الناقد إبراهيم العريس: نجيب محفوظ لم يحب أفلام رواياته
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
يعد الناقد السينمائي والمؤرخ الثقافي إبراهيم العريس واحدا من المثقفين والكُتاب الذين وهبوا حياتهم للمعرفة، وقد صنع من حياته ملحمة ثقافية عمل خلالها بالترجمة والبحث وكتابة السيناريو والإخراج السينمائي، واشتهر كواحد من أبرز النقاد العرب.
صدر للعريس، حتى الآن، أكثر من 30 كتابا مؤلفا، وأكثر من 40 كتابا مترجما، وعدد من سيناريوهات الأفلام المعروفة، وموسوعة السينما بأجزائها الثلاثة: قاموس الأفلام، وقاموس المخرجين، ثم الكتاب الثالث "السينما والمجتمع دراسة تحليلية تاريخية".
تجري الجزيرة نت حوارا مع المثقف العربي البارز إبراهيم العريس بمناسبة صدور أحدث كتبه، وهو الجزء الثالث من موسوعته عن السينما، تحت عنوان: "السينما والمجتمع في الوطن العربي.. دراسة تحليلية تاريخية".
كانت البداية من التأريخ للسينما وعلاقته بالسيرة الذاتية:
ذكرت في الكتاب بأن تدوينك تاريخ السينما هو تدوين مرحلة عشتها، هل كان التدوين صدى لسيرتك الذاتية لأسرة فنية انطلقت بك في النهاية لحياة فنية صحفية صاخبة؟لا شك أن تدوين هذا التاريخ يعود في جزء منه إلى رغبتي الخفية في تدوين سيرتي الذاتية من خلال بعض الأفكار التي رغبت هنا في التعبير عنها، لكن الذي يتابع كتاباتي يمكنه أن يدرك هذا الأمر في النهاية، ويمكنني تبني تلك الفكرة التي تقول إننا في نهاية الأمر لا نكتب إلا عن ذواتنا مهما كانت موضوعية التاريخ الذي نغوص فيه.
في حالات كثيرة لم يتمكن السينمائيون العرب الذين اقتبسوا أعمالهم عن نصوص روائية من التعبير عن هذه النصوص باستثناء، مثلا خيري بشارة في "الطوق والإسورة" عن نصين ليحيى الطاهر عبد الله، أو داود عبد السيد في "الكيت كات" المقتبس من "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان، وصلاح أبو سيف الذي اقتبس من روايات كُتاب مثل يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس – وروايات هذا الأخير
كتب نجيب محفوظ سيناريوهاتها على أية حال، ومن هنا كانت قلة من أعمال أدبية عرفت كيف تعبر عن أدب عبد القدوس، بل كيف تبدو أمينة؛ للاهتمام البديع الذي أولاه عبد القدوس بالطبقات الوسطى، والتقطه نجيب محفوظ، لكن هذا الاستثناء يمكن القول إنه لا يثبت أية قاعدة.
ويمكنني القول إن السينمائيين في اقتباسهم الأعمال الأدبية، بدت في معظم الأحيان أقل أهمية من الروايات نفسها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن محفوظ بدا في مرات كثيرة، تحدثت فيها معه عن "تحويل" رواياته إلى أفلام، بدا ضاحكا مرحا وربما ساخرا أيضا بالنظر إلى أن عقلانيته وحكمته جعلته ينظر إلى الأمر من جانبين، أولهما أن جماهيرية السينما هي التي أوصلت تلك الروايات إلى ملايين المتفرجين الذين كان من المستحيل أن يقتنوا كتابا.
والجانب الثاني هو أن الفيلم لم يلغ وجود الكتاب، فـ"الكتاب يبقى على حاله بل يزداد عدد قرائه"، لافتا إلى أن الأفلام المقتبسة عن رواياته تبقى في نهاية الأمر مدخلا جيدا لحصوله على قراء جدد، إلا أنه عندما شاهد اثنتين من رواياته الكبرى "بداية ونهاية" و"زقاق المدق" كما قدمتهما السينما المكسيكية، أبدى حزنه أمامي قائلا: لماذا لا يتمكن سينمائيونا من تحقيق مثل هذه الاقتباسات الممتازة؟
غياب اللغة السينمائية تقول إن أقوى الأفلام العربية اقتبست من الروايات، لماذا لم يبدع المخرج الرواية في لغة سينمائية بدلا من وصف الرواية المكتوبة؟نعم أقول هذا بل أدعو إليه دائما ومن منطلق عملي، فنحن لو راجعنا مئات الأفلام العربية ، خاصة المصرية، التي تعتبر دائما إرثا إبداعيا كبيرا في تاريخنا الثقافي، سنجد أن الأفلام الأكثر بقاء في الذاكرة هي تلك التي قدمت ما يمكننا أن نسميه "المتن الأفضل في السينمات العربية"، وربما كان معظمها إنتاجات مولتها القطاعات العامة في الدول القائمة وليس في مصر وحدها، وفي المقابل لا بد من الإقرار بأن هذا المتن لم يكن الأكثر مردودا من الناحية التجارية، علما بأن السينمات الرابحة ماليا هي المنسية اليوم.
السينما والتاريخ في موسوعتك السينمائية: قاموس الأفلام، وقاموس المخرجين، ثم "السينما والمجتمع دراسة تحليلية تاريخية" -محاولة تأريخية للسينما العربية، ما هو المنهج الذي استخدمته؟التاريخ الحقيقي ليس هو التاريخ الذي يتحدث عن الحروب ومؤامرات القصور والاحتلالات وما شابه ذلك، بل هو تاريخ الاقتصاد والأديان والفنون.
أنا هنا أتحدث عن تاريخ الذهنيات الذي يتطور عادة على وتيرة أبطأ كثيرا لكنها أكثر رسوخا، وتشتغل عليه الفنون، والعادات الاجتماعية، وتلاقح الحضارات، والهجرات الفردية أو الجماعية، وربما في ترابطٍ دائم ومتواصل بين الجغرافيا والتاريخ، والمكتشفات العلمية وما إلى ذلك.
وما أعنيه في كتاباتي هو التاريخ الشامل، التاريخ الذي يجمع بين الاجتماعي والنقدي والجمالي وأخيرا البراغماتي على أن يسبر غور العلاقة التطورية والتبادلية بين السينمات العربية في مختلف تجلياتها الجغرافية، شرط أن يربط الفيلم، الذي يستحق هذا الاسم كعمل فني إبداعي أولا وأخيرا، بصنَّاعه الرئيسيين، ولا سيما كاتبه ومخرجه، فيلعب المجتمع دور الملهم ودور التلقي دون أن يكون هو من يصنع الفيلم.
وبهذا المعنى أقول إن هذا التاريخ الشامل لم يكتب بعد، أما "ثلاثيتي" التي استكملتها بالجزء التحليلي التاريخي الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب في القاهرة فلست أراها إلا مقترحا لا بد أن يستكمله كتاب ونقاد آخرون يأتي من بعدهم من يتابع مسيرةً أرى من المستحيل اختتامها، لأنها تأريخ متواصل لا يمكنه أن يتوقف يوما ولو بشكل متقطع.
تاريخ سياسي مصور قمتَ بإحصاء ودراسة أكثر من ألفي فيلم مصري وعربي على مدى 80 عاما، هل نستطيع أن نجزم أن الأفلام أسست وكرست لتاريخ فني راصد ومصور للتاريخ السياسي؟أجل، وهذا ما أراه فعلاً، من منطلق انتمائي إلى مدارس التاريخ الجديد، ولا سيما مدرسة "الحوليات الفرنسية" التي ترى أن التاريخ حراك لا ينقطع، وأنه يشمل كل التواريخ، ليشكل التاريخ الشامل، فيما يشتغل التاريخ القديم على الأحداث الكبرى والحروب والانقلابات في مختلف الدروب بوصفها هي التاريخ، معتبرا تفاصيل ما لا ينتمي إلى تلك السياسات مجرد سكونية لا أهمية تغييرية كبرى لها.
وقد لعبت السينما طوال القرن العشرين دورا أساسيا في التغييرات الاجتماعية عبر تغيير الذهنيات لخلق ما يسميه علماء الاجتماع "طبيعة ثانية" وبخاصة في مجتمعات الطبقات الوسطى بالمدن.
وهو أمر ألح عليه في ثلاثيتي بل أربط به انهيار المدن لصالح الهجمات الريفية التي لا يمكنها أن تنتج ثقافات، بخاصة ثقافات تتعلق بالسينما، كما أنها لا يمكنها أن تنتج أوطانا إلا إذا مرت قبل ذلك بمرحلة "تشكيل طبقة وسطى" "مدينية".
إذا كانت السينما صناعة تتعلق بتطور المجتمع، فإنها وعلى شاكلة الفنون الأخرى، فن ينطلق من رؤية مبدع حقيقي قد يكون الكاتب أو المخرج وغالبا الاثنين معا.
وفي هذا المعنى، ويقينا لأن الفيلم السينمائي، قبل أن يصل إلى المشاهد فهو إبداع كل الفنون تقريبا، يبدأ بالحوار الآتي من المسرح، مرورا بالفن التشكيلي والموسيقى والتمثيل وتحريك الصورة الفوتوغرافية، ووصولا إلى علم النفس والتحليل النفسي وعلم تشريح الأعضاء وكل ما تشاء من الفنون، وهكذا يكون الفيلم فنونا عديدة في فن واحد.
ومن هنا قد نفرد للمخرج وشريكه كاتب السيناريو، الانطلاق من الموضوع وتصوره التنفيذي، مكانة أولى بشكل طبيعي، ولكن بما أن المخرجين وأصحاب القصص والسيناريوهات حين "يجتمعون" في مبدع واحد، نكون بحسب السينمائي الفرنسي فرانسوا تروفو أمام "سينما المؤلف" لكونهم الأساس في تكوين الفيلم، بوصفهم مبدعي السينما الأكثر أهمية.
والحقيقة أن لدينا في سينمات العالم العربي أسماء واضحة هنا، من يوسف شاهين وصلاح أبو سيف إلى محمد خان ورضوان الكاشف وعشرات غيرهم مرورا بمحمد الأخضر حامينا ومرزاق علواش ونوري بو زيد وفريد بوغدير وبرهان علوية ومارون بغدادي ومحمد ملص واللائحة تطول بهم، وهؤلاء هم الذين تملأ سيرهم صفحات واحد من أهم أجزاء ثلاثيتي.
وهناك أيضا أكثر من 200 سينمائي آخر صنعوا بمواهبهم وثقافتهم ذلك المتن السينمائي العربي العظيم الذي عاش ويعيش كجزء من الإبداع العربي، عبر الألفي فيلم التي أشرت إليها، دون أن نذكر ألوف الأفلام التي حققت من النجاحات التجارية ما يرتبط للأسف بالتخلف الاجتماعي الذي نعيشه اليوم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات نجیب محفوظ أکثر من
إقرأ أيضاً:
خبراء أردنيون: القمة العربية التي دعت لها مصر رسالة للعالم بوحدة الصف العربي ضد التهجير
أكد محللون وخبراء أردنيون أن القمة العربية الطارئة المقررة 27 فبراير الجاري والتي دعت إليها مصر، تمثل رسالة واضحة للعالم بالموقف العربي الموحد الرافض لمحاولات واقتراحات التهجير للفلسطينيين سواء من غزة أو الضفة الغربية إلى مصر والأردن، مشيرين إلى أن مصر والأردن عبرا عن موقفهما الرافض والصلب ضد التهجير والعالم العربي دعم هذا الموقف التاريخي والإنساني.
وقال الخبراء، في تصريحات لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان، إن دعوة مصر لعقد قمة عربية طارئة وقمة إسلامية في إطار التنسيق المصري الأردني المتواصل هو تأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه مصر لتوحيد الصف العربي في الأزمات والقضايا العربية وفي مقدمتها القضية المركزية الفلسطينية، مؤكدين أن الموقف العربي الراهن يؤكد دعمه للموقف المصري الأردني الرافض للتهجير منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويقول مساعد أمين عام حزب الأنصار الأردني الدكتور محمد حسن الطراونة، إن مصر والأردن ومنذ بداية الحرب وهم يعلمون المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية ويواجهنا، مشيرا إلى أن قوة التعاون والتنسيق بين القاهرة وعمان خلق واعيا عربيا ودوليا بخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها.
وأضاف الطراونة، أنه في خضم التوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، يبرز موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي وأخيه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، كصوت حكيم وداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة، مشيرا إلى أن أول من اعتبر تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية إعلان حرب وخط أحمر هما القاهرة وعمان قيادة وحكومة وشعبا.
وشدد على أن القمة العربية الطارئة بالقاهرة 27 فبراير الجاري تمثل بلورة قوية وواضحة لموقف عربي موحد رافض لخطة التهجير سواء من جانب إسرائيل أو أمريكا، مشددا على ضرورة توحيد الصف والوقوف ضد هذه المحاولات والاقتراحات التي تريد تصفية القضية الفلسطينية وهو ما تعمل عليه حاليا الدول العربية وفي مقدمتها مصر والأردن والسعودية.
بدوره، قال الكاتب الصحفي الأردني علاء البلاسمة، إن مصر والأردن يدركان خطورة المخططات الأمريكية والإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي حذر منه الزعيمان الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني، مشيرا إلى أن القمة العربية الطارئة القادمة بالقاهرة ستكون محل ردود عربية موحدة لمواجهة الأطماع الأمريكية والإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
ونوه البلاسمة إلى أن العاهل الأردني تعامل بدبلوماسية وحكمة فائقة خلال لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أظهر وجود تنسيق عربي موحد تشارك فيه مصر والسعودية مع الأردن، مؤكدا أن العاهل الأردني مهد الطريق أمام مخرجات القمة العربية والإسلامية بالقاهرة والتى ستعبر عن موقف عربي موحد ضد التهجير وتقدم البديل.
وشدد على ضرورة تبني خطابا إعلاميا ودبلوماسيا عربيا موحدا ضد الاقتراحات الأمريكية والإسرائيلية لتعبر عن رفض الشارع العربي لمخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الأمن القومي العربي بات في خطر والوحدة العربية والتماسك الشعبي العربي ودعم القادة العرب هو مطلب ضروري لحماية أمننا القومي.
من جانبها، اعتبرت الدكتورة حنين عبيدات الكاتبة والإعلامية الأردنية أن القضية الفلسطينية في عمق اهتمامات السياسة الأردنية والمصرية وتاريخها التي تسعى لإيجاد حلول لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشيرة إلى أن مصر والأردن يسعيان من خلال القمة العربية الطارئة القادمة بالقاهرة لإيجاد موقف موحد لإبراز الدور السياسي الحقيقي في إثبات الحق الفلسطيني على أرضه ورفضا للتهجير والتصفية القضية الفلسطينية.
وأشارت إلي أن القضية الفلسطينية ذات بعد وعمق عربي و إسلامي وستكون القمة نواة هامة لتوحيد الموقف العربي من أجل القضية الفلسطينية وتطوراتها ، مؤكدة أن القمة العربية والإسلامية في 27 فبراير الجاري من أهم القمم التي حدثت في التاريخ العربي الحديث بما يعنى في القضايا العربية لأنها ستثبت الموقف العربي المتزن والرشيد القائم على الرأي الواحد الإيجابي بما يخص القضية الفلسطينية وفي مقدمة ذلك رفض التهجير.
وأشارت إلى أن مصر والأردن يعتبران في قلب المواجهة الرئيسية لما يحدث من أفكار وطروحات لمشاريع أمريكية وإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية أو غزة إلى الأردن ومصر وتفريغ فلسطين من أهلها .
وشددت على اللاءات الثلاث ( لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل) التي أطلقها العاهل الأردني في المحادثات الأخيرة مع الرئيس الأمريكي وعلى ضرورة التمسك بها في القمة العربية القادمة باعتبارها تعبر عن الشارع العربي وفي مقدمته الشارع المصري والأردني في دعم واضح لموقف قيادتي البلدين، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية لها عمقها العربي و مصر والأردن جزء من هذا العمق التاريخي.