الدكتور أحمد ممدوح سعد يكتب: الشيخ علي جمعة العالم المربي
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
كان الأستاذ جمعة المحامى الشرعى حريصاً على أن يحدث نقلة نوعية فى حياة أولاده، فانتقل من بنى سويف إلى القاهرة وعمل على أن ينال أولاده الحظ الوافر من التعليم والمعارف، وأن يحتكوا ببيئة المدينة.
وكان هذا الوالد الكريم يشجع ابنه الفتى اليافع على القراءة والتثقف، حتى كان يشترى له أى كتاب يشتهيه من خارج ما يبذله له من مصروف شخصى، وكان يقول له: «أى كتاب تشتريه من مالك الخاص أرد لك ما دفعته مرتين، بلغ ما بلغ».
وذلك الابن هو الشيخ على جمعة، الذى صار لاحقاً مفتياً للديار المصرية وعضواً لهيئة كبار العلماء، لكنه تعلق مبكراً بالثقافة الإسلامية، وانجذب نحو طلب العلم، وصحب الشيوخ فى داخل الأزهر وخارجه، وأكرمه الله تعالى بعد ذلك أن انتسب إلى التعليم الأزهرى بعد أن أنهى دراسته المدنية، حتى حصل على (العالمية) فى أصول الفقه.
والشيخ عالم موسوعى، إذا تكلم فى فن ظننته مختصاً به دون غيره، وإذا سئل عن مسألة أجاب واستفاض، وذكر تاريخها، وحكمها، وفلسفتها، وأثرها، والفوارق بينها وبين ما يشتبه بها، ارتجالاً دون سابق تحضير للجواب، وأما اطلاعه الواسع على العلوم المختلفة الزائدة على مجرد المعارف الدينية، واستحضاره ما أراد من ذلك متى شاء فمنحة ربانية أوتى معها موهبة استثنائية يقتدر بها على إيصال أصعب المعلومات بأيسر الطرق.
وقد جعل الله تعالى له شرف إحياء التدريس بالأروقة الأزهرية، فافتتح درسه اليومى عام 1998م، ولمدة خمس سنوات متصلة لم ينقطع عنه إلا بعد الانشغال بأعباء الإفتاء، وقرأ فيه لطلابه عيون الكتب فى الفنون المختلفة.
ومن أهم ما كان الشيخ ينبه عليه: ضرورة المزاوجة بين ما فى الكتب وبين الواقع، وأن الواقع قد يؤثر على الفتوى فتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وأنه لا بد للمفتى من إدراك النص وإدراك الواقع وإدراك الوصلة بينهما، وأن هناك فرقاً بين النص وتفسير النص وتطبيق النص، وأن كتاب الله المسطور لا يجوز أن يخالف كتاب الله المنظور، وأننا ينبغى أن نعيش واقعنا بمناهج السلف ولا نقف عند مسائلهم، وأنه ينبغى ألا نقع فى فخ تحويل المسائل إلى قضايا، وأنه ينبغى التمييز بين القطعى والظنى، وأن هناك فرقاً بين فقه الفرد وفقه الأمة، وأننا ينبغى علينا أن نعمل على فكرة توليد العلوم.
وشيخنا قرأ التراث وامتلك ناصيته وفهم لغته بعمق، ثم عبر عن ذلك بطريقة أقرب للعصر، بمضمون لم يخرج عن قواعد الشريعة، فالحقيقة واحدة والصياغة مختلفة. ومن أكبر مميزات عقلية الشيخ أنها عقلية تجريدية تبحث عن الكليات والعلل البعيدة للقضايا، ومن ثمرات هذا ما صنعه من رد علم الأصول كله إلى نظريات سبع، وهى: الحجية، والإثبات، والفهم، والقطعية والظنية، والإلحاق، والاستدلال، والإفتاء.
وأما النهضة الصوفية التى قام بها، وجهوده فى نصرة مذهب أهل السنة، وتجربته فى دار الإفتاء، والمشروعات العلمية التى عمل عليها، وتفصيل الكلام على مدرسته العلمية، وعلى مؤلفاته، والدور الوطنى المهم الشجاع الذى وقف فيه وقفة الأسد منذ اشتعال الفوضى فى البلاد فى 2011م، وجهوده فى مقاومة الفكر المتشدد، وتعريته للجماعات المتطرفة والإرهابية حتى كان الثمن أن تعرض للاغتيال ونجاه الله تعالى بفضله، وما فعله فى خدمة المجتمع، وأسفاره، وغير ذلك، فلا يمكن الوفاء به فى هذا المقال المختصر، بل يحتاج إلى مجلدات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشيخ على جمعة شهر رمضان
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي يكتب: "الإرهاب والكباب" من أبوتريكة إلى أحمد.. الرسالة واحدة
إنها لحظة تقاطع بين الخوف والشجاعة، وبين الرغبة في التراجع ونداء الإقدام.. إنها ليست مجرد لحظة اصطدام أو نزاع، بل هي امتحان للقدرة على التواصل والتأثير، ورحلة للبحث عن حلول وسط تعزز التفاهم وتكسر حواجز الصمت.. المواجهة! إن القدرة على المواجهة ترتبط بمدى نضوج الشخصية ووعيها بقيمة الحوار والاحترام المتبادل، فالمواجهة ليست عنفًا ولا تحديًا للمبادئ، بل هي سعي لتحقيق التوازن بين العدل والمساومة، وبين الحفاظ على الحق وإبداء المرونة.. فكن مواجهًا دائمًا ولا تخف.
مؤمن الجندي يكتب: حسن "سبانخ" الكرة المصرية مؤمن الجندي يكتب: نشر الغسيل بالمقلوبفي زمن أصبح فيه "التنفس بحذر" شعارًا للحفاظ على الاستقرار، تظهر بين الحين والآخر شخصيات تكسر حاجز الصمت واليوم موعدنا مع محمد أبوتريكة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق، اللاعب الذي دخل قلوب الناس ليس فقط بمهاراته الكروية بل أيضًا بمواقفه الشجاعة تجاه القضية الفلسطينية، موقف ظل يكرره رغم الانتقادات، وكأنه في ملعب لا تسكنه الأهداف فقط، بل تسكنه القضايا.
وهنا أتذكر فيلم الإرهاب والكباب، فيلم رائع يرسم صورة ساخرة لأحلام المواطن البسيط في المجابهة للبيروقراطية، فكما واجه "أحمد" بطل الفيلم (الذي جسده عادل إمام) الوحش الإداري المتعنت في مجمع التحرير، ليجد نفسه وسط تمرد غير مقصود تحول فيه إلى رمز لمقاومة الظلم من نوع آخر، فإن أبوتريكة، بلمسة على قميصه عام 2008 كتب عليها "تعاطفًا مع غزة" ثم مواقف متتالية أخرها إلقاء كلمة دعم للقضية في الاستديو التحليلي لقناة beinsports" رغم أن السياسة في الرياضة تحت الحظر، وقف أمام الجماهير الدولية للرياضة.
في الإرهاب والكباب، لم يكن "أحمد" ينوي أن يحتجز موظفي مجمع التحرير رهائن، بل كان يريد نقل أطفاله من مدرسة لأخرى فقط، لكن المجتمع المرهق من الضغوط، والمشحون بالغضب، تجسد فيه فجأة، فتحول لمتمرد عن قصد أو دون قصد، بينما محمد أبوتريكة، بظهوره مدافع عن القضية الفلسطينية، يجد نفسه فجأة رهينة في ملعب "الفيفا" -حينذاك- والجماهير الدولية التي ترى أن السياسة يجب أن تبتعد عن الرياضة، ناسين أو متناسين أن هناك قضية إنسانية تنبض في قلوبنا تتجاوز الحدود والخطوط الحمراء.
قد يقول البعض إن مقارنة أبوتريكة بـ "أحمد" مغالاة، ولكن بعيدًا عن أي ملاحظات يراها البعض على محمد أبو تريكة.. لنكن صادقين، "أحمد" كان يحتجز الناس بالصدفة، وأبوتريكة اختار أن يكون "رهينة" لمواقفه الشجاعة على الهواء مباشرة، مُقحمًا السياسة في الرياضة مُسلطًا الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.. والحقيقة أن لكل منا دور في الدعم والمساندة، وكلنا نحاول بالمناسبة بدءًا من الزعماء العرب مرورًا بالشعوب وصولًا لي أثناء كتابة هذه السطور.
مؤمن الجندي يكتب: مُحلل خُلع مؤمن الجندي يكتب: حسام حسن "بهلول" واللعب مع الكبارفاجئنا “أحمد” في المشهد الختامي للفيلم، برغبته الوحيدة: "كباب لكل الناس!"، يأتي المشهد ليصدمنا بأن البطل الذي ظنناه إرهابيًا كان فقط يحلم بالكرامة، بالحياة البسيطة، بشيء من العدالة! وربما رسالة أبوتريكة، بطريقة مشابهة، تلخصها كلماته عن القضية الفلسطينية بصوت كل المصريين والعرب: الحلم بحرية أمة، بقضية عادلة، بحل عاجل يستوعب صوت من لا صوت له، رغم كل القيود والممنوعات.
فمن أحمد في مجمع التحرير إلى أبوتريكة، تبقى الرسالة واحدة: أحيانًا، يكفي صوت واحد، ليوقظنا من سباتنا، ويجعلنا ندرك أن البطولة لا تأتي دائمًا بصيحات كبيرة.. أحيانًا تأتي بصوت هادئ، وقلب ينبض.للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا