عن نقد القرآن والحديث واستراتيجيات الغزو الروحي والحرب النفسية
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
لم يمثل طوفان الأقصى، زلزالا سياسيا فقط لجهة إسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر لدولة الاحتلال، وإنما أيضا مثل سؤالا فكريا وثقافيا وفلسفيا لا يزال يتردد منذ عصر النهضة العربية الأولى، عن سر النهضة والتقدم..
صحيح أن طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية موغلة في الإبادة والوحشية، هو في ظاهره معركة بين حركات تحرر وطني وشعب يتوق إلى الاستقلال والسيادة، وبين قوة احتلال ترفض الانصياع للقانون الدولي، لكن ما تبعه من اصطفاف دولي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني هو ما أثار علامات استفهام كبرى، حول مفاهيم الحرية والقانون والسيادة والمساواة والحقوق وغيرها من القيم التي عملت الإنسانية على مدى تاريخها بإسهامات تراكمية في صياغتها.
الفيلسوف والمفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي يعمل في هذه المقالات التي تنشرها "عربي21" في أيام شهر رمضان المبارك، على تقديم قراءة فلسفية وفكرية وقيمية للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باعتبارهما المرجعية الأساسية التي يبني عليها العرب والمسلمون إسهاماتهم الحضارية..
نقاد القرآن بعد نقاد الحديث
لما تكلمت عن نقد الحديث لم أخف أني لست محدثا ومن ثم فقد اقتصر كلامي على مسألتين لم أتجاوزها رغم أن الرادين علي تصوروني أتكلم في ما لا أعلم.
فلكأنهم لم يروا أني استثنيت الكلام في الحديث من حيث مضمونه بل تكلمت عنه من حيث شروط نقده: والشرط الأول يتعلق بمضمون أي دين، والشرط الثاني بفن التاريخ الذي هو أداته.
لذلك اكتفيت بالإشارة ـ لأني لم أحتج للتدليل ـ بأنه لا يوجد دين يخلو من قسمين أولهما ما يضعه من قيم وأحكام في العبادات والمعاملات والثاني سيرة صاحبه وقصة تحقق أحداث الدين في التاريخ: وذلك هو الحديث سواء كان الدين طبيعيا أو منزلا.
ولما كان ذلك في متناول الملاحظة المجردة دون حاجة لتخصص في فلسفة الأديان فإني اكتفيت بالإشارة لأن ذلك بدا لي من البديهيات التي يعلمها حتى العامة.
ما اعترضت به على نقدة الحديث هو فن لا بد فيه من الاختصاص في فلسفة التاريخ وشروط علميته. ومن ثم فقد اقتصر تعليقي على الدجالين من نقدة الحديث بفقدانهم لهذين البعدين من نقده.
وكل ذلك لأني لم أهتم بنياتهم ـ لا نواياهم عملا بإشارة زميل محترم ـ حتى لا يكون القصد محاكمة قصدهم من النقد. وانتهيت إلى أن من ينقد الحديث من دون العلوم الأدوات التي يحتاج إليها المؤرخ لا يمكن ألا يكون سخيفا.
وهو قانون يصدق في كل علم من يتكلم في علم من دون العلوم المساعدة على حيازة شروطه الأداتية خاصة وكل علم يكون مبدؤه وغايته العين الفاحصة والناقدة للموجود طلبا للمنشود في معرفة موضوع بحثه.
فلا يمكن أن يكون المرء فيزيائيا من دون أن يكون حاصلا على الحد الأدنى من الرياضيات وقس عليه كل العلوم وخاصة الإنسانيات.
كما يغلب على كل المتكلمين في الحضارة الإسلامية أو "ديماغوحيا الإسلامولوجيا" من باعة فريق الآداب عندما تعجز عن وظيفة الأداب أي علم اللسان وعلم وظائفه التواصلية والذوقية. ذلك أن اللسان بحد ذاته لا يتضمن علما معينا بل هو من أدوات الترجمة التواصلية والذوق الأدبية حولهما إذا حصلا عند الجماعة: ولا يمكن أن يكون ما في الدلالات المعجمية للكلام علم أو ذوق لأن المحتوى المعرفي والذوقي يحصلان في مجالين من خارجه فيضمان إليه في الثقافة العامة والفلكلور. لذلك فالكلام في الحضارة مثلا من علم التاريخ وليس من اختصاص دراسة اللغة من حيث طبيعتها ودورها التواصلي والذوقي. وظن غير ذلك هو الحمق الأصغر في نقد الحديث.
أمر الآن إلى الحمق الأكبر في نقد القرآن. وسأبدأ بعكس ما بدأت تحديد طبيعة كلامي في نقد الحديث: هناك قلت إني لست محدثا ولا أنوي الكلام في النيات. لكني هنا أدعي أني مفسر وسأتكلم في النيات.
نقاد الحديث والقرآن والمتكلمون في الحضارة من العربان والمسلمين اليوم كلهم بلا استثناء صناع تافهين عند هؤلاء ولم يصل أحد منهم إلى رتبة أولئك. لذلك فهم باعة خردة ومواد مستعملة: يبحثون عن الاعتراف بهم في خدمة الغزو الثقافي سواء من الاستعمار المباشر أو غير المباشر..ولذلك فإني أصف نقد القرآن عند أدعياء ديماغوجيا الإسلامولوجيا بالحمق الأكبر. ولأذكر طبيعة النقود الموجهة للقرآن وسأخصص لكل واحد منها فصلا وهي التالية:
1 ـ النوع الأول يتعلق بنفي أصله أي الوحي: وهو نوعان نفيه عن الإسلام وليس بصورة مطلقة ونفيه بصورة مطلقة على كل الأديان.
2 ـ النوع الثاني يتعلق بنفي أصالته أي الزعم بكونه انتحالا: في الحالة الأولى رده إلى الأديان التي يعترف لها بالوحي ومن ثم فالنقد هو بيان المصدر المستمد من اليهودية والمسيحية.
3 ـ النوع الثالث بنفي تاريخه عند أهله: القبول بوجود القرآن من حيث هو منتحل ولكن بتاريخ متأخر غير التاريخ الذي يحدده له أصحابه من المؤمنين به من المسلمين.
4 ـ النوع الرابع مترتب عليها جميعا وهو نفي وجود محمد: والحصيلة هي الذهاب إلى حد نفي وجود الرسول فيكون شخصية خرافية.
5 ـ النوع الأخير هو اكبر علامات الحمق أي الارخنة النافية لذاتها: يعني أن تاريخ الإمبراطورية الإسلامية التي تدحض ذلك كله هي التي يغفلونها في كل مزاعمهم ويدعون بديلا عن مكان الرسالة وزمانها خارج هذا التاريخ.
وختاما فالمتكلمون في ذلك نوعان غربيان وهما نوعا المستشرقين المحترمين والمبتذلين ونوعان مغتربان كلاهما مبتذل بنوعي الابتذال أي إن بعضهم يحاكون المستشرقين الأولين لكنهم خالون من شروط الكفاءة ومن ثم فكلامهم ترديد شعارات خاوية من علامات انجازها: والمثال كل شيوخ النقد القرآني المزعوم حداثيا. فما يسمونه نقدا يقتصر على ترديد الشعارات المتعلقة بالتأويل وبالتاريخ وزعم الرد إلى الظرفيات التاريخية والسياق الاجتماعي.
والثانون صناع عند النوع الهابط من الاستشراق أي المخابرات الاستعمارية في استراتيجية حروب الحضارات سواء بتوظيف استعماري مباشر أو بتوظيف من الأنظمة الاستبدادية التي نصبها الاستعمار لتعميق الفتن الطائفية والتحقير من اصل اصول كل التراث الإسلامي.
بحيث إن نقد القرآن تتمة لنقد الحديث خدمة لنفس الغاية ومرحلتاه هما عين مرحلتي الاستشراق:
الأولى التي تطلب معرفة الحضارة الإسلامية خاصة والشرقية عامة وشروط قوتهما وضعفهما لأن الفاعلية في استغلالها أي علم تكمن في كونه علما . فغيات هذا الشرط يجعله غير نافع في الاستعمال المفيد.
الثانية لا تطلب العلم بل الاستفادة من نتائجه أو تطبيقه في الحرب الحضارية على الشعب الذي يراد تهديمه بتهديم عناصر القوة فيه واستغلال عناصر الضعف: وهذا هو الهدف من جعله قسما من الاستعلامات وواضعي استراتيجيات الغزو الروحي والحرب النفسية.
نقاد الحديث والقرآن والمتكلمون في الحضارة من العربان والمسلمين اليوم كلهم بلا استثناء صناع تافهين عند هؤلاء ولم يصل أحد منهم إلى رتبة أولئك. لذلك فهم باعة خردة ومواد مستعملة: يبحثون عن الاعتراف بهم في خدمة الغزو الثقافي سواء من الاستعمار المباشر أو غير المباشر..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن الحديث القرآن رأي الحديث تاويلات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الحضارة ـ النوع من حیث ومن ثم
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الغزو الفكري للصهاينة يستهدف التقليل من مكانة المسجد الأقصى.. فيديو
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، أن محاولة التقليل من مكانة المسجد الأقصى في فلسطين تشكل جزءًا من المخطط الصهيوني الهادف إلى محو الدولة الفلسطينية.
وفي حديثه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج 'اسأل المفتي' على قناة 'صدى البلد'، أشار مفتي الجمهورية إلى أن هذا التحريف التاريخي يسعى لتغيير الحقائق وطمس الهوية الإسلامية، حيث يتم الترويج لأكاذيب تنكر وجود المسجد الأقصى كموقع مقدس للمسلمين، مضيفًا أن هذا الهجوم الفكري يهدف إلى تقليل مكانة الأقصى لدى المسلمين، على الرغم من كونه يشكل ركيزة أساسية في عقيدتهم.
أوضح نظير عياد أن هذا التحريف التاريخي ليس سوى جزء من خطة طويلة الأمد بدأها الكيان الصهيوني منذ عقود، مشيرًا إلى أن هذه المحاولات تعود إلى أولى مراحل الغزو الفكري التي بدأها اليهود في العهد النبوي، حيث حاولوا التشكيك في نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم رغم معرفتهم بذلك بشكل جيد.
ولفت المفتي إلى أن هذا النوع من الغزو الفكري استمر بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وتطرق إلى حادثة تحويل القبلة كأحد الأمثلة البارزة على هذه المحاولات، معتبرًا أن ما يحدث اليوم من تشكيك في المسجد الأقصى ليس مفاجئًا، إذ أن الهدف من هذه الحملة هو إضعاف الارتباط التاريخي والديني للمسلمين بهذه البقعة المقدسة.
وقال الدكتور عياد: 'هذا الهجوم الفكري يستهدف تزييف التاريخ وإعادة كتابته بشكل يخدم مصالح الكيان الصهيوني'، مشيرًا إلى أن من بين هذه الأكاذيب ادعاء أن المسجد الأقصى لا يقع في فلسطين، بل تحته هيكل سليمان المزعوم.
وأكد مفتي الجمهورية أن مواجهة هذا الفكر المغلوط تتطلب الرد بالحجج والأدلة العلمية والدينية، وذلك من خلال تصحيح التاريخ الإسلامي والعمل على تبيان الأخطاء التي تحتويها هذه الادعاءات، موضخًا أن مهمة تصحيح هذا الفهم الخاطئ يجب أن تستند إلى الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى الشواهد التاريخية التي لا يمكن تزويرها أو إنكارها.
وأضاف المفتي أن التاريخ الإسلامي مليء بالأحداث التي تدحض هذه الأكاذيب، سواء كان ذلك في ما يتعلق بالمسجد الأقصى أو فتوحات المسلمين الكبرى.