الصين و لمحة لتجريبتها في الصعود لدولة ذات قوة علمية
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
زهير عثمان حمد
تتبنى الصين رؤية طموحة لدورها في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بالعلم والحضور العالمي. تسعى الصين إلى تعزيز مكانتها كقوة علمية وتكنولوجية رائدة، وترغب في المساهمة بشكل فعال في النهضة العالمية في مختلف الميادين وفقًا للمصادر، تركز الصين على بناء “مجتمع عالمي ذو مستقبل مشترك”، وهو مفهوم يدعو إلى التعاون الدولي والتنمية المشتركة، مع التأكيد على الابتكار والتقدم التكنولوجي وتقول التقارير الاستراتيجية إلى أن الصين تسعى جاهدة لتعزيز مكانتها كقوة علمية وصناعية دولية في العقود القادمة.
تواجه الصين تحديات متعددة في طريقها نحو هذا الهدف، بما في ذلك الحاجة إلى توازن أفضل بين البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي، والتغلب على العقبات السياسية التي قد تؤثر على التطور العلمي والتقني. ومع ذلك، فإن الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي حققتها الصين في السنوات الأخيرة تشير إلى إمكانية نجاحها في تحقيق أهدافها الطموحة , تشدد الصين على أهمية الاستجابة لنداء العصر وتطوير خطط للمستقبل تتماشى مع التقاليد الثقافية والتاريخية للبلاد، مع الحفاظ على التوجه نحو التنمية المستدامة والازدهار المشترك2. تؤكد الرؤية الصينية على الحاجة إلى تحسين نظام الحوكمة الدولي والعمل معًا لمواجهة التحديات العالمية وبناء مستقبل أفضل للبشرية جمعاء
شهدت الصين تطوراً ملحوظاً في مجال الهندسة خلال العقد الماضي، وخاصة في هندسة البناء وتطوير المدن وهندسة إنشاء الجسور والهندسة المعمارية بشكل عام. إليك بعض النقاط البارزة و تُظهر الأدلة أن الصين تمكنت من مواكبة الدول الأخرى في مجال التجارب الهندسية والأبحاث العلمية الضخمة. فقد أصدرت الأكاديمية الصينية للهندسة تقريرًا يُبرز البحوث العالمية الرائدة للعلوم والتكنولوجيا الهندسية، مشيرة إلى تحقيق اختراقات على مستوى العالم في التقنيات الناشئة مثل النماذج الكبيرة والرقائق الكمومية والبيولوجيا التركيبية. كما تُشير التقارير إلى أن الصين تحتل المرتبة الأولى في عدة مجالات واسعة من البحوث، وتُعد من الدول الرائدة عالميًا في البحث العلمي
و تُظهر الإحصائيات أن الصين تنشر أكبر عدد من أوراق البحث العلمي سنويًا، وتُشكِّل الأبحاث الصينية نسبة كبيرة من أفضل 1% من الأوراق البحثية الأكثر اقتباسًا في العالم، مما يُعد مقياسًا شائع الاستخدام في الأوساط الأكاديمية لتقييم التأثير العلمي3. هذا يُظهر قدرة الصين على المنافسة والابتكار في مجالات البحث والتطوير العلمي والهندسي.التعليم الهندسي: لدى الصين أكبر نظام للتعليم الهندسي في العالم، وقد شهد نمواً متسارعاً يضخ زخماً جديداً في التنمية المدفوعة بالابتكار.العمارة: تشهد المدن الصينية مرحلة انتقالية في أسلوب العمارة، حيث وضعت الحكومة الصينية حداً للمباني “المقلدة” وحظرت ناطحات السحاب التي يزيد ارتفاعها عن 500 متر.صناعة البناء: تمتلك الصين أكبر سوق للبناء في العالم، ومن المتوقع أن ينمو حجم سوق البناء من 4.74 تريليون دولار أمريكي في عام 2023 إلى 7.00 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2028
هندسة الجسور: في الثلاثين عامًا الماضية، وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، قامت الصين بأكبر بناء طرق وجسور في العالم، مع تحسين تقنية بناء الجسور بشكل كبير
الهندسة المعمارية: تتميز الهندسة المعمارية في الصين بالتركيز على التماثل والشعور بالفخامة، وهي ميزة مهمة تنطبق على كل شيء من القصور إلى المساجد.
هذه مجرد لمحة عن التطور الهندسي في الصين، وهناك الكثير من المشاريع والتقنيات الجديدة التي تستمر في دفع حدود الإبداع والابتكار في هذا المجال. و تعمل الصين على تطوير المدن الذكية بشكل مكثف. إليك بعض المعلومات البارزة:
منصة “دماغ المدينة” (City Brain): تستخدم الصين منصة الذكاء الاصطناعي هذه لتحسين إدارة المدن، وقد تم تشغيلها في 128 مفترقاً للطرق في مدينة هانغتشو، وتساعد في تقليل أوقات رحلات سيارات الإسعاف وعربات الإطفاء.
المدن التجريبية: في عام 2013، حددت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية 90 مدينة تجريبية لبناء مدن ذكية.
التوسع العالمي: تقدم الشركات الصينية خدمات المدن الذكية في حوالي 40 دولة، مما يعكس النفوذ العالمي للصين في هذا المجال.
الاستثمارات: تضم الصين حوالي نصف المدن الذكية التي يبلغ عددها حوالي 1000 مدينة قيد التطوير حاليًا في جميع أنحاء العالم، وقد بلغ حجم الإنفاق على المدن الذكية في الصين 39 مليار دولار في عام 20232.
هذه المشاريع تعكس التزام الصين بتطوير البنية التحتية الذكية وتحسين كفاءة الخدمات العامة والحياة اليومية للمواطنين. .
مشروع تطوير بحر الصين الجنوبي يشير إلى مجموعة من الأنشطة التي تقوم بها الصين والتي تشمل بناء جزر صناعية وتعزيز البنية التحتية البحرية في المنطقة. هذه الأنشطة لها أبعاد استراتيجية واقتصادية وعسكرية، وتشمل:بناء الجزر الصناعية: الصين أعلنت عن خطط لبناء 50 جزيرة صناعية إضافية في بحر الجنوب بحلول عام 20301. هذه الجزر قد تستخدم لأغراض متعددة بما في ذلك الأبحاث العلمية، الدفاع العسكري، وتعزيز السيطرة على الممرات المائية. تعزيز القدرات النووية البحرية: الصين تعمل على تطوير محطات طاقة نووية عائمة لتسهيل استكشاف الموارد البحرية وتسريع التنمية التجارية عبر بحر الصين الجنوبي2. التعاون البحري مع دول آسيان: الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) اتفقت على تنفيذ مشاريع تعاون بحرية والحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي3. هذه المشاريع تثير قضايا جيوسياسية معقدة، حيث تتنازع عدة دول على السيادة في بحر الصين الجنوبي وتعارض بعض هذه الأنشطة، مما يؤدي إلى توترات إقليمية ودولية
الرؤية الكلية للنهضة الهندسية في الصين تتمثل في تحقيق تقدم شامل ومستدام يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة. الحزب الشيوعي الصيني يلعب دورًا محوريًا في هذه العملية، حيث يضع السياسات والخطط الإستراتيجية لتوجيه التنمية الهندسية والصناعية. وقد أكد الحزب على أهمية الابتكار والتكنولوجيا كعوامل رئيسية لتحقيق النهضة الصناعية والهندسية.و من ناحية أخرى، يُعتبر رجال الأعمال جزءًا لا يتجزأ من هذه العملية، حيث يسهمون في تطوير البنية التحتية والمشاريع الهندسية من خلال الاستثمارات والابتكارات. كما يعملون على تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، ويساهمون في تحسين القدرات الإنتاجية والتنافسية للصين في السوق العالمية
وهنا ، يُظهر الشباب الصيني، وخاصة في المجالات الهندسية والتكنولوجية، حماسًا كبيرًا للمشاركة في مشاريع النهضة الهندسية، مما يساعد على تسريع وتيرة التطور ويضمن استمرارية الابتكار. بشكل عام، الرؤية الكلية للنهضة الهندسية في الصين تعتمد على تعاون متعدد الأطراف يشمل الحكومة، والحزب الشيوعي، ورجال الأعمال، والمجتمع العلمي، والشباب، لبناء مستقبل مزدهر ومستدام للصين. أن مشروع “الحزام والطريق”، المعروف أيضًا بـ"طريق الحرير الجديد"، هو مبادرة تنموية عالمية أطلقتها الصين في عام 2013. الهدف منها هو تعزيز الاتصال والتعاون الاقتصادي بين الدول في آسيا وأوروبا وأفريقيا. تشمل المبادرة بناء شبكات البنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ، وكذلك تعزيز التجارة والاستثمارات الدولية. تهدف المبادرة إلى تسهيل التجارة وتعزيز النمو الاقتصادي عبر هذه القارات وتعزيز التكامل الإقليمي
وتُعتبر هذه المبادرة جزءًا من استراتيجية الصين لفتح أسواق جديدة وتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي على الصعيد العالمي. وتشير التقديرات إلى أن المبادرة ستشمل أكثر من 68 دولة، تمثل حوالي 65% من سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي1. تتميز الصين بعدد من الجامعات المرموقة في مجال الهندسة، ومن أبرز هذه الجامعات -
جامعة تسينغهوا (Tsinghua University): تقع في بكين وتعتبر من أفضل الجامعات في العالم في مجال الهندسة
جامعة بكين (Peking University): تُعرف أيضًا بتميزها في الهندسة وتقع في العاصمة بكين
جامعة فودان (Fudan University): تقع في شنغهاي ولها سمعة قوية في مجالات الهندسة المختلفة.
جامعة تشجيانغ (Zhejiang University): تقع في هانغتشو وتُعد من الجامعات البحثية الرائدة في الهندسة
جامعة شنغهاي جياو تونغ (Shanghai Jiao Tong University): تُعرف ببرامجها الهندسية المتقدمة وتقع في شنغهاي
هذه الجامعات لديها برامج هندسية متنوعة ومرافق بحثية متطورة، وتجذب طلابًا من جميع أنحاء العالم
ولا نسي هنا دور اليابان تُعتبر اليابان من الدول الرائدة في تطوير الفكر الهندسي في آسيا، وقد لعبت دورًا محوريًا في تاريخ التطور الصناعي والتكنولوجي للقارة. تميزت اليابان بقدرتها على الجمع بين التقاليد الآسيوية والابتكارات الغربية، مما أدى إلى نهضة هندسية وتكنولوجية ملحوظة.
منذ عهد الإمبراطور ميجي والإصلاحات الحضارية التي قام بها، اعتمدت اليابان على استيراد الخبرات والمعرفة من الغرب ودمجها مع الفلسفات الآسيوية، مما أسهم في تحولها إلى قوة صناعية عالمية. وبعد الحرب العالمية الثانية، واصلت اليابان تبني استراتيجية الانفتاح والتحديث، مما جعلها مركز جذب للعديد من الدول الآسيوية.
في المقارنة مع الصين وكوريا الجنوبية، تُعد اليابان مصدرًا أساسيًا للمساعدة الأمنية البحرية والتطور الصناعي في المنطقة، وتُظهر قدرة على التأثير في مستقبل آسيا من خلال تقديم نموذج للتطور الهندسي يجمع بين الابتكار والتقاليد.بالتالي، يمكن القول إن اليابان تحتل مكانة متميزة في تطور الفكر الهندسي الآسيوي، وتُعد مصدرًا رئيسيًا للابتكار والتطور في هذا المجال، مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب الهندسية الناجحة لكل من الصين وكوريا الجنوبية
لم أتمكن من العثور على رقم محدد لعدد طلاب الدكتوراه في الصين خلال الثلاث سنوات الماضية، ولكن وفقًا للمعلومات المتاحة، يُشير تقرير إلى أن عدد طلاب الدراسات العليا المسجلين في الصين لكل 1000 شخص يقدر بحوالي 2.2 طالب. هذا يعطي فكرة عامة عن نسبة طلاب الدكتوراه مقارنة بالسكان، ولكن لا يوفر العدد الدقيق للطلاب. للحصول على معلومات أكثر تحديدًا، قد يكون من المفيد الاتصال بالمؤسسات التعليمية الصينية أو البحث في التقارير الأكاديمية الصادرة عن الجامعات أو الهيئات التعليمية في الصين. الالتزام بالمعايير العلمية والأمانة في الأبحاث الصينية هو موضوع يتم تناوله بشكل متزايد في الدراسات والتقارير العالمية. وفقًا للمعلومات المتاحة، تُظهر الأبحاث الصينية تقدمًا ملحوظًا في عدة مجالات، وقد زادت حصيلتها البحثية بفضل برامج مثل “خطة الألف موهبة”، التي تهدف إلى جعل الصين دولة رائدة في مجالي العلوم والتكنولوجيا
تشير التقارير إلى أن الصين تحتل مرتبة عالية عالميًا في العلوم الرائدة والبحث التكنولوجي، وقد حققت تقدمًا كبيرًا في بحوثها الرائدة بشأن الطب السريري، خاصة فيما يتعلق بتشخيص ومعالجة الأمراض المتعلقة بفيروس كورونا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير تناقش الأمانة العلمية في الأبحاث الصينية وتؤكد على أهمية الضوابط الأخلاقية لحماية الملكية الفكرية وتعزيز مفهوم الأمانة العلمية ومع ذلك، يُشير بعض الخبراء إلى وجود تحديات تواجه الصين في سعيها لتصبح معقلًا عالميًا للابتكار، بما في ذلك الحاجة إلى توازن أفضل بين البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي
من المهم الإشارة إلى أن تقييم مستوى الالتزام بالمعايير العلمية والأمانة يتطلب نظرة شاملة ومتعمقة للسياسات والممارسات البحثية، وهو ما يتم من خلال دراسات وتقارير متخصصة تأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب والمعايير الدولية
بالنسبة للجامعات الصينية، هناك حوالي 225,100 طالب دولي يدرسون في برامج الماستر. وفي عام 2018، بلغ عدد الطلاب الدوليين في الصين 492,200 طالب، وهذا يشمل جميع المستويات الدراسية.
أما في كوريا الجنوبية، يبلغ عدد الجامعات حوالي 238 جامعة ولكن، لم أجد معلومات محددة حول عدد طلاب الماستر والدكتوراه. ومع ذلك، هناك جامعات مثل جامعة سيول الوطنية وجامعة KAIST التي تتمتع بسمعة عالمية وتجذب عددًا كبيرًا من الطلاب الدوليين لبرامج الدراسات العليا.
إذا كنت تبحث عن معلومات أكثر تحديدًا، فقد تحتاج إلى الرجوع إلى مصادر الجامعات المباشرة أو البحث في الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارات التعليم في كل من الصين وكوريا الجنوبية.
بالنسبة للجامعات الصينية، هناك حوالي 225,100 طالب دولي يدرسون في برامج الماستر. وفي عام 2018، بلغ عدد الطلاب الدوليين في الصين 492,200 طالب، وهذا يشمل جميع المستويات الدراسية.
أما في كوريا الجنوبية، يبلغ عدد الجامعات حوالي 238 جامعة. ولكن، لم أجد معلومات محددة حول عدد طلاب الماستر والدكتوراه. ومع ذلك، هناك جامعات مثل جامعة سيول الوطنية وجامعة KAIST التي تتمتع بسمعة عالمية وتجذب عددًا كبيرًا من الطلاب الدوليين لبرامج الدراسات العليا.الالتزام بالمعايير العلمية والأمانة في الأبحاث الصينية هو موضوع يتم تناوله بشكل متزايد في الدراسات والتقارير العالمية. وفقًا للمعلومات المتاحة، تُظهر الأبحاث الصينية تقدمًا ملحوظًا في عدة مجالات، وقد زادت حصيلتها البحثية بفضل برامج مثل “خطة الألف موهبة”، التي تهدف إلى جعل الصين دولة رائدة في مجالي العلوم والتكنولوجيا.
تشير التقارير إلى أن الصين تحتل مرتبة عالية عالميًا في العلوم الرائدة والبحث التكنولوجي، وقد حققت تقدمًا كبيرًا في بحوثها الرائدة بشأن الطب السريري، خاصة فيما يتعلق بتشخيص ومعالجة الأمراض المتعلقة بفيروس كورونا
بالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير تناقش الأمانة العلمية في الأبحاث الصينية وتؤكد على أهمية الضوابط الأخلاقية لحماية الملكية الفكرية وتعزيز مفهوم الأمانة العلمية. ومع ذلك، يُشير بعض الخبراء إلى وجود تحديات تواجه الصين في سعيها لتصبح معقلًا عالميًا للابتكار، بما في ذلك الحاجة إلى توازن أفضل بين البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي
من المهم أن تقييم مستوى الالتزام بالمعايير العلمية والأمانة يتطلب نظرة شاملة ومتعمقة للسياسات والممارسات البحثية، وهو ما يتم من خلال دراسات وتقارير متخصصة تأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب والمعايير الدولية., هذه اللمحة العابرة تجعلنا نعيد النظر في ريادة الغرب للعلوم والدنيا خلال المستقبل القريب
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطلاب الدولیین البنیة التحتیة المدن الذکیة إلى أن الصین الحاجة إلى بما فی ذلک على أهمیة فی العالم بحر الصین بحلول عام الصین على عدد طلاب فی الصین الصین فی من الدول ا کبیر ا عالمی ا من خلال فی مجال ومع ذلک طلاب ا تقدم ا فی عام
إقرأ أيضاً:
خطوات علمية وعملية لغرس حب القراءة لدى الأطفال
بمناسبة حلول شهر مارس (أذار) شهر القراءة الوطني في الإمارات، ناقش موقع 24 عدداً من الأدباء والأكاديميين، حول كيفية غرس حب القراءة لدى الأطفال، وجعلها عادة يومية لديهم، موضحين دور الأسرة والمدرسة في خلق هذه المهارة، وتنميتها لدى الجيل، برغم التحديات الكبيرة التي تواجه الأطفال، مثل الألعاب الإلكترونية وغيرها.
تقول الباحثة الأكاديمية والأديبة الدكتورة فاطمة حمد المزروعي: "الاهتمام بتربية الطفل، جزء منه إدارة حياته الشخصية، لأن الطفل بحاجة إلى اهتمام ورعاية من أهله، وينبغي مساعدته على التخطيط لحياته، وإدارة الحياة تشتمل على أمور عدة، منها كيف ينظم وقته ويستغله، بحيث يحقق أهدافه وأحلامه من خلال تطوير قدراته ومهاراته، بحسب ما يتطلع إليه وما يرنو له في هذه الحياة، بداية نغطي احتياجات الطفل، أثناء إدارة الحياة، نقرأ للطفل ونستمع له ونعطيه الحب، والعناية وأيضاً لا بد أن نلعب معه".
وتضيف "يجب أن يعرف الطفل لماذا يقرأ، فهو يقرأ كي يعرف نفسه ويعرف ما هي إيجابياته ويعرف الحياة، فالقراءة مهمة جداً حتى نفهم أنفسنا، ونفهم كيف نتصرف في مواجهة ما نتعرض له من مشاكل في الحياة، سواء كانت مشكلات صغيرة أم كبيرة، فهو يفهم نفسه ويتعرف على تجارب الآخرين ويفهم الناس الذين يراهم، ويعرف طباعهم من خلال القراءة، سواء كانت قراءة من كتاب ورقي أو الكتروني أو صوتي.
كما أن القراءة تزرع القيم الروحية لدى الطفل، وتزيد من الحس الوطني عنده، لذلك كان لدينا عشرية القراءة، وانطلق أول عام للقراءة في 2016، وبعد عام سيكون مر عليه 10 سنوات، وسنتعرف على أهم ما تم تحقيقه خلال هذه السنوات، وما الذي تحقق منها".
وتوضح الدكتورة المزروعي: "الطفل عندما يقرأ تتحسن حصيلته اللغوية ومهارة الكتابة لديه وطلاقته بالكلام، وهذا ينعكس على ثقته بنفسه، ويزيد من نسبة ذكائه فهو يشغل وقته بما يفيد، ويستطيع أن يقرأ كتبا متنوعة، وينبغي على الأهل التركيز على القراءة وليس على نوعية الكتب، مثلاً في بريطانيا يميل الأطفال إلى الكتب الصوتية، وفي دول أخرى الأهل يشجعون على الكتب الورقية، وتوجد ملخصات الكتب وغيرها، وهناك أيضاً كتب تفاعلية تشجع على القراءة، وكي نعمل على ترسيخ القراءة كعادة لدى الطفل، نبتعد عن جعل القراءة وسيلة لعقاب الطفل، كأن يمنع من النزهة أو من الألعاب الألكترونية، ويتم إجباره على القراءة، لا بد أن نبتعد عن ذلك تماما، وأن نحرص أن لا يصف الطفل علاقته بالقراءة بأنها علاقة سلبية، كأن يقول مثلاً القراءة مملة، لا أحب القراءة، وغيرها، من تعبيرات".
وتتابع: "تترسخ عادة القراءة عند الأطفال مبكرا منذ الصغر منذ قدرتهم على الإمساك بالكتاب، ثم نبدأ نزيد لهم وقت القراءة بالتدريج حتى نصل إلى حد مناسب لظروف دراسته، كما أن ربط عادة القراءة بعادة يومية مثل قبل النوم، وجد أنها تزيد من حب الطفل للقراءة، وفي المرحلة الأولى تختار الأم الكتب المناسبة للطفل، وعندما يكبر قليلاً لا بد أن نترك له المجال كي يختار ما يقرأ، وأثناء القراءة يجب أن نبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان يقرأ كتاباً إلكترونياً أو ورقياً، لأنها تبعث تنبيهات وإشارات، ورسائل بالتالي تقطع التركيز والحضور الذهني وتقطع عليه القراءة، وبالتالي ينصرف الطفل وحتى الكبير ويترك الكتاب الذي بين يديه، وهناك الكثير من الأندية التي تقام للقراءة، ويفضل أيضا أن تكون القراءة داخل المنزل لقراءة كتاب معين ويشجع الطفل على القراءة".
وتؤكد الدكتورة فاطمة المزروعي: "من المهم أن نبدأ بعمر مبكر وأن يكون الوالدان قدوة، وأن تكون لديه عادة قراءة بداية ولو نصف ساعة يوميا، ونشجعه على قراءة الكتب والقصص والمجلات، وأن نصطحبه بشكل دوري على المكتبات ويختار كتبه بنفسه، وأن لا يجبر على القراءة، وأن يخصص ركن في البيت في غرفته يضع فيه كتبه، كما أن الانضمام إلى نادي القراءة في المدرسة والاشتراك في مسابقات القراءة، والمشاركة في فعاليات المدرسة، وزيارة معارض الكتب، جميعها أمور ترسخ عادة القراءة لدى الطفل".
وتشير إلى "ضرورة أن يكون وقت القراءة ممتعا للطفل، فهو يختار الكتاب، وفي أعمار صغيرة نستطيع أن نستعين بالدمى ليعرف الطفل شخصيات القصة، ونطرح عليه أسئلة حسب العمر، مثلاً نسأله عن النهاية وهل يفكر في حل آخر، أيضا مهم جدا أن يقرأ باللغة العربية ونذكره أنها لغة الدولة الرسمية وأنها رابطة تربطنا نحن العرب ومن يحب العربية، وهي جزء من الهوية وتمكنه أن يقرأ القرآن وأن يعرف تاريخه وتراثه، وهذه اللغة يتكلم فيها أكثر من 400 مليون إنسان حول العالم، وهي لغة العبادة لمليار ونصف المليار مسلم، وساهمت في نهضة المسلمين خلال القرون الوسطى، وهي لغة جميلة متطورة فلا بد أن نعزز ثقة الطفل بلغته العربية، فهي تساعده في تحسين دراسته وقراءته ، كما أن اتقانه للغة العربية يفتح أمامه فرصا للعمل مستقبلاً".
أما الأديب ناصر البكر الزعابي فيقول: "ضمن المبادرات الوطنية لدولة الإمارات، يأتي شهر القراءة الوطني من كل عام تأكيدً لأهمية القراءة و المعرفة في حياتنا، و لا يمكن اختزالها ضمن القطاع الثقافي فحسب، فالقراءة نبض الحياة، تبث روح الأمل و الطموح في نفوسنا، و هذا ما يجب أن نغرسه عند الأطفال واليافعين أيضاً، فلولا القراءة لمّا تمكّنا من التطور والتحوّل إلى عالمٍ عصري حديث، لا بد من تحفيز الأبناء و الطلبة مراراً و تكراراً، و تحديث حصص المطالعة في المكتبات إسوة بالأجيال السابقة التي نهلت من المكتبة المدرسية، فبعيداً عن التنميط الذي صاحب المكتبات، علينا أن نمنح مساحة كافية لشغف القراءة كباراً و صغاراً، و هذا دور أسري و مجتمعي، حيث تغيب الأسر عن مختلف المحافل الثقافية بعكس المأمول".
ويرى الزعابي: "أن إقامة ورش القراءة لمختلف الأعمار، سواء في المدراس أو حتى في الجهات الحكومية و الخاصة، و صقل المواهب الشابّة، و البحث عن مواهب حقيقية، و تخصيص برنامج ثقافي خاص لهذه المواهب، و إشراك الأسر في هذه البرامج من ناحية الحضور أو المشاركة الفاعلة في الملتقيات و الندوات".
ويدعو إلى أهمية استغلال الأسماء النقدية القديرة التي تمتلك خبرات وتجارب خاصة في أدب ومسرح الطفل، فهم الأقدر على تشخيص و تطوير هذا الجيل الذي ترعرع في عالم تقني رقمي مغاير عن الأجيال السابقة، و من الطبيعي أن يتأثّر سلباً بهذه التقنيات، فالوصول إلى شغف القراءة يحتاج إلى خطوات مدروسة و جهود حقيقية ملموسة من الأسرة.
ويقول الباحث والأكاديمي الدكتور محمد عيسى الحوراني من جامعة العين: "عند الحديث عن عملية القراءة لا بدّ لنا أن نقف على عملية الكتابة التي تعد عصارة تجارب الآخرين وخلاصة أفكارهم، ومن هنا تنبع أهمية القراءة فهي مهارة اكتساب المعارف والخبرات من خلال المادة المقروءة، وهي كما يرى العقاد تضيف حياة إلى حياة، وكما قال أحد الشعراء:
ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره
فكل مقروء يصبح جزءاً من حياة القارئ ومكوناً أساسياً من مكونات شخصيته، ألا ترى أن شخصية الإنسان ما هي إلا نتاج ممارساته الحياتية وتلقيه تجارب الأخرين وحصائد ثقافاتهم.
والقراءة منهل أصيل للثقافة العامة والمتخصصة، ولله درّ ابن خلدون عندما عرّف الثقافة فقال: "إنها الأخذ من كل علم بطرف" وبها يقاس المثقف وميوله واتجاهاته ومعارفه، وتملأ القارئ ثقة بالنفس، وحصافة في التفكير وعمقا في النقاش، وسعة في المدارك، وهي مطلب للكبار والصغار، للتعليم والعمل والاطلاع والمتعة.
والأمم الحية تعي أهمية القراءة، وتدرك أن بناء المجتمع يبدأ من خلالها، وقد رسخّت الإمارات هذه الأهمية عبر مبادرات كثيرة توجت بشهر القراءة، ليكون المجتمع برمته قارئاً متفاعلاً مع بيئته ومحيطه وإنسانيته، وأطفالنا هم الأكثر استهدافا لتنمية مهارة القراءة لديهم، وتحويلها من مجرد سلوك تعليمي إلى عادة يومية ورغبة حقيقية في الاكتشاف والاطلاع، وتحويلها إلى متعة تنافس الألعاب الإلكترونية والمشاهدات التلفزية وغيرها، فكيف نغرس حب القراءة لدى أطفالنا؟
وعن دور الأسرة يوضح الدكتور الحوراني: "يكتسب الأطفال عاداتهم من الأبوين والإخوة الكبار بدءا، وعليه فإن الأسرة القارئة تنتج أبناء قارئين، ولعل الوالدين والإخوة الكبار يدركون أهمية القدوة لصغارهم، فيخصصون وقتا مناسبا للجميع لممارسة القراءة يوميا لمدة ساعة قد تزيد أو تقصر، والهدف منها أن تصبح سلوكا أسريا، ويتم اختيار الكتب المناسبة للفئات العمرية ولا سيما الأطفال، ولمزيد من الفاعلية نستمع لقراءات أطفالنا ونشجعهم على تداول ما يقرؤون، ونبني لهم مكتبة خاصة في المنزل تناسب أعمارهم".
وبالنسبة لدور المدرسة يضيف: "إذا كانت الأسرة هي المؤسسة، فإن المدرسة هي الحاضنة والموجهة، فمن الضرورة تفعيل دور المكتبات المدرسية، وحصص القراءة الأسبوعية، وتنظيم المسابقات القرائية، وتحفيز الطلبة على اقتناء الكتب وفق الأعمار والمراحل الدراسية، والتركيز على تخصيص وقت في المدرسة وآخر في المنزل كواجبات قرائية نختار لهم فيها كتبا شيقة مناسبة ومنافسة للألعاب الإلكترونية".