الثورة نت:
2024-12-27@03:24:19 GMT

التفاعل مع المستوى الحضاري

تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT

الدين فطرة الله، فطر الناس عليها، فالإنسان يحتاج إلى قوة خفية تحدث له توازنا وجوديا في الحياة، ولذلك نجد في الكرة الأرضية التي نعيش فيها – مع الانفجار المعرفي وذوبان الثقافات في بوتقة التقنيات التي جعلت من العالم قرية صغيرة – شعوبا تدين وتخضع لقوى خفية متعددة، وتمارس طقوسا وعادات تعتقد فيها، نحن نراها على غير اتساق مع الفطرة وهم يرونها عين الصواب، فقد وصلتهم عبر أجيال وأجيال وتاريخ بعض المعتقدات ممتد عميقا في تاريخ بعض الشعوب والبعض مستحدث.


في تاريخ الشعوب والأمم تحولت الظواهر إلى معتقدات وكانت سببا مباشرا في تمزيق الأمم إلى كيانات وطوائف، وحين يشتد عود أي طائفة تمارس طغيانا واستبدادا هي نفسها كانت تنكره قبل أن يشتد العود ويستقيم الأود، ولذلك نرى أن ما كنا ننكره يفترض أن يكون منكرا، فلا نأتي خلقا نحن لم نكن نقره في الظروف التي تتشابه مع ظروفنا .
كل الديانات السماوية بما فيها الإسلام، ابتعدت كل البعد عن فرض نفسها على البشر، ولعل الإسلام كان واضحا وضوحا لا مراء ولا جدال فيه بقطعية دلالة النصوص في موضوع الدين كطريق وكمنهج فهو يقول بحرية المعتقد، وحدد الرسالة في البلاغ المبين وبالجدال الحسن لبلوغ الحجة، وحصر علاقة الفرد بمجتمعه بالبلاغ وتنمية الذات فهو يقول : “لا يضركم من ظل إذا اهتديتم “، ولا يطلب من معتنقيه هلاك أنفسهم في موضوع الآثار والممارسات والعادات والتقاليد، بل قال “وجادلهم بالتي هي أحسن” تحقيقا لفكرة السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية حتى لا تصاب بالتشظي فتصبح الحياة جحيما وعداوات وحروباً وتربصاً.
ونجد اليوم أنفسنا في محك هذه التجارب من خلال حالات الانفعال التي تتجاوز أطرها التي حددها القرآن في نصوصه قطعية الدلالة التي أجمع عليها الفقهاء من مختلف المذاهب والمفسرون وعلماء اللغة، لسنا نشازا في كون يمتاز بالتعدد وبتعدد المستويات الحضارية، ولسنا تاريخا لا يمكنه التفاعل مع عصره، كما أن الإسلام ليس جامدا حتى يترك الحضارة المعاصرة ليعود أدراجه إلى القرن الأول للهجرة، بل الإسلام حالة ديناميكية متحركة، بدأت هذه الحركة من زمن حروب الردة، ثم توالت في زمن التحديث للدولة وتشكيل ملامحها بالدواوين، ورأينا حالات الانتقال التشريعي من طور إلى طور بعد الوقوف على تطور المجتمع، فقد ألغيت تشريعات كانت تعد من الثوابت واستبدلت بغيرها وبما يتسق مع ظروف المراحل، فحين وقعت مجاعة في ديار المسلمين تم تعطيل الحدود، وحين تطورت الدولة وتحسنت أحوال المجتمع الاقتصادية ألغت الدولة الإسلامية في صدر الإسلام نصيب المؤلفة قلوبهم، وقد رأى بعض علماء التفسير وعلماء الفقه الإسلامي أن الناسخ والمنسوخ في القرآن يحمل دلالة تغير الأحكام طبقاً لمتغيرات الزمان، وقالوا: طالما كان الواقع متغيراً فالفكر يتغير بتغيره، وقالوا إن الأحكام مرتبطة بالمكان والزمان، أي بالمتغيرات ولا يضير ذلك الثوابت في شيء .
إذن نحن مطالبون اليوم بالتعامل مع الأشياء، ليس وفق ثقافات العولمة، بل وفق ثقافتنا الإسلامية، فنحن نملك القدرات الإبداعية والابتكارية في التفاعل مع المظاهر الحضارية المعاصرة، بما يتسق وثقافتنا وقيمنا ومعتقداتنا، وبدلا، أن نترك الحبل على الغارب، نحاول تقديم المحتوى الذي يعبر عن ثقافتنا وعن هويتنا، أما فكرة الإلغاء والعودة إلى فكرة سيد قطب في التعامل مع الجاهلية المعاصرة بنفس التعامل مع الجاهلية الأولى، فذلك تيه درنا حول رحاه نصف قرن من الزمان أو يزيد ولم نلق منه إلا توحشا ودمارا ودماء تراق كل يوم، وها نحن نرى الإخوان اليوم الذين كانوا يرون الغناء خدشا للدين وحراما ويريقون دم أربابه، يتفاعلون معه اليوم، كأن لم يقل أحد منهم يوما بعدم جوازه ولم يرق دم أحد من أرباب صنعته، بل كادت قنواتهم أن تبثه في أوقات الصلاة دون أن ينكر ذلك من كان يقول بتحريمه بالأمس القريب .
نحن اليوم أمام قضايا شائكة ومعقدة تواجه المجتمع، وسبق لنا بيانها والتطرق إليها، لذلك وقعنا في عمق الأزمات المعقدة، ولم نستطع حل قضايا حقيقية ومعقدة ومتكاملة ومرتبطة ببعضها، مثل فكرة الاستقلال، وفكرة تطوير المجتمع، وتحديث قانون حركة التغيير في الطبيعة والمجتمع.
ولذلك نقول أنه لا يجوز تحليل الوعي المجتمعي، من خلال مواقع طبقية أو إيديولوجية واحدة، لأنه سيكوّن قراءة منحازة، فنحن نخطئ إذا استنتجنا أن الأفكار التي تحرك الفرد موجودة في الفرد وحده، فالتفكير يقوم به الناس في جماعات معينة، وضمن سياقات كانت قد طورتها لنفسها كأسلوب خاص في التفكير، وهو ما يمكن اعتباره تشكلًا لـ “هوية ثقافية”، وبعض المفكرين يرى أن الناس يعيشون في جماعات لا يمسون فيها كأفراد منفصلين، بل يتصرفون مع أو ضد بعضهم، ضمن جماعات متنوعة التنظيم

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الفيلم العراقي القصير (روح) درس الطفولة المعاصرة

ديسمبر 25, 2024آخر تحديث: ديسمبر 25, 2024

عبدالكريم ابراهيم

تدفع بعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى وضع الطفولة البريئة في موقف أكبر من قدراتها الطبيعية. فتحمل المسؤولية في مرحلة مبكرة هو امتحان صعب ، ويحتاج إلى مقدرة وعزم لاجتيازه، وقد يرسب بعضهم في هذا المعترك الصعب فتظهر  بوادر الانحراف والانجراف نحو طريق التيه والضياع.

الفيلم العراقي القصير (روح) يمكن أن يصنف على النوع الاجتماعي بوصفه محاولة بسيطة متواضعة، ولكنها في نفس الوقت تحمل دلالات قيمة في تسليط الضوء على عالم الطفولة وما قد يواجه من تحديات خطرة تقلبه إلى معاناة وحكاية بؤس وشفاء، استطاع المخرج من خلال هذا الفيلم  أن يوظف الموسيقا التصويرية كأداة معبرة في أغلب مفاصل الفيلم وتكاد تكون هي اللغة السائدة مع استخدام تعابير الوجه وحركة الجسم.

ولعل البداية تحمل معها بوادر الأمل الذي يلوح في الأفق برغم من المرض الجسدي الذي تناغم مع تغريد البلبل كأول خيط لسرد الحكاية لتدور الكاميرا في زوايا عديدة تقلب الموضوع من نواحي مختلفة تم اختيارها بحرفية جيدة ولاسيما صدى أصوات التلاميذ.

حاول المخرج أن يركز على الحركة بوصفها أداة للتعبير: الوجه، لعب الأطفال في الساحة، تطاير علبة البيبسي الفارغة، قبضة يد روح وهي تمسك بالنفود، عملية جر الأذن. هنا تكفلت الموسيقا التصويرية بسرد الأحداث بوتيرة متصاعدة. ترتفع وتنخفض وفق لطبيعة المشهد التي انسجمت مع الحركة ليكونا ثنائيا متناسقا مضيفا للفيلم نوعا من وحدة الموضوع.

اللافت للنظر أن هناك ثيمتان يمكن ان تسجل للفيلم ، الأولى  أن هناك نداء قاهر تغلب على شغف الطفولة العفوي في اللعب من خلال تركيز الطفلة (روح ) على علبة البيبسي الفارغة، وهي تتطاير في ساحة اللعب ، وهنا تتغلب الحاجة والحرمان على غريزة الطفولة.

أما اللقطة الثانية تعابير وجه الصيدلي الذي هو من دلالات فقدان الإنسانية وتجردها من القيم مع احترام لكل العاملين في مهنة الطب. لكن طبيعة الموضوع فرضت على المخرج التطرق إلى خوض صراع المادة والانسان وأيهما ينتصر في النهاية. حيث تتحول (روح) إلى الموضوع للدرس بعدما شعر بها بعض المتصلين بها في المدرسة، ولاسيما المعلم الذي أراد أن يزرع في نفس المعاناة التي تمثلها (روح)  نوعا من الامل الذي يلوح مع تفاعل بقية التلاميذ لقضية زميلتهم لتصبح درساً ومثالاً في الكفاح وتحمل المسؤولية التي تفيد جميع الأطفال فهم معرضون لمثل هذه الظروف والعمل على تحديها هو أهم درس في الحياة اليوم.  اللغة الصامتة هو الحوار سائد ربما الذي دفع المخرج لانتهاج هذا المنحى هي أن اغلب الممثلين من الهواة وقليلي الخبرة والحوار يحتاج إلى لغة مؤثرة وإمكانية صوتية جيدة لذا اكتفى بالبسيط منه مركزاً على الحركة بكل أنواعها المتناغمة مع الموسيقا التصويرية حسب كل مشهد.

يعد فيلم (روح) تجربة متواضعة، ولكنها في نفس الوقت كبيرة بموضوعها الإنساني الذي يجعل المتلقي يتفاعل معها واحياناً يذرف الدموع في سيبل أن لايرى إنسانية الطفولة تهدرها الازمات، وتلقي بها في دهاليز الحياة الصعبة ؛ لان الطفولة مسؤولية مجتمعية وليست قضية مؤسسات دولة فقط وربما يكون وراء تواضع بعض الاحداث هي الإمكانيات المادية التي يمكن أن تُرصد لهكذا مشاريع فنية ،ولكن العمل بممكن هو السبيل الوحيد لإظهار بعض الجوانب الاجتماعية المعاصرة .

الفيلم سيناريو وإخراج وتمثيل إبراهيم التميمي ،وتصوير محمد منصور الفريجي ،ومونتاج قداح صبحي ومن إنتاج دار المسرة للأطفال، الموسيقا التصويرية  فاضل سالم وفكرة انتصار التميمي ومن بطولة امنة إبراهيم وجواد الوائلي.

مقالات مشابهة

  • المفتي: العقل ركيزة الفَهم الصحيح للإسلام وعصارة التفاعل بين الوحي والواقع
  • المفتي: العقل هو ركيزة الفَهم الصحيح للإسلام وعصارة التفاعل بين الوحي والواقع
  • بعد القبض عليه اليوم.. 4 قضايا تورط فيها حمو بيكا مطرب المهرجانات
  • بخبخي: ليبيا اليوم مجرد فكرة دولة متنازع عليها
  • اليوم.. إعلان نتيجة كلية الشرطة للعام الدراسي الجديد 2025
  • الفيلم العراقي القصير (روح) درس الطفولة المعاصرة
  • الأزهر يُحذر: ادعاء معرفة الغيب والتنجيم خرافات محرّمة تضلل المجتمع
  • شاهد بالفيديو.. الحسناء المصرية “خلود” تعود لإشعال مواقع التواصل السودانية بترديدها أغنية الفنانة ندى القلعة التي تمجد فيها ضباط الجيش (حبابو القالوا ليهو جنابو)
  • الجامع الأزهر يناقش دور ذوي الهمم في المجتمع خلال الملتقى الأسبوعي
  • "أحسن صاحب": منصة الإبداع التي تكسر حواجز الإعاقة