عودة القراصنة الصوماليين تعمق أزمة شركات الشحن العالمية
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
بينما اقترب زورق سريع يقل أكثر من عشرة قراصنة صوماليين من موقع ناقلة بضائع سائبة مملوكة لشركة من بنغلادش في غرب المحيط الهندي، أرسل الطاقم إشارة استغاثة واتصل بخط ساخن للطوارئ.
ولكن لم يصل أحد لنجدتهم في الوقت المناسب. وقال المسؤول الأول بالسفينة عتيق الله خان في رسالة صوتية إلى مالكيها إن القراصنة اعتلوا السفينة (عبد الله) وأطلقوا أعيرة تحذيرية واحتجزوا القبطان والمسؤول الثاني رهائن.
وأضاف خان في الرسالة التي تم تسجيلها قبل أن ينتزع القراصنة هواتف الطاقم “بفضل الله لم يصب أحد بأذى إلى الآن”. وحصلت رويترز على التسجيل من الشركة.
وبعد مرور أسبوع، ترسو السفينة (عبد الله) قبالة سواحل الصومال بعدما أصحبت أحدث ضحية لعودة القرصنة التي اعتقدت القوات البحرية الدولية أنها نجحت في السيطرة عليها.
وتؤدي المداهمات لزيادة المخاطر والتكاليف على شركات الشحن التي تواجه أيضا هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ تشنها جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر والمياه القريبة.
وقال خمسة ممثلين عن القطاع إن أكثر من 20 محاولة اختطاف منذ نوفمبر أدت لرفع تكلفة الاستعانة بحراس مسلحين والتغطية التأمينية فضلا عن إثارة احتمال الاضطرار لدفع فدية.
وقال صوماليان من أعضاء هذه العصابات لرويترز إن القراصنة يستغلون التشتت الناجم عن ضربات الحوثيين على بعد مئات من الأميال البحرية نحو الشمال للعودة إلى القرصنة بعد أن ظلوا في حالة خمول لنحو عشر سنوات.
وقال أحد ممولي القراصنة ويستخدم الاسم المستعار إسماعيل عيسى “لقد انتهزوا هذه الفرصة لأن القوات البحرية الدولية التي تعمل قبالة سواحل الصومال قلصت عملياتها”. وأضاف أنه ساعد في تمويل عملية اختطاف ناقلة بضائع أخرى في ديسمبر الماضي.
وكان يتحدث لرويترز عبر الهاتف من منطقة بونتلاند شبه المستقلة في شمال شرق الصومال حيث ظلت السفينة الأخرى واسمها روين محتجزة لأسابيع.
والتهديد الذي يمثله القراصنة ليس خطيرا كما كان بين 2008 و2014، لكن المسؤولين الإقليميين ومصادر في القطاع يخشون تفاقم المشكلة.
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لرويترز الشهر الماضي في قصره شديد التحصين (فيلا صوماليا) المصمم على طراز (آرت ديكو) الزخرفي “إذا لم نوقف الأمر وهو لا يزال في مهده فقد يعود تماما كما كان”.
وفي بداية الأسبوع، اعترضت البحرية الهندية السفينة روين، التي كانت تبحر رافعة علم مالطا، وحررتها بعد أن غامرت بالعودة إلى البحر. وقالت مهمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة، يونافور أتالانتا، إن القراصنة ربما استخدموا السفينة قاعدة انطلاق لمهاجمة الناقلة عبد الله.
وقالت البحرية الهندية إن جميع القراصنة الذين كانوا على متن السفينة وعددهم 35 استسلموا، وتم إنقاذ 17 رهينة دون إصابات.
وقال سايروس مودي نائب مدير وحدة مكافحة الجريمة بغرفة التجارة الدولية إن تدخل البحرية الهندية، التي نشرت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة حربية شرقي البحر الأحمر، قد يكون له تأثير رادع مهم.
وأضاف “يظهر هذا التدخل أن نسبة المخاطرة إلى تحقيق المكاسب ليست في صالح القراصنة بصورة كبيرة، ونأمل أن يدفعهم ذلك للتفكير مليا بضع مرات”.
لكن مسؤولا بوزارة الخارجية في بنغلادش قال لرويترز إن الحكومة “لا تؤيد القيام بعمل عسكري من أي نوع” لتحرير السفينة عبد الله.
وأشار المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الأمر، إلى المزايا التي يحظى بها القراصنة عندما يعملون بالقرب من الساحل الصومالي.
وتضم المياه قبالة ساحل الصومال بعضا من أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم. يمر ما يقدر بنحو 20 ألف سفينة سنويا، تحمل كل شيء من الأثاث والملابس إلى الحبوب والوقود، عبر خليج عدن في طريقها من وإلى البحر الأحمر وقناة السويس، وهو أقصر طريق بحري بين أوروبا وآسيا.
وقال المكتب البحري الدولي إن القراصنة الصوماليين، في ذروة نشاطهم عام 2011، شنوا 237 هجوما واحتجزوا مئات الرهائن. بينما قدرت منظمة (محيطات بلا قرصنة) أنه في العام نفسه، كلفت أنشطة القرصنة الاقتصاد العالمي حوالي سبعة مليارات دولار، بما في ذلك مئات الملايين من الدولارات من أموال الفدية.
وقال مديرو المخاطر البحرية وشركات التأمين إن المعدل الحالي للهجمات أقل بكثير، إذ يستهدف القراصنة في المقام الأول السفن الصغيرة في المياه التي تقل بها دوريات الحراسة.
ووفقا لمهمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة نجح القراصنة منذ نوفمبر في الاستيلاء على سفينتي شحن على الأقل و12 سفينة صيد.
لكن المهمة، التي حددت حتى فبراير ما يصل إلى خمس مما يسمى بمجموعات عمل نشطة لقراصنة في شرق خليج عدن وحوض الصومال، حذرت من أن نهاية موسم الرياح الموسمية هذا الشهر قد تدفعهم إلى الجنوب والشرق.
ووسعت هجماتهم المنطقة التي تفرض فيها شركات التأمين أقساط تأمين إضافية على مخاطر الحرب على السفن. وقال مسؤولون في قطاع التأمين إن هذه الأقساط أصبحت أكثر تكلفة بالنسبة للرحلات عبر خليج عدن والبحر الأحمر، ما يضيف مئات الآلاف من الدولارات إلى سعر الرحلة العادية التي تستغرق سبعة أيام.
وأدى الطلب المتزايد على الحراسة المسلحة الخاصة إلى ارتفاع الأسعار. وقالت مصادر الأمن البحري إن تكلفة استئجار فريق لمدة ثلاثة أيام قفزت بنحو 50 في المئة في فبراير على أساس شهري، لتتراوح بين أربعة آلاف و15 ألف دولار.
وعلى الرغم من أن فاعليتهم محدودة في مواجهة صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، فقد أثبت الحراس أنهم رادع فعال ضد عمليات القراصنة.
ولم يتم الإبلاغ عن طلب دفع فدية، لكن ممول القراصنة عيسى ومصدر آخر مطلع على الأمر قالا إن مفاوضات جرت بشأن دفع ملايين الدولارات للإفراج عن السفينة روين.
وقال متحدث باسم نافيبولجار، الشركة البلغارية التي تدير السفينة، إنها لا تستطيع التعليق على مفاوضات دفع الفدية لكنها ممتنة للبحرية الهندية لإطلاق سراح بحارتها.
وذكر متحدث باسم شركة إس.آر شيبينج المالكة للسفينة (عبد الله)، أن القراصنة أجروا اتصالات من خلال طرف ثالث، لكن الشركة لم تتلق طلب لدفع فدية.
يقول خبراء أمن إنه لا يوجد دليل على وجود علاقة مباشرة بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين رغم أن عيسى قال إن القراصنة تأثروا بأساليب الهجمات التي يشنها الحوثيون.
وردا على الهجمات التي شنها القراصنة الصوماليون منذ أكثر من 10 سنوات، عززت شركات الشحن التدابير الأمنية على متن السفن وانضمت القوات البحرية الدولية إلى العمليات التي يقودها حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وستنفذ نحو 20 سفينة حربية من 14 دولة مختلفة دوريات في ممرات الشحن في خليج عدن والمحيط الهندي، وهي مساحة تعادل البحر المتوسط والبحر الأحمر مجتمعين.
وذكر جون ستيد الرئيس السابق لوحدة مكافحة القرصنة في مكتب الأمم المتحدة السياسي للصومال إن هذه التدابير قضت بفاعلية على هجمات القراصنة لكن مع انحسار التهديد، قللت الدول المشاركة عدد السفن الحربية.
وذكرت مهمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة ووزارة الخارجية الأميركية والبحرية البريطانية إنهم ملتزمون بمساعدة الصومال في التصدي للقرصنة. ولم يردوا على أسئلة حول ما إذا كانت الدوريات لا تكفي أو ما إذا كانت ستخصص موارد إضافية.
وقال ستيد إن هناك مشكلة أخرى تتمثل في انقضاء أجل قرار للأمم المتحدة صدر عام 2022 والذي كان يفوض السفن الأجنبية بتسيير دوريات في المياه الصومالية.
وذكر الرئيس حسن شيخ محمود أن الطريقة الأكثر فاعلية للتصدي للتهديدات هي تعزيز قدرات الصومال على إنفاذ القانون في البحر والبر “وليس إرسال الكثير من السفن الدولية”.
ووفقا لبيانات الحكومة الصومالية، يضم خفر السواحل 720 فردا مدربا لكن قاربا واحدا من أصل أربعة قوارب تابعة له قادر على العمل. وهناك أيضا قوات شرطة بحرية في العاصمة مقديشو وبونتلاند ومنطقة أرض الصومال الانفصالية لكن مواردها محدودة.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: البحر الأحمر عبد الله خلیج عدن
إقرأ أيضاً:
جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد
بعد سقوط النظام السوري، ثار في عدد من الدول الأوروبية جدل بشأن عودة اللاجئين السوريين في هذه البلدان إلى بلدهم بعد انتفاء أسباب لجوئهم.
فقد دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الاثنين إلى التحلي بالصبر في وقت يقيّم فيه ملايين اللاجئين السوريين فرص العودة إلى بلدهم بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقال غراندي في بيان أرسله إلى الصحفيين "هناك فرصة كبيرة أمام سوريا للمضي نحو السلام، وأمام شعبها للبدء في العودة إلى بلده". وأضاف "ولكن مع استمرار غموض الوضع، يقيّم ملايين اللاجئين ما إذا كانت العودة آمنة، فبعضهم متلهف وبعضهم متردد".
وفي ألمانيا، أعرب المستشار أولاف شولتس عن عدم رغبته في إعادة أي لاجئ سوري مندمج بشكل جيد في ألمانيا، في حين عرضت النمسا مبلغ ألف يورو لكل لاجئ سوري يرغب في العودة لبلاده.
فقد صرّح المستشار الألماني أولاف شولتس بعدم رغبته في إعادة أي لاجئ سوري مندمج بشكل جيد في ألمانيا، حتى عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقال شولتس في مدونة صوتية إن أي شخص مندمج جيدا ويتحدث اللغة الألمانية ولديه عقد عمل يمكنه أن يشعر بالأمان في ألمانيا، وأضاف: "هذا ينطبق أيضا على السوريين.. لن نطلب منهم ترك وظائفهم والرحيل".
كما حذرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بالفعل من عواقب سلبية على سوق العمل الألمانية، خاصة في قطاع الصحة، إذا تمت إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وتحدث وزير الصحة كارل لاوترباخ عن أكثر من 6 آلاف طبيب سوري مندمجين في ألمانيا بشكل كامل ولا غنى عنهم في نظام الرعاية الصحية الألماني.
ومن بين المعترضين بشدة على عودة السوريين إلى بلادهم أرباب الأعمال والنقابات واتحادات الصناعات التي ذكّرت بمدى الحاجة إليهم في الاقتصاد الألماني الذي يواجه نقصا حادا في العمالة.
ومع ذلك، جمدت دول عدة في الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا- دراسة طلبات اللجوء الجديدة التي قدمها مواطنون سوريون، مع وجود أكثر من 100 ألف حالة معلقة في جميع أنحاء دول التكتل حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وفقا للبيانات الرسمية.
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد حاليا 6.2 ملايين لاجئ سوري، أي ما يقرب من ثلث سكان سوريا خارج بلادهم، 3 أرباعهم (76%) في الدول المجاورة، 3 ملايين في تركيا، ونحو 775 ألفا في لبنان، وأكثر من 600 ألف في الأردن، وقريب من 300 ألف في العراق، وأكثر من 150 ألفا في مصر.
وتستضيف هذه الدول الخمس وحدها ما يقرب من 5 ملايين سوري، وذلك على الرغم من الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر في بعضها، مثل لبنان والعراق، حيث القدرة على الاستقبال محدودة، ولكن نقص الوسائل أو أمل العودة قريبا جعل بعض اللاجئين يختارهما.
وفي لبنان دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي السوريين الذين لجؤوا إلى بلاده للعودة إلى ديارهم بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقال ميقاتي خلال ندوة سياسية في روما أمس السبت إن "تداعيات الحرب السورية جعلت من لبنان حاضنا لأكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد سكانه"، لافتا إلى أن "اللاجئين السوريين يشكلون ما نسبته ثلث سكاننا".
وتابع ميقاتي قائلا "إن الضغط كبير جدا على مواردنا، مما يفاقم المشاكل الاقتصادية الحالية ويخلق منافسة شرسة على الوظائف والخدمات".
وقال ميقاتي خلال الندوة التي أقامها حزب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) إنه "يتعين على المجتمع الدولي، وخصوصا أوروبا، أن يساعد في عودة السوريين".
ولفت إلى أن ذلك يجب أن يحصل "عبر الانخراط" في جهود التعافي التي تبذل في "المناطق الآمنة في سوريا".
ويبلغ عدد سكان لبنان وفق السلطات 5.8 ملايين نسمة، في حين يستضيف البلد حاليا نحو مليوني سوري وفقا للسلطات اللبنانية.