سودانايل:
2024-12-18@15:15:28 GMT

السودان ومآلات الحرب المفتوحة

تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT

ناصر السيد النور
يبدو أن الحرب في السودان لم تستكمل دورتها بعد وصولاً إلى نصر يحققه أحد الطرفين عسكرياً أو وصولاً إلى سلام بالحوار بعد عام من حرب ضروس مما يرشحها إلى حرب كما بدأت مفتوحة على كل الاحتمالات بما يتوقع منها بالمعني العسكري والإنساني. فالمسار الذي يجري على الأرض يتأرجح بين حالة إنسانية مزرية وتصميم على مواصلة القتال ورفضاً لأي هدنة في شهر رمضان استجابة لدعوات شعبية وأممية.

ومن أبرزها الهدنة التي كان قد أعتمدها مجلس الأمن الدولي في شهر رمضان الجاري بتصويت أغلبية أربعة عشر دولة وامتناع روسيا عن التصويت للقرار رقم 2724 بدعوة أطراف الصراع إلى وقف القتال وحل الصراع عن طريق الحوار. ولم يكن للهدنة كعادة سلسلة الهدن في الصراع أي أثر في إيقاف الحرب أو دخول القرار حيز التنفيذ بالتعبير القانوني، وإن لم يكن قرار الهدنة غير ملزمٍ للطرفين فإن وحشية الحرب وقبل كل شيء ذهبت بالحالة الذهنية والنفسية والعقدية لقادة الحرب من أن تستجيب لاي دعوة وتحت أي ذريعة كانت دينية (شهر رمضان)، أو سياسية (هدنة مجلس الأمن).
ومن المستغرب أن رفض الدعوة للهدنة أن يأتي من تصريحات يدلي بها علي كرتي الأمين العام لما يسمى بالحركة الإسلامية في السودان، وهو من العناصر المتشددة ومن أبرز قيادات النظام السابق. وبهذا التصريح الذي استبق به أجهزة الدولة أو جيشها المعني بالتخاطب في هذا الشأن العسكري، فالرجل من خلفية مدنية عمل وزيراً للخارجية ومناصب أخرى في النظام السابق ويتمتع بنفوذ كبير. ولكن بهذا التصريح تكون الاتهامات التي تزعم بأن الحرب الدائرة يتستر خلفها فلول النظام السابق باتت محل تأكيد وحقائق متجسدة فيما يعرف بكتائب المساندة المدنية ذات الطابع المليشي التي تتبع للحركة الإسلامية. وما يخشى أن تكون لتداعيات هذا الموقف المعلن من الحركة الإسلامية وامساكها بزمام المبادرة في الحرب من وراء الجيش انتكاسة في السبيل نحو الحل. فما خسره قادة النظام السابق بسقوط دولتهم عقب ثورة ديسمبر 2019م سوف لن يوقفوا الحرب إلا بالمعنى الذي يفسره المنحى الذي اتخذته الحرب مؤخراً من تمدد واستقطاب بين المكونات الجهوية ولذلك بما يضمن استمرارهم أو عودتهم إلى السلطة بطريقة أخرى أيا تكن الكلفة السياسية أو العسكرية والإنسانية.
وقد فاقم مؤخراً من تعقيدات الحرب وفي رمضان أيضاً الكارثة الإنسانية والمجاعة التي ضربت البلاد، وما تداخل فيها وعرضها لمناورات سياسية فيما يتعلق بمرور المساعدات الإنسانية بين الحكومة السودانية ومنظمات الغوث الدولية. فالفراغ الذي احدثته الحرب على مستوى البلاد لا يعنى فراغاً دستورياً قابلاً للملء من قبل أطراف سياسية لا تحكمها آلية تداول للسلطة في ظل انهيار شبه كامل للدولة. فالحرب وما أحدثته من شرخ لم يقتصر على الأضرار الهامشية في بنية الدولة، بل أحدثت شرخاً وتحولاً على مستوى البنية الاجتماعية والاقتصادية محولة الصراع من صراع على السلطة إلى صراع من أجل البقاء.
وبعد التطور الذي شهده الأسبوع المنصرم من نصر رمزي حققه الجيش السوداني بوصوله إلى مباني الإذاعة والتلفزيون بعد عام من سيطرة الدعم السريع عليها، وهو تحرك يحمل من قيمة رمزية في الذاكرة السياسية السوداني وما تعنيه الإذاعة أكثر من أي قيمة عسكرية في الوقت الذي لم تزل بقية المواقع من مؤسسات وقواعد وولايات بقبضة قوات الدعم السريع. وقد يعطي هذا الانتصار المحدود وما رافقه من زخم وسط قيادات الجيش وحلفاؤهم محفوفاً بالحذر المشوب لما يمكن أن يشكل ردة فعل انتقامية من قبل الطرفين تزيد مما خلفته الحرب من جراحات اجتماعية وتشوهات طبقت فيها كل وحشية بربرية الحروب. ولم يعد من الممكن في الحالة السودانية العودة إلى طبيعة الأمور في وقت قريب، إذ إن حالة الحرب الشاملة ورثاثتها تفوق كل تصورات يمكن أن تؤدي سياسياً إلى إنهائها كما ينبغي أن يكون.
ولعل في زيارة رئيس الوزراء السابق الذي أطاح به انقلاب الفريق البرهان وحلفائه من الإسلاميين أكتوبر 2021م الدكتور عبد الله حمدوك إلى مصر مؤشراً آخراً على مساعي الحل السلمي المحكوم بالطقس السياسي الإقليمي السائد، ويأتي حمدوك إلى القاهرة مترأسا لجناح سياسي يضم القوى المدنية السياسية مجموعة الحربة والتغيير التي تحولت بعد الحرب إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) تنشط إقليميا في دول شرق أفريقيا، ولعلها المرة الأولى عربياً أن يحدث اختراق على صعيد الأزمة السودانية لطرف من خارج الدائرة العسكرية للصراع. والزيارة مهما تكن دعاويها وأثرها في الراهن السياسي السوداني إلا أنها تعد تحركاً كان مطلوباً من مصر تجاه القوى المدنية وهي التي لم تقارب الأزمة السودانية إلا من خلال منظور عسكري واستراتيجي. فظل حمدوك يوجه الدعوات لأطراف الصراع دون أن يجد أي استجابة خاصة من جانب الجيش وتواصلت مساعيه للسلام على مستوى المبادرات الإقليمية والدولية وإن تكن دون نتائج واضحة.
خرج صراع الجنرالين بعد عام من معادلات السياسية والعسكرية كحرب قابلة لتقييم الحساب والجرد سوى من استطالة تعصف بكل الجهود والمبادرات للحل أو التوصل إلى أدنى ما يمكن أن يقرب من نهاية مرغوبة بحكم ضرورة الواقع الإنساني. ولكن بما أن أطراف الأزمة السودانية على مستوى المبادرات والوساطات المتكاثرة تؤكد على وحدة أراضي السودان وسيادته وفق ما تثبته تشريعات نصوص القانون الدولي أو القرارات الأممية على مستوى المؤسسات الدولية الأمم المتحدة وجلس أمنها، إلا أن أزمة حرب الصراع السوداني قد حولت عسكرياً هذا المفهوم وفق تفسير كل طرف ما تعنيه السيادة من جغرافيا جهوية وهوية اجتماعية جديدتين. وبهذا تكون الحرب بعد عامٍ من الاقتتال المستمر قد شكلت سوداناً فاق في تكويناته الفعلية كل ما راكمته التجارب السياسية والعسكرية في تاريخ البلاد.
ويقف المجتمع الإقليمي والدولي أمام أزمة مركبة بين معضلة حكم داخلية وتكتلات إقليمية محتشدة تعمل على زيادة رفع وتيرة المستوى العسكري بغير نهايات قابلة للتنبؤ بها. فإذا كانت هذه الحرب قد مثلت ذروة الصراع على السلطة بين أطراف عسكرية ومن ثم اتخذت منحى اجتماعياً كحرب أهلية وما خلقته من حالات إنسانية من نزوح وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فإن المسئولية السياسية والعسكرية التي يمثلها الجيش الوطني برئاسة الفريق البرهان أو طرف الصراع الآخر قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو ستكون محل اختبار كبير أمام التحديات الإنسانية والقانونية والسياسية لوضع نهاية للحرب. فالحرب المفتوحة التي اتخذت ملامحها منذ انطلاقها في الخامس عشر من ابريل الماضي كان من الممكن ألا تستمر بذات الوتيرة التي تتصاعد يوما بعد آخر لتكون حرباً مفتوحة لا تحدها معايير أو ضوابط أخلاقية وليس هذا ما يخشي منه وقد تجاوزت المعايير الإنسانية والقانونية بما لا تماثلها حرب أخرى في تاريخ الحروب داخل الدولة؛ ولكن يخشي بعد أن بلغ التقاطع والتداخل الدولي ما بين التقارب الإيراني والأوكراني والروسي في الأزمة أن تكون حرب السودان فضاء جديداً ومختبراً فاعلاً للأسلحة الفتاكة التي ربما لم تجرب إلا في هذه الحرب كما تكشف تقارير صحافية.
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية _٢٠ مارس ٢٠٢٤م

nassyid@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: النظام السابق على مستوى بعد عام

إقرأ أيضاً:

البنوك لم يستجب معظمها لمنشور بنك السودان الذي وجه بتسهيل فتح الحسابات المصرفية

▪️المهلة الممنوحة لسبعة ولايات لتبديل العملة من فئتي الالف جنيه والـ 500 جنيه دخلت اسبوعها الاخير.. تنتهي يوم الاثنين القادم.
▪️ ابرز الملاحظات.. البنوك لم يستجب معظمها لمنشور بنك السودان الذي وجه بتسهيل فتح الحسابات المصرفية للجمهور الكترونيا “اونلاين”.. لم تُحدث غالبية البنوك تطبيقاتها المصرفية لاتاحة التسجيل اونلاين واقتصرت الاستجابة على مصرفين فقط او ثلاثة يمكن عبرهم اكمال فتح الحساب عن بعد عبر الهاتف.
▪️ العملة الجديدة التي طُرحت كانت من فئة الالف جنيه فقط ولم تطرح مطلقا حتى الان الفئة النقدية الجديدة للعملة من فئة الـ 500 جنيه مع انه يتم استلامها في البنوك للتوريد في الحساب واعتبارا من يوم الاثنين القادم ستكون الـ500 جنيه القديمة غير مبرئة للذمة وغير سارية في الولايات المشمولة بالاستبدال دون ان يتم يطرح بديلها وعليه ستكون الالف جنيه الجديدة هي الاقرب لان تكون اقل فئة نقدية للتداول في ظل ضعف قيمة الاوراق النقدية من فئة المئة جنيه والـ200 وسيخلق انعدام فئة الـ500 جنيه ازمة.
▪️ ما بثته شركة الـ EBS – الشركة المسؤولة عن خدمات الدفع الإلكتروني في السودان من اعلان تم الترويج له بكثافة عن عودة الخدمة اعلان صحيح في مظهره العام لكنه مضلل في جوهره… ليه؟
▪️ شركة الـ EBS دورها في السابق كان هو تقديم خدمة التحويل عبر الحسابات المصرفية بين البنوك والدفع عبر البطاقة ومجموعة اخرى من الخدمات الان وبعد عام و8 اشهر من توقفها من تقديم الخدمة والاترتب على توقفها عدم قدرة الناس على التحويل من حسابهم في بنك معين لحساب في بنك تاني اعلنت عن عودتها للعمل وده الجانب الصحيح في مظهر الاعلان لكن الجانب المضلل انه الشركة عادت ولكن ليس لتقديم ذات الخدمة.. لا.. عادت لتكون جهة مشرفة فقط تضمن وتنظم نظام الدفع الالكتروني بين البنوك.
▪️تنظم الخدمة لكن ما بتقدمها للناس زي زمان.
▪️ممكن زول يسال برضو يعني شنو؟ كيف يعني؟
▪️ يعني انت حسابك مثلا في بنك “المزارع، الادخار، التضامن او اي بنك” وعاوز تحول قروش زي زمان عبر التطبيق لشخص حسابه في بنك “امدرمان الوطني او بنك النيلين او اي بنك تاني” حتقول شركة الـ EBS رجعت وممكن احول عادي بالتطبيق مش؟ لا ما حتقدر تحول “جرب هسي وحول وورينا النتيجة”
▪️الشركة رجعت لكن اتخلت عن دور انها هي البتقدم الخدمة وتركت الامر للبنوك انها هي تاني التقدم الخدمة بانها تتحد في محول تعمله مع بعض.. او تعمل محولات براها المهم التحويل عبر التطبيق ده من حساب لحساب في بنك تاني بقى ما شغلة الـ EBS.. شغلة البنوك وهي المسئولة.
▪️طيب البنوك هل اتحدت مع بعض ووفقت اوضاعها عشان تقدم الخدمة دي للناس؟
▪️ برضو ظاهريا في مجموعة بنوك اعلنت قبل فترة انها اتحدت مع بعض في محول يتبع لواحد منها..ده “ظاهريا”.
▪️ طيب عمليا الاترتب على الاعلان ده شنو؟ هل باشرت البنوك دي تقديم خدمة التحويل من حسابات عملاءها لحسابات في بنوك تانية عبر التطبيق واعادت الخدمة؟
▪️ الاجابة برضو لا “جرب هسي وحول وورينا النتيجة”
▪️ طيب ده حيحصل متين؟
▪️ حيحصل لما البنوك دي تطور وتعمل تحديث لنسخ تطبيقاتها بحيث انه التحويل بدل ما كان زمان بتم عبر الطريقة المالوفة يتم تاني بالطريقة الجديدة البتتطلب تحويل خاصية التحويل الى رقم BBAN في التطبيقات واللي هو رقم الحساب المصرفي الاساسي
Basic Bank Account Number
▪️ والحل؟ .. المشكلة وين؟ مكانها وين؟
▪️ مكانها بنك السودان
▪️حلها وين؟
▪️ حلها عند بنك السودان لانه هو صاحب السلطة الاولى على البنوك.. ممكن تقول لي طيب ما بنك السودان طلع المنشور ووجه البنوك بانه تتحد مع بعض وتندمج في محولات خاصة وتفتح كمان الحساب للناس اونلاين وتخليهم يقدروا يحولوا اموالهم من حساب لحساب تاني الكترونيا عبر التطبيقات بكل سهولة ويسر.
▪️ حارد واقول ليك صحيح البنك اصدر المنشورات دي كلها لكن هل تابع تنفيذها؟ هل اتاكد انه البنوك قدمت الخدمات الوجه بتقديمها للناس دي؟
▪️ قوة القرارات مافي قوة نصوصها وموجهاتها.. قوة القرارات في قوة تنفيذها وفي صرامة متابعتها ومن غير ده ما يحصل “حياكلنا الدودو” لنعود لنستدعي ام احمد ونردد يا ام احمد دقي المحلب فوق توب احمد.. “احمد” غايب في الركاياب..وستُحلب الناقة في الشنقاقة ونظل ندندن هودنا يا هودنا.. هودنا و”برعي” غائب في الركايب.
#السودان_تغيير_العملة_طلال_مدثر

طلال مدثر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • البنوك لم يستجب معظمها لمنشور بنك السودان الذي وجه بتسهيل فتح الحسابات المصرفية
  • بوليتيكو: الحرب العالمية الثالثة قائمة في أوكرانيا
  • وسائل إعلام إسرائيلية تعلن موعد الحرب بين إسرائيل وتركيا
  • ورقني قبيهو: أناشد الزعماء الإقليميين والمجتمع الدولي وخاصة أطراف الصراع للعمل على عودة السلام في السودان
  • الطائرات المسيّرة هل ستكون لها كلمة الحسم في حرب السودان
  • «الأغذية العالمي» يعلن توسيع عملياته في السودان رغم التحديات الأمنية
  • ورحل الذي انصاع له الأمريكان ببورتسودان
  • «ترامب»: زيلينسكي يجب أن يستعد لإبرام اتفاق لإنهاء الصراع في أوكرانيا
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • الطاقة الشمسية في تونس.. الحلم الأخضر الذي تعرقله التحديات السياسية