في يوم المرأة
من عيوب التراجم التي يكتبها المتعلمون بالمدرسة عن أنفسهم أنها غالباً ما بدأت بمدرسة ما لا البيت. فقد تشربوا عقيدة بخت الرضا من أن موضع ميلادهم في الثقافة هو يوم دخولهم مدرسة "المبشر" لا في بيت من أب وأم. والاستعمار بعثة تبشيرية قبل كونه بعثة اقتصادية. فقال قريفث، الذي من وراء خيال معهد بخت الرضا ومناهجها، إن المدرسة التي توافر على صناعتها فينا "خضراء دمن" أي أنها المرأة الحسناء في منبت السوء.

ومنبت السوء هنا هو البيت. وعليه صار الأم والأب عند خريج المدرسة من حقائق البيولوجي فحسب لا حقائق الثقافة.
وانتمى المتعلم من يومه في مرجعيته إلى بيت بالتبني (SURROGATE) وصار بيت الميلاد للبر بالرحم. وكان مقالي عن موسم الهجرة للشمال للطيب صالح، الذي نشرت بعضه هنا، عن كيف صرنا، بعد اقتطاع البيت الثقافة من البيت البيولوجيا، حملة vc's لا سير ذاتية.
لم يكن لي ترف الترفع على ثقافة البيت وأمي هي جمال أحمد حمد إزيرق مثقفة جيلها. خضعت معها لمنهج صارم في الثقافة التقليدية في الحجا والغناء (يا للمغني النوبي) والمديح والرد السريع والدعاء (اليسويبك واليسويبك)، والصاح والغلط (قالت لي مرة والله لو ما شغل الحكومة دا عيش ما تاكل). ولكن كانت أكثر دروسها إحاطة بي وعناية ونفاذاً هي محبتها للسادة الختمية. كان لا يطربها شيء مثل ذكرهم وما عداهم "زي الواطا دي".
ولجتني الوالدة بغنا المنى صغيراً حتى رأيتها، حبوتي المنى، تسعى في كبرها في حي الداخلة بين بيتي ولديها خضر وعبد الموجود بحي الداخلة. وكتبت من حصيلتي من شعر المنى مقالاً قديماً هو "حكومة ود إزيرق". أحمد إزيرق من وجوه السواراب الشايقية الذين لهم وجهة القيادة في الكرفاب والبرصة، وأهلهم ناس ابكروق في كوري، وود سورج في الأراك، وبشير أغا في القرير، وحتى ناس العطا ود أصول في حجر العسل. واقتطع من المقال مشهد مناحة المنى على أحمد ود إزيرق:
1)
كان يوم توفى إلى رحمة الله الشيخ أحمد ود ازيرق، جدي، يوماً مشهوداً في قرية الكرفاب من أعمال مركز مروي. بكت السماء بعيون رمادية، تراخت قبضة جبال الضفة الشرقية فكأن الأرض تهتز، حارت موجات الماء على النيل فتكسرت عند الضفتين بأزيز وزبد غاضب، أطرق النخيل واجماً وشارداً وكاد ينقصف حزناً على رجل عامر أخضر اليد والرجل. الزرع في الأرض جف من عليه الندى واستبدل الخضرة شحوباً.
من يمشي في القرية من هذا ازدهاراً ونضاراً؟ من يعطي للنخل والزرع معنى الكرم والهدية؟ ومن يمنح القدح معنى البذل والاجتماع من حوله؟ من يهب جبال الضفة الشرقية وجريان النيل الشموخ والخصوبة؟ ومن كونها أشياء تطعم وتسقى وتعفى وتفك ضائقة المحتاج وصرمة المصروم وعشم السائل. انطفأ في البلد نجمها، وخبت شمسها، وأفل قمرها. وحين يفتقد الرجل المكمل لا شك أن تنفلت الطبيعة ضجيجاً وهياجاً لأنه قد ألجمها ذات يوم وطوعها وأدبها وجعلها ذلولاً لخدمة الأهل والعشيرة. وألف مرحباً على فمه بلا كشرة.
حين اجتمع المشائخ والعمد من حول جنازة أحمد ود ازيرق ليحمل إلى مثواه الأخير تقدمت المنى الشاعرة وإحدى قريباته لتصرخ من خلال الدموع:
-يا مشايخ، يا عمد، عندي كلمة، ما تشيلو العنقريب وأنشدت تقول:
العجب يا العجب
يا الدخري الماك كعب
يا ود أربحات رجب
راجنك في المكتب
صمودتك للطلب
بلاك ما تنطب
كدي آشيخنا قوم أركب
فقال العمدة ود سورج: زحو المرة دي خلونا نشيل.
وكان فضل الله يرقص بالسيف وصوت المنى ما يزال مؤثراً وحزيناً كما لم يعرف الحزن من قبل:
ضل الرهين للنوم
آبحر التساب للعوم
آشيخنا الخاتي اللوم
آحنك البليد البوم
وانطلق الصائحان على جوادين ليبلغا مروي وكوري على ما بينهما وبين الكرفاب من بعد ليهتفا في وجوه القرويين المقطبة التي تصلبت قسماتها هلعاً وجزعاً بإحساس من فقد السند والملجأ والملاذ في اليوم الأسود: الحي الله والدائم الله أورورو .. أورورو .. الحي الله والدايم الله، أحمد ود ازيرق راح في حق الله .. ألحقو الجنازة .. اورورو .. اورورو. من حول الجنازة صلت ثمانية صفوف وصوت المنى في القرية مازال يشيع في الجو تعبيراً شعرياً يملأ الوجدان غماً وأسى وهزيمة:
يا الدود المداكم السار
يا فحل البل الهدار
آصقر الخلاء الخوجال
كم عرس نهيداً عال
يا شيخنا الزمان غرار
يا الشيخ أبو جمال
يا العجب .. يا ليل .. يا العجب
ليس بغير الحزن وحده اكتست خطوط الشايقية والبديرية يومذاك. ليس غير الحسرة عرف وجدان الناس يومئذ، ليس بغير الدموع اغرورقت العيون وقتئذ. لم يكن موت أحمد ود ازيرق بالحدث العابر أو اليسير. إنه الغصة التي تلازم الحلق زمناً ويرثها الأبناء دلالة على أن الدنيا لا تدوم وخربانة أم بناية قش. انهار في تلك الساعة في قرية الكرفاب أحمد ود ازيرق رجل من القرن التاسع عشر.
هامش:
• أهديت كتابي الأول "الصراع بين المهدي والعلماء" (1968) إلى أبي وأمي واستعنت بعبارة المنى فيه بقولي:
• إلى أبي إلى أمي
• لأنني تلك الشقاوة ما أزال
• و"حنك البليد" وسأظل
• و"حنك البليد" من سبك المنى رحمها الله كما رأيت.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

فريق بحثي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة يبتكر "نانو جارد"

طوّر فريق من الباحثين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة مطهراً مبتكرًا ممتد التأثير لفترات طويلة باسم "نانو جارد". 

وتُقدم المادة الجديدة التي تحمل اسم "نانو جارد"، حلًا فريدًا للتلوث الميكروبي على الأسطح التي نلمسها بشكل متكرر، مثل مقابض الأبواب، مساند السُلّم، ومفاتيح المصاعد، حيث يوفر حماية مستمرة دون الحاجة للاستخدام المتكرر. 

ويقود فريق الباحثين المسئول عن تطوير مادة "نانو جارد" الجديدة الدكتور حسن عزازي، الأستاذ المتميز بقسم الكيمياء، ويضم سيف الدين المفتي، طالب الدراسات العليا في الكيمياء، وعبيدة عبد القادر الإبراهيم، الحاصل على الماجستير 2024، وجود ماجد لبابيدي، طالبة الماجستير في تكنولوجيا النانو بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. 

حصول "نانو جارد" على براءة اختراع أمريكية

حصل "نانو جارد" على براءة اختراع من مكتب براءات الاختراع والتجارة بالولايات المتحدة الأمريكية، ويسعى الباحثون حالياً إلى التعاون مع شركات تصنيع دولية لإبرام اتفاقات تراخيص لإنتاج وتسويق "نانو جارد".

وتتميز مادة "نانو جارد" عن المواد الأخرى في السوق بفعاليتها الفريدة ضد الميكروبات لفترات ممتدة دون الحاجة إلى معدات خاصة أو تدريب على استخدامها.

ويوضح عزازي: "صممنا مطهراً جديدًا يمكن نشره بسهولة على الأسطح ويظل نشطًا ضد الميكروبات لمدة تصل إلى أسبوعين على الأقل"، مشيرًا إلى سهولة استخدام "نانو جارد" وامتداد تأثيره. يلبي هذا المستحضر الجديد احتياجات لا توفرها مواد التطهير المتاحة حالياً.

وأضاف عزازي: "معظم المطهرات التجارية توفر حماية قصيرة المدى وتحتاج إلى الاستخدام والنشر المتكرر، كما أن المطهرات طويلة الأمد المتاحة حاليًا عالية التكلفة وتتطلب إخلاء المنشآت، فضلًا عن الحاجة لمتخصصين لاستخدامها."

وعلى مدار عام كامل، طوّر الفريق نموذجًا أوليًا للمطهر، حيث اختاروا أولاً المادة الكيميائية قصيرة المدى التي من شأنها أن تقتل الجراثيم عند ملامستها ثم اختاروا لاحقًا المادة الكيميائية طويلة المدى. بعد ذلك، سعوا إلى إيجاد طريقة لتغليف المادتين الكيميائيتين المختارتين داخل حويصلات نانوية واختبار مدة صلاحية واستقرار التركيبة أثناء التخزين. وأوضح المفتي: "بمجرد أن وجدنا التركيبة المستقرة والنظيفة وسهلة الاستخدام على الأسطح، انتقلنا إلى المرحلة التالية لجعل المنتج سهل الاستخدام". وعبّر المُفتي عن أمله في أن يحقق "نانو جارد" تأثيرًا واسعًا، قائلاً: "أتمنى أن يصبح "نانو جارد" موثوقًا ومعروفًا وقادرًا على حماية المنازل والجامعات والعائلات من الأوبئة المستقبلية."
وتقديراً لهذا التصميم المبتكر، تم اختيار فريق "نانو جارد" كأحد المتأهلين للتصفيات النهائية في مسابقة "جونز هوبكنز الدولية لتصميم الرعاية الصحية" لعام 2024 وتم نشر أبحاثهم في مجلة "نانوسكيل أدفانسز" تحت عنوان "بخاخ نانوميسيل مضاد للميكروبات طويل الأمد."

مقالات مشابهة

  • فضل دعاء سورة يس لقضاء الحاجة
  • فريق بحثي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة يبتكر "نانو جارد"
  • مسلسلات رمضان 2025.. عمرو صالح ينضم لفريق عمل «كامل العدد 3»
  • مفاتيح الفرج العشر .. داوم عليها وسترى العجب في حياتك
  • هنا شيحة توجه رسالة مؤثرة لوالدها احتفالًا بمعرضه (صور)
  • أحمد موسى عن تدريب القوات الجوية والبحرية: جاهزون في أي وقت
  • حكم زيارة أضرحة آل البيت ومقامات الصالحين
  • اطمنوا يامصريين.. أحمد موسى يعلن خبرا سارا للمواطنين من البحر المتوسط.. فيديو
  • التعليم: ”لا زيارات ميدانية“ للمشرفين في الاختبارات الفصلية
  • بـرواية ممنوعة.. كاتب جزائري يفوز بأرفع جائزة أدبية في فرنسا