طه عبد الرحمن يكتب للجزيرة نت عن الشر المطلق ومسؤولية الفيلسوف
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
قال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن إن الحدث الأعظم اليوم هو "ظهور الشر المطلق"، والنموذج الأمثل لهذا الشر في هذه الساعة هو "القتل الجماعي العمد للأبرياء".
جاء ذلك في مقال رأي لطه عبد الرحمن ينشره موقع الجزيرة نت لاحقا بعنوان "الشر المطلق ومسؤولية الفيلسوف"، ويحيب فيه عن خمسة أسئلة كبرى وهي: ما معنى ظهور هذا الشر؟ وما طبيعته الجوهرية؟ وما أسبابه الخفية؟ وما آثاره البعيدة؟ وكيف يمكن أن نتقيه بقوة؟
وأضاف طه عبد الرحمن في مقاله المنتظر أنه "لما كان الأطفال هم، بدورهم، النموذج الأمثل للأبرياء، كانت طبيعة الشرّ المطلق أكثر تحديدا وبروزا في قتل الأطفال منها في قتل غيرهم".
أول هذه العناصر هو: أن القتل في حالة الطفل هو إيقاع القتل على البراءة التي تتحقق بها روحه؛ و"قتلُ الروح إنما هو الوسيلة الموصّلة إلى قتل "البراءة"؛ فتُقتل "البراءة" بقتل الروح".
والعنصر الثاني أن "براءة الطفل هي من الفطرة التي فُطر عليها، بل تكون البراءة كناية عن الفطرة؛ فيرجع قتل البراءة، في نهاية المطاف، إلى قتل الفطرة نفسها". أما العنصر الثالث فهو أن "الفطرة عبارة عن "مستودع القيم" في باطن الإنسان؛ فيلزم أن قتل الفطرة إنما هو قتل القيم كلها".
وكان أستاذ المنطق طه عبد الرحمن قال، في حوار للجزيرة نت ( الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن للجزيرة نت: "المقاومة الطوفانية" حركة تحرر للإنسان والعالم)، إن طوفان الأقصى "يفيد معنى التجريف الذي لا يترك وراءه شيئا"، وإن الذي جرفته المقاومة "لا يُمكن أن يكون مجرد الاحتلال، ولا حتى مجرد الظلم، وإنما هو على الحقيقة "الشر المطلق".
وأضاف في الحوار نفسه: كان الناس يتصورون "الشر المطلق" مفهوما بعيدا، ولا يعتقدون تحققه، فإذا بهم اليوم يرونه رأي العين واقعا حيا؛ فقد شاهدوا "الصلاة" في بيوت الله تُقصف، و"البراءة" في الطفولة تُزهق، و"العافية" من المستشفيات تُطرَد، و"اللجوء" إلى المآوِي يُرهَب، وقس على ذلك ما شابَهه؛ رأوا بأمّ أعينهم احتضار كل قيم الخير التي خُلق الإنسان من أجلها.
وأوضح "ليس "الشر المطلق" إلا مَشاهِد الموت الذي يأتي على كل القيم؛ وقد كانت المقاومة الفلسطينية في غزة سبّاقة إلى تبيُّن حقيقة هذا الشر، فسارعت إلى مواجهته بالقوة التي تدفع موبقاته، بل تنتزعه من أصله؛ لذلك استحقت هذه المقاومة أن تسمى "المقاومة الطوفانية"، تمييزا لخصوصيتها عن باقي أشكال المقاومة".
كلمة سابقةوفي كلمة سابقة له في الدوحة، قال عبد الرحمن إنه يرابط الآن في "ثغر الشر المطلق" باعتباره "مسألة أخلاقية قصوى"، وإن هذا الشر كان موجودا، "لكنه لم يكن ظاهرا بكليته، أما الآن وقد قَدَر المقاوم، في أرضنا المقدَّسة، على ما لم يكن يقدِر عليه من قبل، وهزم هازمه، ومَحق كبرياءه، فقد ظهر هذا الشر في صورة أعمال مؤذية إيذاء".
وتابع "وما هذا الإيذاء اللامعقول واللامحدود إلا من أجل الوصول إلى غرضين غاية في المنكر؛ أحدهما، تعطيل المواثقة، إذ المواثقة تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان كما تكون بين الإنسان وخالقه؛ والثاني تخريب الفطرة، إذ الفطرة هي مستودع القيم في باطن الإنسان"
وقال إن هناك مسؤوليتين عظيمتين: "المسؤولية عن الإنسانية جمعاء" و"المسؤولية عن القيم جمعاء"، مضيفا أن الإنسان الأخذ بهاتين المسؤوليتين العظيمتين بقوة للمحافظة على الإنسانية والعالم.
وأوضح "فلـما كان الأشرار الإطلاقيون يراكمون، بغير انقطاع، قدراتهم العلمية والتقنية المجرَّدة من القيم، فلا مأمن من انطلاق شرّهم المستطير في أية لحظة، لا ليفتك بأمة مستضعفة هنا أو هناك بغير حسيب ولا رقيب، وإنما ليجرّب مطلق شره، حتى لو كان ذلك بمحو العالم كله".
ويرى طه عبد الرحمن أنه لهذه الأسباب "وجب التصدّي لهذا الشر وجوب عين كما لم يجب شيء من قبل، إذ يستلزم من المسؤوليات، كما وكيفا، ما لا يستلزمه غيره؛ ولا يمكن أن يُستغنى، في تحديد هذه المسؤوليات الثقيلة بالعقل وحده، بل لا مفر من أن يستعين العقل بالوحي، مبرهنا، بهذه الاستعانة، على صدقه، ذلك لأن قتل النفس بغير حق هو بمثابة قتل الناس جميعا، وأن هدْمَ القيمة الواحدة بغير موجب هو بمثابة هدْم القيم جميعا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات طه عبد الرحمن الشر المطلق هذا الشر
إقرأ أيضاً:
وحوش الشر والظلام..؟
بات الكثير من الناس يؤمنون اليوم بأن لا طمأنينة ولا استقرار فى العالم اليوم بعد أن تبدد الشعور بذلك وسط أحداث جسام سادت العالم عامة ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة. غابت الطمأنينة والاستقرار بعد أن باتت الأوطان مهددة من جديد من وحوش الشر والظلام، فلقد أهدرت الحريات وضاعت الأحلام بعد أن تسيدت إسرائيل فى المنطقة، وبدأت تعيث فسادا فى أرجائها من جديد. ساد عدم الاستقرار فى أكثر من دولة فى الشرق الأوسط، غزة وسوريا والعراق واليمن وليبيا، فباتوا مهددين من محتل غاصب شرع فى القتل واستباحة الأرض. جرى كل ذلك أمام العالم الذى اكتفى بالمشاهدة دون أن يحرك ساكنا.
اجتاح الدمار الأرض العربية بعد أن استباحها الكيان الصهيونى المحتل الغاصب الذى انغمس فى ارتكاب جرائم حرب، وتمادى فى ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، ومارس القتل واستباحة الأرض العربية، ولوث مقدساتها، وشجعه على الإمعان فى ذلك دعم الغرب المريض له. ولهذا بات الكثير فى الأمة العربية يعانون الجوع والموت، وباتت الشعوب مشردة وهدمت بيوتها، وقتل أطفالها أمام عدو غاصب لا يرحم، عدو أدمن القتل والدمار والتخريب والتدمير. وجرى كل ذلك على مرأى من العالم كله. وللأسف جرى كل ذلك أمام عصر افتقد معايير العدل والحكمة وكل المشاعر وتحول إلى ساحة للظلم والطغيان.
ولا شك أن من حق الشعوب العربية أن تتنفس الصعداء وتعيش فى ازدهار وحياة كريمة، وأن يتم نقل السلطة من مربع الصراع والحروب والتناحر إلى مربع السلام والطمأنينة والازدهار والتنمية. ولهذا بدا من الضرورى إنهاء الحروب الداخلية المفتوحة فى بعض الدول العربية، وإعادة بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية، وإنهاء نظام الميليشيات والتنظيمات المسلحة، والانخراط بعد ذلك فى عملية تنمية شاملة، وبناء نظام سياسى ديمقراطى يرتكز على مفهوم المواطنة الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات، ويرتكز أيضا على وجوب العمل على وقف كل أشكال التدخلات الخارجية فى شؤون الدول العربية ورفع اليد عنها، ووقف منطق الوصاية الذى تنتهجه بعض القوى الإقليمية والدولية.
كما يجب أن ترتكز العلاقات بين القوى الإقليمية والدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية. كما بات من الأهمية بمكان أن تؤخذ فى الاعتبار ضرورة تغليب منطق التعاون على منطق الصراع، وهنا لا بد من تعزيز المناعة الداخلية، والذى من شأنه أن يمثل حائط صد ضد كل التدخلات الخارجية. وما من شك فى أن العامل الرئيسى هنا والذى يجب تفعيله كأولوية هو التركيز على ضرورة إنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وإعطاء الأولوية لاقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 بما فيها القدس الشرقية. ولا شك أنه فيما إذا تم الأخذ بذلك فإن منطقة الشرق الأوسط ستعيش عندئذ فى فيض زاخر من السلام والطمأنينة بعيدا عن النزاعات والحروب والصراعات. وهذا ما يتمنى المرء رؤيته على أرض الواقع.