الأستاذ الدكتور محمد القضاة يكتب عبر “أثير”: إعادة مركز الرؤية؛ النخب المثقفة
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
أثير – أ.د. محمد القضاة، عميد كلية الآداب في الجامعة الأردنية
سألني أحد الأصدقاء عن غياب النخب المثقفة عن المشهد العام وعن غياب قدرتهم على التأثير في واقعهم، فكرت في سؤاله طويلًا، وقلت إن الواقع المعيش ينطوي على إشكالات واختلالات كثيرة في الوعي والفعل، وبين التجذر في الماضي والإقلاع عن الحاضر والمستقبل، وبين خطاب يتشبّث بالأصالة وخطاب رمادي يقفز في فضاء فضفاض، وكأننا بين معادلات تشهد عجزًا تعكس أزمة تطحن الوعي وتسطّحه وتضعه في قوالب جامدة، تزيد من التعصّب والانغلاق والتطرّف، حتى غاب فيها الفعل الثقافيّ الحصيف، وبين هذه الرؤى تبرز أهميّة مزج الأبعاد التي تحدّد القيمة الحقيقيّة للثقافة في إطار دقيق من المعاينة لردم الهُوّة التي تعيق الطاقات وتفجر الإبداع والإنتاج الثقافيّ في الأوساط التي تسعى الثقافة إلى التأثير فيها، والمؤسف أنها في غياب حتى تبدو بلا أثر أو حضور؛ وكأنّ سؤال القلق الذي طرحه شكيب أرسلان في أوائل القرن الماضي: لماذا تراجع العرب وتقدّم غيرهم؟! ما يزال حيًّا في الأذهان، لا بل غاب المثقف وسط هذا الصخب الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وغدا الخطاب الثقافيّ في تخبّط وانتظار وارتهان لقادم لا يأتي بجديد، فلماذا كلّ هذا الغياب؟
أَلأنّنا لا نعترف بالمأسسة والديمومة؟ أم لأننا لا نحسن التخطيط والاختيار ولا نعترف بالانفتاح؛ وإنما نحسن الانكماش والاتهام والدفاع؟! أم لأنّ النرجسيّة هي صفات ملازمة للمثقف النخبوي؟ ومن يتابع حال المشهد اليوم يشعر بألم وحزن على مآلات وغياب وواقع لا يحرّك غصنًا في الزمن العجيب الغريب.
الثقافة تعيد بناء قطاعات الحياة بأسلوب حضاري شفاف وبمنطق يكسر الجمود والثبات والتخلّف، وحين ندقق في سياسات الدول المتقدّمة نرى أنّ الثقافة قد مارست فعلها الحقيقيّ في النموّ والتغيير والرقي والتقدم، ولم تذعن للآراء الضيّقة والأفكار المريضة والتحيّز والفرضيات والاستغلال غير العقلانيّ، وظلّ هدفها الإنسان ورغبته في التجديد والإتقان بعيدًا عن الإحباط ومكنونات الفشل والتلوّث الفكري.
وحين نقرأ الواقع نرى أنه بحاجة إلى نسيم ينعش البدن، وماء زُلال يروي الظمأ، وفهم قائم على موازين تأخذ بالأسباب التي تبلغ بالمجتمع إلى مستوى الطموح، ولا تقبل ردود الفعل المركّبة القائمة على المفاخرة والمكابرة والمغالاة والبهرجة دون نفاذ إلى أطراف البيت كله بحركة تستوعب الرقعة الاجتماعيّة كلها، بحيث تتجنب تحالفات أصحاب المكاسب ومنطقهم النفعيّ الآني، ومواقف ضعاف النفوس من النفعيين. وفي هذا السياق، لا يجوز أن تبقى الحيرة والتبرّم والتعليل القاعدة، وإنما لا بدّ أن يتّسع تيّار الوعي لدى الجميع بحيث يحوي البيتُ إيقاعاتِ المثقفين وأفكارَهم وألوانهم، على أن يطالهم الدعم والرعاية والاهتمام والارتقاء على أساس من الانتماء وتأكيد الهُوِيّة الوطنيّة في المُنتج الثقافيّ، وتطوير الفكر والوعي وَفقًا لحاجات المجتمع وقدراته. ويبقى السؤال المُلح: أين المثقّف اليوم من كلّ هذا؟ لماذا يغيب يومًا تلو الآخر؟ أين النخبة المثقّفة التي غاب صوتها وفكرها؟ أين صولجانها وخططها؟ أين دورها في بناء مجتمعها؟ وكيف يمكن أن نعيد مركز الرؤية إلى مفهومه المعياريّ بعد أن غاب في سياق معرفة ذهنيّة مُجرّدة لا تجسّد المشهد الحالي الذي كان إلى وقت قريب ينمو وينحو باتجاه التنسيق والتميّز والفعل وبلورة ثقافة واضحة تخدم حركة التنوير والتغيير والإصلاح في شتّى شؤون الحياة؟ إنها أسئلة حيرى في ظل تماهي العقل، تحتاج منّا أن نفكّر في هذا الواقع تفكيرًا جادًّا يُفضي إلى حلول علميّة وعمليّة، ينجم عنها فِعْلٌ ثقافي يعيد إلى مثقّفينا ثقتهم بأنفسهم، ويهيّئ لهم مكانًا عَلِيًّا في المشهد الثقافيّ المحليّ، وما أحوجنا لهذه النخبة من جديد كي تضيء الحاضر برؤيتها وإبداعها وأفكارها.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
وزارة المجاهدين تُدين السلوكات “المشينة” التي تمس برموز الثورة الجزائرية وتاريخها المجيد
أصدرت وزارة المجاهدين، مساء اليوم الأحد، بيانا صحفيا، نددت فيه بالسلوكات “المشينة” التي تمس برموز الثورة الجزائرية وتاريخها المجيد. ويأتي هذا على خلفية تداول إشاعات مغرضة وتصريحات زائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتعلق بما يُسمى بـ”بطاقة أحفاد الشهداء”.
وجاء في البيان، أنه “تبعاً لتداول سلوكات تروم التطاول على رموزنا الوطنية، في مواقع التواصل الاجتماعي ونشر إشاعات مغرضة وتصريحات زائفة حول عملية الاعتراف بالمجاهدين، والترويج لوثائق لا أساس لها من الصحة تتعلق بما أصطلح عليه “بطاقة أحفاد الشهداء”، وهي الاشاعات والسلوكات التي ينشرها دعاة التدليس والتضليل، والتي تهدف إلى محاولات المساس بتاريخ ثورة أول نوفمبر 1954، وتصفية حسابات ضيقة تجاه رموزها الأفذاذ، بعدما أنّ سُدّت في وجوههم محاولات اللّعب على أمن ذاكرتنا الوطنية.”
وأكدت الوزارة، “أن هؤلاء الحاقدون أو الـمغرّر بهم الذين ينفثون سمومهم تجاه تاريخنا المقدّس ورموزه من الشهداء والمجاهدين ممن صنعوا عزة الجزائر ومجدها الأصيل، ديدنهم خدمة أجندات الفكر الاستعماري الفرنسي البغيض، الذي مازال أذنابه يحنون إلى الماضي الذي طويت صفحاته في الخامس من جويلية 1962، بتضحيات بنات وأبناء الشعب الجزائري، في محاولاتهم اليائسة للتعكير على ما تشهده الجزائر اليوم من زخم الإنجازات والتنمية في مختلف المجالات.”
وأضاف البيان:”وتنويراً للرّأي العام، تشجب وزارة المجاهدين وذوي الحقوق تلك السلوكات المشينة والتجاوزات التي تمس برموز تاريخنا المجيد، وتفنّد ما يتم تداوله بين حينٍ وآخر سواءً ما تعلّق بعملية إثبات العضوية التي تصدر عن اللجنة الوطنية للاعتراف التي أنهت أشغالها سنة 2002، بناءً على توصيات ولوائح المؤتمر التاسع للمنظمة الوطنية للمجاهدين، وكذا العمليات المرتبطة بالحماية الاجتماعية للمجاهدين وذوي الحقوق والتي تحكمها النصوص الناظمة لعمل القطاع، وتنفي نفياً قاطعاً ما يتم نشره من مغالطات ومعطيات مجانبة للصواب حول بطاقات ما سمي ببطاقات أحفاد الشهداء، وتحتفظ بحق المتابعة القضائية لكل من يعمدُ إلى الترويج لهذه الأخبار والتصريحات الكاذبة، ولن تتوانى في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد كلّ من يتجرأ على رموز تاريخنا الوطني ومآثرنا المجيدة، وذلك طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما في هذا الشأن.
كما أكدت الهيئة ذاتها، أنّ الدّولة بموجب أسمى قوانين البلاد -الدستور-تضمن احترام رموز الثورة وأرواح الشهداء وكرامة ذويهم والمجاهدين، من خلال ما تسخّره من إمكانيات لخدمتهم والحفاظ على ذاكرتهم بما يؤكّد مدى وفاء الأمة للتضحيات الجسام التي قدمها شعبنا الكريم، ومدى تشبع الأجيال بالروح الوطنية، واعتزازهم بأمجاد ثورة أول نوفمبر 1954، وضمان التلاحم الوطني، والدفاع عن السيادة، وحماية مكاسب الشعب، وصون مؤسّسات الدولة، ومواصلة مسيرة الانتصارات من أجل البناء والتّنمية بعزم وثبات.
وقالت وزارة المجاهدين “إنّ المتّتبع لاستراتيجية وزارة المجاهدين وذوي الحقوق في ميدان تخليد ذاكرة الشهداء والمجاهدين، تجسيداً لبرنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يلاحظ اعتماد خطاب تاريخي جامع، وما تحقق من مكتسبات ومنجزات في مجال صون الذاكرة الوطنية من خلال تحسين وتعزيز المنظومة الاجتماعية والتشريعية والتنظيمية للمجاهدين وذوي الحقوق، والارتقاء بمنحنيات تنظيم الأعمال العلمية والأكاديمية التاريخية، وتسخير الرقمنة في هذا المجال، وإنجاز الأعمال الفنية والسمعية البصرية التاريخية، والعمل مع جميع الفواعل من المجتمع المدني والشباب لخدمة الذاكرة باعتبارها الحصن المنيع للوحدة الوطنية والمرجعية المثلى للحفاظ على الهوية الوطنية.”
وختم بيان وزارة المجاهدين:”وإذ تهيب وزارة المجاهدين وذوي الحقوق بشباب الجزائر (أحفاد الأمير عبد القادر وأحمد باي ولالة فاطمة نسومر والشيخ آمود، والعلامة عبد الحميد بن باديس، وسي مصطفى بن بولعيد وسي ديدوش مراد وسي أحمد زبانة وسي زيغوت يوسف والعقداء لطفي وعميروش وسي الحواس وحسيبة بن بوعلي ومريم بوعتورة…)، وبأعضاء أسرة الإعلام الشريفة، أنّ يعزّزوا وعيهم بالرّهانات التاريخية المطروحة، فإنّها تؤكد مرة أخرى إلى أنّ أبوابها مفتوحة للحصول على أي معلومات من شأنها أن تسهم في خدمة المجاهدين وذوي الحقوق وصون ذاكرتنا الوطنية المجيدة.”