سودانايل:
2025-03-03@23:33:54 GMT

يا ضريح الشعب الحزين!

تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT

بثينة تروس
من لم يتفطر قلبه حزناً لرؤية ضريح الشيخ قريب الله بن الشيخ أبي صالح بن الشيخ أحمد الطيب بن البشير، وكذلك ضريح الشيخ حسن الفاتح قريب الله، مدمراً سطحه الأعلى موحشاً، كسائر بيوت السودانيين الذين فروا من منازلهم نجاةً بأرواحهم، ومشهد حريق و تصدع وتدمير تلك الجدران التي ارتوت باَيات القران، وتعلقت أستارها بأنفاس المدائح النبوية والانشاد والذكر، فليتحسس سودانيته! وقبلها قلبه، تلك المضغة التي ان صلحت صلح سائر الجسد وان فسدت فسد سائره.


ومن أعجب الامر وخفائه أن الشيخ قريب الله قد انتقل الي جوار ربه، ليلة الاثنين الثالث والعشرين من شهر رمضان في العام الميلادي 1936 وتم تدمير ضريحه بصورة مهينة في شهر رمضان من هذا العام، ذاك الشهر الذي رصدت فيه البلاد جميع صنوف الكبائر والمحرمات، خلال ثلاثين عام من حكم الحركة الإسلامية، التي تركت سجل حافل بالدماء والمجازر، ختمت بحرب 15 ابريل، التي أشعلت نيرانها في أواخر شهر رمضان من العام الماضي، وهي الحرب التي أطلق عليها جنرالاتها صفة العبثية، وان كانت في حقيقة امرها هي حتمية لدولة انهارت فيها كل المؤسسات، وظلت بلا حكومة فعليه بعد انقلاب البرهان 2021، فقد فقدت فيها البلاد الامن وتعددت فيها المليشيات، وتمددت مليشيات الدعم السريع تحت رعاية الجيش فصارت توازي في قوتها المؤسسة العسكرية برمتها..
لقد تصدر وسائل الإعلام خبر تدمير ضريح الصالحين، وصاحبته عناوين الفتنة وصب الزيت على نيران الحرب، اذ تم تذييل الفيديو الموثق للحادثة وتبادله بحسب ولاء كل فريق! بتبادل الاتهامات ما بين ان الفاعلين هم من قوات الدعم السريع (اوغاد ال دقلوا)، والطرف الاخر يتهم ان هؤلاء هم مليشيات الجيش(الدواعش) الذين فرضوا سيطرتهم مؤخراً على منطقة ام درمان! وهكذا اشتعل الصراع بين الفريقين كحال بعد كل حادثة جديدة تشعل فتنة بين مكونات الشعب، تبدد كل امل في توافق وحدة الرافضين للحرب، والشاهد ان كلا الطرفين تنطبق عليه مواصفات ارتكاب هذا الجرم الشنيع، اذ قوات الدعم السريع أنشأت من اجل التدمير والترويع والقتل، وفي حرب 15 ابريل تمددت الويتها القبيلة والجهوية، في ارض المعركة وفشل قائدها حميدتي في حماية المواطنين العزل في قراهم ومدنهم في مناطق سيطرتهم، وعجز عن محاسبة جرائم انتهاكاتها في حق المواطنين، مما زاد من حوادث التفلت التي لا تقيم وزنا لكرامة ومقدسات مكتسبات وموروثات البلاد, لذلك لا يتوقع ان يكونوا اخياراً فيميزون تلك المسلمات في ظل موروث هذا الحريق من صراع السلطة واقتسام الثروة والنفوذ. ويظل هنالك شبهة انه ليسوا بالفاعلين باعتبار ان منطقة ام درمان حين كانت تحت سيطرتهم كانت تلك الاضرحة اَمنة، ومسيد شيخ الأمين يقوم بدوره في سند المحتاجين، بعكس التهديدات الموثقة لإعلام (لايفاتية) داعمي الجيش هددت بنسف المسيد بمن فيه.
بالطبع اتهامات الطرف الاخر بان هذا الفعل الشنيع وراءه مليشيات الجيش وتوابعها من المهووسين، هو امر له ما يسنده من ماض ثلاث عقود من الحكم، منذ (ذبح) الصحفي محمد طه محمد احمد، ووضع راسه علي صدره بعد اختطافه من وسط اسرته، وذلك بسبب خلافه مع اخوته في التنظيم! والحاضر اسوا من الماضي اذ نجد في قيادة المعارك المهووسين من دواعش محمد علي الجزولي، وعبد الرؤوف ابوزيد، وأمثالهم من مليشيات البراء بن مالك والبرق الخاطف، فجميعهم رضعوا ثقافة حرق الاضرحة ونبش قبورها، لذلك هو صنيع يشبههم، فلقد قطعوا رؤوس القتلى وتحلقوا حولها يهتفون ويرقصون، واليوم انتشر اسوا فيديو لجماعة منهم يسلخون شخصا اتهموه بانه جنجويدي.. هذا الفعل الوحشي لا اظنه يوجد الا في صناعة أفلام الرعب المخيفة، بل صار الجيش الذي حرر منطقة امدرمان القديمة هم لصوصها، الحرامية، والمتفلتين، لذا لا اعتبار عندهم للإنسان حياً او ميتا.
ولطالما ناصبوا المتصوفة العداء في برنامجهم (إعادة صياغة الانسان السوداني) لدرجة تكفيرهم لشيوخهم وأوليائهم، وفي حقيقة الامر لم يكن السودان اَمنا، كريمة اخلاق انسانه، الا بفضل اهل التصوفـ، فلقد حفظوا مكارم الاخلاق، والسماحة، حموا الناس من التطرف، والعنف، واشاعوا ثقافة المحبة، والتعايش السلمي بين جميع مكوناته العرقية والاثنية والثقافية (الما عنده محبه ما عنده الحبه)! إلى ان تسلط على الشعب من لا يخاف الله ولا يرحم عباده وشعارهم الذي ما فتأوا يذكروننا به بين الفينة والأخرى (فلترق منهم دماء.. فلترق كل الدماء) ولاء حكامهم للتنظيم العالمي والخلافة الإسلامية، لا للسودان وشعبه، فهم حرباً علي كل من لا يواليهم.
ان مأساة السودانيين المحاصرين في الحرب يتفطر لها الضمير الإنساني، فالملايين يعانون ويلات النزوح أو الحصار والجوع، بينما يجتهد طرفا القتال الجيش والدعم السريع في نبش الاضرحة وسلخ الجلود واشعال الفتنة؟ ويعرقلا سبل وصول المساعدات الإنسانية بعد التزامهما بوقف الهدنة، وتبادل الاتهامات بخرقها، بالتصريحات العنترية، والاعلام الفاسد. ورمضان شهر الحرمات لم يتجاوز منتصفه.

tina.terwis@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وشم الطائر صفحة من تاريخ العراق الحزين

مارسنا حتى أوائل الثمانينات، ضرب الكلاب والتطبيل عند خسوف القمر، سواء بأواني البيت أو بأي شيء يصدر صوتا، وبعضنا يقرأ القرآن والآخر يؤذن فوق سطح المنزل أو في المسجد. كان الاعتقاد بأن " دابة / حية تحاول أكل القمر " ونغني نحن الأطفال " وا قمرنا وا بيه وا كلته الدابيه ..دابةٍ تمشي عليه " تبدأ الكاتبة باجترار الأحزان " سيتوجهون كلهم إلى جبل يسمونه سن الكلب لأنه محاط بجبال وتلال أقل ارتفاعا فيبرز بينهم كسن الكلب .حمل (شمو) فانوسا وناولت رمزية (لهيلين وآزاد وإلياس) صحونا وملاعق كبيرة، وتوجهوا نحو قمة الجبل .كانوا متأهبين كلهم لإنقاذ القمر من الحوت الذي يحاول أن يبتلع القمر وهم يرددون " يا حوته يا منحوته، هدى قمرنا العالي، هذا قمرنا نريده، هو علينا غالب" و" يا عالي بلا درج ، قمرنا طايح بشدة ، نطلب منك الفرج " النبوءات خلف هذا المشهد هو ما يتناقل بأن كارثة ستحل بالبلد بعد الخسوف ..وهذا اجترار لرائحة الموت التي غلفت قمر العراق البهي منذ أن أحال التتار مجرى دجلة و الفرات إلى اللون الأزرق و الأسود برمي الكتب التي كانت ثروة التحضر العباسي وأغلى مكاسبه التاريخية. وقبل هذا تؤكد الشارات التاريخية أن أصل كلمة الحزن وردت في ملحمة (جلجامش)3000 ق.م ليستمرا نهرا العراق بحمل جينات الحزن منذ ذلك التاريخ وليس انتهاء بمقتل الحسين ولا بصرخة السياب " ما زلت أضرب، مترب القدمين، أشعث...في الدرب تحت الشمس والبرد الحزين" تقرأ في الرواية، صفحة من كتاب العذاب والخوف والحزن الذي عاشه العراق بصفة عامة و(الأزيديين) بصفة خاصة من دخول (داعش) وتمركزه في شمال العراق. الرواية تسجل وصمة عار بحق الإنسانية جمعاء على ما قام به هذا التنظيم من ممارسات لا تليق بكرامة الإنسان. اختارت الكاتبة المرأة كمحور قضيتها لأن وقود الحروب المرأة والأطفال، فجعلت من " هيلين " وتعني بالكردي عش الطير و "أمينة " المحور الاساسي مع وجود إلياس زوج " هيلين " و" آزاد " أخو " هيلين " والذي يعني الحر مع وجود شخصيات أخرى.

في مرحلة السبي، لكل من " هيلين " و" أمينة " والممارسات المؤلمة واللاإنسانية التي مارسها التنظيم ضد (الأزيديات) من بيع وتعذيب وحشي جسدته الكاتبة من خلال أبناء " هيلين " الصغار كمقاتلين. وتضع " أمينة " طفل من ممارسات داعش وعندما تقرر هيلين الهرب من قبضة داعش تستدعي الأبناء الذي يقدمون من سوريا وتطلب منهم العودة لمنطقتهم إلا أنها فوجئت برفضهم مدعين أن هذا التنظيم جاء لنشر العدل والمساواة في الأرض ...ما حداها أن تصرخ في وجههم... أي عدل لمن زنا وباع أمكم؟ تنتقل الكاتبة لتستعرض بعضا من ثقافات التنظيم، من حيث المحاضرات والتدرب على الذبح سواء كان الذبح واقعا أو من خلال بث فيديو لتقوية قلوب المقاتلين الجدد عن كيفية ذبح الكفار، فيشاهد الأبناء كيف ذبح التنظيم والدهم فيرجعا لوالدتهم.

" أمينة " ترجع ومعها طفل اسمه " آدم " لا يقبله زوجها ولا يتم تسجيله في كشوفات الأزيديين وتحت إلحاح زوجها بأن تتركه في رعاية جمعيات الأطفال اليتم على أن تزوره متى شاءت.

بعد يومين، يتم منح الطفل لعائلة سورية لتتبناه تعرف الأم من خلال العنوان الذي تركته العائلة ...فتذهب لرؤيته ولكن في الطريق يتم قذف المكان وتموت من جراء ذلك التفجير.

وشم الطائر، هو شم وضعته هيلين وإلياس مكان وضع خاتم الزواج ...والطائر الذي تدور حوله الرواية هو طائر " الحجل العربي " أو " القبج" بالعراقي الكردي أو " الصفرد " بالعماني الدارج... هذا الطائر له قدسية مع الحليقيين فهم يتحركون معا على هيئة جماعات مثل اسراب الطيور وللكبرياء ولرقصة الألم التي يقلدها الأكراد في احتفالاتهم. (لكل شخص نجمة هناك في السماء. انظري، تلك نجمتك، متألقة مثلك. أريدك دائما عالية مثل تلك النجمة. لا تحني رأسك أبدا يا هيلين)، (هذا الصباح سأصعد الجبال. نجمات السماء هناك أجمل لأنها تلمع في عينيك)، (أولئك الأسرى كان لهم أمل من نوع خاص. أمل يشبه اليأس. فعندما يتكرر الأمل كل يوم، يصبح اليأس أليفا كالأمل نفسه، وبمرور الوقت يتشابهون إلى درجة يصعب التفريق بينما) أو كما يقول شاعر العراق، عبد الرزاق عبد الواحد:

(سلام على بغداد... أدمنت همها/ فما عاد فيها فاجئ بعد يفجأ/ وأدمنت شكواها، وأدمنت صبرها/ وأدمنتها جرحا عن الذل يبرأ/ وها هي ذي تدمى ولكن أبية/ وعنها شرايين الغيورين تدرأ/ دلالة أن الأرض، كل ذئابها/ تعاوت على مجرى دماك، وتخسأ/ يظل طهورا كل جرح فتحته/ عسى كل مظلوم به يتوضأ)

الرواية تكشف الأبعاد الخفية التي تمارسها التنظيمات المسلحة وخاصة تلك التنظيمات المؤدلجة التي تحمل أفكارا اقصائية للآخر الذي يختلف معها أيديولوجيا وخاصة من ناحية المعتقد، كما تحاول الكاتبة اظهار الأقليات الدينية التي كانت تعيش بسلام قبل ظهور هذا التشدد المذهبي الذي يغرق البلاد والعباد في فوضى، لا يعرف فيها الظالم من المظلوم.

العراق مهد الحضارة الإنسانية، ومنبع ثقافتها، وتاريخ نزفها الذي تسمعه في كل روغ عراقي، يذكرك بالحزن الأبدي.

مقالات مشابهة

  • مطالبات بمحاكمة مغنٍ تونسي قاتل في صفوف الجيش الإسرائيلي
  • الجيش الصومالي وقيادة "فريكوم" ينفذان ضربة جوية ضد مليشيات الشباب الإرهابية
  • تراجع نفوذ الجيش بالبرلمان الصيني.. حملة تطهير غير مسبوقة
  • الجيش: سيطرنا على منظومة تشويش تابعة لقوات الدعم السريع على سطح منزل في شرق النيل – فيديو
  • الشيخ « الرزامي» يهنئ القيادة الثورية والسياسية بحلول رمضان
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع
  • آلاف الزوار يتوافدون إلى ضريح نصر الله في لبنان.. جنسيات مختلفة
  • آلاف الزوار يتوافدون على ضريح نصر الله في لبنان.. جنسيات مختلفة
  • وشم الطائر صفحة من تاريخ العراق الحزين
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم وشمالي الأبيّض