فناء النار وبقاء الجنة بين «ابن القيم وعلي جمعة» لـ الشريف محمد الحسني
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
أوضح الدكتور الشريف محمد بن علي الحسني المفكر والمؤرخ رئيس الاتحاد العربي للملكية الفكرية، أن نظرية فناء النار وبقاء الجنة إلى ما لا نهاية، حيث المسلمون في الجنة لا يخرجون منها دون أدنى ريب، و المشركون يمكثون في جهنم إلى أن يشاء الله، حين يأمرُ جهنم بابتلاعهم، هي إذاً عقيدة عن الثواب والعقاب تشبه إلى حد ما عقيدة «الخلاص العام» عند بعض الأقليات المسيحية التي تؤمن بأن الجنة دار خلود خالصة للمؤمنين برسالة المسيح، أما الذين لم بؤمنوا به فمصيرهم هو العدم والحرمان من الحياة الأخروية لكن دون تعرضهم لأي عذاب حسي.
وعقب رئيس الاتحاد العربي للملكية الفكرية، على التصريحات الأخيرة للدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق، والتي أثارت جدلا واسعا في العالم العربي، وحديثة عن احتمالية أن يلغي الله النار والعذاب يوم القيامة بإذن الله، وداعيا الناس إلى زمن الرحمة والحب والثقة بالله ورحمته الواسعة.
وأشار الحسني إلى أن غالباً ما يتم عزو نظرية فناء النار لابن قيم الجوزية، حيث استعرض الأخير في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» مجموعة من الأدلة التي تشير إلى القول بفناء جهنم واندثارها ولو بعد حين، ونظراً لعقلية ابن القيم البيانية التي تمجد ظاهر النص فقد كثّف من البراهين ذات الطبيعة النقلية (الآيات و الأحاديث).
وأوضح الحسني أن بن القيم أكد بأن للرب كامل الصلاحية في التراجع عن وعيده بتعذيب العباد رحمة منه ولطفاً لا تقصيراً وضعفاً، وذهب إلى أن هذه الآية من سورة النبأ: "لابِثِينَ فيها أَحْقَاباً" قد حددت عملياً مدة العقاب الجهنمي وهي الحقب الكثيرة المتتالية، وبالتالي فقد دلّ النص إلزامياً على عدم استمرارية العذاب، واحتج أيضاً بآية أخرى في سورة الأنعام:"قال النَّارُ مَثْواكم خَالدين فيها إِلا ما شاءَ اللَّه إِنَّ ربكَ حكيمٌ عليمٌ".
وأضاف الدكتور الحسني ابن القيم يستمر في تدعيم نظريته وهذه المرة يقوم بعرض بضعة أحاديث منسوبة إلى بعض الصحابة كابن عمرو وابن عباس وأبي سعيد وغيرهم، ومنها للتذكير لا للحصر قول أبي هريرة: "ما أنا بالذي لا أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد". ولا بد من الإشارة إلى أنّ ابن القيم عنده كلام متناقض في هذه المسألة، ففي كتابه "الصواعق المرسلة" يقول ابن القيم بأبدية النار وبالتالي يصعب معرفة أي الكلامين هو ناسخ للآخر. وقد مال الباحث علي الحربي، في كتابه "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" بأنّ ابن القيم استقرّ في النهاية على القول بأبدية النار! إلا أنه لا أحد يملك الجزم بكل تأكيد ومن المرجح أن يكون قد استقر على القول بفناء النار كما يراه باحثون آخرون.
نظرية انقلاب العذاب إلى عذوبةوقال الشريف محمد الحسني إن محي الدين ابن عربي أو «الشيخ الأكبر» كما يطيب للبعض تسميته، يتمتع بشهرة واسعة في الأوساط الإسلامية قاطبة، كما أنه قد نال حظوة تكاد لا تكون لغيره من المتصوفين، وما هذه الألقاب العظيمة التي انتزعها من أفواه أتباعه إلا برهان جلي على ذلك.
في كتابه «الفصوص المكية»، الذي لا يقل شهرة عن مؤلفه، أورد ابن عربي نظرية غريبة عن جهنم، حيث لم يقل بفناء النار، ولكنه اعتبر بأن الله عندما سيعاقب المستحقين للعقاب بما هو عادل في حقهم، سيضفي على أجسامهم طبيعة غريبة تمكنهم من الاستمتاع بعذاب النار واستعذابه، وحتى لو خيروا حينها الخروج من جهنم لرفضوا.
وأضاف «تعتبر هذه النظرية مختلفة عن سابقتيها»، لأنها تتناول القضية من حيث الكيف وليس الكم، وبالتالي لا تخلق أية مشاكل مع النصوص التي تصرح ظاهرياً بالعذاب الأبدي، كونها لا تعترض لا على محمول (العذاب) ولا موضوع (الأبدية) قضية العذاب الأبدي وبالتالي فإن النظرية تعتبر تامة، ليبقى مشكلها الوحيد هو مشكل أخلاقي صرف. ولكن هناك من اعترض على هذه النظرية من المتصوفة، مثل الشعراني الذي زعم بأن هذا القول منحول على ابن عربي وأن الشيخ لم يقل بهذه النظرية مطلقاً، وغاية ما في الأمر أنها نظرية مدسوسة في كتاب الفصوص، إلا أن الشعراني لم يقدم أية أدلة جازمة على زعمه.
واكتفى بالقول بأنها نظرية تتعارض مع النصوص وأن الكثير من أتباع ابن عربي قد تراجعوا عنها، ولكن الكثير ممن شرحوا الفصوص يؤمنون يقيناً بأن النظرية تعود للشيخ وأنها نظرية محكمة ولا تتعارض مع النصوص أما باقي الافتراضات التي تشكك في نسبتها لابن عربي فهي مجرد ادعاءات تفتقر إلى أي نوع من الإقناع. والحاصل أن مسألة الخلود في النار هي مسألة خلافية، وقد تضاربت فيها أقول الفرق الإسلامية على سبعة أقوال ذكرها ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية.
كما أن النصوص يمكن الإحتجاج بها على الخلود وعلى الفناء أيضاً فكان من الضرورة اللجوء إلى التأويل للبحث فيها، لأنه هو بيضة القبان التي توفق بين النصوص المتعارضة (ظاهرياً) من جهة، ثم بين النصوص والعقل من جهة أخرى. والبحث في ماهية الخلود، إنما هو دليلٌ على غنى المساحة الفكرية في التاريخ الإسلامي، وعلى الحوار والنقاش الذي لم ينقطع حتى اليوم.
اقرأ أيضاًعلي جمعة: العمل فى شركة مديرها شاذ جنسيًا مثل تجارة الخمر والمخدرات
علي جمعة: وارد ربنا يلغي النار ويدخل كل الناس الجنة في الآخرة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: علي جمعة الدكتور علي جمعة فی کتابه ابن عربی إلى أن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الإدراك العميق لمقاصد النصوص الدينية السبيل الأمثل لتحقيق الاتزان والاعتدال
أكَّد الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- خلال كلمته التي ألقاها في الندوة التي نظَّمتها جامعة حلوان حول "تجديد الخطاب الديني"، أنَّ الإسلام دينٌ عظيمٌ في جوهره، متفرِّدٌ في مرونته، قادرٌ على التفاعل مع مستجدات الزمان وتغيُّرات المكان دون أن يتخلَّى عن أصوله الراسخة أو يفقد بريقَ رسالته العالمية. وأوضح فضيلتُه أن مرونة الشريعة الإسلامية تجعلها دومًا حاضرةً للتعامل مع التحديات الجديدة، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، مشيرًا إلى أنَّ الإسلام دينٌ صالح لكل زمان ومكان، متجددٌ في عطائه، ثابتٌ في قيمه.
وأشار إلى أن جمود الخطاب الديني، وخاصةً عند أولئك الذين لا يأخذون العلمَ من مصادره الأصيلة، ويعتمدون على تفسيرات ضيِّقة مغلوطة للنصوص الدينية؛ يمثِّل أزمةً حقيقية تعوق حركةَ الأمة نحو التقدم، إذ يُغلق أمامها أبواب النهوض، ويفرض على مجتمعاتها سلاسل الركود الفكري؛ مِمَّا يهيِّئ بيئةً خصبة لانتشار الفكر المتطرف الذي يقوِّض أُسس الاستقرار. واستشهد فضيلته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» [رواه أبو داود]، مؤكدًا أنَّ التجديد في الدين ضرورة لاستمرار عطاء الأمة وازدهارها.
وشدَّد مفتي الجمهورية، على أنَّ الإدراك الواعي لمقاصد الشريعة هو المفتاح الحقيقي لتحقيق الاتزان الفكري والسلوكي الذي تحتاج إليه المجتمعات في ظلِّ عالم يموج بالتحديات، لافتًا الانتباه إلى أنَّ الإسلام يدعو دائمًا إلى التوسُّط والاعتدال، كما جاء في قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. وأكَّد فضيلتُه أنَّ التطرف لا يمكن أن يُنسب إلى الدين ذاته، بل هو انعكاسٌ لسوء فَهْمِ النصوص وجهلٌ بمقاصدها السامية، ممَّا يضع المسؤولية على عاتق العلماء في إحياء معاني الرحمة واليُسر التي جاء بها الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» [رواه البخاري].
وتطرَّق إلى الدَّور المحوري الذي تضطلع به المؤسسات الدينية، ودار الإفتاء المصرية، في تجديد الخطاب الديني، انطلاقًا من رسالتها السامية التي تجمع بين الحفاظ على الثوابت ومواكبة المستجدات. وأكَّد أنَّ دار الإفتاء، بما تمتلكه من إرث علمي عريق وكوادر فقهية متمكنة، تعمل على صياغة خطاب ديني يعكس روح الإسلام السمحة، مستندة إلى فَهْمٍ عميق لمقاصد الشريعة ومراعاة التحولات الثقافية والاجتماعية المعاصرة، ويأتي هذا الدور ليُعيد صياغة العَلاقة بين الدين والواقع، في مواجهة الجمود الفكري والتطرف، بما يسهم في بناء مجتمع متماسك يقوم على قِيَم الرحمة والتعايش والعدل.
وفي ختام كلمته، أوضح فضيلةُ المفتي أنَّ التجديد في الخطاب الديني ليس دعوةً لتغيير النصوص أو العبث بها، وإنما هو دعوة لاستيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة تُبنى على ثوابت الشريعة ومقاصدها النبيلة، مضيفًا أنَّ التجديد الحقيقيَّ هو السبيل لاستعادة الريادة الحضارية، وتحقيق التفاعل الإيجابي مع متطلبات العصر.
هذا، وقد استقبل فضيلةُ مفتي الجمهورية فور وصوله أ.د. حسام رفاعي، نائب رئيس جامعة حلوان لشئون الطلاب، و أ.د. أشرف رضا، رئيس مركز الفنون والثقافة بالجامعة، ولفيفًا كبيرًا من السادة عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس وطلبة وطالبات الجامعة، في أجواءٍ تملؤها الحفاوة والإجلال، وتؤكد عمقَ الصِّلة بين المؤسسات الدينية والعلمية في بناء الوعي المستنير.