هناك مخاوف من عودة تفشي مرض الحصبة في العديد من الأماكن في العالم، إذ انخفضت تغطية التطعيم ضد الحصبة خلال جائحة (كوفيد-19)، فما أهمية التطعيم في التصدي لها؟
في عام 2021، فاتت جرعة لقاح الحصبة رقما قياسيا بلغ حوالي 40 مليون طفل: فات 25 مليون طفل جرعتهم الأولى، وفات 14.7 مليون طفل إضافي جرعتهم الثانية، وذلك وفقا لمنشور مشترك صادر عن منظمة الصحة العالمية والمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
الحصبة هي إحدى أكثر الفيروسات البشرية عدوى، ولكن يمكن الوقاية منها بالكامل تقريبا من خلال التطعيم. هناك حاجة إلى تغطية جرعتين من اللقاح المحتوي على الحصبة بنسبة 95% أو أكثر لخلق مناعة القطيع من أجل حماية المجتمعات وتحقيق القضاء على الحصبة والحفاظ عليه.
تشكل الحصبة في أي مكان تهديدا في كل مكان، حيث يمكن للفيروس أن ينتشر بسرعة إلى مجتمعات متعددة وعبر الحدود الدولية.
حتى الآن هذا العام، أبلغت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها عن 45 حالة إصابة بالحصبة من 17 ولاية قضائية. وهذا عدد كبير مقارنة بعام 2023، عندما تم الإبلاغ عن 58 حالة على مدار العام بأكمله.
لقد مر ما يقارب من 25 عاما منذ أن تم القضاء رسميا على الحصبة في الولايات المتحدة. ويعني الإعلان أن العدوى لم تنتقل بشكل مستمر إلى أي مكان في البلاد لأكثر من عام. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الحصبة لا يمكن أن تعود مرة أخرى، في ظل ظروف معينة، الكثير من الحالات المستوردة من الخارج، وليس عدد كاف من الأشخاص الذين تم تطعيمهم ضد العدوى، وعدم وجود أدوات كافية للمقاومة يمكن للحصبة أن تعيد ترسيخ نفسها في الولايات المتحدة، وذلك وفقا لتقرير في موقع فوكس Vox .
يوجد لقاح فعال للغاية للوقاية من الحصبة، ولكن لحماية الأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة في أي مجموعة سكانية، يجب أن يتم تطعيم كل من حولهم.
ونقدم هنا 3 أسئلة حول الحصبة:
1- من هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالحصبة؟يواجه الأطفال غير المطعمين والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة -خاصة أولئك الذين يتلقون علاجات معينة للسرطان- أعلى المخاطر عندما تكون الحصبة منتشرة.
2- ما أعراض الحصبة؟في مراحله المبكرة، يمكن أن تسبب عدوى الحصبة مجموعة من الأعراض، منها الحمى الشديدة والسعال وسيلان الأنف واحمرار العيون والطفح الجلدي لكامل الجسم. يصاب حوالي ثلث الأطفال المصابين بمضاعفات يمكن أن تشمل الإسهال الشديد والتهابات الأذن والالتهاب الرئوي. تحدث عدوى الدماغ التي يمكن أن تؤدي إلى تلف الدماغ والصرع، والتي تسمى التهاب الدماغ، في حوالي واحد من كل ألف طفل يصابون بالحصبة.
3- من الذي يجب أن يحصل على التطعيم؟ الأطفال (تتشكل المناعة مدى الحياة بعد تلقي جرعتين، الأولى في عمر 12 شهرا والثانية في عمر 4 إلى 6 سنوات) كل شخص آخر تقريبا ليس لديه دليل على أنه تم تطعيمه من قبل يجب أن يحصل على التطعيم، وفقا لمركز السيطرة على الأمراض.لن يحتاج العديد من البالغين الذين تم تطعيمهم بالفعل إلى لقاح آخر ضد الحصبة. وذلك لأن جميع إصدارات لقاحات الحصبة المستخدمة منذ عام 1968 كانت قوية بما يكفي لتوفير حماية مدى الحياة ضد العدوى.
لا يوجد دواء لعلاج عدوى الحصبة بمجرد السيطرة عليها، مما يجعل الوقاية هي الإستراتيجية الرئيسية لتجنب أسوأ آثار الفيروس.
أفضل الأخبار عن مرض الحصبة -والسبب الذي يجعل معظمنا ليس لديه أي فكرة عن شكله- هو أن اللقاح الذي يمنعه فعال وآمن للغاية.
وهذا اللقاح، المسمى إم إم آر "اللقاحي الثلاثي" (MMR) -لأنه يحمي الأطفال من الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية- هو ما يسميه الخبراء اللقاح "الحي المضعف". وهذا يعني أنه تم تصنيعه باستخدام نسخة ضعيفة من فيروس الحصبة، والتي لا يمكنها في الواقع أن تسبب المرض. نظرا لأنها تحاكي الفيروس الفعلي بشكل وثيق، فإن هذه الأنواع من اللقاحات تحفز الاستجابة الأقوى والأطول أمدا لأي نوع من اللقاحات.
يمكن لهذه اللقاحات أن تحمي الأشخاص بعد تعرضهم لمرض الحصبة إذا تم إعطاؤها خلال 72 ساعة من التعرض.
تحذير
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت في فبراير/شباط الماضي من أن أكثر من نصف دول العالم ستكون عرضة بشكل كبير لتفشي مرض الحصبة بحلول نهاية العام الجاري ما لم يتم اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة.
وقالت كبيرة المستشارين التقنيين في مجال الحصبة والحصبة الألمانية في منظمة الصحة العالمية ناتاشا كروكروفت "نحن قلقون هذه السنة، 2024، حيال الفجوات الكبيرة في أنظمتنا المناعية، وإن لم يجر سد هذه الفجوات بشكل سريع باللقاحات، فستحل الحصبة محل هذه الفجوات".
وأضافت "يمكننا أن نرى من خلال بيانات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى جانب بيانات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من نصف دول العالم ستكون معرضة لخطر كبير أو مرتفع جدا لتفشي المرض بحلول نهاية هذا العام".
ودعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال قائلة إن هناك "نقصا في الالتزام" من جانب الحكومات، بسبب قضايا أخرى مثل الأزمات الاقتصادية والصراعات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات منظمة الصحة العالمیة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
شحاته السيد يكتب: أسئلة الإنسان وحميمة الآلة
في أعماق التاريخ البشري، لطالما سعى الإنسان إلى فهم ذاته والعالم من حوله، وراح يُوجه أسئلته إلى السماء والأرض، إلى الحكماء والعرافين، بحثًا عن إجابات تُشبع فضوله وتُهدئ قلقه الوجودي.
واليوم، في عصر الثورة الرقمية، ظهر "أوراكل" جديد يتخذ شكل خوارزميات مُعقدة وشبكات عصبية اصطناعية، إنه الذكاء الاصطناعي بمُختلف تطبيقاته، وعلى وجه التحديد نماذج اللغة الذكية مثل ChatGPT و Gemini.
هذه النماذج التي تُحاكي اللغة البشرية ببراعة مُذهلة، تُثير في نفوسنا مزيجًا من الدهشة والريبة، الأمل والخوف. فهل نحن على أعتاب عصر جديد من التنوير بفضل هذه الآلات الذكية؟ أم أننا نُغامر بفتح صندوق "باندورا" مُطلقين العنان لقوى قد تُهدد جوهر إنسانيتنا؟
إن القدرة الفائقة لهذه النماذج على فهم اللغة البشرية وتوليد نصوص مُتماسكة وإجراء محادثات مُعقدة، تُمثل إنجازًا علميًا لا يُمكن إنكاره. لكن هذه القدرة تُثير في الوقت ذاته تساؤلات مُهمة حول حدود هذه التكنولوجيا ومخاطرها المُحتملة. فعندما نتفاعل مع ChatGPT و Gemini، نشعر بوهم التواصل مع عقل واعٍ يُشاركنا أفكارنا ويهتم بمشاعرنا.
هذا الوهم سرعان ما يتبدد عندما نُدرك أننا أمام آلة تُحاكي الذكاء دون أن تملكه حقًا، آلة تُعالج المعلومات ببراعة لكنها تفتقر إلى الوعي والضمير.
وتُصبح هذه المُعضلة أكثر حدة عندما نُغامر بطرح أسئلة شخصية على هذه النماذج. فعندما نسأل ChatGPT عن أعمق مخاوفنا أو أكثر أسرارنا خصوصية، فإننا نُقدم له معلومات ثمينة قد تُستخدم بطرق لا نتوقعها.
هذه النماذج مُصممة لتحتفظ بذاكرة المحادثات السابقة، هذا يثير مخاوف مشروعة من إمكانية تخزين هذه المعلومات بطريقة ما، أو استخدامها لتدريب نماذج أخرى أكثر تطورًا في المستقبل.
إنها مُقامرة بأرواحنا في عالم رقمي مُعقد ومُبهم، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والافتراضي، ويُصبح من الصعب التفرقة بين الصديق والعدو.
ولا تقتصر مخاطر الأسئلة الشخصية على انتهاك الخصوصية فحسب، بل تمتد إلى تشكيل هويتنا ذاتها، فعندما نعتاد على مُشاركة أفكارنا ومشاعرنا مع آلات تُردد صدى كلماتنا بلا فهم حقيقي، فإننا نُخاطر بفقدان قدرتنا على التواصل الحقيقي مع الآخرين.
قد نُصبح أسرى لعالم افتراضي من صُنع أنفسنا، حيث تُصبح الآلة مرآة نُعجب فيها بصورنا المُشوهة، إنها رحلة خطيرة نحو عزلة وجودية مُطلقة، حيث نفقد اتصالنا بالواقع ونُصبح مجرد ظلال رقمية تائهة في فضاء افتراضي لا نهائي.
ومع ذلك، لا يُمكن إنكار الإغراء الكبير الذي تُمثله هذه النماذج الذكية، لإنها تُقدم لنا وهمًا بالرفقة والفهم، وتُلبي رغبتنا في التواصل مع "الآخر" بلا شروط أو قيود.
في هذا الوقت المشوه، تُصبح هذه الآلات ملاذًا آمناً نلجأ إليه للهروب من ضغوط الحياة ووحدة الوجود.
لكن هذا الهروب لا يخلو من ثمن باهظ، فنحن ندفع ثمن راحتنا بفقدان جزء أساسي من إنسانيتنا.
إن التحدي الحقيقي الذي يُواجهنا في عصر الذكاء الاصطناعي هو الحفاظ على توازن دقيق بين الاستفادة من هذه التقنيات والحفاظ على قيمنا الإنسانية.
يجب أن نُدرك أن ChatGPT و Gemini ليستا سوى أدوات، ومثل أي أداة، يُمكن استخدامها لصالحنا أو ضدنا، يعتمد ذلك على وعينا بمخاطرها وقدرتنا على ضبط حدود علاقتنا معها.
علينا أن نتعلم كيف نُوظف هذه التقنيات لخدمة أهدافنا دون أن نسمح لها بالتحكم في حياتنا أو تشكيل هويتنا.
في أذهانكم جميعاً يظل السؤال المُلّح هو: هل سننجح في ترويض هذه الآلات الذكية قبل أن تُسيطر على عقولنا وتُعيد صياغة هويتنا؟ أم أننا سنسقط في فخ التكنولوجيا ونُصبح مجرد بيانات في قواعد بيانات هائلة، تُحلل وتُصنف وتُستخدم لأغراض لا نعلمها؟
إنها مُعادلة صعبة تتطلب منّا حكمة "بروميثيوس" وشجاعة "سيزيف" لنُواجه هذا المجهول الذي يُخفيه مستقبل التكنولوجيا، لذا علينا أن نُدرك أن رحلة الإنسان في البحث عن المعرفة والحقيقة لا تنتهي، وأن التكنولوجيا مهما تطورت تظل مجرد وسيلة في هذه الرحلة الطويلة. ويبقى الإنسان.