محاضرة «التجارة في دبي.. إطلالة تاريخية» بـ«العويس الثقافية»
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
دبي (الاتحاد)
نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مساء يوم الأربعاء، 20 مارس الجاري، أمسية ثقافية بعنوان «التجارة والتجار في دبي إطلالة تاريخية في نصف قرن» حاضر فيها الأديب عبدالغفار حسين وأدارها الكاتب والإعلامي علي عبيد الهاملي، وحضرها نخبة من الوجوه الثقافية والإعلامية في الساحة المحلية في مقدمتهم بلال البدور ود.
وقال علي عبيد في بداية المحاضرة إن عبدالغفار حسين من الأسماء البارزة واللامعة في عالم الثقافة والصحافة في دبي، وله حضور واسع في الحياة العامة، وفي جعبته عشرات الكتب التوثيقية والابداعية. وقدم الهاملي لموضوع المحاضرة بإطلالة عامة على الحياة التجارية في دبي عبر مرحلتين الأولى بداية القرن العشرين والثانية بعد الحرب العالمية الثانية.
وقال عبد الغفار حسين في محاضرته: إن التجارة والتجار والسوق التجاري، علامة لوجود اقتصاد نشط في المجتمع الذي تتواجد فيه هذه العلامة، وهذه الصفة هي التي أشار إليها القس الأميركي زويمر الذي زار دبي أواخر عام 1901. وكان هذا في عهد الشيخ مكتوم بن حشر، الجد الذي تولى الحكم عام 1894 -وتوفي عام 1907.
وكان لتولي هذا الحاكم المتنور بداية حسنة لإحياء ما كان أبوه الشيخ حشر بن مكتوم 1859-1886 يرغب فيه، حيث بدأ في عهده استقبال وفود تجارية من عمان ومن فارس ومن شرق السعودية ومن الكويت. وأول شيء فعله الشيخ مكتوم بن حشر هو إقامة ما يدعي محلياً بـ«الفرضة» او إدارة الجمارك على الخور لتسهيل شحن البضائع وحملها.
وأضاف عبد الغفار: ويعتبر هذا العمل أول ميناء يقام في هذه المنطقة، وكذلك بناء الأسواق والدكاكين على ضفتي الخور في بر دبي وديرة، وقد أرسل الشيخ مكتوم وفوداً إلى لنجة والكويت وشرق السعودية وعمان ليتصل بالتجار ويرغبهم في المجيء إلى دبي، وهذا أول إجراء تقدمي من حاكم في المنطقة. أخبار ذات صلة
ونتيجةً لقدوم عدد كبير من التجار في لنجة ومن أنحاء أخرى من الخليج ومن عُمان، بدأت بواخر الشحن الكبيرة القادمة من الهند تغير مسارها من لنجة إلى دبي، وجاءت أول باخرة عام 1902 لترسو بالقرب من الشندغة تحمل بضائع التاجر عبدالقادر عباس الذي نقل تجارته الواسعة من لنجة إلى دبي.
وفي عهد الشيخ مكتوم بن حشر رحمه الله، ونتيجة للنشاط التجاري قفزت تجارة اللؤلؤ في دبي إلى حوالي عشرة ملايين روبية، كما رواها مؤرخون إنجليز في ذلك الوقت. وقال المؤرخ أحمد فرامرزي الذي له كتب عن عمان وفارس وزار دبي عام 1917: «إن التجار الذين قدموا إلى دبي من لنجة حولوا ثروة تقدر بـ18 مليون روبية وعلى رأس هؤلاء عبدالقادر عباس وفاروق عرشي» و18 مليوناً تعنى على الأقل 10 مليارات اليوم.
وفي عهد الشيخ مكتوم بن حشر رحمه الله، تأسس أول بريد في المنطقة في سوق بر دبي عام 1906 وكان لهذا المشروع صدى كبير سهل المراسلات التجارية.
واستطرد حسين في محاضرته قائلاً: وجاء من بعده الشيخ بطي بن سهيل ثم الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر الذي تولى الحكم عام 1912، ليستكمل تلك المسيرة، من حسن حظ دبي أيضاً أن الشيخ سعيد ألقى زمام أمور البلد إلى ابنه الشيخ راشد بن سعيد 1935، وأدارها الشيخ رحمه الله بجدارة واجتهاد، وبدأت دبي بعد الحرب العالمية مباشرةً تتجه اتجاها جديداً في العمران وإيجاد المؤسسات الحديثة والبنوك والشركات التجارية الكبرى وغير ذلك مما سأذكره إن شاء الله في كتابي «دبي الأولى» الذي أرجو إصداره قريباً.
وختم عبد الغفار حديثه بقصيدة الشاعر أحمد أمين المدني بعنوان «دبي ما أبهاكِ» التي يقول مطلعها:
دبيُّ.. وما أبهاكِ للعينِ نزهةً
وأجملُ ما يبدو لعينٍ، وأَبدَعُ
حَبَوتُكِ مِن روحي روائعَ ثَرَّةً
بحُبّي، وأشعاراً بذكركِ تَصدعُ
أرى الشَّمسَ في آفاقكِ الزُّرقِ فضَّةً
تَموجُ بألوانِ الجمالِ وتَمرَعُ
وقد ساهمت الأسئلة من قبل الحضور في إغناء المحاضرة وإثراء المعلومات عن الحياة التجارية في دبي، والتقطت الصور التذكارية الجماعية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية أمسية ثقافية التجارة دبي عبد الغفار إلى دبی فی دبی
إقرأ أيضاً:
فيلم "نه تشا 2" يشعل موجة جديدة من السياحة الثقافية في الصين
تشو شيوان **
في الآونة الأخيرة، تصدَّر الفيلم الصيني "نه تشا 2" (Ne Zha 2) قائمة الأفلام الأكثر مبيعًا في تاريخ السينما الصينية، مُحطِّمًا العديد من الأرقام القياسية المحلية والدولية، ولم يكتفِ الفيلم بتحقيق إيرادات تجاوزت 12 مليار يوان صيني فحسب، متفوقًا بذلك على جميع أفلام الرسوم المتحركة المحلية وحتى الدولية، بل أطلق أيضًا موجة ثقافية وسياحية تحت عنوان "السفر حول الصين مع الفيلم".
ولا يكمُن سر نجاح هذا العمل في إنتاجه الباهر أو قصته المؤثرة فحسب، بل في قدرته على الجمع بذكاء بين عناصر الأساطير الصينية العريقة واقتصاد السياحة الثقافية الحديثة، مما وفر للجمهور تجربة ثقافية ممتدة من الشاشة إلى أرض الواقع.
لقد ساهمت شعبية "نه تشا 2" بشكل كبير في تعزيز الاهتمام بالسياحة في المناطق المرتبطة بأسطورة "نه تشا"؛ حيث إن مدنًا مثل ييبين في مقاطعة سيتشوان، وتيانجين، وشيشيا في مقاطعة خنان، أصبحت وجهات سياحية مرغوبة لعشاق الفيلم، وذلك بفضل ارتباطها الوثيق بأسطورة "نه تشا". وتشير البيانات إلى أن عمليات البحث السياحي المتعلقة بـ"نه تشا" قد ارتفعت بأكثر من 5 أضعاف مقارنة مع العام الماضي، مع زيادة ملحوظة في عمليات البحث عن مدن مثل ييبين وجيانغيو بنسب تراوحت بين 225% و453% على أساس شهري.
من وجهة نظري، يُمثِّل نجاح "نه تشا 2" نموذجًا رائعًا لكيفية استغلال الصناعة السينمائية للتراث الثقافي لتعزيز السياحة والاقتصاد المحلي، فالفيلم لم يقدم قصة مرئية مذهلة فقط، بل نجح أيضًا في تحويل الأساطير القديمة إلى محرك للتنمية الاقتصادية والثقافية. هذا النهج الذكي في الدمج بين الفن والتراث والاقتصاد يُثبت أن الأفلام ليست مجرد وسيلة ترفيه؛ بل أداة قوية لتعزيز الهوية الثقافية وجذب السياحة العالمية، ويمكننا القول إن "نه تشا 2" ليس مجرد فيلم ناجح، بل ظاهرة ثقافية واقتصادية، وهذا يؤكد أن الفن عندما يُستثمر بشكل صحيح، يمكن أن يصبح جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين الثقافة والاقتصاد.
وحتى يفهم القارئ العربي أسطورة "نه تشا"؛ فهي واحدة من أشهر الأساطير الصينية التي تعود جذورها إلى التراث الأسطوري الصيني القديم، والتي تُصوِّر "نه تشا" كبطل خارق وشجاع، غالبًا ما يُصوَّر على أنه طفل صغير يتمتع بقدرات خارقة وسلاح سحري يُعرف باسم "دوائر السماء والأرض". ووفقًا للأسطورة الأصلية، وُلد "نه تشا" بطريقة غير عادية؛ حيث خرج من بطن أمه على شكل كرة لحمية، ثم تشكل ليصبح طفلًا مُذهلًا. اشتهر "نه تشا" بمواجهته للشر والأعداء، بما في ذلك التنين الذي أثار الفوضى في البحر، مما جعله رمزًا للشجاعة والتضحية. تُعتبر قصته جزءًا من الروايات الكلاسيكية مثل "أسطورة خلق الآلهة"، والتي تجمع بين العناصر الأسطورية والدينية. و"نه تشا" ليس مجرد شخصية أسطورية؛ بل يمثل أيضًا قيمًا مثل البراءة والقوة؛ مما جعله شخصية محبوبة في الثقافة الصينية؛ سواء في الأدب أو الأفلام أو الفنون الشعبية.
وهذا الفيلم ليس حالة فريدة من نوعها، بل جزء من ظاهرة أوسع تشهدها الصين خلال السنوات الأخيرة؛ حيث ساهمت العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في تعزيز السياحة في المناطق الصينية المختلفة. ومع ذلك، تكمُن خصوصية "نه تشا 2" في قدرته على بناء نظام بيئي ثقافي وسياحي متكامل، من خلال مسار مبتكر يبدأ بسيناريو القصة، مرورًا بإنتاج العمل الفني، ووصولًا إلى بناء علامة تجارية قوية للمنتج. على سبيل المثال، استخدمت مقاطعة جيانغشي التكنولوجيا الرقمية لإعادة إنشاء مكان ميلاد "نه تشا" عبر "ممر تشنتانغ الافتراضي"، بينما أطلقت مقاطعة سيتشوان دراما قصيرة غامرة حول الموضوع، مما حوّل السرد الأسطوري إلى منتجات سياحية تفاعلية. هذا التحول من مرحلة "التقاط الصور" إلى مرحلة "الانغماس الثقافي" يجعل السائحين ليسوا مجرد متفرجين، بل مشاركين فاعلين في العالم الأسطوري الذي يعيشونه.
من وجهة نظري، يثبت التأثير الثقافي والسياحي لفيلم "نه تشا 2" أن الأعمال السينمائية والتلفزيونية ليست مجرد وسائل ترفيهية استهلاكية، بل هي أيضًا أدوات قوية لنقل الثقافة وتعزيز التواصل الحضاري. عندما تقفز شخصية نه تشا من الشاشة إلى أرض الواقع، فإن ما يبحث عنه السائحون ليس مجرد مشاهد الفيلم، بل أيضًا الشعور بالارتباط الروحي مع الأساطير الصينية العريقة. وهذا الارتباط يخلق تجربة سياحية غنية تترك أثرًا عميقًا في نفوس الزوار.
في المستقبل، ومع تزايد انتشار حقوق الملكية الفكرية للأفلام والتلفزيون الصينية على المستوى الدولي، يمكن لصناعة السياحة الثقافية في الصين أن تفتتح فصلًا جديدًا من التكامل بين الثقافة والسياحة. هذا التكامل يمكن أن يعزز مفهوم "تشكيل السياحة من خلال الثقافة، وتعزيز الثقافة من خلال السياحة"، مما يجعل الأفلام دليلًا للعالم لفهم الصين بشكل أعمق. وبذلك، تصبح الثقافة الصينية جسرًا للتواصل بين الشعوب، وتتجذر الثقة الثقافية في رحلة السفر، مما يعكس صورة الصين كحضارة عريقة وحديثة في آن واحد.
خلاصة القول.. يُعد "نه تشا 2" نموذجًا رائدًا لما يمكن أن تحققه صناعة السينما الصينية عندما تجمع بين الإبداع الفني والترويج الثقافي، لقد تجاوز الفيلم حدود الشاشة ليصبح ظاهرة ثقافية وسياحية، مؤكداً قوة الفن في تشكيل الواقع وتحفيز الاقتصاد. ومن يدري؟ ربما تكون هذه مجرد بداية لموجة جديدة من الأفلام الصينية التي تسعى إلى تحقيق التكامل بين الثقافة والفن والسياحة.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية