كان الأستاذ جمعة المحامى الشرعى حريصاً على أن يحدث نقلة نوعية فى حياة أولاده، فانتقل من بنى سويف إلى القاهرة وعمل على أن ينال أولاده الحظ الوافر من التعليم والمعارف، وأن يحتكوا ببيئة المدينة.

وكان هذا الوالد الكريم يشجع ابنه الفتى اليافع على القراءة والتثقف، حتى كان يشترى له أى كتاب يشتهيه من خارج ما يبذله له من مصروف شخصى، وكان يقول له: «أى كتاب تشتريه من مالك الخاص أرد لك ما دفعته مرتين، بلغ ما بلغ».

فنشأ الولد محباً للمعرفة عاشقاً للكتاب.

وذلك الابن هو الشيخ على جمعة، الذى صار لاحقاً مفتياً للديار المصرية وعضواً لهيئة كبار العلماء، لكنه تعلق مبكراً بالثقافة الإسلامية، وانجذب نحو طلب العلم، وصحب الشيوخ فى داخل الأزهر وخارجه، وأكرمه الله تعالى بعد ذلك أن انتسب إلى التعليم الأزهرى بعد أن أنهى دراسته المدنية، حتى حصل على (العالمية) فى أصول الفقه.

والشيخ عالم موسوعى، إذا تكلم فى فن ظننته مختصاً به دون غيره، وإذا سئل عن مسألة أجاب واستفاض، وذكر تاريخها، وحكمها، وفلسفتها، وأثرها، والفوارق بينها وبين ما يشتبه بها، ارتجالاً دون سابق تحضير للجواب، وأما اطلاعه الواسع على العلوم المختلفة الزائدة على مجرد المعارف الدينية، واستحضاره ما أراد من ذلك متى شاء فمنحة ربانية أوتى معها موهبة استثنائية يقتدر بها على إيصال أصعب المعلومات بأيسر الطرق.

وقد جعل الله تعالى له شرف إحياء التدريس بالأروقة الأزهرية، فافتتح درسه اليومى عام 1998م، ولمدة خمس سنوات متصلة لم ينقطع عنه إلا بعد الانشغال بأعباء الإفتاء، وقرأ فيه لطلابه عيون الكتب فى الفنون المختلفة.

ومن أهم ما كان الشيخ ينبه عليه: ضرورة المزاوجة بين ما فى الكتب وبين الواقع، وأن الواقع قد يؤثر على الفتوى فتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وأنه لا بد للمفتى من إدراك النص وإدراك الواقع وإدراك الوصلة بينهما، وأن هناك فرقاً بين النص وتفسير النص وتطبيق النص، وأن كتاب الله المسطور لا يجوز أن يخالف كتاب الله المنظور، وأننا ينبغى أن نعيش واقعنا بمناهج السلف ولا نقف عند مسائلهم، وأنه ينبغى ألا نقع فى فخ تحويل المسائل إلى قضايا، وأنه ينبغى التمييز بين القطعى والظنى، وأن هناك فرقاً بين فقه الفرد وفقه الأمة، وأننا ينبغى علينا أن نعمل على فكرة توليد العلوم.

وشيخنا قرأ التراث وامتلك ناصيته وفهم لغته بعمق، ثم عبر عن ذلك بطريقة أقرب للعصر، بمضمون لم يخرج عن قواعد الشريعة، فالحقيقة واحدة والصياغة مختلفة. ومن أكبر مميزات عقلية الشيخ أنها عقلية تجريدية تبحث عن الكليات والعلل البعيدة للقضايا، ومن ثمرات هذا ما صنعه من رد علم الأصول كله إلى نظريات سبع، وهى: الحجية، والإثبات، والفهم، والقطعية والظنية، والإلحاق، والاستدلال، والإفتاء.

وأما النهضة الصوفية التى قام بها، وجهوده فى نصرة مذهب أهل السنة، وتجربته فى دار الإفتاء، والمشروعات العلمية التى عمل عليها، وتفصيل الكلام على مدرسته العلمية، وعلى مؤلفاته، والدور الوطنى المهم الشجاع الذى وقف فيه وقفة الأسد منذ اشتعال الفوضى فى البلاد فى 2011م، وجهوده فى مقاومة الفكر المتشدد، وتعريته للجماعات المتطرفة والإرهابية حتى كان الثمن أن تعرض للاغتيال ونجاه الله تعالى بفضله، وما فعله فى خدمة المجتمع، وأسفاره، وغير ذلك، فلا يمكن الوفاء به فى هذا المقال المختصر، بل يحتاج إلى مجلدات.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الشيخ على جمعة شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

جمال الدويري يكتب .. النواب والحريات والزعبي

#سواليف

كتب .. #جمال_الدويري

#النواب و #الحريات و #الزعبي…

أما وقد انطلق عمل #مجلس_النواب الجديد طخ (جدًّا)، واستلم (نواب الشعب) مكاتبهم ومهامّ عملهم الرسمي للتشريع والرقابة، وتمثيل الشعب بتصحيح الأخطاء وربما المسار، التي من أهمها وأخطرها، #قانون_الجرائم_الإليكترونية سيء الصيت والأثر، رغم عمره القصير، فإنني ألفت عناية صاحبات وأصحاب السعادة في العبدلي، الى أنه قد جدّ الجد، وانتهى عهد الاحتفالات والولائم والكنافة، وأزف وقت العمل، وإثبات أن هذا المجلس (غير)، وأنكم أفرادا وجماعات وأحزابا وكتلا نيابية (غير) ومستعدون لفتح الملفات الكبيرة التي يُجمع غالبية الشعب على أولويتها وإلحاحها على ريختر الضمير الشعبي.

مقالات ذات صلة الجمارك تضبط عبوات أدوية وحقن ومواد غذائية منتهية الصلاحية 2024/11/19

وكما أسلفت، فإن قانون الجرائم الإليكترونية الذي كبّل الحريات وأصمت الرأي الآخر وشكل تجاوزا على الدستور وحقوق المواطن بالتعبير السلمي عن الرأي، والذي كان من ضحاياه، الوطني الحر وضمير المواطن الأردني وحامل همّه، والمعبّر عن هواجس وشرائح المجتمع الضعيفة، الى جانب عشقه للأردن العظيم وكل ذرة من ترابه الطهور، الكاتب الفذ أحمد حسن الزعبي، الذي أطاح بقلمه وحريته حكما قضائيا يستند لقانون الجرائم الإليكترونية المجحف.

أحمد الحسن، ومع احترامنا لقضائنا، يستحق التكريم وليس السجن.

رد أحمد الحسن ذات صدق وجداني عميق في لقاء تلفزيوني مع إعلامي عربي شهير: ماذا ستختار لو خُّيرت بين الأردن او ان ترى أهلك المتوفين من جديد، فقال دامع العينين متحشرج الصوت: الوطن، الأردن، كلنا سنذهب، لكن الوطن أبقى.

وكررها لمرات، الوطن، الأردن، نحن سنذهب، اما الوطن سيبقى.

لهذه فقط، وغيرها كثيرات مثلها يا أصحاب السعادة، يستحق السجين أحمد حسن الزعبي، الفزعة والعمل الجاد وبكل الطرق والوسائل النيابية والقانونية الكفيلة باستعادته لحريته والعودة لأطفاله وعائلته ومحبيه، ولمهمته الوطنية النبيله في خدمة الأردن والاعلام وهموم الشعب التعبيرية.

ولعلكم الأقدر على إيصال الأمل الشعبي العريض هذا لجلالة الملك لاستصدار عفو خاص عن الرجل الذي يتنفس وطنًا ويجري الأردن في كل شهيقه، وكل شريان في جسده.

ومن يبكي أيها السادة على الشاشات من أجل الوطن وخوفا على الأردن والأردنيين، لن يكون خطرا على الأردن والأردنيين حتى يتجرع مرارة السجن وافتقاد الحرية، والبعد القسري عن فلذات كبده.

الأردنيون أيها السادة بانتظار مبادرة نيابية منتجة تعيد لنا أبا عبد الله الزعبي وتختصر شهور معاناته.

ولكم الأجر والثواب.

مقالات مشابهة

  • جمعة: "رسول الله ربّانا على القوة والمبادئ السامية"
  • العالم الدكتور عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب الدولي بالكويت: القاهرة صاحبة الفضل في تشكيل رؤيتي الفكرية والثقافية
  • فى وداع العالم الدكتور محمد المرتضى مصطفى
  • أحمد نجم يكتب : روحي وروحك حبايب
  • حتى يكون الدعاء مستجاب.. داعية يكشف عن كلمات نبوية مأثورة
  • شرم الشيخ الدولي للمسرح يحتفي بالثلاثي ممدوح الأطرش وسعيد السيابي ومحمد جبر
  • جامعة كفر الشيخ تنعي الدكتور محمود الصيفي عميد كلية الطب البيطري الأسبق
  • السوري ممدوح الأطرش يستعرض مسيرته الفنية بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي.. صور
  • ممدوح الأطرش المكرم بمهرجان شرم الشيخ: مصر انطلاقتي الحقيقية في الفن
  • جمال الدويري يكتب .. النواب والحريات والزعبي