما ساهم في تقديم صورة إيجابية عن الصين في العالم العربي، ووصف حياة المسلمين المغتربين هناك، مما ساعد على تعزيز الاحترام والتقدير للحضارة الصينية، والتواصل والتفاهم بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم.

مقالات مشابهة

  • باحثون في المملكة يطورون تقنية نانوية للإضاءة المستدامة للشوارع
  • لماذا يصبح الرجال بدناء بعد الزواج؟ باحثون يكشفون السبب
  • الكربون المشع يقدم رؤية مختلفة لاحتلال الأوروبيين أميركا الشمالية
  • علماء يطورون أداة ذكاء اصطناعي للتنبؤ بتكرار الإصابة بسرطان الكبد
  • تطوير سور مجرى العيون وتحويله إلى مشروع «أرابيسك» ونقل المدابغ للروبيكي
  • خالد صديق: تطوير سور مجرى العيون وتحويله لمشروع أرابيسك.. ونقل المدابغ للروبيكي
  • خالد صديق: تطوير سور مجرى العيون وتحويله إلى مشروع أرابيسك
  • باحثون يزعمون اكتشاف معلومات جديدة حول سفينة نوح
  • هل سافر ابن بطوطة إلى الصين؟ باحثون يروون من جديد حكاية الرحالة المغربي
  • كربلاء.. مصرع عامل نتيجة تسرب غاز بمحطة وقود