جهاز يحوّل حركة عضلات الحنجرة لكلام.. بدعم الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
قطع فريق بحثي من مهندسي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس خطوة كبيرة على طريق تسهيل تواصل مرضى الحبال الصوتية أو المتعافين من جراحات سرطان الحنجرة مع الآخرين، وذلك بعد أن نجحوا في تجاوز صعوبات الحلول المتاحة حاليا عبر اختراع جهاز مدعوم بالذكاء الاصطناعي لترجمة حركات عضلات الحنجرة إلى كلام مسموع.
وقبل هذا الاختراق الذي أُعلن عن تفاصيله في دراسة نشرتها دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، كانت هناك محاولات لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصوت، منها "الأجهزة الكهربائية الحنجرية المحمولة"، ولكن الجهاز الجديد يمثل تقدما كبيرا من حيث صغر حجمه وسهولة استخدامه ودقته في ترجمة حركات العضلات إلى كلام مسموع.
وتعمل "الأجهزة الكهربائية الحنجرية المحمولة" بإجراءات معقدة، حيث يضع المستخدم الجهاز على منطقة الرقبة أو الحلق، وعادة ما يكون ذلك فوق عظمة الترقوة مباشرة أو قرب الحنجرة، فيُصدر الجهاز اهتزازات تنتقل بدورها عبر الجلد وأنسجة الرقبة إلى الجهاز الصوتي. وبينما يولّد الجهاز اهتزازات، يقوم المستخدم بالتعبير بفمه لتحويل تلك الاهتزازات إلى أصوات كلام، وتحدد حركات فم المستخدم وتعبيراته الأصوات والكلمات التي يُنتجها.
وتكمن سلبيات هذه الأجهزة في أنها "غير مريحة" في الاستخدام ولا تحقق الدقة الكافية، فضلا عن أن التواصل باستخدامها يكون مرهقا، بسبب التأخير في ترجمة الاهتزازات إلى أصوات، وهي المشاكل التي نجح الجهاز الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي في تجاوزها.
والجهاز الجديد ناعم ورفيع وقابل للتمدد، وتبلغ مساحته ما يزيد قليلا عن بوصة مربعة واحدة (1 بوصة = 2.54 سنتيمتر)، ويزن نحو 7 غرامات، ويمكن ربطه بالجلد خارج الحلق، ويتكون من مكونين رئيسيين هما "مكون الاستشعار" و"مكون التشغيل"، فيكتشف الأول الإشارات الناتجة عن حركات العضلات في الحنجرة ويحولها إلى إشارات كهربائية، ويقوم الثاني -القائم على خوارزمية التعليم الآلي- بترجمة هذه الإشارات الكهربائية إلى كلام مسموع.
ويحتوي المكونان على خمس طبقات، اثنتان تعطيان خصائص مرنة وأعدتا من مركب السيليكون المتوافق حيويا (ثنائي ميثيل بولي سيلوكسان)، واثنتان مصنوعتان من طبقة حث مغناطيسية أُعدت من ملفات الحث النحاسية، وتقع بين المكونين الطبقة الخامسة التي تحتوي أيضا على "ثنائي ميثيل بولي سيلوكسان" ممزوجة بمغناطيسات صغيرة تولّد مجالا مغناطيسيا.
ويستخدم الجهاز آلية استشعار مرنة مغناطيسية طورها فريق البحث عام 2021، حيث يكتشف التغيرات في المجال المغناطيسي الناتجة عن حركة عضلات الحنجرة، وتعمل ملفات الحث الموجودة في الطبقات المغناطيسية المرنة على توليد إشارات كهربائية عالية الدقة لأغراض الاستشعار، وتُستخدم خوارزمية التعلم الآلي لتفسير الإشارات الكهربائية الناتجة عن حركات العضلات إلى كلام.
وتلعب خوارزمية التعلم الآلي الموجودة في الجهاز دورا حاسما في فهم وترجمة حركات عضلات الحلق إلى كلام مفهوم، وتعد هذه هي نقطة التميز الأهم في الجهاز.
ووفق ما ذكره الباحثون في الدراسة، يمكن تلخيص دورها في الآتي:
مرحلة التدريب: تتعلم خوارزمية التعلم الآلي من الأمثلة المقدمة أثناء مرحلة التدريب، وفي هذه الحالة يرتدي الأفراد الأصحاء الجهاز ويقولون جملا محددة بصوت عال وبصمت. التعرف على الأنماط: بينما يتحدث هؤلاء الأفراد، تقوم الخوارزمية بتحليل أنماط حركات العضلات التي اكتشفها الجهاز، وتتعلم ربط هذه الأنماط بالكلمات أو الجمل المقابلة التي يحاول الأفراد قولها. إنشاء نموذج: بناء على البيانات التي جُمعت أثناء التدريب، تقوم الخوارزمية بإنشاء نموذج يترجم حركات العضلات لكلمات أو عبارات محددة، ويقوم هذا النموذج بشكل أساسي بتعليم الجهاز كيفية التعرف على حركات العضلات المختلفة وتفسيرها على أنها كلام. الترجمة في الوقت الفعلي: عندما يُستخدم الجهاز من قبل شخص يعاني من اضطراب صوتي، تساعد خوارزمية التعلم الآلي على الترجمة في الوقت الفعلي، فهي تفسر حركات العضلات التي اكتشفها الجهاز وتختار الكلمات أو العبارات المناسبة بناء على النموذج الذي تعلمته. تحسين الدقة: بمرور الوقت، ومع جمع المزيد من البيانات واستمرار الخوارزمية في التعلم، تصبح أكثر دقة في التعرف على حركات العضلات وترجمتها إلى كلام، وتساعد عملية التعلم المستمر هذه على التحسين المستمر لأداء الجهاز وفعاليته في التواصل. نجاح بنسبة 95%ويشرح جون تشن الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية في كلية سامويلي للهندسة بجامعة كاليفورنيا والباحث الرئيسي بالدراسة في بيان صحفي أصدرته الجامعة؛ التجارب التي قاموا بإجرائها للتأكد من أن الجهاز يعرف الكلمات التي يجب أن يقولها.
ويقول تشن إن "الباحثين طلبوا من بعض الأشخاص الأصحاء ارتداء الجهاز وقول جمل معينة، ثم استخدموا خوارزمية التعلم الآلي لمعرفة أي حركات عضلات الحلق تتوافق مع الكلمات، فعلى سبيل المثال عندما يحرك الشخص عضلات حلقه بطريقة معينة، فهذا يعني أنه يريد أن يقول "مرحبا راشيل، كيف حالك اليوم؟".
ويضيف أنه "بعد تعليم خوازمية التعلم الآلي أي حركات تتوافق مع الكلمات، قاموا باختبار الجهاز مرة أخرى على هؤلاء الأشخاص الأصحاء، وعندما حاول الأشخاص قول تلك الجمل استمع الجهاز إلى حركة عضلات الحلق، وقال الكلمات الصحيحة بصوت عالٍ، ونجح الأمر بشكل جيد وبدقة تصل إلى 95%".
ويخطط فريق البحث لمواصلة توسيع مفردات الجهاز من خلال التعلم الآلي واختباره على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النطق، مما يمنحهم وسيلة للتواصل بسهولة أكبر.
وتحدث اضطرابات الصوت في جميع الأعمار والفئات الديمغرافية، حيث أظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 30٪ من الأشخاص يعانون من اضطراب واحد على الأقل في حياتهم، كما يوضح تشن.
ويضيف أن "الحلول الحالية مثل أجهزة الحنجرة الكهربائية المحمولة غير مريحة، ويقدم هذا الجهاز الجديد خيارا مريحا يمكن ارتداؤه لمساعدة المرضى على التواصل خلال الفترة التي تسبق العلاج وأثناء فترة التعافي".
اختراق ينتظره الكثيروبدورها، تُثْني استشارية أمراض السمع والكلام بوزارة الصحة المصرية إيمان مصطفي، على هذا الاختراق الذي وصفته بـ"المهم جدا"، لأنه يحقق عدة مزايا لا توجد في الخيارات المتاحة حاليا، وهي:
سهولة الاستخدام؛ فهو يلتصق على الجلد خارج الحلق، مما يجعله أكثر راحة وملاءمة للمستخدمين. الدقة؛ فقد حقق مستوى من الدقة في ترجمة حركات العضلات إلى كلام مسموع (دقة تقارب 95%) لم تحققه الحلول الأخرى. استخدام خوارزمية التعلم الآلي، فالجهاز يمكنه تعلم المزيد من حركات عضلات المستخدمين، مما يحسّن دقته بمرور الوقت. القدرة على ترجمة حركات العضلات إلى كلام مسموع في الوقت الحقيقي، وهذا يعني أنه يمكن للمستخدم التواصل بشكل طبيعي وعفوي دون تأخير أو عمليات مرهقة.لكن، ومع كل هذه المزايا، فإن خروج الجهاز إلى الواقع العملي ليكون خيارا متاحا للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في النطق، يحتاج إلى عمل إضافي من الباحثين للإجابة على عدة أسئلة، وهي:
أولا: كيف سيعمل الجهاز عند استخدامه مع الأفراد الذين يعانون من أنواع مختلفة من اضطرابات الصوت وشدتها؟ حيث يمكن للتجارب السريرية التي تشمل مشاركين يعانون من مسببات مختلفة لاضطرابات الصوت تقييم فعالية الجهاز وسلامته وتأثيره في نتائج التواصل. ثانيا: هل يمكن للجهاز أن يكمل أساليب العلاج الصوتي وإعادة التأهيل الحالية؟ حيث تتيح للدراسات اللاحقة التحقق من أوجه التعاون المحتملة بين الجهاز والعلاجات التقليدية مثل التمارين الصوتية. ثالثا: كيف يمكن إتاحة الجهاز بكلفة معقولة للأفراد الذين يعانون من اضطرابات الصوت، بما في ذلك الذين ينتمون إلى المستويات الاقتصادية المنخفضة؟ حيث يمكن للأبحاث اللاحقة أن تستكشف إستراتيجيات لخفض التكاليف.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات اضطرابات الصوت الجهاز الجدید
إقرأ أيضاً:
لطافتك تكلف الذكاء الاصطناعي الملايين!
في زمن تتسارع فيه علاقتنا بالتكنولوجيا، يبدو أن كلمات بسيطة مثل "من فضلك" و"شكرًا" قد تحمل ثمنًا غير متوقع. فقد أثار أحد مستخدمي منصة X سؤالًا طريفًا لكنه عميق الدلالة، قال فيه:
كم أنفقت OpenAI على الكهرباء لأن الناس يقولون "من فضلك" و"شكرًا" لنماذج الذكاء الاصطناعي؟
وجاء الرد سريعًا من سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، مازحًا وبكل ثقة: "تلك الملايين كانت مُنفقة في مكانها الصحيح.. من يدري ما ستجلبه اللباقة!".
لكن خلف هذا التعليق، انطلقت تساؤلات جدّية: هل نُهدر الطاقة والموارد حين نخاطب الذكاء الاصطناعي بأدب؟ أم أن للّباقة مع الآلات قيمة تتجاوز الكلفة؟.
المجاملة ليست مجرد تكلفة… بل أسلوب تعامل
تشير تقديرات الخبراء إلى أن كل تفاعل مع روبوت دردشة يكلف الشركة مالًا وطاقة، وكل كلمة إضافية تُرسل كجزء من الطلب تستهلك المزيد من الموارد.
قال البروفيسور نيل جونسون من جامعة جورج واشنطن:"كل طلب موجه إلى روبوت مثل ChatGPT يتطلب حركة إلكترونات، وهذه الحركة تحتاج طاقة. والسؤال هو: من يدفع هذه الفاتورة؟".
ويشبّه جونسون الكلمات الإضافية بورق التغليف المستخدم لتغليف عطر، إذ تحتاج النماذج اللغوية إلى "اختراق" هذا التغليف للوصول إلى مضمون الطلب، مما يشكل عبئًا إضافيًا.
اقرأ أيضاً.. أول طالب ذكاء اصطناعي في مقاعد الدراسة الجامعية
لكن رغم هذا، يرى كثيرون أن اللطافة مع الذكاء الاصطناعي ليست فقط عادة بشرية أو مظهرًا من مظاهر "إضفاء الطابع الإنساني" على الآلة، بل إن لها تأثيرًا مباشرًا على جودة التفاعل.
وأوضح كيرتيس بيفرز، مدير في فريق تصميم Microsoft Copilot، أن استخدام اللغة المهذبة يضبط نبرة الرد من قبل النموذج، فعندما يلتقط الذكاء الاصطناعي إشارات اللباقة، يكون أكثر ميلًا للرد بنفس الأسلوب.
هل المجاملة ضرورة ثقافية؟
حتى وإن لم تكن الآلة "تشعر"، فإن طريقة تعامل البشر معها قد تُشكّل انعكاسًا لطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض لاحقًا.
وأشارت شيري توركل، أستاذة في معهد MIT، أن الذكاء الاصطناعي ليس "واعيًا" فعلًا، لكنه لا يزال "حيًا" ليبرّر إظهار المجاملة له.
وتشير إلى تجربة "تماغوتشي" في التسعينيات، حيث أصيب الأطفال بالحزن الحقيقي عند "وفاة" حيواناتهم الرقمية، مما يُظهر كيف يمكن للعلاقات بين البشر والكائنات غير الحية أن تؤثر نفسيًا.
اقرأ أيضاً.. حين يرى الذكاء الاصطناعي ما لا يراه الطبيب.. قفزة في تشخيص قصر النظر
اللباقة بدافع الخوف
أجريت دراسة في ديسمبر 2024 من قبل شركة Future أظهرت أن نسبة كبيرة من المستخدمين يتعاملون بلباقة مع الذكاء الاصطناعي:
67% من المستخدمين في الولايات المتحدة يستخدمون عبارات مجاملة،و71% من المستخدمين في المملكة المتحدة يفعلون الشيء ذاته.
لكن المفارقة أن 12% من المستخدمين يتحلون باللباقة بدافع الخوف من "العواقب المستقبلية" لسوء التعامل مع التكنولوجيا.
المجاملة... تكلفة مستحقة؟
بين التكاليف الكهربائية والبيئية، وبين الأبعاد الثقافية والإنسانية، يبدو أن المجاملة في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي ليست مجرد تصرف عابر. بل إنها تحمل وزنًا أخلاقيًا وسلوكيًا، وقد تشكّل مستقبل العلاقة بين الإنسان والآلة.
إسلام العبادي(أبوظبي)