يحكى القاص الكبير الدكتور أحمد الخميسى، الحاصل على جائزة ساويرس فى القصة القصيرة لدورتين، لـ«الوفد» ذكرياته عن رمضان.

يقول: من بين كل حوادث الطفولة المرتبطة بشهر رمضان علقت بذاكرتى ورافقتنى طوال العمر حادثة واحدة، ربما لأن مغزاها كان أعمق وأبعد من حماقات الأطفال. كان ذلك ونحن فى بيت جدى فى الجيزة، نطل على ترعة ضيقة أمست فى ما بعد شارع فيصل بكل ضجيجه وعنفوانه.

وكنا نخرج بعد الإفطار ونلتقى جماعة نهز الفوانيس فى عتمة الشارع المهمل، نتوقف أمام البيوت ولا نتحرك حتى يطل علينا شخص من أهل المنزل ويناولنا حلوى، فنهلل ونغنى ونواصل الحركة. وكان معنا صبى قزم ضخم الأنف اسمه على، تحرك بيننا ثلاثة أيام لكن من دون فانوس، ثم ظهر فى اليوم الرابع بابتسامة مشرقة وبيده فانوس، وسألناه: «من أين يا على؟» فصاح باعتزاز وزهو: «الواد حسن نسيه جنب سلم البيت وأنا أخذته!». زعق فيه ولد عصبى: «بس ده عيب قوى!» فهتف على بحماسة: «خلوا بالكو.. أنا مستعد أعمل أى حاجة عشان أرضى ربنا! من غير فانوس منور ربنا ح يعرفنى إزاى؟». وظلت الجملة الطفولية عالقة فى ذهنى، كأن شيئا فى اللاوعى يحدثنى بأن الجملة تنطوى على فكرة أعمق من حماقات الألفاظ الطائشة، الفكرة التى أدركتها لاحقاً وهى أن علينا أن نفعل شيئا لكى يرانا الخالق القدير. وظلت العبارة تروح وتجىء خلال عمرى كله، وأزاحت إلى النسيان الأحداث الصغيرة المضحكة، مثل وقوفنا صغارا أمام أقاربنا لننتزع نفحة مالية وقد بسطنا كفوفنا لهم بصلابة المكافحين الأوائل. أزاحت جملة الصبى على، القزم كبير الأنف، كل الأشياء الأخرى، وصرت أقول لنفسى: كيف سيعرفنى الله سبحانه وتعالى من غير فانوس؟ وأخذت أفسر الجملة على أن حياتى هى الفانوس الذى ينبغى لى أن أرفعه عاليا، لكى يرانى الرب ويحيطنى بعنايته الإلهية، بل وأن حياة كل إنسان هى الفانوس الذى يرفعه سائلا البركة والمغفرة. هكذا أمسيت فى شهر رمضان كل عام أشعر أننى أمشى وأنا أرفع بيدى حياتى إلى أعلى، وألوح بفانوسى للرب لكى يرانى، أسير مفعما بالإجلال والعرفان للرحمن الذى لم يطفئ بنفخة شمعتى الصغيرة، فى شوارع الطفولة، وفى المدن الكبرى، فى الزحام، وحيث لا أحد، تحت المطر، وفى الجفاف، فى ساعات الفرح وفى الألم، كنت أشب وأرفع حياتى لأعلى لكى تحظى بالتفاتة حانية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جائزة ساويرس شهر رمضان شارع فيصل فانوس

إقرأ أيضاً:

الفاشر.. او على السودان السلام

حينما التقيت الرئيس الاريتري أسياس افورقي فى يناير المنصرم ضمن مجموعة من زملائي الاعلاميين السودانيين باسمرا ، لاحظت انه كان كثير التركيز على “معركة الفاشر”، مع استيعاب متقدم لطبيعة الحرب ، فهي عند افورقي نزاع اقليمي يستهدف السودان، وينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة وليست مجرد تمرد على الجيش، افورقي كان يحذرنا برؤية الجنرال الافريقي العظيم من ان الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء او الفناء وان التصدي لهذا الخطر يبدا من بوابة دارفور..

كان هذا الحديث قبل 3 اشهر ، وقبل ان يصل الهجوم على فاشر السلطان الى الرقم 202 امس ، فالرجل وبخبرة المعارك الكبيرة سبق الجميع وهو يؤكد ان الفاشر هي بوابة اجتياح السودان وان الحرب تبدا من هناك رغم مظاهر الفوضوية والدمار فى الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق اخرى.

اذكر يومها ان الرئيس الاريتري قال كلاما كثيرا لم يخرج للناس لان “المجالس امانات ” ولكنا استشعرنا جدية طرحه ورؤيته حينما هدد بان بلاده لن تقف مكتوفة الايدي اذا اقتربت الحرب من 4 ولايات حدودية وهي ( القضارف، وكسلا، والبحر الاحمر، والنيل الازرق).

فى كل يوم تتأكد رؤية افورقي مع اصرار التامر اقليمي على تمكين مليشيا الدعم السريع من الفاشر، التى مازالت صامدة بعد الهجوم ( 202) ، كل السودان وليست الشمالية ونهر النيل فقط مثلما هدد المتمرد عبدالرحيم دقلو سيكون هدفا سهلا للجنجويد وكفلائهم اذا ما قدر لهم الوصول الى الفاشر .

وازاء هذا الخطر الماثل والمستمر والمعلوم تتمدد كثير من الاسئلة ، وابرزها ما الذى يؤجل فك حصار الفاشر؟! ، ولماذا لانلمس حتى الان استراتيجية عسكرية كبيرة لانجاز هذا الامر على النحو الذى يخرج المدينة من مربع الدفاع عن اسوارها الى مرحلة كنس الجنجويد ومهاجمتهم بضراوة وانهاء خطر وجودهم المهدد للفاشر البوابة التى يسعى عبرها ال دقلو للعودة الى واجهة الاحداث من جديد.

بالامس نفذت المليشيا مجزرة جديدة فى الفاشر وهي تهاجم معسكر ابو شوك للنازحين وتقتل مئة نفس بريئة بينها اطفال طلاب خلاوي ونساء وعجزة، حتى طواقم المنظمات الاجنبية جميعهم حصدتهم المدافع بلا رحمة ، بينما كان بواسل الفرقة السادسة والقوات المشتركة والمستنفرين من ابناء المدينة يصدون هجوما شرسا ، فاقم من الازمة الانسانية وقدم دليلا جديدا على عظمة انسان الفاشر وهو يفدي السودان ويفشل مؤامرات الجنجويد ببسالة وفدائية سيوثقها التاريخ..

ولكن هل يكفي ان نجعلهم يموتون كل يوم على اسوار المدينة ، ونكتفي بكلمات الاشادة، والاحتفاء بقصص البطولات لتى ظل يسطرها شباب وميارم الفاشر ، ومواطنوها الشجعان..
ما يحدث في زمزم والفاشر ضد المواطنين جريمة مكتملة الأركان تؤكد ان التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته رهان خاسر، وان الفاشر تحتاج ونظرا لاوضاع مواطنيها اولا وـ استراتيجيتها واهميتها- فى معركة بقاء السودان ان نتعامل مع حصارها بطريقة مختلفة تقفز بها الى صدارة المشهد الحربي ، لان سقوطها لاقدر الله سيكون كارثة ووبالا على الدولة السودانية.

الاجتماع المهم الذى جمع الوزير محمد بشير ابونمو القيادي الابرز فى حركة تحرير السودان مع “اسد العمليات” الفريق اول ياسر العطا امس ، يفتح كوة الامل فى تفكير عملي وجديد يخاطب اوضاع المدينة التى يهددها التمرد ويعمل جاهدا على اجتياحها ، حتى تسهل مهمة اسقاط الدولة فى يد الجنجويد والمرتزقة وكفلائهم الاقليميين..

يعلم “اولاد دقلو” ان استمرار الشريان الاماراتي الذى يغذيهم بالمال والسلاح رهين باسقاط الفاشر، فقد ابلغتهم ابوظبي رسميا انها لن تمول التمرد او تعول عليه مالم يستلم المدينة ويتخذها منصة لاعلان حكومة الجنجويد فى دارفور واجتياح بقية مناطق السودان…

نعم فك الحصار عن مدينة الفاشر وتقديم الدعم العاجل لأهلها يجب أن يكون في صدارة أولويات المرحلة القادمة باعتباره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا ، فمعركة اجتياح السودان بعد فشل الخطة الاولى للجنجويد تبدا من فاشر السلطان، وعلى الدولة ان تضع ترتيباتها العسكرية على هذه الفرضية، وبلا تاخير او ابطاء.

هلموا الى معركة الفاشر العظيمة ، فضياع المدينة سيعيد الجنجويد الى الواجهة، وسيجعل من انتصارات الجيش فى الخرطوم والجزيرة وسنار بلاقيمة، ونامين المدينة سيعزز النصر ويفتح على الدولة السودانية ابواب الامن والاستقرار.. علينا التفكير الان فى كسر حصار الفاشر، واثق ان جيشنا البطل والقوات المشتركة والمساندة الاخرى لن تعجزها الفاشر الصابرة الصامدة المحتسبة، والتى تنتظر القيادة الان لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي مغامرات ال دقلو وتكسر الحصار وتؤمن الانتصار..
*هلموا الي الفاشر…*
*وكل “القوة الفاشر جوة”*
*وما النصر الا من عند الله..*
محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بعد أزمة ملابس محمد رمضان.. أحمد سعد يظهر بإطلالة كلاسيكية
  • غدا.. عرض فيلم اللعب مع العيال على نتفليكس
  • لوسي: أحمد العوضي نمبر وان و"فهد البطل" تصدرت المركز الأول في مسلسلات رمضان الماضي
  • قائمة بيراميدز لمواجهة أورلاندو.. عودة رمضان صبحي
  • إعلام عبري: حالة العصيان في صفوف الجيش الإسرائيلي أعمق مما يُعلن بكثير
  • أحمد حاتم يكشف عن تفاصيل جثة ربيع في «إخواتي» | فيديو
  • رئيس محكمة الجنايات ينعى نازك أمين الدهبى حرم المهندس فاروق مهنى فانوس
  • البحث الجنائي يعيد 93 ألف دينار سرقت من أحد المصانع / تفاصيل
  • الفاشر.. او على السودان السلام
  • عماد الصائغ: خلاف حمدالله وكاراسكو يعكس وجود مشاكل أعمق بين لاعبي الاتحاد.. فيديو