الدكتور محمود مهني يكتب: علي جمعة.. الدعوة بالحب والأمل
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الصلحاء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم»، وقال الله تعالى: «شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم»، ومن هاتين الشهادتين يتبين لى أن الأستاذ الدكتور على جمعة من هؤلاء العلماء الذين لهم وزن فى الأزهر من حيث غزارة علمه وسمو أخلاقه وسعيه الدائم لفعل الخير، فقد ولد فضيلتُه فى 3 مارس 1952م بمحافظة بنى سويف، وحصل على الإجازة العالمية «الليسانس» من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر عام1979م، ثم درجتى الماجستير عام 1985م والدكتوراه عام 1988م فى أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، ودرجة أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة جامعة الأزهر.
تولى فضيلته العديد من المناصب العلمية والإدارية بجامعة الأزهر والجامعات العربية، وعضوية مجمع البحوث الإسلامية، ورئاسة مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير، وله إسهامات علمية متنوعة تربو على المائة فى الفقه وأصوله والأحوال الشخصية والمعاملات الإسلامية والفتوى.. وغيرها بالتأليف والتحقيق، بالإضافة إلى الإشراف على إعداد العديد من الموسوعات الإسلامية.
اختارته الدوله مفتياً لمصرنا العزيزة، فكان حارساً للفتوى منذ عام 2003 وحتى 2013، حيث أفتى فتاوى لم يسجلها أحد قبله، اختاره الأزهر الشريف عضواً بهيئة كبار العلماء، حيث إن له مؤلفات تزيد على ٥٠ مؤلفاً غير خطبه ومحاضراته التى تم بثها فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، وكان رؤساء الدول التى زارها يستقبلونه فى المطار، كونه قيمة أزهرية كبرى، والشيخ على جمعة متقن للغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
صادقت مولانا د. على جمعة فوجدته ينفق على كل محتاج ويناقش الرسائل العلمية فى أنحاء الجمهوية، ومن هنا وجدناه ينشر الحب والأمل لكل الناس، وقد قلت له «إن صديق الحق من كان معك، ومن يغير نفسه لينفعك»، فرد علىّ قائلاً: «يا محمود أنا أحب كل الناس وأصادق المخلصين». أحببت د. على جمعة فى الله لأنه زاهد ورع، مخلص لوطنه، لا يخاف فى الله لومة لائم، ولا ينطق إلا الحق، ورؤيته وسطية مستنيرة استطاع أن يواجه تيارات الظلام، ويتصدى لفكرها، حتى حاولت تلك الجماعات قتله ووضعته على قوائم الاغتيال، وتابعنا جميعاً محاولة اغتياله أمام مسجد فاضل بالقرب من منزله، حيث نجاه الله من القوم الظالمين وجماعات الإرهاب.
د. على جمعة عملاق من عمالقة العلم والعمل، يحب دينه ووطنه وأزهره، صادق العلماء وأحبهم من قلبه، يسعى لنشر الخير فى ربوع مصر ولا يفرق بين جهة وأخرى ويكفيه شرفاً خلقه وغزارته العلمية وحبه للفضيلة وإرجاع الناس إلى أصل الأخلاق بهوادة ووسطية كما تعلم من الإسلام والأزهر، كذلك مما يميز د. على جمعة الوسطية، واحترامه لفكر الأزهر الشريف، وكل زملائه بهيئة كبار العلماء بل والعاملين حتى أصغر موظف، وحبه الجم لمصر واعتباره أنها من خير الدول، وهو كان وسيظل منفقاً فى سبيل الله ولديه وقار العلماء، وله جهود كبيرة فى خدمة الدعوة والإنفاق على الفقراء، فكل التحية للدكتور على جمعة عما يقدمه فى سبيل الله، فهو العالم المربى والمعلم الذى أثرى الأزهر بالعلم والأدب والخلق الرفيع، وله الأثر الكبير فى النهوض بطلابه وهو علامة تميز ويجسد منهجاً وسطياً يجمع علوم العربية والشرعية وأصول الدين والعلوم الأخرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: د على جمعة على جمعة
إقرأ أيضاً:
العدوان يكتب .. صغّر عقلك أيها الإنسان . . !
صغّر عقلك أيها الإنسان . . !
#موسى_العدوان
من الأقوال المتداولة في مجتمعنا مقولة ” كبّر عقلك “. وهي نصيحة تُقدم لمن ضاق عقله وتمسك بأمور صغيرة، لكي يتسامى ويتسامح في تلك الأمور مع فاعلها. وخلال وجودي في إحدى المكتبات وقع نظري على كتاب بعنوان يخالف هذا العنوان تماما، وهو ” صغّر عقلك ” لكاتبه معتزّ مشعل. استغربت هذا العنوان فاشتريت الكتاب ورحت أبحر بين صفحاته بشغف، لأعرف قصة هذا العنوان المخالف لما عهدناه. وقد تبين لي بعد قراءته، أن الكاتب يدعو إلى تكبير العقل ولكن بأسلوب معاكس لما عهدناه.
فقد طلب الكاتب أن نعود إلى عقلية أطفالنا الصغار، التي لا تعرف الحقد وتعود إلى فطرة التسامح التي خلقها الله تعالى بداخلنا. وهي فطرة موجودة لدى كل إنسان، وإذا ما استخدمها وركّز عليها قليلا، فإنها ستفتح له أبوابا فكرية عديدة، تجعله يفكر ويحكم على الأمور بطريقة سليمة. ولكي يثبت الكاتب دعوته التي أطلقها، أورد لنا العديد من الأمثلة التي استنبطها من تجربته مع أبنائه الصغار، وتعلّم منها كيف ” يصغّر عقله “، سأختار فيما يلي بعضا منها.
يقول الكاتب : من الطبيعي أن ابني كبقية الأطفال، لديه أقرباء واصدقاء متقاربون في العمر. وفي أحد الأيام كان 6 أطفال من بينهم إبني، يلعبون كعادتهم في القسم المخصص للأطفال. وفجأة قام أحد الأطفال بضرب إبني على رأسة بلعبة كانت بيده. فما كان من ابني إلاّ أن قام بضربة مضادة لصديقه كرد فعل على ما حدث، ودخل الإثنان في معركة. جاء الطفلان إليّ يشكوان بعضهما، فأخذت بمواساتهما بكلمات رقيقة. فما كان منهما إلاّ أن عادا للعب معا وكأن شيئا لم يكن. فكرني هذا الموقف بقوله تعالى : “
ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم “.
وفي حادثة أخرى خرجت وزوجتي من المنزل، نركض باتجاه السيارة وأنا أحمل طفلي الصغير، بعد أن دفعه اخوه الآكبر ( 6 سنوات ) عندما كانا يلعبان سويا، فسقط عن الطاولة على رأسه. كان الفاعل بدوره يبكي بسبب بكاء أخيه وربما لشعوره بالذنب. وعندما وصلنا المستشفى طلب الطبيب الانتظار لمدة ساعتين أو ثلاث، ليتأكد إن كان هناك حاجة لصورة شعاعية أم لا. وأخيرا جاءت الأخبار السعيدة من الطبيب، بأن الصغير لا يحتاج إلى تصوير، وأن حالته الصحية جيدة.
خرجنا من المستشفى والصغير يمشي على قدميه ويضحك، ثم طلب أن أشتري له آيس كريم. طلبت من البائع قطعة آيس كريم واحدة، ولكن الصغير طلب قطعة ثانية بالشوكلاته، قائلا بأنها لأخيه، الذي يحب هذا النوع من الآيس كريم. دخلنا المنزل ونادى الصغير على أخيه بفرح ليخبره بالمفاجأة ( آيس كريم بالشوكلاته ). نسي الطفل الصغير الألم والبكاء والطبيب وساعات الانتظار في المستشفى، وتذكر أخيه وصديقه في تسامح بريء، دون حقد أو طلب لقصاص منه.
وفي هذا السياق نتذكر حالات من التسامح على مستوى الوطن جرت خلال تارخ الأردن الحديث. ففي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كان الملك حسين طيب الله ثراه، قد تعرض لعملية انقلابية عليه وعلى نظام حكمه. ولكنه بعد أن استتبت الأمور، سامح الملك حسين من تآمروا عليه وعلى نظام حكمه، وعفا عنهم، وسمح لهم بالعودة إلى الوطن، ثم قلدهم أرفع المناصب في الدولة، في اكبر عملية تسامح تجري في العالم.
وكذلك فعل رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل عليه ألف رحمة، عندما جاءه قروي يقدم إليه طلبا بالإفراج عن ابنه، المسجون بسبب شتمه وصفي التل. فأخذ الطلب من القروي وكتب عليه بخط يده ” يلعن أبو وصفي التل اللي الناس تنسجن من شانه “، وأرسله مع ذلك القروي إلى سجّانيه، ليتم الإفراج عنه فورا.
وفي تاريخنا الإسلامي وقع خلاف بين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وبنتيجته أخطأ أبا بكر بحق عمر، فانصرف عمر غاضبا. وما هي إلاّ لحظات حتى شعر أبو بكر، بخطئه وندمه على ما فعل مع عمر. فذهب إلى بيت عمر ليعتذر إليه، لكن عمر رفض الاعتذار وأغلق الباب بوجه أبي بكر. فذهب أبو بكر إلى حيث كان الرسول عليه الصلاة السلام جالسا مع بعض اصحابه، ودخل عليه خجلا ثم روى له ما حدث. أخبر الرسول مجالسيه وهو غاضب، بأن عمر قد بالغ في خصومته، وأن أبي بكر قد سبق إلى الخير، وقال لأبي بكر : ” يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا “.
ندم عمر على رده لأبي بكر بتلك الطريقة الغير لائقة، فقصد مجلس النبي وجلس بقربه وعلامات الندم تفصح عما بداخله. كان الرسول غاضبا من تصرف عمر، لأنه رفض الاعتذار من أبي بكر، ولم يكن متسامحا معه فقال له : ” يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل ؟ ” وانصرف عنه. فما كان من أبي بكر إلاّ أن لحق بالرسول وقدم له اعترافه بأنه هو البادئ بالخلاف، وهو من اغضب صديقه، وهو الذي يجب أن يُلام فيما حدث. فهل لنا أن نعتبر من ذلك ؟ ونتذكر هنا قوله تعالى : ” إن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ” صدق الله العظيم.
وهنا علينا أن نطرح السؤال التالي : كم شخص قام بمحاربة أخ أو أخت أو صديق أو قريب، بسبب موقف سخيف، ولم يتكلم معه لفترة طويلة ؟ ولكن بعد مرور سنوات عديدة تسأله عن السبب، فتجده قد نسيه وأخفي ندمه وراء كبريائه، الذي لا يعترف بالخطأ، ولا القيام بمبادرة نحو الأفضل.
كم منا من يحتاج ” ليصغّر عقله ” ويعود طفلا لكي يعرف التسامح والصفح، ذلك الشعور الذي خلقه الله تعالى فينا عندما كنا صغارا، فنسيناه عندما صرنا كبارا، وأصبحنا نشعر أن مسامحتنا لشخص أسأنا له، هو ضعف منا . . رغم أن العكس هو الصحيح . . !
في الختام أقول : هل يمكن لعقل الدولة، أن يوجه كبار المسؤولين في الدولة، لكي ” يصغّروا عقولهم” بالمفهوم الحديث، ويعودوا إلى طبيعتهم البريئة عندما كانوا أطفالا، ويجعلون من ” التسامح ” أسلوبا في التعامل مع المواطنين ؟ لا أن يتخذوا من قانون الجرائم الإلكترونية، منصة ينطلقون منها لمعاقبة من تحدث أو كتب كلمة على ( مقاماتهم الرفيعة ) وإيداعهم للسجن، أو ابتزازهم بمبالغ مالية تثقل كواهلهم، وتحرم عائلاتهم من أسباب المعيشة الضرورية؟ هل يمكن لعقل الدولة أن يأمر بوضع آرمه ( Arma ) على مكتب كل مسؤول في الدولة، مكتوب عليها : ” صغّر عقلك “. لعلها تعيده إلى الطبيعة التي غرسها الله تعالى في نفسه، من براءة وتسامح وحسن خُلق. . !
التاريخ : 1 / 11 / 2024