أوضح الدكتور الشريف محمد بن علي الحسني المفكر والمؤرخ رئيس الاتحاد العربي للملكية الفكرية، أن نظرية فناء النار وبقاء الجنة إلى ما لا نهاية، حيث المسلمون في الجنة لا يخرجون منها دون أدنى ريب، و المشركون يمكثون في جهنم إلى أن يشاء الله، حين يأمرُ جهنم بابتلاعهم، هي إذاً عقيدة عن الثواب والعقاب تشبه إلى حد ما عقيدة «الخلاص العام» عند بعض الأقليات المسيحية التي تؤمن بأن الجنة دار خلود خالصة للمؤمنين برسالة المسيح، أما الذين لم بؤمنوا به فمصيرهم هو العدم والحرمان من الحياة الأخروية لكن دون تعرضهم لأي عذاب حسي.

وعقب رئيس الاتحاد العربي للملكية الفكرية، على التصريحات الأخيرة للدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق، والتي أثارت جدلا واسعا في العالم العربي، وحديثة عن احتمالية أن يلغي الله النار والعذاب يوم القيامة بإذن الله، وداعيا الناس إلى زمن الرحمة والحب والثقة بالله ورحمته الواسعة.

وأشار الحسني إلى أن غالباً ما يتم عزو نظرية فناء النار لابن قيم الجوزية، حيث استعرض الأخير في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» مجموعة من الأدلة التي تشير إلى القول بفناء جهنم واندثارها ولو بعد حين، ونظراً لعقلية ابن القيم البيانية التي تمجد ظاهر النص فقد كثّف من البراهين ذات الطبيعة النقلية (الآيات و الأحاديث).

وأوضح الحسني أن بن القيم أكد بأن للرب كامل الصلاحية في التراجع عن وعيده بتعذيب العباد رحمة منه ولطفاً لا تقصيراً وضعفاً، وذهب إلى أن هذه الآية من سورة النبأ: "لابِثِينَ فيها أَحْقَاباً" قد حددت عملياً مدة العقاب الجهنمي وهي الحقب الكثيرة المتتالية، وبالتالي فقد دلّ النص إلزامياً على عدم استمرارية العذاب، واحتج أيضاً بآية أخرى في سورة الأنعام:"قال النَّارُ مَثْواكم خَالدين فيها إِلا ما شاءَ اللَّه إِنَّ ربكَ حكيمٌ عليمٌ".

وأضاف الدكتور الحسني ابن القيم يستمر في تدعيم نظريته وهذه المرة يقوم بعرض بضعة أحاديث منسوبة إلى بعض الصحابة كابن عمرو وابن عباس وأبي سعيد وغيرهم، ومنها للتذكير لا للحصر قول أبي هريرة: "ما أنا بالذي لا أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد". ولا بد من الإشارة إلى أنّ ابن القيم عنده كلام متناقض في هذه المسألة، ففي كتابه "الصواعق المرسلة" يقول ابن القيم بأبدية النار وبالتالي يصعب معرفة أي الكلامين هو ناسخ للآخر. وقد مال الباحث علي الحربي، في كتابه "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" بأنّ ابن القيم استقرّ في النهاية على القول بأبدية النار! إلا أنه لا أحد يملك الجزم بكل تأكيد ومن المرجح أن يكون قد استقر على القول بفناء النار كما يراه باحثون آخرون.

نظرية انقلاب العذاب إلى عذوبة

وقال الشريف محمد الحسني إن محي الدين ابن عربي أو «الشيخ الأكبر» كما يطيب للبعض تسميته، يتمتع بشهرة واسعة في الأوساط الإسلامية قاطبة، كما أنه قد نال حظوة تكاد لا تكون لغيره من المتصوفين، وما هذه الألقاب العظيمة التي انتزعها من أفواه أتباعه إلا برهان جلي على ذلك.

في كتابه «الفصوص المكية»، الذي لا يقل شهرة عن مؤلفه، أورد ابن عربي نظرية غريبة عن جهنم، حيث لم يقل بفناء النار، ولكنه اعتبر بأن الله عندما سيعاقب المستحقين للعقاب بما هو عادل في حقهم، سيضفي على أجسامهم طبيعة غريبة تمكنهم من الاستمتاع بعذاب النار واستعذابه، وحتى لو خيروا حينها الخروج من جهنم لرفضوا.

وأضاف «تعتبر هذه النظرية مختلفة عن سابقتيها»، لأنها تتناول القضية من حيث الكيف وليس الكم، وبالتالي لا تخلق أية مشاكل مع النصوص التي تصرح ظاهرياً بالعذاب الأبدي، كونها لا تعترض لا على محمول (العذاب) ولا موضوع (الأبدية) قضية العذاب الأبدي وبالتالي فإن النظرية تعتبر تامة، ليبقى مشكلها الوحيد هو مشكل أخلاقي صرف. ولكن هناك من اعترض على هذه النظرية من المتصوفة، مثل الشعراني الذي زعم بأن هذا القول منحول على ابن عربي وأن الشيخ لم يقل بهذه النظرية مطلقاً، وغاية ما في الأمر أنها نظرية مدسوسة في كتاب الفصوص، إلا أن الشعراني لم يقدم أية أدلة جازمة على زعمه.

واكتفى بالقول بأنها نظرية تتعارض مع النصوص وأن الكثير من أتباع ابن عربي قد تراجعوا عنها، ولكن الكثير ممن شرحوا الفصوص يؤمنون يقيناً بأن النظرية تعود للشيخ وأنها نظرية محكمة ولا تتعارض مع النصوص أما باقي الافتراضات التي تشكك في نسبتها لابن عربي فهي مجرد ادعاءات تفتقر إلى أي نوع من الإقناع. والحاصل أن مسألة الخلود في النار هي مسألة خلافية، وقد تضاربت فيها أقول الفرق الإسلامية على سبعة أقوال ذكرها ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية.

كما أن النصوص يمكن الإحتجاج بها على الخلود وعلى الفناء أيضاً فكان من الضرورة اللجوء إلى التأويل للبحث فيها، لأنه هو بيضة القبان التي توفق بين النصوص المتعارضة (ظاهرياً) من جهة، ثم بين النصوص والعقل من جهة أخرى. والبحث في ماهية الخلود، إنما هو دليلٌ على غنى المساحة الفكرية في التاريخ الإسلامي، وعلى الحوار والنقاش الذي لم ينقطع حتى اليوم.

اقرأ أيضاًعلي جمعة: العمل فى شركة مديرها شاذ جنسيًا مثل تجارة الخمر والمخدرات

علي جمعة: وارد ربنا يلغي النار ويدخل كل الناس الجنة في الآخرة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: علي جمعة الدكتور علي جمعة فی کتابه ابن عربی إلى أن

إقرأ أيضاً:

إثنين - أربعاء - جمعة.. هذا ما سيفعله بري

بثت قناة الـ"MTV" تقريراً، اليوم الجمعة، قالت فيه إن "رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سيلتقي يوم الإثنين المُقبل، رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة". وقالت القناة إن "زيارة باسيل هدفها إطلاع بري بنتائج جولته على الأفرقاء السياسيين بشأن ملف الرئاسة"، وأضافت: "بري قال لباسيل إنه في حال استطاع جمع 86 نائباً للتشاور، عندها سيدعو لجلسة حوار في البرلمان على أن تتمثل كل كتلة بنائب أو نائبين". وتابعت: "باسيل سيقول لبري إننا جمعنا أكثر من 86 نائباً يريدون الحوار ويشاركون به. وهنا، فإن الإتفاق بين بري وباسيل يقوم على 4 نقاط:    - أولاً، بري يدعو لجلسة حوار - ثانياً، إذا حصل اتفاق على اسم مُرشح، يفتح بري أبواب المجلس ويدعو إلى جلسة انتخاب رئيس. - ثالثاً، إذا لم يحصل اتفاقٌ على مرشح، يفتح بري أبواب المجلس أيام الإثنين، الأربعاء، الجمعة، بمُعدل 4 دورات انتخابية يومياً، على أن يتعهد كلُّ فريق بعدم الخروج من أي جلسة انتخاب وتطيير النصاب. - رابعاً، يقوم بري بإنهاء كل جلسة لا يُنتخب فيها رئيس ثم يعود ليفتح جلسة أخلى في الموعد اللاحق". وأكملت الـ"MTV": "لقد قال بري لباسيل إنه لا يمكنه فتح المجلس فقط لانتخاب رئيس، وتابع (إذا ولعت الحرب شو بعمل؟ ما فيي شرع بالمجلس؟)". بدورها، علقت مصادر في "التيار الوطني الحر" على تفاصيل الأمر المطروح، وقالت: "بدنا ناكل عنب مش نقتل الناطور.. بدنا ننتخب رئيس.. شو الحل؟ نقعد نتفرج عالثنائي يلي مرتاح بالوضع؟". وأكملت: "مش فرقانة معنا.. بدنا نوصل لرئيس والوضع خطير وأمين سر الفاتيكان بيترو بارولين حذّر من ذلك وثمة من لا يريد الاستماع إليه". وختمت المصادر بالقول: "فلنجرب.. لا مشكلة في تحميلنا مسؤولية القبول ببدعة بري، ولكن علينا أن نجرب ونسعى لانتخاب رئيس".    

مقالات مشابهة

  • بولندا تمدد انتشار قوات أمريكية وبريطانية وكندية على أراضيها وبقاء قوات لها في الخارج
  • كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
  • الندرة والترجمة وموت المؤلف.. كتّاب ونقاد يحللون إشكالية النص المسرحي
  • إثنين - أربعاء - جمعة.. هذا ما سيفعله بري
  • عضو بـ "الأعلى للشئون الإسلامية": الإخوان أرادوا عزل شيخ الأزهر في عهد مرسي
  • ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من تحولها لـ "جمهورية قندهار".. فيديو
  • افتتاح بئر قصر الشريف في تجمع بومشيفة
  • "هفتان وريان"عرض مسرحى يناقش ترسيخ القيم والحفاظ على البيئة بثقافة كوم أمبو
  • ميارة لوفد فلسطيني: البرلمان المغربي سيظل داعما للفلسطينيين في كل المحافل الدولية
  • ومازالت أزمة الكهرباء مستمرة.. مسكنات الحكومة لا تطفئ بروفة جهنم