إله السَّماء (آن) كبير الآلهة السومريَّة
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
آخر تحديث: 21 مارس 2024 - 1:48 مشاكر الغزي
لقُدسيّة الرقم سبعة في المعتقد السومريّ؛ ضَمَّ مجمع الآلهة أو البانثيون السومريّ، سبعة آلهة كبار وُصفَوا بأنّهم: الآلهة السبعة التي تقضي، وهم: آنْ، إنليل، إنكي، نِنْخورساگ، نانَّا، أُوتُو، إينانَّا.ويعتقد أنَّ بعضهم مرتبطون بأجرامٍ سماويَّة معينة؛ والأصحّ أنّهم هم تلك الأجرام والكواكب بذاتها، فـ(نانَّا) هو القمر، و(أُوتُو) هو الشمس، و(إينانَّا) هي كوكب الزُّهرة.
وهؤلاء السبعة ينقسمون إلى مجموعتين، الأولى هي الثالوث الإلهيّ الأهمّ في بلاد سومر وهم الذين امتلكوا الشخصيَّة القائدة في هيكل الآلهة السومري، وهم: آن، إنليل، إنكي. والثانية تضمّ الأربعة الآخرين. ويلاحظ أنَّ ننخورساگ تقف كحالة وسطيَّة بين الثالوث الأهمّ، وبين الثالوث الثاني الذين هم أجرام وكواكب سماويَّة!. وهنا أتساءل: هل، فعلاً، كان السومريون متعدّدي الآلهة ــ كما يُقال ــ ولم يكونوا موحّدين؟بمعنى أنّهم لم يعبدوا إلهاً واحداً، وإنّما عبدوا هذا العدد الكثير من الآلهة التي تذكرها النصوص والأساطير، حدَّ أنَّ للفأس إلهاً! وللحبوب إلهاً! ولوجع السنِّ إلهاً! وللشفاء منه إلهاً! أم أنَّ ذلك ممّا اجترحته ترجمات المستشرقين الرُوّاد للنصوص السومريَّة؟بدءاً، لا شكَّ أنّ ترجمات الرُوّاد هي ترجمات غير متفقٍ عليها، بل ومحلّ تشكيك عند البعض، أو على الأقلّ تحتاج إلى إعادة النظر في قراءة علاماتها المسماريَّة ممّا ينعكس على تعديل تلك الترجمات، وفي مقدار أقلّ ــ مع التسليم بالترجمات كما هي ــ فلا بدّ من قراءتها قراءة أخرى تأويليَّة رمزيَّة، لا قراءةً ظاهرية، على وفق ما طرحه الأستاذ قاسم الشوّاف في مقدّمة كتابه (ديوان الأساطير) وأسماه: (القراءة الأخرى)، والتي يعدّها ضرورية لإبراز المعاني الرمزيَّة لمحتوى الأساطير، وهي التي تكشف ما يتوارى في خلفية القراءة الأولى.
يعتقد الشوَّاف أنَّ إنسان الأساطير القديم كان يرى في كلّ ما يحيط به إشاراتٍ موجَّهةً إليه؛ ولذلك فقد زوّد كلّ ما هو في الأعلى (السماء)، وكلّ ما هو في الأسفل (الأرض)، وكلّ الطبيعة، بنوايا وجعلها تمنحه مساعدتها أو تعاديه وفقاً لتصرّفاته. وقد أدرك منذ بداية تأمُّله محدوديته أمام الكون اللامحدود.وذكر الشوّاف ملاحظةً مهمّة جدّاً، وهي أنّ الجنس في الأساطير السومريَّة ليس جسدياً، بل هو ضمن رؤية اتحاد العلويّ (الروحيّ) مع الأرضيّ (الماديّ)، وهذا الاتحاد هو أساس الحياة ومبرّرها.
ويقدّم الشوّاف أمثلةً لمفردات قاموس لغة الأساطير الرمزيَّة؛ لكي يُتابَع على منوالها بغيةَ فهم النصوص السومريَّة في إطارها التحليليّ الصحيح، منها أنّ السماء ترمز إلى الأنا المحاكم. والأرض في ثمارها المتعدّدة وثرواتها ترمز لتعدّد الرغبات المادية، وهي أساس الصراعات والأزمات. ومنها أنّ العالم السفليّ يرمز إلى الرغبات المكبوتة المحمّلة بالشعور بالذنب وبعذاب الضمير المتجاوز للحدود. وملكة العالم السفليّ، هي ملكة عالم اللاوعي وخفايا الشعور وعالم كبت الرغبات غير المباحة.
وفي بحثه (معتقدات الشرق القديم: وثنية أم توحيد؟) يلخص فراس السوّاح إلى القول: إنَّ إنسان الشرق القديم لم يكن يأخذ مسألة تعدُّد الآلهة على محمل الجد، ولم تكن الآلهة المتعدِّدة بالنسبة إليه إلّا وجوهاً متكثِّرة للقدرة الإلهيَّة الواحدة. لقد آمن بألوهة منزَّهة يتوسَّل إليها من خلال إله مشخَّص هو إله المدينة أو الإقليم، الذي رأى فيه التعبير الأسمى عن فكرة الألوهة المزروعة في ضمير الإنسان.
ويبدو لي أنَّ المستشرقين الغربيين تنتابهم رغبة مُلحّة في مسألة تكثير أعداد الآلهة السومريَّة؛ حدّ أنّهم أضفوا صفة الألوهيَّة على بعض الجمادات والأجرام كالمياه المالحة والطمي والشمس والقمر، وبعض الظواهر الطبيعيَّة كالرياح والعواصف والبرق والأوبئة والطاعون، وبعض الملوك البشريين كدوموزي وگلگامش؛ والسبب وراء ذلك يمكن ردّه إلى واحدٍ من ثلاث:
الأول: رغبةُ أغلبِ الغربيين في أنْ تكون ديانات الحضارات القديمة تعدّدية؛ ولا أستبعد أنّها ردّة فعل نفسية تجاه الأديان التوحيديَّة، وقد صرّح بعض المتأخرين، أنّ تعدّدية الآلهة هي الظاهرة الأساسية في الأديان القديمة، وأنّ فكرة الإله الواحد ظهرت في وقت متأخّر لأغراض إيديولوجيَّة!.
الثاني: يلاحظ بوضوح أنّ المستشرقين أسقطوا تصوّراتهم عن الآلهة الإغريقيَّة التي لها كينونة جسدية ولها كلّ أخطاء وخصال البشر على معتقدات السومريين الإلهيَّة؛ فآلهتهم ــ بحسب جورج رو ــ تأكل وتشرب وتثمل وتتخاصم وتتحارب وتتألّم.
الثالث: العلامة المسماريَّة الصورية القديمة ( ) التي تقرأ: آنْ، وتعني: السمّاء، أو الأعالي. والتي هي العلامة الاسمية لكبير الآلهة آن، إله السماء. يقول الشُرَّاح أنّها في الأكادية صارت تُقرأ: دِنْگر (dingir) وتعني: إله؛ وعُوملت كمحدّد يسبق أسماء الآلهة!.والصحيح أنّ السومريين استخدموا هذه العلامة لتمثيل وكتابة اسم آن، ولتأدية معنى: السماء أو الأعالي أيضاً؛ وبالتالي فحين ترد هذه العلامة في نصّ سومريّ، فالسياق يحدّد إذا كانت تعني آن (الإله) أو السماء، ومن يدري فلعلّهم لم يكونوا يقصدون بها إلهاً محدّداً، بل كانوا يمنحون السماء صفات الألوهيَّة كنوعٍ من الإقرار بأنّ القضاء والقدر كلّه يأتي من جهة السماء!.
ويلاحظ أنّها تُترجم إلى كلمتين: الإله آن، فيا تُرى هل هذه العلامة تعني: إله أم تعني آن (اسم الإله)؟ من الواضح جدّاً أنّها تعني آن فقط، وهي تعبيرٌ عن العلوّ والسموّ؛ ولذلك فهموا أنَّها تؤدّي معنى السماء، وحين وجدوا بعض الأساطير تنعت السماء بصفات الفاعل المفكّر، فضلاً عن تمتّعها بقوى خارقة فوق بشريَّة، استنتجوا أنّ المقصود هنا، ليست السماء، بل إله في السماء اسمه آن. وبالتالي فهي لا تعني حرفياً: الإله آن، بل تعني فقط: آن، والذي يتمتّع ــ بحسب الأساطير ــ بصفات إلهيَّة.
وتبعاً لهذا الفهم؛ فلا يمكن الإقرار بأنّ هذه العلامة هي علامة الألوهيَّة، وحيثما وردت فهي محدّد على أنّ الاسم التالي لها هو اسم إله. على أنّ هذه العلامة تشير إلى وجود فرقٍ جوهريّ وأساسيّ بين (آن) الذي يوصف بأنه إله السماء وكبير الآلهة، وبين بقية الآلهة الأخرى. حيث ترمز هذه العلامة، حين ترد وحدها، إلى آن فقط، فضلاً عن أنّها تمثيل كتابيّ لاسمه. في حين أنّهم يقرّون بأنّ أسماء الآلهة الأخرى يجب أنْ تسبق بهذه العلامة كمحدّد للألوهيَّة، ولم يقولوا ذلك عن اسم آن! ولو كانت علامة للألوهيَّة لوجب أنْ تتكرّر مرتين لتعني: الإله آن.
وذلك يعني أنّ سبقها كمحدّد لأسماء الآلهة لا يعني ألوهيتهم بقدر ما يعني تبعيّتهم لآن، أو اشتقاقهم منه، وربّما يعني: مخلوقات آن (التوابع والصنائع)، أو كما يكرّر المفكّر عالم سبيط النيليّ (مرموزات وقوى كونية)، ويدلّ على ذلك أيضاً، أنّهم كرّروا هذه العلامة ثلاث مرّات للإشارة إلى أسماء النجوم والكواكب التي هي في السماء، أو من صنائع آن، في الأعالي.
وآنْ (An) أو آنُ، وفي الأكادية آنو أو آنوم، هو كبير الآلهة، أو إله السَّماء! وبحسب تعبير جورج رو فهو يجسّد (شخصيَّة السماء الجبّارة)! التي اشتقّ اسمه منها، فكلمة آن تعني: سماء في السومريَّة. وهو يحتلّ المنصب الأول في هيكل الآلهة السومري.وآن هو أعلى قوّة في الكون، وأبُ وملك كلّ الآلهة الأخرى. ولو استبدلنا كلمة الآلهة هنا بالملائكة، فسيتّضح أنّ آن (إله السماء) هو ربّ الملائكة ومالكهم. وقد كان يفصل بينهم، وقراراته ــ كقرارات الملك ــ مطلقة لا تقبل الردّ ولا الاستئناف.
وهو في الأساطير السومريَّة لم يتدخّل بصورة مباشرة في تقرير شؤون الأرض، بل بقي كرمز مهيب وغامض في السماء. وكانت أوروك مركزاً لعبادته، وفي وسطها يقع معبد كبير اسمه (إيْ ــ أنَّا) أي: بيت السَّماء.ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ العلامة المسماريَّة ( ) هي في الأصل صورة نجمة ثمانية تشير إلى الجهات الثمانية كما يقولون. وهذا يعني أنّ هذه العلامة التي تلفظ: آن، تعني أصلاً: نجمة؛ ويدلّ على ذلك هو تكرارها ثلاث مرّات لتأدية معنى الجمع: نجوم أو كواكب. وما زلنا نرسم صورة النجمة للدلالة على النجمة ذاتها!. ومن ثمّ صارت هذه العلامة ترمز إلى السماء، وما زال أطفال المدارس حين يُطلب منهم أن يرسموا سماءً فإنّهم يرسمون صورة نجمة أو مجموعة نجوم. ثمّ صارت ترمز إلى العلوّ والأعالي. وتبعاً لذلك، فالأظهر أنّ المقصود من (آن) في الأساطير والنصوص السومريَّة هي السماء وما فيها من كواكب ونجوم وأجرام وظواهر طبيعية أو كونية، ولا سيما ما يتعلّق بالزواج من (كي): الأرض، وولادة ابنيهما: إنليل وإنكي؛ إذ هما ليسا إلّا الهواء والماء. ولا شكّ أنّ خلق الهواء كان بعد خلق السماء والأرض، وربّما بعد انفصالهما عن بعض كما تقول أسطورة خلق الفأس السومريَّة: إنليل تولّى بعنايته فصل السماء عن الأرض. وهذا ذاته ما تقوله نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)، وما يمكن أن يشيَ به قوله تعالى: (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، الأنبياء: 30، وكذلك يشي بتأخّر خلق الماء (إنكي)، بعد فصل السماء (آن) عن الأرض (كي) بواسطة إنليل: الجوّ أو الفضاء أو الهواء.
وإذا ما ثبت أنّها تشير إلى إله السماء، فالأظهر أنّها تدلّ على الإله الواحد (الله)، وقد صرّح بذلك المفكّر عالم سبيط النيليّ عدّة مرّات في كتابه المهمّ (ملحمة جلجامش والنصّ القرآنيّ). كما صرّح به الدكتور خزعل الماجدي في كتابه متون سومر؛ حيث قال:
آن، إله السماء والحاكم الأعلى في مجلس الآلهة، وكان يبدو عالمياً؛ فهو إله الكون الأعظم، وهو على ما يبدو يمثّل (الله)؛ لأنّ المقابل الأكادي لعلامة آن (دِنْگر) كان يلفظ (إيلو) أو (إيل)، وهو الله.
وفي رأيي، فإنّ التحوّل الأكادي لعلامة النجمة السومريَّة ليس سوى خطوة متطوّرة في تبسيط الصور وتجريدها لتصبح رموزاً كتابية؛ فاستخدموها لتمثيل كلمتي (anum) بمعنى: آن، و(ilum) بمعنى: إله. ويقولون أنّها في المعنى الأول ترمز إلى إله السماء، وفي الثاني هي محدّد قبل أسماء الآلهة؛ فالإله شمش الأكادي، مثلاً، يكتب: šamašd، حيث ترمز d الصغيرة إلى كلمة (dingir) بمعنى: إله، والتي هي ترجمة المستشرقين لعلامة آن المسماريَّة الصورية.
والأصحّ أن لا تترجَم إلى الإله أوتو أو إله الشمس، بل: شمس السماء، أو شمس الله. وبدلاً من الإله نانّا أو إله القمر، يقال: قمر السماء، أو قمر الله. وكلّها تعابير ما زالت مستعملة في اللغة العربية، ويزخر بها الشعر العربيّ.وأعتقد أنّ العلامة المسماريَّة في مرحلتيها: السومريَّة والأكادية، تعني في الأصل: نجمة، وحيث أنّ الأكادية هي مرحلة لغوية متطوّرة فقد شهدت تمايزاً بين الدلالتين (anum) بمعنى: سماء، و(ilum) بمعنى: الله.وعليه، فلفظ الجلالة: الله، في العربية أصله من (ilum) أو (ilu) الأكادية، إنْ بمعنى: إله، أو بمعنى: المرتفع في الأعالي، سواء أكان الارتفاع في المكان أو المقام!.
وكلمة الله، كما يقول اللغويون، أصلها إله، ثمَّ إنّه لمّا كان اسماً لعظيم ليس كمثله شيء، أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو الألف واللام؛ لأنّهم أَفردوه بهذا الاسم دون غيره، فقالوا: الإله. واستثقلوا الهمزة في كلمة يكثر استعمالهم إيّاها؛ فحُذفت، نظير كلمة: الأُناس، حذفوا الهمزة فقالوا: الناس. ثمّ أدغموا اللام في اللام، فصارتا لاماً واحدةً مشدّدةً مفخّمة. فالله من إله، بمعنى مألوه أي: معبود، ككتاب بمعنى مكتوب. وأرى أنّه من كلمة (لاه) بمعنى المرتفع ــ والمرتفع من الأسماء الحسنى ــ وفُخّمت اللامان في أل التعريف ولاه، وكلاهما مرقّقتان؛ لغرض الإجلال والتعظيم، والدليل أنّ العجم وبعض الأطفال ما زالوا يلفظون: الله، بالترقيق!.
وبإعادة النظر في نقحرة (a)؛ ولفظها همزة عربية (أ) بدلاً من المدّة (آ) كما يلفظها الغربيّون؛ ستكون الكلمة السومريَّة هي (أَنْ). وبالمقارنة مع العربية، فنحن نعرف جيّداً أنّ ضمير المتكلّم (أَنَا) هو اسمٌ مُكنَّى! وأصله (أَنْ)، وإنّما بني على الفتح للتفريق بينه وبين (أَنْ) الحرف الناصب للفعل المضارع، وألفه الأخيرة إنّما هي لبيان الحركة؛ ولذلك فهي تكتب ولا تلفظ إلاّ في الوقف أو ضرورة الشِّعر.
ومن الطريف أنّ هذا الضمير ــ مثل الله ــ لا يُثنَّى ولا يجمع ولا يُضاف!.
والذي له الحقُّ المطلق في أن يقول: أنا، هو فقط إله السماء الأعلى (an)؛ فهو الذي يُمجِّد نفسه قائلاً: أنا الجبَّارُ، أنا المتكبِّر، أنا الملكُ، أنا المتعالي. وفي كلّ ليلة يقترب من عباده قائلاً: أنا الملكُ، أنا الملكُ، من ذا يسألني فأعطيه؟. وفي يوم القيامة، يقول: أنا الملكُ، أنا الديَّانُ. وفي التوراة، يقول: أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّص.ولذا كُره لغيره أن يقول: أنا! كما قال إبليس والنمرود وفرعون. وفي المأثور، أنّ جابر بن عبدالله، دقَّ الباب على النبيّ؛ فقال: من ذا؟ فقال جابر: أنا. فقال النبيّ: أنا أنا. وكأنّه كَرِه ذلك. وفسّر ابن الجوزيّ هذه الكراهية بوجهين، أحدهما أنَّ لفظة (أنا)، من غير أن يُضاف إليها فلان، تتضمَّن نوعاً من الكِبر؛ كأنّه يقول: أنا الذي لا أحتاج أن أُسمّي نفسي أو أتكبّر على تسميتها؛ فكُره ذلك حدَّ النهي عن قولها على سبيل التفاخر والتكبُّر!. وقالوا أنَّ الضمير (أنا) حين يأتي هكذا؛ يدلُّ على العظمة والعُجب والكبرياء؛ إذ فيه الكثير من مظاهر الاستعظام والاستحسان والترفّع والزهو والإعجاب بالنفس، وهذه كلّها صفـــــــــاتٌ تختصُّ بالله؛ وقد ورد في الأثر: إيّاكم والكبر؛ فإنَّ الكبر رداء الله.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: هذه العلامة أنا الملک ترمز إلى إله الس أن ها ت ة التی
إقرأ أيضاً:
الدرديري.. كيف أنزلتم “عربان الشتات” من السماء؟
صلاح شعيب
هذا المقال لا يحاجي كثيراً حيثيات وزير الخارجية الإنقاذي الأسبق د. الدرديري محمد أحمد في ما سماه مخطط عربان الشتات لجعل السودان وطناً بديلاً لهم بمعاونة فرنسا، وقوى الحرية والتغيير، والإمارات العربية المتحدة، كما قال. وإنما يدور المقال حول الأسباب التي منعت قيام حركته الإسلامية بإيقاف هذا المخطط، وهو بهذه الخطورة التي أبانها الدرديري في كتاباته، وتسجيلاته الأخيرة. فالدكتور يدرك أن برلمان الحركة الإسلامية هو الذي قنن وجود الدعم السريع - لا قوى الحرية والتغيير - وأن البرهان سحب المادة خمسة - لا الدقير - وأن الشيخ عبد الحي يوسف - لا العلامة عبد المحمود أبو - هو الذي شكر الله لكونه أرسل الدعم السريع هديةً من السماء لفض اعتصام القيادة العامة. فضلاً عن ذلك فإن اللائي وصفن جنود الدعم السريع بالأشاوس هن نساء المؤتمر الوطني في احتفالهن بقاعة الصداقة، وليس نساء منظمات المجتمع المدني اللائي شاركن في إسقاط المشروع الحضاري. كل هذه الشواهد، وأخرى كثيرة، تنسف حجج الدرديري، وتجعله مجافٍ لتبيين الحقائق. ذلك حين عمل على تحميل وزر التآمر مع عرب الشتات على قوى الثورة، والتي لم توظف مليارات الدولارات لصنع المليشيات كما فعل المؤتمر الوطني، وما يزال الدرديري بالضرورة يعلم الآن أن هذا النهج الخبيث لزملائه في استنساخ المليشيات سائد إلى يوم الناس هذا. ولكن يسكت الدرديري الآن عن نقد إعادة إنتاج قوى عسكرية تحارب لصالح الجيش ما دام هذا الاتجاه الذي أوصلنا للحرب يخدم تنظيمه. ولعل الأستاذ الجامعي سيخرج يوماً للناس متأخراً ليقول بأن الحركات المسلحة الداعمة للجيش ليست سوى حركات لها أجندات جهوية إن لم تكن قبلية. فوزير الخارجية الأسبق كان مع نظامه يتحالفون مع روسيا للوقوف ضد إدانة الدعم السريع حينما كنا ننتقد انتهاكاته، وكانت أداة الدفاع الأولى للوزير الدرديري في الأمم المتحدة هو السفير دفع الله الحاج علي الذي استمات في تمثيل الدرديري في محاشاة النقد الذي وُجه للنظام السابق، وهو يوظف الدعم السريع لارتكاب جرائم أرادها ضد المدنيين. إن الدرديري بجانب القيام بأعباء هذا المنصب الذي يمثل خط الدفاع الأول إزاء المؤامرات المحاكة ضد تنظيمه كان أيضاً من المتنفذين الكبار القانونيين داخل النظام الذي رعى الدعم السريع بذرة حتى غدا شجرةً ليحقق تطلعات المخدم أولاً، وتجذير المخدمين أنفسهم في المشهدين السياسي والعسكري، ولاحقاً الاقتصادي. وذلك دون التبصر لانتقادات قوى الثورة لهذا النهج الذي رأت أنه يعقد مشكل البلاد. ولكن الدرديري آنذاك كان يرى في الدعم السريع الأداة التي تحمي المشروع الحضاري الخرب من جهة، وتقلم أظافر الثوار الذين يصوبون على حائط المدينة من الجهة الأخرى. الحقيقة أن مشكلة الإسلاميين كما نقول دائماً تتمثل في افتقادهم للصدق مع الله، وشعبهم، وأنفسهم، ومراهنتهم على إمكانية تغييب عقلية الشعب السوداني، ذلك برغم أن الوسائل التي يتخذونها لتمرير حججهم، وأكاذيبهم، لا يمكن أن تنطلي على ذهن الرأي العام السوداني المؤثر. فمسؤولية الدرديري وفقاً لوقائع الحال قد تقصرت آنذاك في إحاطة حزبه بتآمر عرب الشتات، وعندئذ يبقى لو أنه أخفى حقيقة وعيه بتآمرهم فإنه يغدو من الخائنين للتنظيم، والوطن معاً. وأما لو سكت بحجة أن الدعم السريع قد خلقه رئيسه البشير ليكون أداة باطشة توطن للاستبداد، فهنا تسقط حجج الدرديري الأخلاقية المطروحة الآن لرمي الآخرين بالداء لينسل. ذلك لأن انتهازيته منعته من كشف مخبوء التآمر على البلاد، ففضل الصمت حتى يترقى وزيراً يوماً. ولكل هذا يكون الوزير السابق مفارقاً للأمانة الدينية والعلمية والأخلاقية وهو يلقّي مسؤولية استشراء الدعم السريع في المشهد السوداني على قوى سياسية هي نفسها ضحية لاستبداد إسلاموي مدعوم بمليشياته. إن عقلية الدرديري التي تتكسب بتشويه الحقائق لا تختلف عن عقلية زملائه الذين كانوا أيام الحراك الثوري قد ركبوا الموجة، ولكن بهدف تشتيت أهدافها. إذ حاولوا تحميل أزمات البلاد للرئيس السابق عمر البشير، وليس الحركة الإسلامية. بل أنكر أحد الأكاديميين الإصلاحيين البدريين حقيقة انتماء البشير للحركة الإسلامية أصلاً. ذلك رغم أن الترابي في شهادته لقناة الجزيرة قال إن الجبهة الإسلامية القومية أرسلت للبشير عربة لتقلّه إلى الخرطوم قبل الانقلاب بيومين. سعي الدرديري لتحميل قوى الثورة مسؤولية الفشل الحربي لتنظيمه في القضاء على الدعم السريع لا يمثل إلا نوعاً من الكسل الذهني، والتهرب من نقد زملائه الذين دبروا لهذه الحرب. فتعليق المشجب على قوى الثورة لا يساعده في محو الحقيقة المعروفة، وهي أن من يسميهم عربان الشتات ليسوا كائنات فضائية هبطت من السماء. فهم سودانيون مهمشون موجودون في باديتهم القصية، إذ لا يملكون قبل الإنقاذ سلطة تخول لهم الاستحواذ على السلطة. ولكنه هو إجرام قادة الحركة الإسلامية الذين سعوا إلى تجنيدهم للدفاع عن السلطة الشمولية، بذات الكيفية التي أعاد بها الإسلاميون إنتاج تجنيد موسى هلال أثناء هذه الحرب، بيد أن قادته العسكريين أخذوا سلاح الجيش، ووقفوا مع أبناء عمومتهم. والدرديري كما نعلم كان يتابع هذا المشروع العرباني من أوله إلى آخره، ولم يفتح الله عليه أن ينبس ببنت شفة. والآن فقط اكتشف أن مشروع تقنين المؤتمر الوطني للدعم السريع في التربة السياسية ليس سوى مؤامرة من قوى الثورة بجانب آخرين لتغيير الطبيعة الديمغرافية لأرض الهجرتين، والتي استوعبت الدرديري كما استوعبت غالب السودانيين منذ أزمان سحيقة. إذن فلماذا استخدام خطاب الكراهية ضد أهله الممتدين على مستوى الحزام السوداني، والذين منعت الحكومات المتعاقبة حصولهم على فرص التعليم والتنمية ليتطوروا حتى يندمجوا في بنية المجتمع وتتوفر أمامهم فرص التوظيف، والتي أتيحت للدرديري لكونه إسلاموياً، وخادماً للنادي السياسي المركزي. أوليس الدرديري يعلم أن وضعية هؤلاء العربان تخلقت ضمن تفاعلات وتعقيدات علاقات الإنتاج التي تحتكرها السلط المهيمنة في البلاد. وهي التي قادت الدرديري لتسنم المنصب الذي لا يمكن أن يحوز عليه حفدة هؤلاء العربان في المستقبل إلا إذا استوت البلاد على هدى شعار حرية، سلام، وعدالة. إن مصطلح عربان الشتات - من جانب آخر - لا يقوم من الناحية العلمية على أساس معرفي غير أنه صادر عن ذهنية جاهلة تجلد ذاتها ثم تحمل مسؤولية أفراد من القبيلة على المجموع من قبائل، وهي كلها تعاني التهميش من نخب كل دول الحزام السوداني. بل ويوظفونها في صراعاتهم للإبقاء على ديكتاتوريات غليظة الطبع على مجمل سكان القطر. الدرديري كعادة الكيزان وظف - وهو القانوني المحاضر - شواهد هي الأخرى محل شك في صدقيتها لكونها منتجة بواسطة استخبارات نظامه الذي يغذي خطاب الكراهية، ويفتت وئام المجتمعات السودانية. وقد شاهدنا الدرديري يرفض تحميل د. عشاري محمد محمود قبيلته مسؤولية انتهاكات الدعم السريع، ويعده منتجاً لخطاب الكراهية بينما يسهل، ويجوز، له تحميل من يسميهم عربان الشتات كامل مسؤوليات انتهاكات الدعم السريع. وذلك هو عوج التعميم المخل الذي يبقي الخلاف مع مجموعة منهم هم من أبناء السودان، ولا يمثلون - عند ضرورة النظر لوضعهم قانونياً - غالبية هذا المكون الإثني في السودان، وخارجه. ولكنه الدرديري هنا يقع تحت ضغط مفاهيم مركزية توطنت بان كل عمل يقف وراءه أبناء غرب السودان ومناطق النزاع إنما هو مؤامرة عنصرية. وقد وقفنا على وصف مركز السلطة الديكتاتوريين لانقلاب حسن حسين ومذبحة قصر الضيافة ويوليو ١٩٧٦ وانقلاب فيليب غبوش والذراع الطويل للعدل والمساواة وربط حراك سبتمبر بالحركات المسلحة. في كل هذه الحركات المطلبية المسلحة يغدو المؤامرة التي تماثل مؤامرة الجنوبيين وأبناء مناطق النزاع الوصمة التي تقابلهم. والدرديري متعلم مطيع لهذه الشفرات العرقية التي تستخدمها الدولة لا بد، ولذلك يضحي بمن يجمعه معهم الرحم حتى يثبت إخلاصه لشروط النادي السياسي. وكذلك يتحايل الدرديري على هذا التناقض في حكمه فيخلص إلى توجيه رسالة للخلص من عربان الشتات ليلتزموا بما يرى. فإذا كان يوقن حقاً أن من بينهم الخُلص فما الذي لا يحمله على الاختلاف معهم كأبناء وطن مثلما يختلف السودانيون مع الرموز والقادة السياسيين للبلد دون أن يحملوا قومياتهم مسؤولية وزرهم، وهم ذات الجماعة الإثنية التي اعترف بها المؤتمر الوطني وجندها لخدمته. لكن يبدو أن الدرديري يقفز بعقله الإسلاموي المغرض فوق أدبيات الخلاف السوداني - السوداني، وبالتالي ينتقم من عربان الشتات بعقلية إسلاموية لكونهم "فقط" ساهموا في إنهاء المشروع الحضاري أكثر من كونهم يسعون لابتلاع كامل البلد، وتوطين أنفسهم فيها، أكثر مما وطنتهم وزارات داخلية الإسلاميين وحمتهم خارجيته، وسمسرت في بعثهم لليمن كسودانيين بأرقام وطنية، وليسوا كعربان شتات. كذلك فإنه من حيث أراد الدرديري الإساءة لهذه الجماعة الإثنية التي يعرف الدرديري وجود إداراتها الأهلية داخل البلاد فقد أساء لأبناء من عربان الشتات أنفسهم الذين يقفون الآن بجانب الدولة، ويقتتلون للزود عن حياضها. فنحن نعرف أن الدرديري نفسه هو منتج جيني لما يسميه عربان الشتات، وإن توفرت له ظروف اجتماعية محددة وصار دكتوراً، فإن درجته العلمية لا تلغي حقيقة أنه ابن الحزام السوداني، وهو ذات الحزام الذي يجمعه إثنياً مع هؤلاء العربان. وهم في الواقع لا يختلفون عن العرب الذين حاول الدرديري تمييزهم عن العربان بشكل لا يستقيم جينياً، أو لغوياً، أو لسانياً. فالعربان هم عرب على كل حال، ففيهم الطالح، وفيهم الصالح، اللهم إلا إذا كان الدرديري بسكه لهذا المصطلح ينوي عدم النظر إليهم كجماعة عرقية أوجدتها حكمة الله على امتداد الحزام السوداني ليندمج في دورة الوطنية من لقي الحظوة التعليمية والخدمية مثل الدرديري، ويلقي حتفه في جبال اليمن. ولو أن من الحكمة القول إن تعرض عرب الحزام السوداني للإهمال الحكومي في كل الدول التي ينتمون إليها مما يجب تعميق درسه، فهم أصلاً ضحايا الاستعمار، فهم كذلك ضحايا المناخ، والطبيعة من ناحية، وسلطات الاستبداد التي تستخدمهم لأداء الدور الارتزاقي في اليمن من ناحية أخرى. ومن ناحية ثالثة فهم بالكاد ضحايا النخبة المثقفة في هذه الأوطان التي لم تسع للاعتناء بهم تنموياً ضمن اعتنائها بمركباتها المجتمعية، وتوفير مناحي الصحة والتعليم في بواديهم حتى ينجحوا كما نجح الدرديري في تجاوز خيار العسكرية المتاح فقط أمام أبناء المسيرية الذين يقتتلون بعضهم بعضاً في جانب، وضد مكونات عرقية في وطنهم كما أرادت الدولة المركزية في الجانب الآخر. لم يكن الدرديري ليملك مسلكاً معرفياً في محاولته فذلكة مصطلح العربان ليربطهم فقهياً بمصطلح الأعراب الذي حمله مدلولات سالبة وفق بعض التفسيرات الدينية. ذلك إلا إذا كان الدرديري يريد بذلك تغذية خطاب الكراهية الذي رمى به عشاري، بحيث أن يحمل أهله عرب السودان، والنيجر، وتشاد، ومالي، مسؤولية أخطاء جسيمة مسؤولة عنها الحركة الإسلامية بدرجة أولى. وهي ذات التنظيم الذي صنع شعبة القبائل في جهاز الأمن لخلق الصراعات القبلية في عموم السودان حتى يستطيع الإسلاميون اختراق هذه القبائل، وتجييرها لصالح مشروعهم السياسي. إن الدرديري نفسه ضحية وعيه، فلا أسباب تحصيله العلمي، ولا القانوني، ولا الإنساني، أسعفته على مخاطبة جذور الأسباب التي مكنت من سماهم عربان الشتات في دعم الكيزان أولاً ثم منازلتهم بشراسة، ولا وجد منهجاً جامعاً يقارب به أزمة الوجود السوداني الذي سببه شبق النخب المركزية التي رأيناها تاريخياً تضرب المكونات المجتمعية للوطن بعضها بعضاً حتى يتيسر لها حيازة السلطة، والثروة، والنفوذ. فالفشل في مقاربة حقيقة عربان الشتات - بكل ذيولها المجتمعية المعقدة المنتجة عبر الظاهرة الاستعمارية للأوطان الأفريقية - يكمن في استمرار العقلية المركزية الانتهازية التي ورثها الإسلاميون، وطوروها لاستدامة عمر الأزمات في الدولة القطرية، عوضاً عن اجتراح منظور سياسي حديث يعالج الإشكالات التاريخية ببصارة العلوم السياسية الحديثة. ولكن أنى للدرديري، وبقية زملائه، التفكير في حل هذه الأزمات من خارج مربع الصندوق الأيديولوجي الذي يجعل من الدرديري نفسه، ونخب الهامش والمركز، أدوات طيعة للأوليغارشيا المركزية المتوطنة بأسباب الاجتماع، والاقتصاد، واستغلال الدين، ضمن تحالفاتها الطفيلية المحلية، والإقليمية، والدولية. اعتقد أن القراءة الجادة والعملية لحالة بروز الدعم السريع والحركات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها في سطح الممارسة السياسية للمشروع الحضاري الطفيلي ستجوهر هذه الأجسام العسكرية كأعراض لأزمة وطنية أكثر من كونها مرتبطة بأحداث التاريخ، والذي يغير مجراه جدية الكاريزمات الفكرية والسياسية في مركز السلطة. ولذلك تبقى معالجة هذا المشكل المجتمعي من زاوية إبستيمية تأخذ بأسباب تعقيدات الظروف التاريخية والاجتماعية التي نشأت فيها عرب الحزام السوداني. إذ لا منجاة من استخدام الإطار المعرفي الأوسع الذي يبتعد عن عرقنة الصراع، والنظر إلى قضايانا المعقدة من هذه الزاوية الضيقة. ولكن الثقوب في معرفة الكادر الإسلاموي، وعجزه عن امتلاك أدوات معرفية، تقوده دائما إلى تفجيره الأزمات في الدولة القطرية السودانية، ومناطق أخرى من الكون. ولو فقد السلطة فإنه بكل خفة ذهنية يعمل على التهرب من أفعاله المنكرة ليرمي إخفاقه على الآخر الذي صنعه بعقله الشرير. فالدرديري مثقف القبيلة، والتنظيم، والسودان، المفترض فيه توظيف العلوم الإنسانية لبحث ظاهرة الدعم السريع لا يقوده صدقه إذا أعمله بجدة إلا لمراجعة جرم الذات، وكذلك خبل النظرية الفكرية التي اعتمد عليها تنظيمه في مقاربة القضايا السودانية. وعندئذ ستتمظهر له أن ما فعله الإسلام السياسي في أرض السودان جعله هو الأزمة، وليس الحل. ولكن من أين يتأتى للدرديري، وسائر الإسلاميين، إمكانية نقد ذواتهم بأمانة علمية، وجرأة فكرية، ومساءلة ضمائرهم الشريرة في تعميق مشاكل البلد التي أورثوها حتى طغى الدعم السريع على الجيش ميدانياً. الدرديري مما بدا بهذه المحاجة بحاجة إلى أن يفارق ضعفه الفكري، والأخلاقي، حتى لا يحمل فشل الإسلاميين في السلم والحرب على قوى ثورة ديسمبر ليقول بأنهم متآمرون مع عربان الشتات لتوطينهم في البلاد. ذلك لأن أحزاب قوى الثورة جميعها كانت تنتقد اعتماد نظام المؤتمر الوطني على الدعم السريع لترسيخ الشمولية، فيما كان الدرديري القانوني يصمت أثناء زهو الإسلاميين بسلطان الاستبداد، وتمرير برلمان حزبه الذي قنن وجود الدعم السريع، ووفر له الغطاء الاقتصادي، المحلي - جبل عامر، والإقليمي - حرب اليمن، ودولياً سمسروا به لدى الاتحاد الأوروبي لإيقاف الهجرة لأوروبا، وأكثر من ذلك بأن جعل مرؤوسو الدرديري الدعم السريع قادراً على حماية توزير الدرديري قبل أن تطيح الثورة الظافرة بكامل الوضع السياسي الذي فيه برز كقانوني، ودبلوماسي، وسياسي، خالٍ من القدرة على امتلاك العرفان الإنساني، والصدق الأخلاقي، لمراجعة تجربة سياسية قميئة أنتجت مليشياتها لصالح استبداد قاتل لا يماثله سوى فعل النازية.
suanajok@gmail.com