التفجير الأقوى تحت الأرض قبل العصر النووي (صورة)
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
شهدت معركة "ميسينز" التي جرت في بلجيكا عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى أعنف تفجير ما قبل العصر النووي. الانفجار انطلق من أعماق الأرض وتسبب في مقتل أعداد لا تحصى من الألمان.
إقرأ المزيدقوات الحلفاء والقوات الألمانية انخرطتا في قتال وحشي في المنطقة الحرام بين خطوط تخندق الطرفين، باستعمال القصف المدفعي العنيف تمهيدا لموجات من جنود المشاة الذين كانوا يرسلون لطرد الخصوم من خنادقهم المحصنة وخطوط دفاعهم.
بالتوازي جرت معارك أقل شهرة تحت الأرض. حفرت قوات الطرفين المتحاربين في سرية تامة شبكات من الأنفاق تحت المواقع المعادية وقامت بزرع الألغام بها ثم تفجيرها.
بحلول عام 1917 أعد البريطانيون خطة لكسر الجمود فيما يعرف بحرب الخنادق حول قرية إبرس البلجيكية، حيث كان الألمان يتحصنون في خنادق منيعة على التل 60 الواقع على الحافة الجنوبية لنهر إبرس والذي كان الألمان يسيطرون عليه منذ عام 1914.
أعد القادة البريطانيون فرق حفر متخصصة كان معظم أفرادها من عمال مناجم الفحم والتنقيب عن الذهب من بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا أطلق عليها اسم "سرايا الأنفاق".
كانت الخنادق الألمانية في الجبهة الغربية قرب بلدة ميسينز البلجيكية تمتد خطوطها لعدة كيلو مترات، وكان الهجوم عليها بالطريقة التقليدية سيكلف خسائر بشرية فادحة، ولذلك قرر القادة البريطانيون تفجير الخنادق الألمانية على التل 60 بطريقة مبتكرة قبل اقتحامها.
طبق البريطانيون العبارة الشهيرة القائلة إن قطرات العرق تحفظ قطرات الدم بهدف تجنب تكرار ما جرى من المعارك الدموية والوحشية التي جرت في فردان وسوم وتسببت في مقتل أعداد مهولة من جنود الطرفين. تلك المعارك سميت بـ "مطاحن اللحوم".
أكثر من 20 ألف جندي للحلفاء قاموا بحفر 20 نفقا عميقا بطول إجمالي بلغ حوالي 7.5 كيلومترات باتجاه الخنادق الألمانية في 15 شهرا، أكبرها بلغ طوله 650 مترا. في نهايات هذه الأنفاق، جهزت 25 غرفة بالمتفجرة. بعض هذه الأنفاق أعدت بها غرفتان من هذا النوع. في المجموع ثم تلغيم الانفاق تحت الأرض بـ 542 طنا من المتفجرات.
نفذت عمليات حفر الانفاق الطويلة تحت "أقدام الألمان" يدويا ومن دون أي آليات لضمان سريتها، وفي مراحل متقدمة عمل المتخصصون وعمال المناجم السابقون وخبراء المتفجرات من دون أحذية حتى لا يعرف الألمان الذين في العادة يتنصتون على أدق الأصوات القادمة الأرض تحت خنادقهم.
الأنفاق التي حفرت تراوحت أعماقها بين 25 إلى 50 مترا، وقد دعمت كي لا تنهار، وتم وضع التربة الناجمة من الحفر في أكياس ونقلت ليلا فقط إلى السطح ثم إلى مواقع خلفية حتى لا تتمكن طائرات الاستطلاع الألمانية من رصد ما يجري، كما كانت مداخل الانفاق مموهة ومخفية عن الأنظار في شكل حظائر ومبان ومنازل وقد أقيمت على بعد ما بين 200 إلى 250 مترا من الخنادق البريطانية المتقدمة.
دوى الانفجار الرهيب في 7 يونيو عام 1917، ودمرت التحصينات الألمانية بشكل كامل وقتل معظم من فيها. تقدم المشاة البريطانيون بعدها بسرعة وبأقل الخسائر وسيطروا على الخنادق الألمانية، وأسروا 7325 عسكريا ألمانيا ممن بقوا على قيد الحياة، وكان أغلبهم جريحا أو مذهولا من وقع الصدمة.
لا تزال حتى الآن آثار ما جرى في المنطقة. أكبر حفرة نجمت عن ذلك التفجير الهائل بلغ قطرها 80 مترا، وقيل إن موجة التفجير الصوتية وصلت على إسكتلندا والدنمارك وشمال إيطاليا.
اللافت أن إحدى الشحنات الكبيرة التي زرعت تحت الأرض ولم تنفجر حينها وبقيت داخل نفق مسدود، انفجرت إثر صاعقة في عام 1955. لحسن الحظ أن المنطقة كانت خالية في ذلك الوقت.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
نجم فم الحوت
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوّقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم «فم الحوت» وهو ألم نجم فـي الكوكبة التي أطلق عليها العرب كوكبة «الحوت الجنوبي» وهذه الكوكبة أطلق عليها العرب هذا الاسم لأن نجومها تتوزع على شكل سمكة، ويقع هذا النجم فـي فمها، وقد استخدمه العرب فـي تحديد الاتجاهات ليلا خاصة فـي المناطق الجنوبية.
يظهر فم الحوت فـي السماء خلال فصل الخريف فـي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، أما فـي الوطن العربي، فـيمكن رؤيته بشكل واضح من شهر سبتمبر إلى ديسمبر، ولونه يميل إلى الزرقة، ويأتي فـي المرتبة 18 من حيث أشد النجوم سطوعا فـي السماء، ويبعد هذا النجم عن الأرض حوالي 25 سنة ضوئية ولذلك يعتبر واحدًا من النجوم القريبة نسبيًا من نظامنا الشمسي.
وإن أتينا إلى حجمه نجد أن قطره أكبر عن قطر شمسنا بالضعف، وكذلك كتلته، وهو أشد حرارة من شمسنا كونه من النجوم الشابة فهو نجم حديث مقارنة بعمر الشمس، ولذلك فهو أكثر سخونة، فدرجة حرارة سطح فم الحوت تبلغ حوالي 8,590 كلفن، بينما تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 5,778 كلفن، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن عمر نجم فم الحوت حوالي 440 مليون سنة، مما يجعله نجمًا شابًا مقارنة بالشمس التي يبلغ عمرها حوالي 4.6 مليار سنة.
ولم يكن هذا النجم بمعزل عن أشعار العرب فنجده فـي قصائدهم ومنظوماتهم الفلكية، فهذا الشاعر الفلكي الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني الذي عاش فـي العصر العباسي قد نظم قصيدة مزج فـيها الفخر مع علم الفلك وصل عدد أبياتها 603 أبيات، وقد نسجها على وزن وقافـية معلقة عمرو بن كلثوم، وذكر فـيها هذا النجم، وبين موقعها فقال فـي نجم الحوت:
من الغفرين حتى الحوت طولاً
وعرضاً فـي الجنوب بما ولينا
وملقحة السحاب لنا ومنا
مخارجها ومنا تمطرونا
وأما الشاعر أبو محمد الفقعسي الذي عاش فـي العصر الإسلامي وعاصر حروب الردة فـي عصر أبو بكر الصديق، فقد ذكر هذا النجم فـي أحد مقطوعاته الشعرية فقال:
ليس أخو الغلاة بالهبيت
ولا الذي يخضع بالسبروت
منقذف بالقوم كالكليت
يراقب النجم رقاب الحوت
وإذا أتينا إلى الشاعر العباسي أبو الحسين الصوفـي الذي كان يعمل منجما عند عضد الدولة فقد نظم منظومة فلكية، بلغ عدد أبياتها 494 بيتا، وشرح فـيها النجوم فـي السماء وأسمائها ومواقعها، وقد عرج على ذكر هذه الكوكبة التي ينتمي لها نجم فم الحوت فقال:
هن بعيدات عن المجرّة
وهي التي تدعى نجوم الجرّة
يتبعها الحوت ويدعى السمكة
كواكب ملتفّة مشتبكة
وفـي العصر المملوكي نجد الشاعر ابن نباتة المصري يمدح ابن اليزدي وفـيها يذكر نجم الحوت فـيقول:
يا جواداً أنشى المدائح معنًى
بنوالٍ يريك معنًى ثاني
ربَّ ليلٍ قد خضته لك بحرا
متعب الحوت واقف السرطان
وكذلك نجد الشاعر ابن مليك الحموي فـي العصر المملوكي يكتب قصيدة يذكر فـيها هلاك الأمم والأقوام فـيقول فـي وصفهم ذاكرا طالع الحوت فقال:
وايقنوا بنزول الراس أنهم
غرقى وطالعهم فـي الحوت قد نزلا
كأنهم لم يكونوا قبلها ركبوا
بحرا ولا قطعوا سهلا ولا جبلا
ولو أتينا إلى العصر الأيوبي نجد الشاعر الجزار السرقسطي يذكر هذا النجم فـي أحد قصائده فـيقول:
كَأَن سُها النُجوم بِها عَليل
يُنازع ما يَبينُ مِن السقام
كَأَن الحوت حينَ بَدا غَريقٌ
بِآذيٍّ مِن الأَمواج طام
ولا يزال هذا النجم يلهم الشعراء فـي العصر الحديث ويترك أثره فـي قصائدهم فهذا الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذكر هذا النجم فـي أكثر من قصيدة ففـي ديوانه الرائع « كزهر اللوز أو أبعد» كتب قصيدة تفعيلة أسماها «هي لا تحبك أنت» وقال فـي آخر مقطع منها:
صارت تحبُّكَ أَنتَ مُذْ أَدخلتها
فـي اللازورد، وصرتَ أنتَ سواك
فـي أَعلى أعاليها هناك
هناك صار الأمر ملتبسا
على الأبراج
بين الحوت والعذراء