ألقى خطبة الجمعة اليوم، بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول "رمضان شهر القرآن".

خطيب الجامع الأزهر: اختص الله تعالى أمة الإسلام بالعزة ويجب عليها التمسك به

وقال د. العواري إنما تشرف الأيام بشرف ما يقع فيها، وشاءت إرادة الله أن ينال شهر رمضان من الفضل والخير لما وقع فيه من نزول أعظم نعمة امتن الله بها علي نبيه ﷺ، حيث نزلت قطرات الوحي الإلهي علي قلب النبي محمد ﷺ في هذا الشهر الفضيل، فكان رمضان شهر القرآن، و هذه نعمة أنعم الله بها علي البشرية جمعاء إذ خص النبي الخاتم الذي بعثه الله للناس كافة بشيراً ونذيراً، بعثه وأرسله رحمة للعالمين.

هكذا كانت بعثة النبي ﷺ للإنس والجن، الأحمر والأسود فكان هذا القرآن الذي أضاء الله به الأرض بعد أن أُظلمت، فرَّد به الناس إلي الحق والعدل والخير، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد.

وأوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية أن نعمة نزول القرآن في رمضان جعلت هذا الشهر ينال منزلة كبري عند الله عزّ وجلَّ حتي سجل الله اسمه في كتابه وصار اسمه قرآناً يتلي إلي يوم القيامة ويُتعبد به، مؤكدا أن هذا شرف ما بعده شرف خص الله به أمة رمضان لأن أمة رمضان هي أمة القرآن، وبين القرآن ورمضان علاقة وطيدة لانفصام لها، أمة استحقت هذا الشرف حري بها أن تحرص علي بقائه وأن تبتعد عن عوامل ضياعه، وأن تعمل جاهدة علي بقاء عزها وشرفها وكرامتها واستقلالها كلما استمسكت به، وأن تؤمن بأنه العروة الوثقي، حبل الله المتين الذي هو سبب لكل خير.

فضل المسارعة إلى الخيرات والتنافس فيها خلال رمضان منزلة النبي بين الأنبياء والمرسلين.. تعرف على شرفها وقدرها

وبين فضيلته الله تعالى قد ذكَّر الله نبيه ﷺ بهذه النعمة فقال له: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾. شرف للرسول، وعز وفخر لقومه سواء أكانوا أمة الدعوة، أي البشرية جمعاء، أم أمة الإجابة، الذين اتبعوا محمداً، فهو شرف للجميع وسوف يُسألون عن هذا الشرف وهذا الذكر، حفظوه أم ضيعوه، ويقول في موضع آخر: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾. فيه شرف الأمة وعزها وسعادتها، وبقاؤها وامتداد حياتها، به الحياة الطيبة في الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة. فعليهم أن يعقلوا الأمر لأنها أمة أكرمها الله بالقرآن ليكون نبراساً وهديً للعالمين،

وأضاف خطيب الجامع الأزهر أن هناك ارتباط وثيق بين شهر الصيام الذي يحقق الله به التقوي لمن صامه حق صيامه وبين االقرآن ذالكم الكتاب الذي أنزله رب العالمين ليهتدي به كل تقي. قال تعالي: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾، وفي رمضان وفي الصيام يقول تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، مشددا على ضرورة التأمل في هذا الربط، وأن نعمل جاهدين علي ألا نفرط في كتاب ربنا قراءة وتدبراً، ووقوفاً علي حدوده حتي ننال منزلة عند الله، ويتحقق لنا كل خير فنأمن أعدائنا، وتسلم لنا دنيانا، ونفوز بالنعيم المقيم في أُخرانا. فالقرآن يهدي التي هي أقوم قال تعالي: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.

وأوضح فضيلته أنه حري بأمة هذا قدرها وتلك منزلتها عند من اختارها وشرفها بهذا الشرف أن تكون علي مستوي المسئولية مع أنفسها ومع الناس ومع ربها لأنها ستعود إليه، وسوف يسألهم هل أقاموا حدود القرآن كما أقاموا حروفه؟ هل تخلقوا بأخلاقه؟ هل تجملوا وتزينوا بأدبه؟ هل طبقوا تشريعاته وأحكامه؟ فعليهم أن يتدبروه ويقرأوه لينالوا أعلي الدرجات. قال ﷺ: (من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ). فلا يمكن لأحد حصر الأجر ولا إحصاء الدرجات، ومن هنا يقال لقاريء القرآن يوم القيامة: إقرأ وارتقي ورتل، يرتقي في الدرجات، كلما ازداد في القراءة، علت درجته وسمت مرتبته. (عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).

وأكد الدكتور العواري أن في ذلك العطاء الذي ما له من نفاد، بل إن القرآن الذي نزل في شهر القرآن سيكون لك شفيعاً يوم القيامة كما أخبرنا بذلك سيد البشر الذي يقول في الحديث: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أى رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعنى فيه، فيشفعان). تُقبل شفاعتهما فيمن يحافظ علي الصيام والقرآن. فكونوا أهلاً للصيام والقرآن، استمسكوا بكتاب ربكم، وتأملوا قول نبيكم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي).

واختتم فضيلته بمطالبة أمة الإسلام بألا تترك عزها ومجدها، وألا تفرط فيه، فإن فرطت خانت وإن خانت استحقت أن يكتب الله عليها الذلة والمسكنة، والهوان والفقر والشر وغير ذلك بسبب تفريطها فيما خصها الله به

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر الجامع الازهر خطيب الجامع الأزهر رمضان شهر القرآن خطبة الجمعة اليوم یوم القیامة

إقرأ أيضاً:

أمين الدعوة بـ«البحوث الإسلامية»: وثيقة الأخوة الإنسانية تهدف إلى وقف الحروب

قال الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، إن المتأمل لمعنى الإنسانية، ولأحكام الشريعة وتفاصيل الوحي، يصل إلى يقين بأن الإسلام هو دين الإنسانية بامتياز، كما أنه دين الربانية في ذات الوقت، مبينا أنه دين الربانية من ناحية مصدره وغايته من المولى عز وجل، ودين الإنسانية من ناحية عناية هذه الأحكام على تعددها وتفاصيلها بالإنسان وتكريمه والمحافظة على وجوده، وأسباب وجوده.

الإنسانية ليست بديلا للإيمان ولا تلغي العقيدة

وبيّن «الهواري»، خلال حديثه اليوم بلقاء تنظمه اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية في رحاب الجامع الأزهر تحت عنوان «الأخوة الإنسانية ضرورة وجودية»، موضحا أن الإنسان لا يستطيع أن يكون ربانيا حقا، دون أن يكون إنسانيا، كما لا يستطيع أن يكون إنسانيا حقا، دون أن يكون ربانيا، مؤكدا أن الإنسانية متجذرة في مصادر الإسلام من قرآن وسنة، وهي تلك الإنسانية التي ترجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيل الأمين من بعده سلوكا حياتيا وواقعا عمليا.

وثيقة الأخوة الإنسانية ولدت من أجل منع سيل الدماء

وأوضح الأمين العام المساعد للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، أن الأزهر الشريف حوّل هذه الإنسانية إلى صيغ عملية عبر تاريخه، حيث نادى الشَّيخُ محمَّد مصطفى المراغي عام 1936، وكان حينئذ شيخ الأزهر، نادى في مؤتمر عالمي للأديان بـ«الزَّمالةِ الإنسانيَّةِ» بين الأممِ كافَّةً لاحتواءِ صراعاتِ الأممِ والشُّعوبِ، كما كتب الشَّيخُ محمَّد عرفة في مجلَّة الأزهرِ سنة 1946 مقالًا نادى فيه بضرورةِ التَّعاونِ بين الإسلامِ والغربِ، وقد دفعه لكتابةِ هذا النِّداءِ ما انتهتْ إليه الحربُ العالميَّةُ الثَّانيةُ آنذاك من اختراعِ القنبلةِ الذَّريَّةِ والأسلحةِ الفتَّاكةِ، وقد حذَّرَ من فناءِ العالمِ كلِّه، إذا استعملَ المحاربون هذه المخترعاتِ.

أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية

وكشف «الهواري» عن أن الأزهر حينَ أدركَ بحسِّه الدِّينيِّ، وواجبِه الإنسانيِّ، ودورِه العالميِّ، حاجةَ البشريَّةِ إلى النُّورِ الَّذي يبدِّدُ ظلماتِ العنفِ والتَّطرُّفِ، ويكشفُ التَّيَّاراتِ المنحرفةَ اسْتَنْبَتَ من أنوارِ النُّبوَّةِ نبتًا جديدًا معاصرًا أَثْمَرَ وثيقتينِ: «إعلانِ الأزهرِ للمواطنةِ والعيشِ المشتركِ»، و«وثيقةِ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ»، حيث أكَّدَ الأزهرُ في الأولى أنَّ «المواطنةَ» مصطلحٌ أصيلٌ في الإسلامِ، ترجمَه الصَّحابةُ إلى واقعٍ عمليٍّ، ظهرَتْ ثمراتُه في حياتِهم مع غيرِهم، وأنَّ «المواطنةَ الحقيقيَّةَ» لا إقصاءَ معها، ولا تفرقةَ فيها، وإنَّما تقبلُ التَّعدُّديَّةَ الدِّينيَّةَ والعرقيَّةَ والاجتماعيَّةَ.

وأكد الهواري أن «وثيقةُ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ» ولدت لتكون موجَّهةً إلى العالمِ كلِّه، بدءًا بقادةِ العالمِ وصنَّاعِ السِّياساتِ الدَّوليَّةِ والاقتصاديَّةِ العالميَّةِ، من أجلِ وقفِ الحروبِ وسيلِ الدِّماءِ غيرِ المبرَّرِ، ونشرِ ثقافةِ التَّسامحِ والتَّعايشِ والسَّلامِ، وتقفُ بما فيها من مبادئَ في وجهِ هذا الانحدارِ الثَّقافيِّ والأخلاقيِّ الَّذي يعارضُ القيمَ والثَّوابتَ، موضحا أن الإنسانية في الإسلام تؤدي حتما إلى ثمرات طيبة، هي الإخاء والمساواة والحرية، فالإسلام يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان؛ لا من أي حيثية أخرى، الإنسان من أي سلالة كان، ومن أي لون كان، من غير تفرقة بين عنصر وعنصر، وبين قوم وقوم، وبين لون ولون، مسقطا كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية، مبينا أن هذا الاختلاف أو التفاوت لا يجعل لبشر قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، حيث إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة الأزهر السابق: الاعتراف بوثيقة «الأخوة الإنسانية» دليل على أهميتها
  • المحرصاوي: الاعتراف بوثيقة «الأخوة الإنسانية» لها دليل على أهميتها لبناء الإنسان
  • أمين الدعوة بـ«البحوث الإسلامية»: وثيقة الأخوة الإنسانية تهدف إلى وقف الحروب
  • أمين مجمع البحوث بالأزهر: الأخوَّة الإنسانيَّة ضرورة وجوديَّة رسَّخها الإسلام عبر العصور
  • رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض ونهى عن الفساد
  • أستاذ تاريخ: الأزهر حافظ على المذهب السني في مصر والعالم الإسلامي
  • رئيس جامعة الأزهر: ما من حدث يمر بالأمة إلا وتجد صوت الأزهر عاليا
  • في ذكرى توليه المشيخة.. 10 معلومات عن أبو الفضل الجيزاوي شيخ الجامع الأزهر
  • لليوم الثالث.. البحوث الإسلامية يواصل فعاليات «أسبوع الدعوة» حول مخاطر الإدمان
  • لليوم الثالث.. "البحوث الإسلامية" يواصل فعاليات أسبوع الدعوة عن مخاطر الإدمان