شمال غزة تحت تهديد سلاحي الفوضى المنظمة والتجويع
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
غزة- تبدو الأحياء في وسط مدينة غزة واسعة جدا على عدد الباقين فيها وعلى ضيق حالهم، كمدينة أشباح خاوية لا أنفاس فيها إلا للثابتين فوق ركام بيوتهم، لا اكتظاظ في المدينة إلا حول آبار المياه وفي شوارع الأسواق المعروفة، التي يعرض الباعة فيها على جانبي الطريق ما تبقى في حوزتهم من بضاعة، لم يغيّر رمضان شيئا سوى أنه أعطى الآباء وقتا إضافيا، حتى غروب الشمس، للبحث عن أي شيء يعينهم وصغارهم على البقاء.
في غزة لا يقتصر السعي على الآباء وحدهم، فهنا امرأة ترتدي لباس الصلاة، الذي صار الزي الرسمي للنازحات، تجري وجهة الصندوق الساقط من السماء الذي قذفته طائرة عربية على أمل أن تُحصّل منه شيئا، أسرعتُ الخطى أسألها أمام جموع الرجال هذه: "هل ستتمكنين من تحصيل شيء؟!"، فأجابتني وعيناها صوب المنطاد: "أنا رجّال الدار، زوجي استشهد وترك لي 6 أطفال، لو أنا ما جريت مين رح يجري عني!".
فلسطينيون يحملون أكياس طحين تمكنوا من تحصيلها من شاحنة مساعدات إنسانية (الجزيرة) صراع على فتاتتجري أم بشير بينما يقف مئات الرجال الآخرين على بعد أمتارٍ قليلة، لا يكلفون أنفسهم عناء الركض، يقولون: "نجري ونصارع على فُتات؟ على معلبات وبسكويت؟"، بينما يمتنع أبو خالد مع أبنائه من الاقتراب من كل هذه التجمعات معلقا للجزيرة نت أن من يرغب في تحصيل شيء من هذه المساعدات عليه أن يكون مسلحا "وأنا مش مستعد أخسر ولادي عشان طحين! بدهم يانا نذبّح بعض عشان ناكل؟".
حال أبو خالد كحال الكثيرين الذين فقدوا الأمل في الحصول على أية مساعدات هابطة جوا أو عابرة برا، يرون الهرولة إليها بدون جدوى، والتسلح بما يخيف المتصارعين عليها شرطا للغنيمة، الظفر منها يكون للأقوى، والتهافت عليها قد يكلف عمرا، فيؤثرون الجوع على الموت من أجل الشبع.
على الناحية الأخرى وفي أثناء السير في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، يصطف عشرات من المحتاجين أمام مستودع للطحين، يقول شهود عيان إنه يحوي حمولة عدة شاحنات للدقيق، سيطرت عليها إحدى العائلات.
تقف سيدات على بوابته "يتسولن" أو يتوسلن كيلو طحينٍ واحدا، تقول الحاجة أم أيمن للجزيرة نت بعد أن تركت المكان خالية الوفاض، عقب ساعات من الانتظار: "من الذي فوّض هذه العائلات بمنح صكوك السماح بأخذ كيلو من عدمه!"، وتقصد بذلك من يحتكر المساعدات التي تدخل برا عبر شارع الرشيد.
اصطفاف الفلسطينيين في شمال القطاع على محطات وآبار المياه (الجزيرة) استهداف محاولات التنظيمتسود حالة من السخط العام في شوارع غزة، على تمكّن بعض العائلات بسطوة السلاح من إحكام قبضتها على معظم حمولة الشاحنات واحتكارها، في سابقة "لفوضى منظّمة" في شمال القطاع، تروق للاحتلال، الذي يروّج مؤخرا لتسليم إدارة القطاع لعشائر في غزة، الأمر الذي رآه مختار مدينة غزة علاء العكلوك "غير ممكن البتة".
ويقول العكلوك للجزيرة نت: "إن العشائر لا تمتلك القدرة ولا المقومات للقيام بهذا الدور، فلا هي تمتلك جيشا ولا منظومة إدارية ولا إصلاحية ولا قضائية "، وشدد العكلوك على أن "العشائر شريك في تحقيق الأمن المجتمعي وليست بديلا عن نظام الحكم القائم".
ولفت المختار إلى أن لجنة من وجهاء العشائر مستمرة في أداء دورها في الإشراف على ترتيب دخول الإمدادات الغذائية إلى شمال قطاع غزة، بعد الاتفاق مع أفراد الشرطة لتأمينها وتوفير الحماية لها، وهو ما لم يعجب إسرائيل، فصار "منظمو" إدخال المساعدات هدفا للاغتيال، وصارت مستودعات الطحين في مرمى الغارات الإسرائيلية، واجتماعات التنظيم والتأمين عرضة للاستهداف.
اكتظاظ أسواق البسطات في شمال القطاع بحثا عمّا يسد به الفلسطينيون جوعهم (الجزيرة)وتحدث مصدر شرطي للجزيرة نت، فضل عدم ذكر اسمه، وعزا الأسباب التي يحاول الاحتلال تحقيقها من وراء ذلك إلى ضرب كل محاولات النهوض في شمال القطاع، والإمعان في تجويع الناس، وخلق حالة من الفوضى الدائمة لإخلاء سكان الشمال إلى جنوب الوادي، وقال المصدر: "إن الشرطة مصرة على ضبط الفلتان وتأمين وصول المساعدات لمستحقيها الذين صمدوا في شمال القطاع".
وأكد أنه رغم الخطر الذي يحدق بأفراد العمل الشرطي والأمني، إلا أن محاولاتهم ستستمر لإفشال مخططات الاحتلال ومحاربة الفوضى وحماية المحاصرين من كمائن الموت، وقد سبق أن أعلن المكتب الإعلامي الحكومي عن استهداف الاحتلال 100 من العاملين في تقديم المساعدات، خلال أسبوع واحد، في 8 مجازر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات فی شمال القطاع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل تقييد دخول المساعدات إلى غزة
أكدت الأمم المتحدة أن القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ما زالت مستمرة، في حين تعرضت شاحنة مساعدات للنهب بوسط القطاع، وذلك بعد قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي سيارة حراسة كانت ترافقها.
وقالت المتحدثة المساعدة باسم الأمم المتحدة، ستيفاني تريمبلاي -مساء أمس الاثنين- إن المؤسسات التابعة للأمم المتحدة تحاول بشتى السبل إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وأوضحت -في مؤتمر صحفي عقدته بمقر المنظمة في ولاية نيويورك الأميركية- أن قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة تمكنت في 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري من الدخول إلى شمال غزة رغم القيود الإسرائيلية.
من جانبه، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إن قطاع غزة حاليا المكان الأخطر لتقديم الدعم الإنساني، حيث أصبح من المستحيل تقريبا توصيل حتى جزء بسيط من المساعدات المطلوبة رغم الاحتياجات الإنسانية الهائلة.
وأوضح فليتشر، في بيان، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل منع العاملين الإنسانيين من الوصول إلى المحتاجين في القطاع، "حيث تم رفض أكثر من 100 طلب للوصول إلى شمال غزة".
وقال إن الحصار الإسرائيلي على شمال غزة "أثار شبح المجاعة"، في حين أن جنوب القطاع مكتظ للغاية "مما يخلق ظروفا معيشية مروعة واحتياجات إنسانية أعظم مع حلول الشتاء".
إعلانوأشار إلى أن محكمة العدل الدولية أصدرت أول مجموعة من الأوامر المؤقتة في قضية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة منذ نحو عام، ومع ذلك فإن وتيرة العنف المستمرة "تعني أنه لا يوجد مكان آمن للمدنيين في غزة، لقد تحولت المدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية إلى أنقاض".
تدهور مستمر بالضفة
وفيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، قال المسؤول الأممي إن الوضع هناك مستمر في التدهور، وإن عدد القتلى في الضفة هو أعلى عدد تسجله الأمم المتحدة.
وأكد أن "العمليات العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن تدمير البنية الأساسية مثل الطرق وشبكات المياه، وخاصة في مخيمات اللاجئين"، مضيفا أن عنف المستوطنين المتزايد وهدم المنازل أدى إلى زيادة النزوح والاحتياجات، وأن قيود الاحتلال المفروضة على الحركة تعيق سبل عيش المواطنين الفلسطينيين ووصولهم إلى الخدمات الأساسية وخاصة الرعاية الصحية.
وشدد على أن "الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني يواصلان محاولة البقاء وتقديم الخدمات في مواجهة هذه التحديات والصعوبات المتزايدة"، داعيا المجتمع الدولي إلى الدفاع عن القانون الإنساني الدولي، "والمطالبة بحماية جميع المدنيين، والإصرار على إطلاق سراح جميع الرهائن، والدفاع عن عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الحيوي، وكسر دائرة العنف".
استهداف ونهب
في سياق متصل، أفادت وكالة أسوشيتد برس بتعرض شاحنة مساعدات كانت تحمل شحنة من الدقيق للنهب في وسط قطاع غزة، وذلك بعد استهداف سيارة كانت تحرسها بغارة إسرائيلية.
وأدت الغارة الإسرائيلية لاستشهاد 4 من رجال الأمن كانوا داخل سيارة الحراسة، وفق شهود عيان ومسؤولين في القطاع الطبي بغزة.
وقالت الوكالة إن مراسلها رصد أشخاصا يبتعدون عن المكان، وهم يحملون أكياس دقيق، بعضها كان ملوثا بالدماء، عقب الغارة الإسرائيلية التي استهدفت حراس شاحنة المساعدات.
إعلانوقالت مصادر من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية إنهم يواجهون صعوبة في إيصال المساعدات، بما في ذلك الإمدادات الشتوية الضرورية إلى غزة، جزئيا بسبب عمليات النهب وغياب الأمن لحماية القوافل.
وغالبا ما تستهدف إسرائيل حراس شحنات المساعدات، بدعوى انتمائهم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في حين تؤكد السلطات في غزة أن ذلك يأتي في إطار سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تستخدم التجويع سلاحا ضد سكان غزة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إنها ستوقف تسليم المساعدات عبر المعبر الرئيسي إلى قطاع غزة بسبب تهديدات العصابات المسلحة التي تنهب القوافل. وألقت الوكالة باللوم في انهيار النظام القانوني إلى حد كبير على السياسات الإسرائيلية.