الأردن – قررت إسرائيل في عام 1968 القضاء على المقاومة الفلسطينية التي انتقل مقاتلوها إلى الأردن بعد نكسة عام 1967. حشدوا لعملية سميت “الجحيم”، قوة كبيرة معززة بالمدرعات والمظليين والطيران.

استعد الجيش الإسرائيلي في سرية تامة كما هي العادة لعملية “الجحيم”، وكانت العملية الكبيرة الأولى للفريق أول حاييم بارليف الذي كان عين مؤخرا حينها رئيسا لأركان الجيش، إلا أن الاستخبارات الأردنية رصدت التحركات العسكرية الإسرائيلية بما في ذلك استدعاء الاحتياط، واستعد الجيش الأردني لإحباط الهجوم الإسرائيلي.

كانت خطة الهجوم الإسرائيلي تفترض أن ينطلق رتلان من المدرعات ويعبران الحدود من جسري الملك حسين “اللنبي سابقا” وداميا، وأن يتم بهجوم سريع حصار مدينة الكرامة من الشمال والجنوب، فيما تتولى كتيبة المظليين من اللواء 35 المحمولة على المروحيات اقتحام المدينة والانخراط في قتال شوارع هناك.

في ذلك الوقت كانت وحدات من الجيش الأردني تتكون من حوالي مائة دبابة “إم-60” و80 قطعة مدفعية متمركزة في التلال المحيطة بالوادي بأمر من العاهل الأردني لملك حسين بن طلال، وكان الجنود الأردنيون قد حفروا الخنادق استعدادا للمعركة المرتقبة.

عبرت وحدات من ألوية المشاة الإسرائيلية المعززة بدبابات “إم – 51 شيرمان”، الحديثة في ذلك الوقت، وحاولت التوغل من ثلاثة محاور عبر جسور سويمة والملك حسين وداميا، كما تم في نفس الوقت إنزال كتيبة من المظليين الإسرائيليين بواسطة مروحيات شمال مدينة الكرامة الأردنية الواقعة شرقي نهر الأردن قرب جسر الملك حسين.

واجهت نيران الجيش الأردني على الفور القوات الإسرائيلية المتقدمة ونشبت معركة عنيفة بين الجانبين استمرت 15 ساعة استخدم فيها الإسرائيليون الدبابات والمدفعية والطائرات الحربية. تعرضت مدينة الكرامة التي لم تستطع قوات المظليين الإسرائيليين الوصول إليها إلى تدمير كامل، ولم يكن أمام القوات الإسرائيلية المهاجمة إلا الرجوع خائبة من حيث أتت.

الفرار من أرض المعركة لم يكن سهلا على الإسرائيليين ولم يتمكنوا من إخلاء آلياتهم المعطوبة، واللافت أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن حتى من سحب جثث قتلاه، وقد سُجل أن هذا الأمر لم يحدث من قبل.

الأردن أعلن عن تدمير 45 دبابة إسرائيلية و25 عربة مجنزرة، و27 ألية عسكرية أخرى من مختلف الأنواع، علاوة على إسقاط 5 طائرات إسرائيلية، في حين اعترفت إسرائيل بإسقاط طائرة واحدة من طراز “داسو”، بنيران المضادات الأرضية الأردنية، في حين خسر الجيش الأردني 10 دبابات ومدفعين و10 أليات مختلفة.

إسرائيل بدورها اعترفت بمقتل حوالي 30 جنديا إسرائيليا وإصابة 70 آخرين أثناء القتال بالقرب من مدينة الكرامة، إضافة إلى تدمير 4 دبابات لها وعربتين مدرعتين وناقلتي جند مدرعة، وإعطاب 27 ألية أخرى.

بعد انتهاء معركة الكرامة بعدة أيام، جرى الاتفاق على التبادل، وأعاد الأردن جثث الجنود الإسرائيليين مقابل أسرى أردنيين وفلسطينيين، ودوت حينها عبارة العاهل الأردني الملك حسين بن طلال الشهيرة من أرض المعركة: “كلنا فدائيون من أجل فلسطين”.

كما حقق الأردن انتصارا سياسيا بعد الانتصار العسكري في معركة الكرامة. مجلس الأمن أصدر في 25 مارس 1968 بعد أربعة أيام من المداولات المطولة القرار رقم 248 الذي أدان الهجوم الإسرائيل، واعتبر انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات وقف إطلاق النار السابقة.

المصدر: RT

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: الجیش الأردنی مدینة الکرامة

إقرأ أيضاً:

خلية الإخوان الأردنية رسالة للعواصم العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

لم يتردد الرئيس عبدالفتاح السيسي في الإتصال تليفونيًا بالملك عبدالله عاهل الأردن ليعبر له عن تضامن مصر مع الأردن في مواجهة الإرهاب، جاء ذلك بعد أن أعلنت الأردن عن ضبط خلية إخوانية تستعد بالسلاح، والغريب في أمر هذه الخلية هو أنها تأتي في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الخيوط، تعود جماعة الإخوان المسلمين لتكشف عن وجهها الحقيقي، وجه لا يعرف للوطن حرمة ولا للاستقرار قدسية، وهذه المرة، جاء العبث من بوابة الأردن، حيث أعلنت السلطات الأمنية عن إحباط مخطط خطير تمثّل في ضبط خلية إخوانية كانت تعمل على تصنيع أسلحة وصواريخ محلية داخل الأراضي الأردنية، في محاولة مريبة لخلق بؤرة توتر جديدة في المنطقة.

ليست هذه المرة الأولى التي يتورط فيها الإخوان بمخططات تهدد كيان الدولة الوطنية، لكنّها تأتي في سياق إقليمي ملتهب، وبعد شهور من الخراب الذي خلفته حماقات جناحهم العسكري في غزة – حماس – التي ساهمت في تدمير القطاع وجرّته إلى حرب شعواء تحت وهم "المقاومة"، بينما لا تدفع الثمن إلا الشعوب.

هنا نطرح سؤالًا مهمًا، وهو هل فقد الإخوان صوابهم تمامًا، أم أنهم باتوا شركاء علنيين في مشاريع الفوضى والتخريب؟ أهي مصادفة أن تنكشف خلية تصنيع الأسلحة في الأردن، بينما يتحدث إعلامهم عن "تحرير الأوطان"؟ أم أن الهدف الحقيقي هو ضرب استقرار الدول من الداخل، تحت عباءة مهترئة من الشعارات الدينية؟.

جماعة الإخوان لم تؤمن يومًا بفكرة الدولة الوطنية، بل اعتبرت الأرض مجرد محطة على طريق "الخلافة"، والوطن مجرّد وسيلة لخدمة مشروعها الأيديولوجي، هذا الفكر هو ما دفعهم إلى تبرير العنف وشرعنته، كما يظهر في أدبياتهم، كقول حسن البنا: "لا يصلح الناس إلا الحديد والنار"، وكما تجلى في تحريض سيد قطب على الخروج على الحاكم، معتبرًا المجتمع الجاهلي ميدانًا للجهاد.

ما حدث في غزة خير دليل على هذا الانحراف، فقد تحولت المقاومة إلى سلطة ديكتاتورية، تُضيق على أهلها، وتحتكر السلاح، وتدفع بالأبرياء إلى الموت، بينما قياداتها تنعم في أماكن آمنة.. أما في الأردن، فالمخطط الذي تم ضبطه ليس مجرد حادث أمني، بل جرس إنذار لكل الدول التي ظنت أن الإخوان قد تخلوا عن منهج العنف، أو أدركوا خطورة ما زرعوه من خراب في الإقليم.

لقد بات واضحًا أن جماعة الإخوان لا تتعلم من دروس التاريخ، ولا تكترث للدماء التي تسيل، ما دامت تخدم مشروعها المغلق. ولذلك، لا بد من مواجهة هذا الفكر بأدوات واضحة وشاملة، تبدأ أولًا بتجريم كل أشكال التمويل والتحريض، وتفعيل القوانين التي تجرم تشكيل التنظيمات المسلحة، ولو تحت شعارات دينية، كما يجب أن تتسع المواجهة لتشمل الساحة الفكرية، من خلال تفكيك خطاب الجماعة، وكشف تناقضاته، ومواجهة دعوات العنف بالنقاش العلمي والديني الرصين، الذي يضع الوطن فوق كل اعتبار.

وبعيدًا عن الحادثة الأخيرة، فإن تعاظم تدخل الإخوان في الأردن لا يخفى على أحد، فمنذ عقود وهم يحاولون التغلغل في مفاصل الدولة، مستخدمين أدوات النقابات، والتعليم، والعمل الخيري، وحتى العمل السياسي، كحصان طروادة لمشروعهم، تحالفات مشبوهة وتمويلات من الخارج، وخطابات مزدوجة بين "الانتماء للوطن" في العلن، و"نصرة الأمة" في السر، حتى بات الأردن ميدانًا لمعارك إخوانية لا تراعي مصلحة الشعب ولا سيادة الدولة.

وكان أخطر ما روجوا له في الأردن – كما في غيره – هو فكرة أن الدولة القُطرية كيان مؤقت لا قيمة له، وأن الولاء يجب أن يكون فقط "للأمة الإسلامية" أو "الخلافة". وقد قال حسن البنا بصراحة: "فكرة الوطنية القُطرية من دعاوى الجاهلية، ومصلحة الأمة في أن تزول هذه الحواجز المصطنعة بين أجزاء الدولة الإسلامية الواحدة" وهي العبارة التي تفسر لماذا تحوّلت كل أرض دخلها الإخوان إلى ساحة صراع وخراب.

نموذج حماس في غزة صارخ في فضحه لحقيقة هذا الفكر، فمنذ أن استولت على القطاع بقوة السلاح عام 2007، غرقت غزة في ظلامٍ سياسي واقتصادي واجتماعي، الحريات مُصادرة، المعارضون في السجون، ومئات الملايين من المساعدات تُديرها الحركة كدولة موازية لا تخضع لرقابة أو محاسبة، تحت شعار "المقاومة"، أنشأت حماس منظومة اقتصادية موازية، تحتكر فيها التجارة، وتمرر عبر أنفاقها ما لا تراه الدولة مناسبًا، والنتيجة خرابٌ فوق خراب، وآلاف القتلى، بينما قادة الحركة يتنقلون بين العواصم الفاخرة.

وفي مصر، حين وصل الإخوان للحكم، لم تكن خطتهم إنقاذ الدولة، بل إعادة تشكيلها على مقاس مشروعهم، ففتحوا السجون، وعينوا أعضاء الجماعة في المناصب الحساسة، وتحدث بعض قادتهم صراحة عن "الحرس الثوري المصري"، واستقبلوا وفودًا من حماس في قصر الاتحادية وكأنهم أصحاب الدار. وحين خرج الشعب ضدهم، كانت رسالة الإخوان واضحة: إما نحن أو الفوضى.

في سوريا، انخرط الإخوان في العمل المسلح وساهموا في عسكرة الثورة، بدلًا من الحفاظ على مسارها السلمي، لتتحول البلاد إلى ساحة حرب إقليمية مفتوحة.. وفي ليبيا، دعمت الجماعة ميليشيات مسلحة سعت لتقويض الحكومة الشرعية، تحت غطاء "الثوار"، ليغدو المشهد الليبي اليوم ممزقًا بين سلاح الإخوان ونفوذ الخارج.

أما في السودان، فقد تحالف الإسلاميون مع نظام البشير، وهيمنوا على مؤسسات الدولة، واستخدموا نفوذهم في قمع المعارضين وإقصاء كل من لا ينتمي لمشروعهم، وكانت النتيجة أن انفصل الجنوب، وتفككت الدولة، وتراجع الاقتصاد، وعادت البلاد إلى المربع الأول من الحرب والفوضى.

كل ذلك كان يُسوّق بخطابٍ واحدٍ متكرر "نحن لا نعترف بحدود سايكس بيكو، ولا نعترف إلا بالأمة الإسلامية الواحدة"، وهذا ما صرح به يوسف القرضاوي أكثر من مرة، وكرره كثيرون من قادة الجماعة في مناسبات متعددة، مؤكدين أن "الانتماء للأمة أهم من الانتماء للوطن"، و"راية الخلافة أولى من راية القطرية"، وهي مقولات تُظهر بوضوح استهانتهم بفكرة الدولة الحديثة، وتحللهم من أي التزام وطني.

إن ما جرى في الأردن ليس مجرد خلية إرهابية، بل تجسيدٌ جديد لجنون جماعة لا تعرف إلا طريقًا واحدًا: الخراب. ولذلك، فإن حسم المعركة ضد الإخوان لا يكون فقط بإحباط المؤامرات، بل باجتثاث الفكر الذي ينتجها، وسحب الشرعية الأخلاقية عن كل من يبرر العنف تحت لافتة "الدين".

المطلوب اليوم هو تحصين الدولة الوطنية، تشريعيًا وفكريًا وإعلاميًا. تحصين يعيد الاعتبار لفكرة الوطن، ويفرض على الجميع قاعدة واضحة: الأرض ليست ملعبًا لأوهامكم، والسيادة ليست ورقة تفاوض. فإما أن نكون حراسًا على أبواب الوطن، أو نتركه فريسة لعقيدة لا تؤمن بحدود، ولا تعرف للسلام معنى.

مقالات مشابهة

  • حسين سجواني “داماك”: تبادلت وترامب الأفكار والرؤى في لقاء مثمر بالبيت الأبيض
  • حرب “الإبادة الإسرائيلية” مستمرة وحصيلة الضحايا ترتفع والعالم يتواطئ متفرجاً
  • “هآرتس”: أزمة في الجيش الإسرائيلي وخسائر فادحة وانسحاب واسع للجنود
  • خلية الإخوان الأردنية رسالة للعواصم العربية
  • بينهم أطفال وأسرى سابقون.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 20 فلسطينيًا من “الضفة” خلال 24 ساعة
  • العرموطي ..  من يعارض الدولة الأردنية فليذهب إلى الجحيم
  • وفاة المفكر والمناضل الأردني نزيه أبو نضال
  • هجوم في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية على نتنياهو: مشغول في سارة رغم الجحيم بغزة
  • الجيش الإسرائيلي يعترف بـ”إخفاقات مهنية” في مقتل مسعفين في غزة
  • “واللا”: الجيش الإسرائيلي يستعد لمناورة “مستقبلية كبرى” يمكن خلالها تقسيم غزة إلى قسمين