بيروت- خطفت زيارة وصفت بأنها تاريخية لرئيس وحدة الارتباط والتنسيق بحزب الله، وفيق صفا، إلى الإمارات، يوم 19 مارس/آذار الحالي، الأنظار في لبنان، وتصدرت قراءة دلالاتها وأبعادها المشهد السياسي، لتتجاوز حدود المهمة الرسمية المعلنة، وهي البحث في ملف نحو 7 موقوفين لبنانيين في الإمارات منذ سنوات، بتهمة التخابر والتعامل مع الحزب.

وليس حدثا عاديا، وفق مراقبين، أن تنقل طائرة خاصة مسؤولا كبيرا بالحزب من مطار بيروت إلى أبو ظبي، وهو المدرج لديها على قائمة الإرهاب منذ 2014 وتتهمه بالعبث بأمنها، بينما لحزب الله تاريخ في توجيه اتهامات قاسية للإمارات حول علاقتها مع إسرائيل.

في السنوات السابقة، كان يتولى مدير الأمن العام السابق، اللواء عباس إبراهيم، دور الوسيط بين الإمارات وحزب الله، للبحث في قضية الموقفين وأبعادها الأمنية والإنسانية.

وتم إطلاق سراح نحو 11 موقوفا سنة 2021. ومنتصف 2023، أعلنت الخارجية اللبنانية عن إطلاق سراح قرابة 10 لبنانيين بعد توقيفهم لمدة شهرين، بعد أسابيع من نبأ وفاة الموقوف اللبناني بالسجون الإماراتية غازي عز الدين.

اسم صفا لمع بملفات داخلية وخارجية حساسة مع خصوم حزب الله (التواصل الاجتماعي) دور صفا

أما حاليا، ولأول مرة، تنطلق مباحثات مباشرة وعلنية بين الطرفين دون وسيط. وفي بيان رسمي مقتضب، قال حزب الله أمس الخميس "زار مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا دولة الإمارات ‏في إطار المتابعة القائمة لمعالجة ملف عدد من المعتقلين اللبنانيين هناك، حيث التقى ‏عددا من المسؤولين المعنيين بالملف، والأمل معقود أن يتم التوصل إلى الخاتمة ‏المطلوبة".

ومنذ توليه، مطلع التسعينيات، منصب رئيس وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، لمع اسم صفا بملفات داخلية وخارجية حساسة مع خصوم الحزب، كما لعب دورا بارزا بملفات تبادل الأسرى السابقة مع إسرائيل.

وكان أبرزها سنة 2008، حين تمت صفقة تبادل جثتي الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى الحزب بوساطة ألمانية -بعدما أشعل أسرهما فتيل حرب يوليو/تموز 2006- مقابل إطلاق تل أبيب سراح 5 أسرى لبنانيين أبرزهم سمير القنطار، ورفات نحو 199 لبنانيا وفلسطينيا.

فما دلالات زيارة أحد أبرز مسؤولي حزب الله للإمارات بالشكل والتوقيت؟

يصف الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم زيارة صفا بـ"اللافتة جدا" كونها جاءت بين الإمارات "أبرز المطبعين مع إسرائيل" وحزب الله أشد المعارضين للتطبيع.

لكنه يعتبر -عبر الجزيرة نت- أن الحزب لا يخطو خطوة كهذه دون دراسة مختلف جوانبها، ويرجح أن تكون بمباركة إيرانية ووساطة سورية، مؤكدا التزام الحزب بعنوانها العريض، وهو الإفراج عن الموقوفين.

ويقول بيرم "قد تكون زيارة صاحب المهمات الصعبة لدى حزب الله بداية مرحلة جديدة تتجاوز علاقته مع الإمارات لعلاقته مع المنظومة الخليجية عموما وخصوصا السعودية".

من جانبه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة، في حديث للجزيرة نت، أن وصول طائرة خاصة من الإمارات لنقل صفا كانت أبرز الرسائل على مستوى الزيارة وأهميتها.

لكنه يرى أن الإمارات ثابتة على مواقفها الإقليمية، بينما الحزب هو المتغير بتموضعه بهذه الزيارة. ويقول "ربما أدرك الحزب أهمية أن يكون براغماتيا وتصفير عداواته مع دول خليجية، بعد استشعار خطر يهدده دوليا وإقليميا، منذ انخراطه في مواجهة إسرائيل عقب حرب غزة".

الحاج وفيق صفا في الامارات لاطلاق الموقوفين، وفي لبنان في ناس انجلطت من الخبرية #لبنان #الامارات #بيروت #وفيق_صفا #حزب_الله #دبى #ابو_ظبي pic.twitter.com/0p1KGckskY

— abdallah chamseldeen (@chamseldeen) March 20, 2024

خرق سياسي

أما الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب، فيعتبر، في حديث للجزيرة نت، أن زيارة صفا تعني، بتوقيتها وشكلها ومضمونها، خرقا سياسيا كبيرا في جدار المقاطعة الخليجية للبنان والتي كانت الإمارات جزءا لا يتجزأ منها، وجاءت على خلفية اتهام الحزب بالانخراط بعدد من أزمات الإقليم كسوريا واليمن.

وهذه الزيارة، برأي أيوب، لا يمكن حصولها في مناخ من الاشتباك الإقليمي، وبالتالي "تستظل بمناخ الانفراج الأميركي الإيراني من جهة، والخليجي الإيراني، وخصوصا السعودي الإيراني، من جهة ثانية، وحتما تتأثر بمناخ الانفتاح الخليجي على دمشق والمساعي الهادفة إلى حل أزمة اليمن".

ويعود بشارة فيعتبر أن عودة العلاقات الإماراتية السورية، مع احتفاظ طهران بعلاقة دافئة اقتصاديا مع أبو ظبي حيث زادت استثماراتها هناك بعد التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، قد يعني أن هذين الطرفين، أي إيران وسوريا، لهما اليد الأولى بزيارة صفا.

ويؤكد الكاتب إبراهيم بيرم ربط الزيارة بما جاء في بيان الحزب لجهة السعي للإفراج عن الموقوفين، ويجد فيها بداية تنازل إماراتي كبير عن وضع حزب الله على قائمة الإرهاب، والاعتراف به كلاعب قوي وأساسي بالمنطقة.

ويقول "إن توتر العلاقات اللبنانية الخليجية كان محورها حزب الله، ويبدو أن ثمة إعادة نظر بحالة العداء مع الحزب بمسار انفتاحي بدأ منذ أشهر بالكواليس".

وفي حال إفراج الإمارات عن الموقوفين، يرجح بيرم أن الثمن الأقصى الذي سيدفعه حزب الله هو تهدئة هجماته بخطابه السياسي على بعض الدول الخليجية فحسب، خصوصا مع الإمارات والسعودية، وأن يشكل الانفتاح الإماراتي على الحزب انزعاجا وتحديا لإسرائيل.

بينما يعتقد أيوب أن وظيفة الزيارة محددة، وهدفها حل قضية الموقوفين، لكن أصل الموضوع لم يبدأ هكذا.

ويقول "لقد طرق الإماراتيون أبواب حزب الله قبيل أكثر من سنتين، وتحديدا قبيل إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وجاء بالتزامن مع إعلان أبو ظبي عن استثمارات ضخمة بحقول النفط شرق المتوسط بينها حوالي المليار دولار بأحد الحقول شمال إسرائيل".

الثمن

ويضيف أيوب أن الإماراتيين حاولوا عبر قنوات عدة فتح حوار مباشر مع حزب الله، وكان جواب الحزب تكليف اللواء عباس إبراهيم بنقل رسالة للإماراتيين مفادها أن لا حوار قبل الإفراج عن الموقوفين.

وبالفعل نجح إبراهيم -وفق الكاتب- حينذاك بالإفراج عن لبنانيين من طوائف عدة، جميعهم ممن لم تصدر أية أحكام بحقهم، إلا أن الملف ظل مفتوحا بسبب وجود أكثر من 10 موقوفين آخرين، ممن صدرت بحقهم أحكام بعضها يصل للمؤبد.

وهؤلاء، بحسب معلومات أيوب "من الذين تجري الآن محاولة للإفراج عنهم قبل عيد الفطر أو خلاله أو بعده بفترة بسيطة بموجب قرارات عفو يصدرها رئيس الدولة محمد بن زايد، بدل سلوك المسار القضائي الذي يحتاج لسنوات". لذا، يؤكد المتحدث ذاته أن الزيارة بداية، ولكنها ستفتح أبواب الحوار السياسي بين حزب الله وأبو ظبي.

⁠ويتحدث عن 3 دول مواكبة للحوار: هي إيران "بفعل علاقاتها الوثيقة مع الإمارات، والسعودية التي لم يكن بإمكان أبو ظبي أن تخوض هكذا قضية" لولا الضوء الأخضر السعودي "وسوريا التي شجعت الجانبين فقط دون أن يكون لها دور مباشر".

⁠أما الثمن المقابل، فيتصل -وفق المحلل السياسي أيوب- بسؤال أساسي: لماذا يريد الإماراتيون فتح حوار مع حزب الله وهل سيقومون بهذا الحوار دون ضوء أخضر أميركي وإسرائيلي؟

ويجيب "ثمة مصالح إماراتية كبيرة جدا بالمنطقة، خصوصا بقطاعي النقل البحري (المرافئ وحقول الغاز) وأعتقد أنها تراكم بهذا الاتجاه على صعيد منطقة شرق المتوسط". ومع ذلك، لا يربط الكاتب بين زيارة صفا للإمارات واشتعال جبهة الجنوب "بدليل أن الإسرائيلي ينقل رسائله عبر الأميركيين والأوروبيين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات عن الموقوفین زیارة صفا وفیق صفا حزب الله أبو ظبی

إقرأ أيضاً:

"معًا نتقدم".. سُّمو الطرح وفضاء الحوار

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

عندما اتخذت الحكومة قرار عقد ملتقى "معًا نتقدم" كل عام، كانت تدرك أنَّ هذه مسؤولية وطنية واجبة وحق وطني للمواطن، والشراكة التي وضعت كأحد مرتكزات المرحلة تستوجب الحوار والمناقشة والتقييم والمراجعة المستمرة، ولأن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها فإنَّ مشاركته في صياغة حاضره ومستقبله تُعد أولوية لا جدال فيها، ومن أجل ذلك جاءت جلسات معًا نتقدم ثرية وذات قيمة وفاعلية كبيرة وليس أدل على ذلك من حجم المشاركة والرغبة في حضور هذا اللقاء الوطني المفتوح من قبل جميع فئات المجتمع دون استثناء.

في هذا العام طرحت جملة من الملفات المتنوعة والمُهمة في ظل مشاركة أصحاب القرار وتحاورهم المباشر مع المواطن، واستمعوا لكل المداخلات وجاوبوا على أغلب الاستفسارات والطروحات بمنتهى الوضوح والشفافية دون الحاجة لوسيط ينقل هموم المواطن، والجميل في أجواء هذه الندوة أن تواصل المواطن مع المسؤول لم يقتصر على الجلسات الحوارية، بل إن ردهات مركز عُمان للمؤتمرات حفلت بلقاءات جانبية وحوارات شفافة بين الجميع، وهذا هدف آخر تحقق من خلال هذه الفعالية الوطنية، ولعل هذا التلاحم يعكس سمة المرحلة الحالية والمستقبلية التي شكل ملامحها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-.

واستماع الحكومة للمواطن هو تجسيد لحق منصوص عليه في النظام الأساسي للدولة، الذي أشار في المادة 44 إلى أنه: "لكل مواطن الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبه شخصيا، أو فيما له صلة بالشؤون العامة، وذلك بالكيفية والشروط التي يبينها القانون". وهذا التأسيس والتأصيل القانوني لهذا الحق هو جزء من الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان المُعظم- أعزه الله- في إدارة شؤون البلاد، والتي جعلت من الشراكة والتعاون منهجًا للعلاقة بين المواطن والحكومة، وهو نهج سلطاني قائم على أساس وتقليد عُماني خالص يمارس في البيت والمجالس والمجتمع بشكل عام، كما إن هذا النهج يضع المسؤول تحت حقيقة المسؤولية ومتطلباتها وواجباتها، وأنها تكليف وليست تشريفاً فقط، ومن لا ينظر للأمر من هذا المنظور فالتقصير سوف يكون مصيره.

وكما إن من واجب الحكومة الاستماع، فإنَّ علينا كمواطنين واجب مُهم، ولا يقل أهمية عن واجب الحكومة والمسؤولين، ألا وهو الارتقاء بالطرح لمستوى يليق بقيم ومبادئ وتقاليد هذا الوطن العزيز، فنحن هنا نتكاشف ونتحاور ونتدافع من أجل وطن سعيد ومواطن يحظى بحقوقه وتراعى فيه كرامته، ومهما اشتد هذا التدافع فيجب علينا أن نسمو بطرحنا ونرقى به، فما يُنال بالكلمة الطيبة قد لا يُنال بالسيف. وللكلمة تأثير أحدُّ من الحُسام، متى ما وضعت في سياقها ومكانها، وكما تسعد النفوس بحسن الأخلاق وهو ما تعودنا عليه في هذا المجتمع، فإنها كذلك تأنف بذاءة الكلام وسقطه ويقول الله تعالى في كتابه العزيز "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وليس هناك أفضل من حسن الحديث وطيب الكلام.

حقيقة الأمر، أن المتابع للحوارات والمداخلات التي تضمنها ملتقى "معًا نتقدم" يُدرك رقي أبناء هذا الشعب، ودماثة أخلاقهم، وسعة صدورهم، وقدرتهم على المحاورة بأسلوب جميل ومنطق حسن، وهو انعكاس للرقي الحضاري والعمق التاريخي لهذا البلد العظيم، وعندما قالت العرب "لكل مقام مقال"؛ فلم تكن مقولة عبثية؛ فالعرب تعرف ما تقول وفي أي وقت تتحدث ونوع الحديث الذي يناسب كل موقف، وخلال مناقشات الملتقى تنوعت المواضيع المطروحة وتعددت أساليب الطرح والحوار وكان التفاعل كبيرًا لدرجة أن أغلب الجلسات كان يطالب الجمهور باستمرارها.

إنَّ حضور صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، لنسخ ملتقيات "معًا نتقدم" منذ انطلاقتها ورعايته المباشرة لها، يمثل دعمًا كبيرًا مُهمًا للفكرة بأكملها، ووقوفه شخصيًا على كل التحديات بمثابة قيمة مضافة مُتحقَّقة، ومعرفته بالواقع الذي يعيشه المواطن وما يُواجهه من تحديات، وهذا هو جوهر الهدف المنشود. وهذا المشهد يُعيد للأذهان برلمانات عُمان المفتوحة التي كان يعقدها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في سيوح سلطنة عُمان المجيدة، وهي امتداد كذلك للنهج الذي رسمه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- في محافظات سلطنة عُمان الخالدة؛ حيث يلتقي القائد بأبناء شعبه دون وسيط.

لا بُد من الإشادة بمستوى التنظيم الذي شهدته ملتقيات "معًا نتقدم"؛ حيث كان التحضير لها عالي المستوى؛ بدءًا من عملية التسجيل إلى أيام انعقاد الجلسات وإدارتها، وما يدعو للفخر والاعتزاز أن كل هذا العمل كان بأيادٍ وطنية وشباب عُمان، الذين يُثبتون في كل مرة أنهم جديرون بهذه الثقة وأنهم يملكون من الفكر والمعرفة والخبرة والكفاءة والشغف الكثير والكثير، فكل التحية للأمانة العامة لمجلس الوزراء التي مكَّنتهم من تقديم هذا العمل الوطني، وكل التحية لجميع المُشاركين الذين أثروا الملتقى بمداخلاتهم.

مقالات مشابهة

  • أنواع الرؤى والأحلام والفرق بينهما.. تعرف على علامات كل منهما وأيهما أصح
  • موسم التشرذم السياسي في السودان
  • شيخ الأزهر: نجاح كبير لمؤتمر الحوار الإسلامي ومشاركة واسعة من 30 دولة
  • "معًا نتقدم".. سُّمو الطرح وفضاء الحوار
  • دعاء أول يوم رمضان 2025.. ردده يفتح الله عليك من حيث لا تحتسب
  • عبد الله النجار: تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية يفتح باب الفتنة
  • الاحتلال يغتال مسؤول نقل السلاح بحزب الله
  • إسرائيل تغتال منسق صفقات السلاح بحزب الله في غارة شمال شرق لبنان
  • جيش الاحتلال يزعم اغتيال مسؤول كبير في حزب الله
  • المستقبل السياسي