أطروحة توازن الضعف:
ديمقراطية-مدنية يحميها جنجويد هل تستحق إسمها؟
“قال تحقيق لشبكة “سي إن إن” الأميركية، إن قوات الدعم السريع السودانية، “أجبرت مواطنين، من بينهم أطفال، في ولاية الجزيرة، على القتال في صفوفها ضد الجيش واستخدمت الغذاء كسلاح وحجبت الإمدادات عن الجوعى، في محاولة لإجبار الرجال والفتيان على الانضمام لصفوفها”.

يعتقد البعض أن انتصار أي من الجانبين، الجنجويد أو الجيش، هو نتيجة سيئة من شأنها أن تعقد المشهد وتنطوي على مخاطر ظهور دكتاتورية الجيش والإخوان.

صحيح أنه إذا هزم الجنجويد فإن النظام الذي سيتبع من الصعب التنبؤ بتفاصيله، ولكن ليس هناك شك في أنه سيكون معقدًا وهشًا وبعيدًا عن المثالية. إن خطر ظهور دكتاتورية أخرى وجولات من العنف علي يد جيش أو إخوان هو خطر حقيقي ولا يمكن استبعاده. ولكن هل هذا الخطر يبرر السعي لتواصل وجود الجنجويد في الساحة؟

الموقف الصحيح هو رفض وجود الجنجويد وبمجرد انتهاء الحرب، فمن الواضح أن القوى المؤيدة للديمقراطية يتعين عليها أن تفعل ما ظلت تفعله منذ الاستقلال: الاستمرار في النضال السلمي ضد أي اتجاهات استبدادية والدفاع عن حقوق الإنسان باستخدام الأدوات التي طورتها عبر عقود من الخبرة المتراكمة.

لكن ما سبق ليس موقف حزب التعادل الذييرفض أن ينتصر أي طرف في الحرب لأنه يعتقد أن توازن الضعف مناسب لإزدهار المدنية الديمقراطية.

ببساطة، تعتقد هذه المجموعة أن وجود قوي للجنجويد في الفضاء السياسي ضروري لحماية الديمقراطية والمدنية في فترة ما بعد الحرب. وهذا يعني أن الشعب السوداني يحتاج إلى حماية حقوقه علي يد ميليشيا ترتكب التطهير العرقي والاغتصاب الجماعي والنهب وإهانة وإذلال المواطن، مما أدى إلى نزوح أكثر من ثمانية ملايي سوداني من منازلهم.
حقيقة ما هو نوع الديمقراطية والمدنيية التي تعلن بلا حياء أنها ستحتاج إلى الجنجويد لحمايتها من أي عدو ؟

ولحسن الحظ، فإن البعض منا ضد الجنجويد فاقدي الشرعية تمامًا، ويدركون أن فترة ما بعد الحرب ستكون معقدة ولا يمكن أن نتوقع أن تكون مثالية، لكن الجنجويد ليسوا الحل، وأنه بمجرد انتهاء الحرب، سنواصل صراعنا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسنكون على استعداد لمعارضة أي انتهاك لحقوق الإنسان سواء من قبل جيش أو إخوان أو أي جهة أخرى.
أتمنى أن يذهب أالداعون إلي عدم هزيمة الجنجويد بدورن مع الجيش ليخبروا المسالليت أو ملايين النازحين السودانيين الذين فقدوا منازلهم ويقولوا لهم في وجوههم أن انتصار طرف واحد في هذه الحرب غير مستحب – أي أن وجود الجنجويد مهم ومناسب.

ينسي هذا التيار ان يبين لنا بحجة مقعدة ومفصلة مزايا مستقبل يعود فيه الجنجويد غير مهزوم وقد اكتسب خبرة ثمينة في حرب المدن وتطويع الأحزاب والتلاعب بالمجتمع الدولي وتمتين العلاقات الخارجية عالية التمويل والتسليح.

تذهل أطروحة توازن الضعف هذه ان مما أشعل هذه الحرب محاولة البعض صناعة واللعب على هكذا توازن ضعف مزعوم.

تفضيلية وجود الجنجويد الدائم في المشهد – تحت مسمي توازن الضعف – هي إعادة لمفهوم جواز التحالف مع الشيطان لهزيمة الكيزان والعسكر. ويقال أنه في القرن الماضي أن البعض سال الترابي كيف يتحالف مع نظام نميري وكان رده بانه مستعد للتحالف مع شيطان للقضاء علي شيطان آخر. جزء من العقل السياسي السوداني ضربه فيروس ميكافيلية الترابي فأعادها علينا مأساة منزوعة الكاريزما الترابية. ولا داعي لإيضاح ما فعلت ميكافيلية الترابي باهل السودان.

أطروحة توازن ضعف يمكن استغلاله لمصلحة الجماهير تبدو مضحكة على ضوء التاريخ وتوازن القوة الحالي والمستقبلي. ولكن ما يمنعنا من الضحك هو ماساويتها في دلالاتها علي حال العقل السياسي السوداني في جوانبه الفكرية والأخلاقية.
ديمقراطية-مدنية يحميها جنجويد هل تستحق إسمها؟

لا أدعو لإستمرر الحرب يوما إضافيا واحدا ولكن تزعجني وتدشنى الدعوة لضمان وجود الجنجويد كحام للمدنية الديمقراطية من جيش أو كيزان.

معتصم اقرع
معتصم اقرع

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

انتصارات الجيش

تأمُلات

كمال الهِدَي
. غرابة سلوكياتنا وتصرفاتنا ومواقفنا بدأت مند زمن ليس بالقصير وليست وليدة الفترة الحالية التي يشهد فيها بلدنا حرباً عبثية قضت على الأخضر واليابس ودمرت الوطن وشردت من بقوا أحياء من أهله.

. لكن المحير في أمرنا أننا مع كل مصيبة جديدة وبدلاً من استيعاب الدروس القاسية نزداد غرابة وسذاجة وطيشاً.

. انتفض الشعب وقدم أرواح خيرة شبابه من أجل تغيير نظام تجار الدين واللصوص والقتلة والمغتصبين.

. وها نحن بعد مرور سنوات من الفشل والخذلان بسبب توقفنا دائماً في منتصف الطريق، وفقدان روح المثابرة لإكمال ما نبدأه، ها نحن نشاهد جموع من ذات الشعب الثائر يحتفون بإنتصارات مزعومة لذات المغتصبين والقتلة واللصوص الذين ثرنا ضدهم.

. والسبب دائماً هو تفكيرنا الرغبوي وانجرارنا وراء العاطفة وتصديقنا لكل ما نقرأه أو نسمعه دون تمحيص أو تروٍ.

. هب أن سذاجتنا وبساطتنا دفعتانا لتصديق فرية أن موازين القوة في الحروب يمكن أن تنقلب رأساً على عقب خلال سويعات أو أيام معدودة- وهذا أمر لا يصدقه أو يتوقعه عاقل- فما الذي يبرر خروج السودانيين بالمئات لتأييد تقدم جيش الكيزان الذي يقود معركة لا علاقة لنا بها في هذا المحور أم ذاك!

. وما هو مبرر ترديد الأناشيد الوطنية في مثل هذه الأوقات وكأن جيش الكيزان البغيض (وطني جداً) ويقاتل قوات غازية نزلت في أرض السودان بطائرات الصهاينة وحلفائهم!

. ألا يقاتل هذا الجيش مليشيا صنعها بإيدي قادته الخونة العملاء، ولا يزال يقود عملياتها عدد مقدر من ضباط هذا الجيش نفسه!

ألم يبدأ عرابهم الترابي بتجنيس الأجانب ومنحهم الجواز السوداني نظير حفنة دولارات ولأجل غايات غير نبيلة!

. فكيف بالله عليكم يزعم الواحد منكم بأنه يؤيد الجيش لأن هذه الحرب وجودية، وأن جل الجنجويد أجانب احتلوا بلدنا!

. بلدنا أُحتل منذ العام ٨٩، وبسبب تنازلنا كشعب عن حقوقنا استمر هذا الاحتلال لعقود طويلة وكان طبيعياً أن تصل الأمور لمرحلة هؤلاء الجنجويد.

. لما تقدم لا أفهم موقف أي عاقل يناصر أياً من طرفي هذه الحرب القذرة التي تستهدف إنسان السودان وبأيدي سودانيين قبل أن يكون ذلك بأيدى الأطراف الخارجية التي لا ينكر إلا مكابر أدوارها القذرة، لكن يبقى السؤال دائماً: من الذي سمح بكل هذه التدخلات سوى الكيزان صُناع الجنجويد ومخربو كل جميل في هذا السودان وباعة أراضينا منذ زمن طويل!

. لن تُحسم الحرب بهذه السهولة حتى وإن تقدم الجيش في عدد من المحاور، أو سيطر الجنجويد على محاور أخرى.

. وأي إنتصار (بعيد المنال) لأي من الطرفين يُفترض أن يُقابل بالأسى والحزن لا بالأفراح والأهازيج لو كنا شعب واعٍ ووطني كما ندعي.

. فالبلد قد تدمر، والمنشآت خُربت والبيوت نُهبت وأحُرقت في حرب عبثية كان من الممكن أن نضغط كشعب منذ الساعات الأولى لإيقافها.

. لكننا لم نفعل وانقسمنا حولها بجهالة، وما زلنا بعد كل هذه الأشهر الطويلة والخراب والدمار الشامل نتوهم أن إنتصار أي من طرفيها يمكن أن ينقذ البلد من الأسوأ.

. ولأننا شعب يستغرق دائماً في الجزء ويتجاهل الكل متعمداً يحتفل بعضنا داخل وخارج البلد بإنتصارات يظنون أنها ستقضي على الجنجويد، ناسين كل انسحابات الجيش وخيانة الكثير من قادته التي أسقطت مدناً بأكملها.

. لكنه دأبنا الذي لا نرغب في التخلي عنه، فنحن في الكرة يستهزي الأهلة بالمريخاب ويعتبرونهم جنجويد لأن حميدتي دعم ناديهم في فترة ما متغافلين حقيقة أن من يديرون الهلال منذ فترة جوكية كيزان فاسدين احتكروا السلع الحيوية وساهموا في تدمير اقتصاد البلد كما زادوا نيران الحرب الحالية اشتعالاً، و(مطنشين) فكرة أن إدارتي الناديين في وقت مضى دعمتا القتلة (البرهان وحميدتي) عندما كانا أحبة متناغمين.

. وننسى أيضاً أن هلالنا الذي نتباهى بكونه نادي الحركة الوطنية لُقب ب (سيد البلد) وأن هذا البلد بأكمله قد أضاعه هؤلاء الكيزان المراوغين الذين يجلبون لنا المحترفين والمدربين الأجانب بأموال قذرة.

. وفي السياسة نريد القضاء على مليشيا الجنجويد لكننا نغض الطرف عن حقيقة أن هذا الجيش الواهن يقاتلها بدعم حركات ومليشيات أيضاً، وأنه حتى لو قدر له سحقها (وهو المستحيل بعينه لإعتبارات عديدة) ، يكون بذلك قد سلم مصيرنا لمليشيات أخرى.

. فيا لغرابتنا كشعب تضحك من غفلاته وسذاجته الأمم بإعتباره الشعب الوحيد في عالمنا الذي يفرح ويهلل لمن يدمرون وطنه ويحتفي بالحرب والدمار، وفي ذات الوقت نتمشدق بعبارات من شاكلة "نحن شعب محب للسلام" وكأن من يغنون للقتل ويرددون (بل وجغم) ويتبادلون فيديوهات القتلى البشعة كائنات نزلت علينا من الفضاء.

kamalalhidai@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • تُرى ماذا قال هيقل في فلسفة التّاريخ عن القحّاتة ومليشيات الجنجويد؟
  • أوهام الديمقراطية 2
  • حرب شاملة ولكن بالقطعة! كيف تدير أمريكا هذه الحرب؟
  • تصريح صحفي من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”حول قتل مدنيين خارج القانون في الحلفايا
  • ???? فيديو مثير يكشف أن أباء الجنجويد كرهوا فعائل أبنائهم المجرمين
  • مسرحيون وجمهور: المهرجان بوابة عريضة للتلقي وتجارب تستحق المشاهدة
  • الحكيم: والله مندمجين مع ناس المشتركة وقاعدين نخطط لي السودان خالي من الجنجويد
  • نبيل علي ماهر لـ "الفجر الفني": رفضت عمل عشان كنت هتضرب فيه بالقلم.. وإيمان العاصي تستحق بطولة "برغم القانون"
  • انتصارات الجيش
  • الذهب في مصر يحافظ على هدوئه: أسعار مستقرة وسط توازن السوق المحلي