لم تكن الواقعية في أفلام المخرج الراحل محمد خان -الذي تحل ذكرى رحيله السابعة اليوم- وليدة الصدفة، فالمخرج الذي اهتم بتوثيق أحوال المجتمع المصري منذ أواخر السبعينيات وحتى رحيله، واجه كثيرا من العقبات والتحديات في مشواره الذي امتد لما يقرب من 50 عاما، وهو ما جعله يقترب من الشخصيات التي عبر عنها في أفلامه، ويحتل مكانة مميزة بين رواد جيله من مخرجي المدرسة الواقعية.

ولم يكن الطريق أمام محمد خان في بداياته ممهدا، فالفتى الصغير الذي بدأت علاقته بالسينما وهو في سن السابعة، كان يسكن إلى جوار سينما كرانك وسينما برادي في القاهرة، وكان مشبعا بالأفلام، وكان مهتما بالصورة وشريط الصوت، وشاهد عددا ضخما من الأفلام قبل أن ينتقل إلى لندن للدراسة وهو في الـ17 من عمره.

قرر الشاب محمد خان دراسة السينما بدل الهندسة، ورغم أن وجوده في لندن جعله منفتحا على المدارس السينمائية المختلفة في أواخر الستينيات ومع بداية السبعينيات، فإنه شعر باليأس من تحقيق حلمه السينمائي وقام بفتح محل لبيع الملابس حتى قابلته بالصدفة المونتيرة نادية شكري.

شاهدت نادية شكري الأسقف والجدران المغطاة بأفيشات الأفلام، وطلبت من خان الرجوع إلى مصر، وبدأ بالفعل يبحث عن فكرة واهتدى إلى فكرة فيلم "ضربة شمس".

رحبت نادية ومعها المصور سعيد شيمي وقتها بإنتاج الفيلم، إلا أن نور الشريف تحمس للتجربة وقام بإنتاجها من خلال شركته لتكون بداية انطلاقة محمد خان كمخرج في الفيلم الذي صدر عام 1980.

 أزمات رقابية

اصطدم خان خلال مشواره السينمائي بالرقابة في كثير من الأحيان، فكانت أغلب أفلامه تثير ضجة كبيرة. ويذكر خان -في حوار له- أن سيناريو فيلمه "زوجة رجل مهم" خضع لتعديل بعد عرضه على جهات أمنية، واضطر لتصوير مشهد يقوم خلاله المتظاهرون بإحراق سيارة، وأضيف إلى الفيلم، ليكون متفقا مع وجهة نظر تلك الجهة التي ادعت حدوث أعمال تخريبية من المتظاهرين في انتفاضة 1977.

وخاض خان رفقة السيناريست مصطفي محرم معركة أخرى مع الرقابة، حين حاولا تقديم فيلم "المسطول والقنبلة" المأخوذ عن رواية للأديب نجيب محفوظ، الذي يتناول فساد السلطة وتزوير الانتخابات والظلم الذي تعرضه له كثيرون، ورشح لبطولة هذا العمل الفنان عادل إمام على أن يقوم محمد خان بإخراجه، لكن تم رفض السيناريو من قبل الجهات الأمنية، وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أعاد خان ومصطفى محرم تقديم الفيلم مجددا للرقابة وتم الاستقرار على روبي وآسر ياسين لتقديم بطولة الفيلم لكن المشروع تعثر ولم يخرج للنور.

خان خاض العديد من المعارك مع الرقابة بسبب أفلامه (مواقع التواصل) "الحريف".. وقطيعة بين خان وعادل إمام

في عام 1984، كان التعاون الأول والوحيد بين محمد خان وعادل إمام في فيلم "الحريف"، والذي لم يرض عنه عادل، وقرر بعدها عدم التعاون مع خان مجددا، لأن الفيلم الذي راهن عادل من خلاله على تغيير جلده سينمائيا لم يحقق إيرادات تذكر.

وفي حوار لخان مع الإعلامية منى الشاذلي، حكى أن الفيلم كان من المفترض أن يكون من بطولة أحمد زكي، لكن الأخير كان مشاكسا، وقرر أن يحلق شعره كاملا، مما أزعج خان، فقرر إسناد البطولة لعادل إمام. لكن المفارقة كانت عدم نجاح الفيلم، في الوقت الذي اعتاد فيه عادل إمام تصدّر السوق السينمائي، فقرر وقتها عدم التعاون مرة أخرى مع محمد خان.

تجربة أخرى تعرض لها محمد خان في فيلمه  "فارس المدينة"، الذي قام بطولته محمود حميدة، والذي راهن خان عليه كبطل أول في الفيلم عام 1992 بعد اعتذار فنانين آخرين، ورغم النجاح النقدي للفيلم، فإنه انتهى بأزمة لخان والذي ذكر في أحد حواراته بأنه خرج من تلك التجربة مديونا للبنوك بمبلغ كبير.

معركة الجنسية المصرية

على الرغم من الهوية المصرية لمحمد خان بوصفه صانع سينما، لكنه ظل مقيدا لسنوات طويلة باعتباره باكستاني الجنسية، فهو مولود لأب باكستاني وأم مصرية، وظل يطالب بالحصول على الجنسية المصرية وهى الأمنية التي وصفها بالغالية في أغلب الحوارات التي أجراها، حتى صدر القرار الذي أثلج صدره وحصل على الجنسية بقرار من الرئاسة المصرية عام 2014.

في حوار له مع أحد المواقع بعد حصوله على جواز السفر المصري، قال خان إن أصعب لحظة كان يواجهها دائما حين يعود من الخارج إلى مصر، ويقدم جواز سفره البريطاني إلى ضابط الجوازات في المطار، رغم أنه ولد ونشأ في شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية.

بعد حصوله على الجنسية بسنوات قليلة، وبالتحديد يوم 26 يوليو/تموز 2016، أُعلن رحيل محمد خان في أحد المستشفيات بمنطقة المعادي في القاهرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عادل إمام

إقرأ أيضاً:

محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين

قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.  


وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.  

أحمد عمر هاشم: شق صدر النبي حدث 4 مراتكادت تشعل نزاعا.. أحمد عمر هاشم يروي كيف عالج الرسول أشد الأزمات بحكمتهعمر هاشم: أخلاق النبي ليست مستمدة من الشريعة قبل البعثة بل فطريةأحمد عمر هاشم: للبيت النبوي مكانة عظيمة عبر التاريخ وحفظه الله من كل دنس

ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."  

واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.  

وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.  

وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
 

الإمام أبو حنيفة

حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.


ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.


محنة الإمام أبي حنيفة

 تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.

مقالات مشابهة

  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • ذكرى انتصارات العاشر من رمضان.. جنود مصر يحطمون أسطورة «الجيش الذي لايقهر»
  • يوم المرأة العالمي.. آمال وتحديات
  • لؤي بن غالب يكرم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بنخل
  • في ذكرى رحيله.. كيف دعم البابا كيرلس السادس الجيش المصري في الأوقات الصعبة؟
  • في ذكرى رحيله.. البابا كيرلس السادس "رجل الصلاة" وصاحب المعجزات
  • مع اقتراب رحيله| ليفربول يحدد خليفة محمد صلاح.. من هو؟
  • حسين فهمي عن محمد رمضان: عادل إمام عمره ما قال إنه نامبر 1
  • المدير الفني لمنتخب كرواتيا السابق يكشف مصير محمد صلاح حال رحيله عن ليفربول
  • بيلعب برجله.. حازم امام يعلق على أداء حارس الزمالك أمام مودرن سبورت