في رفح.. استعدادات لـالمواجهة النهائية بين إسرائيل وحماس
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
يستعد أكثر من مليون شخص في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، للمعركة الحاسمة الأخيرة في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، حسبما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وتتساءل العديد من العائلات، التي نزحت عدة مرات، عما إذا كان عليها الفرار أو الانتظار لمعرفة ما إذا كان سيتم التوصل إلى وقف محتمل لإطلاق النار.
وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل منذ أسابيع للامتناع عن شن هجوم بري واسع النطاق على رفح ستكون نتائجه "كارثية" في المدينة المكتظة التي ارتفع عدد سكانها إلى مليون ونصف مليون شخص، معظمهم نازحون.
بدورهم دعا قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27، المجتمعون في قمة في بروكسل، الخميس، إلى "هدنة إنسانية فورية" في غزة، وحضوا في بيان مشترك إسرائيل على عدم إطلاق عملية برية في رفح.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لا يكف عن تكرار عزمه على المضي في خطته لشن هجوم بري على رفح يعتبره ضروريا "للقضاء" على حماس.
ما الوضع على الأرض؟وعلى الأرض، تعيش الأسر في رفح، داخل الخيام والشقق أو حتى في الشوارع، مع القليل من الماء والغذاء، ولا تستطيع الوصول إلى خدمات النظافة والرعاية الصحية المناسبتين.
ويعاني البعض من صدمة فقدان الأقارب والأصدقاء بعد خمسة أشهر من الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة.
وبين هؤلاء، فداء مرجان، التي تتذكر كيف دمرت غارة جوية في المنزل المجاور جدران منزلها، مما أسفر عن مقتل ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، التي كانت ترسم في غرفة المعيشة.
وفرت مرجان مع زوجها وابنها، ويعيشان منذ شهرين تقريبا في خيمة بالقرب من الحدود الجنوبية مع مصر.
وتقول:" الطقس بارد ورطب.. لا يوجد كهرباء.. يتم تسخين الأطعمة المعلبة على النار، ويتم غسل الملابس باليد".
وتضيف:" الناس هنا ما زالوا يقولون، إلى أين يمكننا أن نذهب؟، هذا هو المكان الأخير."
وقبل الحرب كانت رفح مركزا للتجارة بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل عبر معبريها البريين (معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم).
وكان الصيادون يكسبون عيشهم على طول الساحل، وكانت المزارع تزرع كل شيء من القمح إلى البرتقال والليمون والبطاطس وغيرها من المزروعات.
ويعيش ما يقرب من 300 ألف شخص في منازل وشقق منخفضة الارتفاع، بما في ذلك مخيم اللاجئين الذي تأسس بعد فترة وجيزة من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
المدينة الآن لا يمكن التعرف عليها، فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية بعض المباني، ويتجمع الناس في "خيام" على طول الخط الساحلي، بينما تمكنت العائلات الأكثر حظا من الانتقال إلى بضع عشرات من المنازل المطلة على الشاطئ والتي كانت في السابق تلبي احتياجات السياحة المحلية الراقية.
خطة إخلاءتتعرض السلطات الإسرائيلية لضغوط من الرئيس الأميركي، جو بايدن، وغيره من زعماء العالم لتقديم "خطة إخلاء قابلة للتطبيق" قبل إطلاق أي عملية برية أو جوية واسعة النطاق في رفح.
وفي الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إن إسرائيل ستقوم بإجلاء الناس في رفح إلى "مناطق إنسانية" سيتم بناؤها في وسط غزة.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل مع الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية للاتفاق على الأماكن التي لم تعد فيها حماس موجودة وحيث يمكن إنشاء مساكن ومستشفيات ميدانية.
لكن منظمات إنسانية رفضت خطة إسرائيل للسيطرة على رفح وإجبار العائلات على ترك منازلهم أو ملاجئهم.
وتجمع حوالي 400 ألف نازح في المواصي، وهي "منطقة آمنة" حددتها إسرائيل على طول الساحل الممتد من رفح إلى وسط القطاع، وفقا لعمال إغاثة هناك.
وتوافد نحو نصف مليون آخرين إلى حي يقع إلى الجنوب الشرقي يسمى تل السلطان، وفقا لرئيس بلدية رفح، أحمد الصوفي.
وقالت إسرائيل إن المساعدة ستكون متاحة في المواصي، في حين رفضت الأمم المتحدة تصنيف إسرائيل للمنطقة كمنطقة آمنة.
وفي المواصي وما حولها، تقول عائلات إنه لم تبذل إسرائيل أي جهد منسق لتزويد الناس بالمساكن أو الخيام، وإنهم اضطروا إلى شراء مساكن مؤقتة بمئات الدولارات.
وتشير عائلات تحدثت إلى "وول ستريت جورنال" إلى أن القمامة تراكمت، ورائحة مياه الصرف الصحي في كل مكان.
ويقول منسق الجهود الإنسانية للأمم المتحدة في غزة، جورجيوس بتروبولوس، إن المزيد من الناس يتدفقون نحو الساحل، على افتراض أن المواقع الرملية غير المطورة هي أهداف أقل احتمالا للجنود الإسرائيليين الذين يطاردون المسلحين تحت الأرض.
ومن مكتبه في المواصي، شهد بتروبولوس موجات من الوافدين منذ أكثر من شهرين، أولا من شمال غزة، ثم مدينة خان يونس جنوب غزة، والآن شرق رفح.
من أين ومتى سيدخلون؟بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، تستمر حصيلة الضحايا في الارتفاع في القطاع الفلسطيني المحاصر والمهدد بالمجاعة.
ولجأ معظم النازحين بسبب الحرب، ويبلغ عددهم 1.7 مليون نسمة بحسب الأمم المتحدة، إلى مدينة رفح الواقعة على الحدود المصرية المغلقة والتي تتعرض لقصف إسرائيلي يومي.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه لا يزال لدى حماس أربع كتائب في المدينة، وإنها آخر معقل للحركة.
وفي 12 فبراير، استيقظ أهالي رفح حوالي الساعة الثانية فجرا على أصوات انفجارات أضاءت السماء، ولم تكشف إسرائيل إلا عند طلوع النهار عن استعادتها مدنيين إسرائيليين اثنين.
ويقول كاران صيدم، إنه خرج وقتها إلى الخارج ليرى عدة منازل تحولت إلى أنقاض على بعد بناية واحدة، وقُتل عشرات الفلسطينيين في رفح في ذلك اليوم، وفقا للسلطات الصحية في غزة.
وقصف الجيش الإسرائيلي مبان أخرى في رفح، بما في ذلك منزل قالت منظمة أطباء بلا حدود إنه يستضيف طاقمها الطبي.
وأدت قذيفة دبابة إسرائيلية، الشهر الماضي، إلى مقتل اثنين من أقارب أحد الموظفين وإصابة العديد من النساء والأطفال داخل المنزل في المواصي، وفقا للمنظمة غير الربحية التي تتخذ من سويسرا مقرا لها.
وقالت إنها أعطت السلطات الإسرائيلية إحداثيات المبنى، وأنها لم تتلق أمر إخلاء.
وردا على طلب "وول ستريت جورنال" للتعليق، قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق النار على مبنى في المواصي حدده على أنه موقع لنشاط مسلح.
واعترف الجيش الإسرائيلي بالتقارير التي تفيد بمقتل "اثنين من المدنيين غير المتورطين" في المنطقة.
وعبر الجيش الإسرائيلي عن أسفه لأي ضرر يلحق بالمدنيين، وقال إنه "سيفحص الحادث في إطار تحقيق أوسع نطاقا في سوء سلوك عسكري محتمل".
وقبل بدء شهر رمضان قال مسؤولون إسرائيليون إن حماس يجب أن تطلق سراح الرهائن قبل بداية الشهر الكريم أو تواجه هجوما بريا في رفح، ومر الموعد النهائي "دون توغل بري إسرائيلي".
وهذا الأسبوع، بدأت إسرائيل وحماس جولة من المحادثات في قطر من أجل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وهددت إسرائيل مرة أخرى بشن عملية عسكرية في رفح في حالة انهيار المفاوضات.
ولذلك فإن، حازم أبو حبيب، في حيرة من أمره ماذا يفعل، فقد كانت عائلته تعيش في شقة مزدحمة مكونة من غرفتي نوم مع عائلة شقيقته في رفح عندما قالت إسرائيل إنها ستدخلها.
وأرسل زوجته وابنته للإقامة مع أقارب آخرين في دير البلح، في الجزء الأوسط من القطاع، لكن الغارات الجوية تكثفت هناك، والآن يحاول أبو حبيب إعادة عائلته إلى رفح.
ووجد شقة في وسط رفح لم تخليها بعد عائلة تنتظر الخروج من القطاع، ومكان آخر يقع بالقرب من الحدود مع مصر.
ويتساءل أبو حبيب: "هل سيدخلون من الشرق؟ من خان يونس؟ أو من البحر؟.. لكي نكون صادقين، نحن لا نعرف".
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على الحركة"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 31988 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 74188، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، الخميس.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الجیش الإسرائیلی فی المواصی مدینة رفح قطاع غزة فی رفح
إقرأ أيضاً:
القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
في الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة في القطاع وتحتل صدارة المشهد الإعلامي والدبلوماسي، تنزوي القدس في الظل، كمدينة تُسرق بهدوء وتُغيَّب عن الواجهة تحت غطاء النسيان والانشغال. يعيش الفلسطينيون في القدس واقعا قاسيا لا يقل عنفا، لكنه غالبا ما يُختزل إلى الهامش في السردية الفلسطينية العامة.
تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا مشددة على حركة المقدسيين، خاصة خلال شهر رمضان، ما يعيق وصولهم إلى المسجد الأقصى، ويحوّل ممارسة العبادة إلى معاناة يومية تتخللها الإهانات والمنع. فهل تُمارس هذه القيود بدافع أمني حقيقي، أم أن وراءها بُعدا دينيا وسياسيا مقصودا؟ ولماذا تستهدف القدس بشكل متكرر بينما يُسمح للمستوطنين باقتحام ساحاتها بكل حرية؟
ومنذ احتلالها عام 1967، تبنّت إسرائيل نهجا ممنهجا لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس الشرقية، من خلال سحب الهويات، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية. فهل هي مجرد إجراءات إدارية وأمنية؟ أم أنها جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة؟
ما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة
وما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة.
سياسة المنع من الوصول إلى المسجد الأقصى: بين التضييق الديني والتأثير الاقتصادي
إن إحدى أخطر السياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس هي إعاقة حرية العبادة للفلسطينيين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي يمثل أمرا عظيما بالنسبة للمسلمين. تُفرض قيود صارمة على دخول المصلين من الضفة الغربية، عبر نظام تصاريح تعجيزي، غالبا ما يُستخدم كأداة للعقاب الجماعي، ويُرفض دون أسباب واضحة، خاصة لفئات الشباب والنساء والنشطاء.
ولا يقتصر المنع على حرمان الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية، بل يتعداه إلى تمييز واضح على أساس العمر والجغرافيا. فكثيرا ما يُمنع الشبان تحت سن الأربعين من دخول المسجد، حتى في المناسبات الدينية الكبرى، فيما يُسمح للمستوطنين اليهود من أقاصي البلاد باقتحام ساحاته، بحماية الشرطة الإسرائيلية.
أما سكان القدس أنفسهم، فلا يسلمون من التضييق اليومي، إذ تُغلق بوابات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وتُمارس بحقهم إجراءات تفتيش مهينة على المداخل، وتقتحم قوات الاحتلال باحاته بشكل متكرر، مما يحوّل الحرم القدسي إلى ساحة أمنية تُقيّد فيها حرية العبادة وتسلب السكينة من المصلّين. وتصل هذه الانتهاكات إلى حدّ مصادرة وجبات السحور أو الإفطار من المصلّين، كما حصل قبل عدة أيام، حين داهمت القوات باحات المسجد، وصادرت الطعام من المعتكفين، في مشهد يمسّ بكرامتهم ويُنغّص عليهم أجواء الشهر الفضيل.
وإلى جانب الأبعاد الدينية والوطنية، ينعكس هذا الحصار سلبا على الحركة الاقتصادية في القدس. فعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المدينة يُعطّل النشاط التجاري والأسواق، ويؤثر بشكل مباشر على دخل مئات العائلات المقدسية التي تعتمد على الزوار والمصلين من خارج المدينة، خاصة خلال شهر رمضان والمواسم الدينية.
الوضع الاقتصادي في القدس
الوضع الاقتصادي في القدس ليس أقل مأساوية من الوضع السياسي، إذ يعيش السكان في حالة حصار اقتصادي دائم، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة البطالة في القدس الشرقية نحو 5.2 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.4 في المئة في عام 2021. وقد فاقمت جائحة كورونا، إلى جانب الحرب الشاملة على غزة والضفة الغربية، من حدة الأزمة، إذ أدت إلى فقدان نحو 35 ألف عامل لوظائفهم خلال عام 2024. كما أُغلق ما يقارب 450 محلا تجاريا، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي وضاعف من معاناة السكان.
الاقتصاد في القدس يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات والسياحة، حيث يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف قطاع الخدمات 41 في المئة من العاملين. ومع ذلك، تستمر السلطات الإسرائيلية في عرقلة أي نشاط اقتصادي فلسطيني داخل المدينة، من خلال فرض الضرائب الباهظة وإغلاق المحال التجارية بشكل متكرر.
النقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء ليس عرضا طارئا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإضعاف قدرة السكان على البقاء. يعيش في محافظة القدس حوالي 451 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 9.1 في المئة من سكان فلسطين، ويعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية. ويحاول الاحتلال، عبر هذه السياسات، أن يجعل من مدينة القدس بيئة طاردة لأهلها وليست جاذبة، في إطار مساعيه المستمرة لتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتغيير طابعها الديمغرافي.
حين تعود إدارة ترامب.. تُفتح شهية التهويد من جديد
ولا يمكن الحديث عن واقع القدس دون الإشارة إلى عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الرئيس الأمريكي الذي منح إسرائيل خلال ولايته الأولى دعما غير مشروط، بدءا من اعترافه بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة غير مسبوقة. هذه السياسات لم تكن رمزية فحسب، بل أسهمت فعليا في تغيير ميزان القوى على الأرض، وتعزيز قبضة الاحتلال على المدينة.
عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي.
ويعزز هذا التوجه اليميني المتطرف المحيطون بترامب، الذين ما زال لهم تأثير واضح على ملامح السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من أبرزهم: مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، المعروف بدعمه المطلق للمستوطنات ورفضه لحل الدولتين؛ وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، الذي نسّق بشكل مباشر مع قادة المستوطنين وساند ضم الأراضي الفلسطينية. ويبرز أيضا جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي لطالما دعا إلى الحسم العسكري والتوسع الإسرائيلي، إلى جانب رون ديرمر، أحد أبرز مهندسي العلاقات بين نتنياهو والجمهوريين، والذي سبق أن وصف الضفة الغربية بأنها "أرض متنازع عليها". أما جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن"،عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي فرغم غيابه عن الفريق الرسمي الحالي، إلا أن رؤيته لا تزال تترك أثرا عميقا في توجهات الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل. هذا الطاقم المتماهي مع توجهات اليمين الإسرائيلي لا يبشر إلا بمزيد من الانحياز، ما يعني أن الفلسطينيين في القدس سيواجهون موجة جديدة من التضييق والتطهير الصامت، تحت غطاء أمريكي رسمي.
هشاشة المواقف العربية والإسلامية
وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني من قبل الجماهير العربية والإسلامية، إلا أن المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية والإسلامية تظل هشة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس وغزة. وفي حين تستمر بعض الحكومات في تقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن الخطوات الفعلية مثل اتخاذ مواقف قوية ضد السياسات الإسرائيلية أو اتخاذ إجراءات ملموسة مثل سحب السفراء أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، ما تزال غائبة.
تساهم هذه الهشاشة الدبلوماسية في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل، مما يقلل من فاعلية التحركات الدولية في محاسبتها على انتهاكاتها المتواصلة. ورغم التحركات الشعبية المستمرة في بعض الدول، والتي تعكس رغبة حقيقية في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، فإن غياب التنسيق العربي والإسلامي الفعّال يؤثر على مصير القدس، ويترك الفلسطينيين في مواجهة احتلال متزايد. إن الحاجة إلى توحيد المواقف وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية من أجل الضغط الفعّال على المجتمع الدولي تبقى ضرورية لحماية القدس من عملية تهويد شاملة.
القدس لا تنزف فقط من جراح الاحتلال، بل من صمت العالم، وتردد الشقيق، وغياب القرار. تُسرَق المدينة في وضح النهار، لكنها تُهمَّش في ليل الأخبار، وتذوب في زحمة عناوين الحروب. ومن حق القدس علينا أن نعيدها إلى الواجهة، لا كرمز ديني فحسب، بل كقضية سياسية وشعبية حيّة تستحق أن تكون حاضرة في الضمير العربي والدولي.
فلماذا تغيب القدس عن أولويات الإعلام، وتتراجع على أجندة الدبلوماسية؟ ولماذا تُترك وحدها في معركتها الوجودية؟ إن إعادة الاعتبار للقدس، إعلاميا ودبلوماسيا، لم تعد ترفا ولا خيارا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية أمام مشروع الاحتلال الصامت، الذي لا يستهدف الأرض فقط، بل الذاكرة والهوية والإنسان.