العلاقات السياسية في الإسلام.. كيف أدارت دولة المدينة التنوع الديني والعرقي؟ وهل التجسس جائز شرعا؟
تاريخ النشر: 26th, July 2023 GMT
يرى منظرو العلاقات الدولية في الإسلام أن المسلمين سبقوا الغرب في وضع قواعد ما يعرف بالقانون الدولي، وأن الدولة الإسلامية التي أقامها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة استطاعت أن تدير التنوع الديني والقبلي بكل صوره وأشكاله.
ويُقصد بالعلاقات الدولية في الإسلام الروابط والصلات التي تنشئها الدولة المسلمة مع نظيراتها من الدول أو المجموعات أو الأفراد، وكان يطلق عليها الفقهاء والعلماء قديما "السِيَر"، أي سِيَر الدول المسلمة مع نظيراتها في حالات الحرب والسلم، وذلك حسب عصام البشير، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي كان يتحدث لبرنامج "موازين".
وتستند العلاقات الدولية في الإسلام -حسب البشير- إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، باعتباره رسولا مبلّغا عن الله -عز وجل- وإمام الأمة وهو قاضي القضاة. "وبمقتضى رئاسته للدولة، عقد الرسول الكريم تحالفات وراسل الملوك، وأمّن الرسل الذين كانوا يفدون إليه"، كما أنه كان يختار الرسل الذين يجيدون التحدث بلغة الملوك والأمراء الذين يرسلهم إليهم.
وواصل الاجتهاد المتعلق بفقه العلاقات الدولية التطور في عصر الخلافة الراشدة، إذ راجع الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعض المصطلحات مثل "الجزية"، وأحدث تطورا جديدا اعتمد عليه العالم من بعد ذلك، وهو أنه ضرب الخراج على الأرض المفتوحة ولم يقسمها على الفاتحين، وبالنسبة إلى فقه الواقع، فقد أفاد الفاروق -رضي الله عنه- من تجارب الأمم الأخرى، مثل تدوين الدواوين وسك العملة ونظام البريد.
ويؤكد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن التجربة النبوية جسدت موضوع العلاقات الدولية في الإسلام في إطار دولة المدينة التي ساد فيها التنوع الديني والقبلي، و"هذا التنوع أفضى لأن تكون المواطنة بجانب الأخوة الإيمانية وتكون منطلقا للحقوق، واستطاعت الدولة أن تدير هذا التنوع بكل صوره وأشكاله".
ويضيف البشير أن العلاقات الدولية في الإسلام تهدف إلى تحقيق سيادة الدولة من النواحي الجغرافية والتشريعية والقانونية والثقافية، إلى جانب تحقيق الأمن المشترك وتبادل المصالح ورعايتها، وأيضا ما يتعلق بالأمن والسلام العالمي وحماية الأقليات ودرء المخاطر عن الدول المسلمة.
وتُبنى هذه العلاقات وفق منطلقات حددها ضيف برنامج "موازين" -بتاريخ 2023/7/26- في عدة نقاط، منها الإيمان بوحدة الأصل الإنساني والإيمان بأن الكرامة لمطلق بني البشر بصرف النظر عن دينهم وجنسهم ومعتقدهم، والإيمان بالأخوة الإنسانية والعمل على تعزيز المشترك.
تعاطي الحركات الإسلامية مع المرجعيات الدوليةوفي ما يتعلق بالحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي، يرى أستاذ ورئيس وحدة البحوث بكلية الشريعة جامعة قطر نور الدين الخادمي أن هذه الحركات وجدت نفسها تتحمل تبعات ثقيلة على مستوى الدولة وإدارتها، بسبب الاستبداد السياسي وبسبب الاحتلال الأجنبي.
كذلك رأى أن الأداء السياسي لبعض الحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم محكوم بما أطلق عليه "المدونة العلمية السياسية الشرعية الإسلامية"، التي لم تحظ بما يلزم من التجديد المطلوب وفق مقتضيات العصر، ومحكوم بالواقع العام الذي تعرفه الأمة الإسلامية والذي يفتقر إلى عناصر القوة والتأثير، ومحكوم أيضا بالتجربة الذاتية لتلك الحركات.
وبشأن مسألة تعاطي الحركات الإسلامية مع اتفاقيات ومعاهدات عقدتها أنظمة سابقة مثل التطبيع والاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، ذهب الخادمي -الذي شغل سابقا منصب وزير الشؤون الدينية في تونس- إلى أن التعامل يكون برفض تلك المعاهدات والاتفاقيات مبدئيا، على أساس أنها خارجة عن إطار الدستور الوطني وعن الخصوصية الثقافية للشعب، مع ترك بعض المواقف للفاعلين الفلسطينيين، وهو ما لا يتعارض مع الموقف الرافض للتطبيع.
وحول اعتراف بعض الحركات الإسلامية بالمرجعيات الدولية والمنظمات التي لا تحتكم للشريعة الإسلامية، يؤكد الوزير التونسي السابق أن هناك مرجعيات دولية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مثل النواحي الصحية والإنسانية وقضايا حقوق الإنسان ومنع التعذيب وصيانة الفطرة، ولكن هناك ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية ومع الفطرة الإنسانية ككل، مثل بنود المساواة المطلقة بين الجنسين والزواج من جنس واحد. "أما ما يقف بين الاثنين، فيحتاج إلى تقويم وتسكينه وتوليفه بالمرجعية الإسلامية أو عدم تسكينه لتعارضه مع الشريعة"، حسب قوله.
وفي تعاملها مع الدول التي تتبنى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، يرى الخادمي أنه يتعين على الحركات والدول والمؤسسات الإسلامية أن تعتمد المبادئ الإسلامية، وهي العدل والحوار والعيش السلمي المشترك والانتصار للمظلوم، مع الحرص على استخدام الوسائل الأخلاقية، لأن الوسائل من جنس المقصد الأخلاقي الحقيقي النفعي.
وعن موقف الشريعة الإسلامية من التجسس الذي يستخدم لحماية الأمن القومي للدول، أوضح الوزير السابق أن العلماء أقروا من حيث المبدأ بجواز تجسس الدولة على دولة أخرى أو على الأعداء المتربصين بها، قائلا إن العرف جرى أن الدول الإسلامية تستخدم الجهاز الاستخباراتي الاستعلامي لتحقيق الأمن الوطني والقومي ومعرفة ما يخطط لها من الخارج، ومن حق الدولة أن تؤمّن نفسها وتؤمن أمنها الوطني القومي.
غير أن العمل التجسسي في الشريعة الإسلامية محكوم بضوابط، مثل عدم الاعتداء وعدم استخدام النساء والوقوع في عمليات شذوذ وزنا وكل الأمور المحرمة، ويجوز -كما يقول الخادمي الذي حل ضيفا على "موازين"- أن تمارس الدولة هذا الحق في حدود الضوابط الشرعية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أسطورة برنارد لويس المدينية
د.عمرو محمد عباس محجوب
حوالي مائة عام عاشها برنارد لويس (١٩١٦-٢٠١٨)وهو يهودي بريطاني وهو أستاذ فخري -أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون ومستشرق يهودي.وهو من أبرز المخططين لمشاريع تقسيم الوطن العربي. ينسب للمؤرخ "برنارد لويس" انه في بداية الثمانينات وضعه مشروع أطلق عليه اعلاميا " مخطط برنارد لويس لتفتيت الدول العربية والاسلامية " والذي يهدف لتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية على أساس خطوط التماس الديمغرافي حيث قام بتقديم ثانى محاولات التقسيم والتدخل بعد تقسيم سايكس بيكو الشهير.
وكانت خريطة برنارد لويس لتقسيم السودان تتحدث عن خمس دول من داخل السودان، أولها الدولة النوبية من أسوان وحتى حدود منطقة الدناقلة، دولة جنوب السودان، دولة وسط السودان ، دولة دارفور ودولة الشرق. تجاهل برنارد لويس، كما في كل خرائطه التي تعمل لتقسيم العالم العربي لصالح تقوية الكيان الصهيوني، تجاهل تماما تعايش الحضارة السودانية لقرون طويلة والتداخل بين مجموعاته السكانية، التي خلقت مايعرف بجمهورية السودان.
في أثناء انعقاد المجلس الاستراتيجي لحلف الأطلسي عام ٢٠١٠ في لشبونة بالبرتغال وبحضور برنارد لويس وهنري كيسنجر وقبل الثورات العربية التي سوف يتم فيها تحريك الشعوب العربية ومن ثم الانتهاء بسيطرة ممثلي الاخوان المسلمين (المنضوين تحت التنظيم العالمي للإخوان المسلمين) ووصولها للحكم سواء بانتخابات (تونس ومصر) وبواسطة السيطرة العسكرية (ليبيا) وان تعمل كل الدول لتجنيد مسلحيها لاسقاط سورية المعادية للكيان الصهيوني باعتبار الاخوان المسلمين يقبلون بالتصالح والتطبيع مع الكيان الصهيوني ( كيزان السودان الذي خرجوا من التنظيم الدولي كانوا من ممولين حماس وموقفهم معادي للكيان الصهيوني طوال تاريخهم).
في هذا الاجتماع تم الاعتراف فيه ان المنطقة العربية العوامل المؤثرة فيها هي : اسرائيل والنفط والإسلام الذي يوحد بين سكانه. لذلك تم صرف النظر عن الخطة التقسيمية لبرنارد لويس وتبني رأيي هنري كيسنجر. حجة كيسنجر قامت على ان التقسيم الديمغرافي بدلا من الجغرافيا الذي تعتمد عليه نظرية لويس سوف تؤدي لكوارث. فسوف تتكون دولة العلويين وتمتد من سوريا شمالا وتشمل كل غرب تركيا (٢٠٪ من تركيا علويين) كما تشمل الدولة شيعة لبنان. هذه المنطقة غنية بمصادر النفط والغاز وموارد أخرى وسوف تكون شيعية. التقسيم الثاني سوف يضم الشيعة في جنوب العراق وجزء من الكويت والمنطقة الشرقية في العربية السعودية (حيث معظم الثروة النفطية) والبحرين وربما عمان واليمن. وهكذا يكون كل الخليج الفارسي وباب المندب تحت سلطة إيران. و لأن خطة لويس وكيسنجر وحلف الاطلسي الغرض الأساسي منه هو حماية الكيان الصهيوني فإن تكوين دولتين شيعيتين في البحر الأبيض المتوسط وامتداد دول الخليج وهما على عداء مع الكيان سوف تكون كارثية. كان هذا الاجتماع هو الحاسم لرفض أسطورة خريطة تقسيم الدول العربية لبرنارد لويس والتي راجت كثيرا كجزء من نظريات المؤامرة. للاسف نجحت خطة لويس في فصل الجنوب على أساس ديمغرافي ولكن كان هذا متفقا عليه كاستراتيجية عامة للغرب والكيزان.
كانت استراتيجية كيسنجر البديلة للتقسيم هي كيفية منع تحول الدول العربية لدول وطنية موحدة. وبالتالي تم الاتفاق على الحفاظ على حدود الكيانات ولكن جعلها دولا رخوة وفاشلة وصوملة المنطقة واشعال خطوط التماس بين الطوائف ومنع قيام دول مستقلة قوية. اي ان الاستراتيجية كانت لا للتقسيم ولا وحدة لا حرب ولاسلم ولا سيادة ولا احتلال، باعتبار الدولة القوية هي التي تستطيع ايجاد حدود سيادية ثابتة ومستقرة. وهكذا تستمر استراتيجية كيسنجر في العالم العربي وخلقت ضمنها دول مطبعة وصهيونية تقوم بتنفيذ تكتيكاتها في ليبيا والسودان وسورية وغيرها . بقايا هذه الاستراتيجية لازالت تعمل في ليبيا دولة واحدة بحكومتين ويتم الحفاظ على التوازن بينها وماحدث في السودان من توترات طائفية وجهوية ودعوات التقسيم وسقوط سوريا بين أيدي القوى الارهابية الجهادية المجرمة وجعلها تحت السيطرة بالعقوبات والعربدة الاسرائيلية.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842