المخرج السوري مؤمن الملّا: مسلسل أغمض عينيك هو الوجه الأبيض في حياتنا
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
لم يسبق أن امتلك مخرجا تلفزيونيا سوريا جرأة القول بأن الدراما في بلاده تحوّلت إلى "مهنة للاسترزاق، وصار من الصعب تقديم فن حقيقي من خلالها".
وهو ما صرح به المخرج السوري مؤمن الملّا، فأثار بقوله ذلك الجدل. لذا، سنستهل حوار الجزيرة نت معه بسؤاله: متى تصبح الدراما استرزاقا ومتى تمكن إضافة قيمة فنية وحياتية لها؟ فيجيب: "جميع صناع دراما بلادنا يعلمون أن الهدف الأول هو الاسترزاق، وعلينا نحن الصناع أن نقدم -في أثناء تحصيلنا لقمة عيشنا- متعة وتسلية ونحاول تضمين مادّتنا الدرامية قيمة مفيدة، علها ترخي بظلالها على المجتمع رغم كل الصعوبات، فالرقابة كسيحة، ولدينا مشاكل كبيرة مع رأس المال أصلا، وغيرها من ظروف صعبة! شخصيا، أجرّب طرح مضمون إنساني عميق في مهنة أسترزق منها".
في هذا الموسم يحضر الملا للمرة الأولى بعيدا عن أجواء البيئة الشامية التي اعتادها الجمهور منه، خاصة أنه سبق أن خاض تجربة طويلة مع هذا النوع من الدراما.
لكن يبدو أن الصفحة طويت بالنسبة للمخرج مؤمن الملا، إذ يقدم هذا العام مسلسل "أغمض عينيك" من كتابة لؤي النوري وأحمد الملا وبطولة عبد المنعم عمايري، وأمل عرفة، ومنى واصف، وأحمد الأحمد، ويعرض على منصة "شاهد" والتلفزيون السعودي.
وعن إغلاق صفحة الدراما الشامية إلى أجل غير مسمى، يقول الملا إن "أي جهة أو فرد يعمل في المجال الفني لا يمكن له الاستمرار من دون خطة لتطوير مهاراته أو قدراته وفاعليته، ومن المؤكد أنه سيصبح خارج المعادلة. لذا، يمكن اعتبار (أغمض عينيك) ولادة جديدة لي، ومن المؤكد أن الهدف هو الابتعاد عن التكرار، لأن النتيجة ستكون الفشل".
ويتابع "في ما يتعلق بالدراما الشامية أو الشعبية -كما أحب تسميتها بالدرجة الأولى بذريعة ما تنضوي عليه من فانتازيا في الحكاية- فطالما أنني لا أملك الجديد بعد سنوات من طرح الحكايات التي لاقت جماهيرية كبيرة، كان لا بد من البحث عن حكاية جديدة تستحق تبنيها والاهتمام فيها، وإذا لم أكن جديرا بالمحاولة، فلن أكرر التجربة".
يقدم "أغمض عينيك" موضوعا حساسا وشائكا، ويغوص في قضية إنسانية خالصة، إذ تدور حكايته حول "جود" الطفل المصاب بطيف التوّحد، ويعاني صعوبات حسية في التواصل والكلام. يعيش مع والدته "حياة وحيدا بعدما هجرهما والده. تضطر الأم لتركه وحده في وجه هذا العالم الموحش. وتقع هذه المهمة الشاقة على عاتق "مؤنس" الرجل الخمسيني الذي يعمل أستاذ رياضيات وتتّسم سلوكياته باللطافة والمسالمة والودّ نحو الجميع، وقد صار وحيدا بعد فقدانه زوجته وابنه الصغير في حادث سيارة. يتشكّل بين جود ومؤنس رابط قوي غير مفهوم، لكن الثاني سيصطدم بكثير من التحديات لإبقاء الطفل في أيد أمينة.
من هنا تبدأ رحلة جود ومعه مؤنس في مواجهة التحديات المضنية لاستمرار الحياة. يكبر جود بعيدا من والدته ويستطيع أن يصل إلى الدراسة في الجامعة بعد نضال طويل. تختلف الصراعات وتتغير العلاقات بطريقة مفاجئة مع ظهور أشخاص جدد في حياة جود وعودة والدته وتطوّر الأحداث وسط أسئلة عميقة.
إعلان شخصية " حياة " للنجمة #أمل_عرفة من مسلسل #أغمض_عينيك pic.twitter.com/PBN3bCpJch
— سردة .. (@Saqafa_) March 3, 2024
عبدالمنعم عمايري استاذ استاااذ♥️♥️♥️
مشاهده مع جود ومشاهده وقت يتذكر ابنه
بمنتهى الإحساس #اغمض_عينيك مسلسل مليان مشاعر
وكتير حب لظهور منى واصف ????#رمضان2024
— حَــسَــن (@zisishasan2) March 14, 2024
وعن سبب اختيار الموضوعات الصعبة المتعلقة بطفل مصاب بطيف التوحد، يوضح مخرج العمل أنه "منذ سنوات بت أطرح على نفسي سؤالا لم أجد له إجابة دقيقة، حول ضعف التواصل بين الأشخاص في أغلب الحالات. وهو ما قادني نحو اضطراب طيف التوحد، إذ يوصف بأنه إعاقة في التواصل".
وتابع الملا "درست هذا الموضوع مع فريقي، وتبين معي أنه ربما يعاني جميع البشر من مشاكل في التواصل، لكن البعض يتم تشخصيه باضطراب طيف التوحد، هنا وجدت من الضروري تقديم عمل يتحدث عن مثل هذا الاختلاف، ليحكي عن هؤلاء الذين يعانون مشكلة تواصل، ولا يوجد أمامهم إلا حل وحيد يتمثّل في إحاطتهم بالحب، إذ لا يمكن تجاوز هذه الإعاقة إلا بشعور الدفء والطمأنينة، من هنا انطلقت فكرة مسلسل (أغمض عينيك) لتضمين مجموعة من الرسائل، وعلى رأسها أننا جميعنا مختلفون لكن دعونا نحل هذه المشكلة بجرعة زائدة من الحب نقدمها لبعضنا".
حالة خاصة جداوفق هذا السياق، يبدو تقديم "أغمض عينيك" ما يشبه السباحة عكس التيّار والابتعاد عن منطق التشويق وفق القواعد التسويقية، فيقول الملا "ليكن ذلك! من خلال مراقبة الدراما التلفزيونية وتحديدا السورية يبدو واضحا انغماس غالبية أعمالها بما يعرف بـ(الفيميه) أي: العنف، الدم، الخيانة.. ولا أعرف لماذا هذا التهافت حول نوع واحد من الموضوعات بقصد خلق الإثارة. طيّب، السؤال الذي يجب أن نطرحه: أين الوجه الأبيض في حياتنا الذي لا يزال موجودا رغم كل الشقاء؟! وفقا لهذا لا بد من الجنوح بعيدا عن القسوة والعنف".
وعلى الرغم من المخاطرة عند إنتاج مثل هذه الأعمال لمواجهتها صعوبات تسويقية بليغة، فإن "أغمض عينيك" تمكّن من الحضور هذا الموسم على منصّة "شاهد" والتلفزيون السعودي ومجموعة محطّات أخرى، يعّقب مخرج العمل على الموضوع بالقول: "كنت خائفا جدا من الذوق العام للمتلقي بعد سنوات من سيطرة أعمال الإثارة، لكن فوجئت بوجود رغبة حقيقية لكثير من المحطات والمنصات لمثل هذا النوع من الدراما، وهذا يخلق حماسا فائضا ورغبة عميقة للمضي قدما بمشاريع إنسانية مشابهة".
وعن مشاريعه التلفزيونية القادمة، أوضح الملا "لدي توجه أن أضع يدي بيد الشباب الماهرين مع إبقاء التركيز على الأعمال النوعية التي لا تشبه الأعمال السائدة حاليا، وسنقدم عملا هو المشروع الواعد الشبابي الذي يرقى لما نفكر فيه في عقلنا وما نحس به في قلبنا، وما نملكه من مهارات في هذه الصناعة، وسيكون الإعلان عنه قريبا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات أغمض عینیک
إقرأ أيضاً:
تعافي الاقتصاد وأثره في حياتنا !
فـي طريقي من مسقط إلى الباطنة لتناول الإفطار برفقة عائلتي، لفت انتباهي الأشخاص الذين يبيعون بجوار الشارع، مُستظلين بالأشجار على طول الطريق، رجال يبسطون الفاكهة والخضار، ونساء يعرضن الأطباق الرمضانية، وأطفال صغار يقفون لمعاونة أهاليهم. شغلني الأمر كثيرًا: فهل نستطيع عدّها مشاريع صغيرة للأسر المنتجة؟ أو هي الحاجة التي يُحركها التعفف الشديد عن مد الأيدي للآخرين وللجمعيات الخيرية؟
إذ بقدر ما يبدو الفعل طبيعيًا وشكلًا من أشكال العيش الكريم، يحملُ فـي طياته دلالة ينبغي أن تنال حظها من الدراسة المجتمعية المُتأنية، فالبيع على جوانب الطرقات، لم يكن على هذا النحو من التغلغل من قبل! لقد غزا أكثر المناطق تحفظًا، وكأنّهم بذلك يُذيبون تضاريس ما كان مُستهجنا ليغدو مألوفًا وعاديًا !
ولعلي أؤكد مجددًا أهمية أن تتبنى الأسرُ مشاريعها التي تعود عليها بالنفع المادي، إلا أنّ سؤالي ينبعُ من حساسية الظروف القاهرة التي قذفت بالنساء والأطفال إلى جنبات الشوارع؟ فالأطفال على سبيل المثال عرضة لخطر اندفاع السيارات أو استغلال المارّة!
سلوك الإنسان وممارساته الفردية أو الجماعية هو انعكاس طبيعي لموقعه الرمزي داخل الفئة الاجتماعية التي ينتمي لها، فعندما تتهشم مصادر الرزق ويتقوض مصدر الاطمئنان الشهري يبدأ السعي الدؤوب لخلق البدائل!
يعترينا الخوف طوال الوقت من اضمحلال الطبقة الوسطى، العمود الفقري الأهم فـي أي مجتمع من المجتمعات وذلك فـي ظل التضخم والضرائب التي تعصفُ بها وتزعزع سكينتها، فهذا التحلل التدريجي للطبقة الوسطى -والذي نراه بالعين المجردة- يتطلب المزيد من البحث والمراقبة الفاحصة، لا سيما مع ضغط ملفـيّ الباحثين عن عمل والمسرحين منه، الذين تُلاحقهم فواتير الكهرباء والماء ومستلزمات الحياة الأساسية كذئاب مُنفلتة من عقالها!
عندما نسمعُ الآن عن الذين يُشعلون الشموع فـي منازلهم، ليس احتفالًا بمناسباتهم السعيدة، وإنّما لعدم قدرتهم على تسديد الفواتير، الذين يجلبون الماء الصالح للشرب من ثلاجات المساجد، وتمتلئ دفاتر الدكاكين المجاورة «بالصبْر» الذي لا يصبِرُ عليهم، نشعرُ بأهمية أن تكون هنالك وقفة شديدة الصلابة من قبل الحكومة، فلا يُوكل الأمر للفرق الخيرية التي تُجاهدُ بشق الأنفس لتحقيق الحد الأدنى من الاحتياجات. فهي الأخرى -أي الجمعيات- يتأثر عملها بتأثر المجتمع الذي تُضيقُ عليه الأسعارُ الخناق، فـيُكبلُ عطاءه ضمن حدود دائرته الأقرب والأصغر.
الأمان الوظيفـي -بقدر أهميته- قد لا يُغطي المتطلبات، لاسيما لو كان لدى هذه الأسرة عدد من الأبناء، ولذا آن أوان للتفكير بخطة دعم متكاملة لموارد العيش الأساسية، فالكثير من الأسر تلتحف لحاف التعفف، فلا يقصدون الجمعيات الخيرية ولا يطرقون الأبواب!
فلماذا لا تكون هنالك «قسائم شرائية» مدعومة من قبل الحكومة، تُمنح شهريًا للباحثين عن عمل والمسرحين، وذلك بعد أن تُدرس حالتهم بشيء من العناية والتقصي، فـيتمكنوا بواسطتها •-•أي القسائم- من الحصول على المواد الغذائية الأساسية، لنخفف عنهم وطأة الأسعار المُستعرة بنيران غلائها، وذلك بالتعاون مع العلامات التجارية العُمانية، لنحققُ دعمًا مزدوجًا، أسوة بالجهود التي بُذلت من قبل فـي دعم الوقود.
ماذا أيضًا لو وجهت نسبة من ضريبة الخدمة المجتمعية التي تُفرض على الشركات ضمن هذا الإطار، وذلك بالتعاون بين المؤسسات الرسمية والجمعيات والفرق الخيرية لتحقيق الغاية الأسمى، ضمن عملية متكاملة ومنظمة، إذ بمجرد ما أن يحصل ربّ الأسرة على وظيفة، يُحذف اسمه من قوائم «القسائم» والدعم المُيسر للماء والكهرباء.
كثيرا ما تتردد هذه الجملة والتي تشير بجلاء لتعافـي اقتصاد البلاد من انكساراته السابقة، ولكن ذلك الشعور سيبقى معزولا عن مجال رؤيتنا، ريثما نرى أثره فـي حياة الناس الواقعية من حولنا.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى