آنا جارفيس .. الاحتفال الأول بيوم الأم
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
يحتفل العالم، اليوم الخميس، بيوم الأم، الموافق يوم 21 من شهر مارس, هو احتفال ظهر حديثاً في مطلع القرن العشرين، تحتفل به بعض الدول لتكريم الأمهات والأمومة اعترافًا بالجميل وتأثير الأمهات على المجتمع.
ويختلف تاريخ عيد الأم من دولة لأخرى، فمثلاً في العالم العربي يكون اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما في النرويج فيحتفل به في 2 فبراير؛ في الأرجنتين فهو يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو، وفي الولايات المتحدة وألمانيا يكون الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو من كل عام، وفي إندونيسيا يحتفلون به في يوم 22 ديسمبر.
أخبار متعلقة خروج الزواحف والطيور والحشرات بمحمية الإمام تركي.. ما دلالات ذلك؟ذكريات جيل السبعينيات والثمانينيات في رمضاناحتفلت أمريكا لأول مرة بيوم الأم في سنة 1908كان ذلك عندما عقدت آنا جارفيس نصباً تذكارياً لوالدتها في أحد الكنائس، وقد بدأت فكرة آنا بتكريم والدتها التي توفت بأنها الشخص الذي فعل أكثر شيء في هذه الحياة من أي شخص في العالم من أجل سعادتي، وبالرغم من ذلك كان الكونجرس الأمريكي رافض اقتراح وجود عطلة رسمية من أجل هذه المناسبة في نفس العام، إلا أن حملة آنا التي استمرت محاولاتها 4 أعوام أسفرت عن وجود عطلة رسمية بهذه المناسبة في البلاد.
المصدر: صحيفة اليوم
كلمات دلالية: الدمام يوم الأم فصل الربيع بیوم الأم
إقرأ أيضاً:
مزنة... التخوّف من الوصمة المجتمعيَّة
عتبة...
تقول الراوية عزيزة:
"فيه خوف يصيبك بالشلل وخوف يزيد عزمك".
وتقول كذلك: "في أشياء تنكسر بالغلط بين أيادينا ونعيش عمرا كاملا نحاول نصلحها، وفي أشياء نتعمد نكسرها ونحن مسلّمون بالظن إننا نقدر نرجعها مثلما كانت. طيب القلب اللي ينكسر في أمل يتصلح؟ ومن يصلحه؟".
مسلسل شارع الأعشى
في زمن السبعينيات، لم يكن الحديث عن حق الفتاة الخليجية في الاختيار الشخصي للزواج مطروحا أصلا. فالقوانين المدنية لم تكن تشجع زواج المرأة من خارج وطنها، وكانت تفرض لوائح داخلية صارمة تجعل هذا الخيار محفوفا بالعقبات. وعبر هذا السياق، يفتح مفهوم الاختيار الشخصي، الذي استعرته من كتاب (هويات متغيرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية)، للباحثة مي يماني، بابا للحديث عن قضايا المرأة الخليجية في التعليم والسياسة، ناهيك عن حقها في الحب والارتباط.
يقدّم مسلسل شارع الأعشى للمؤلفة بدرية البشر تجسيدا دراميا مؤثرا لهذا الواقع، من خلال شخصية مزنة الفتاة الشجاعة الصادقة التي وقعت في حب شاب فلسطيني يُدعى رياض، وأرادت الزواج به.
مزنة التي قدَمَت إلى شارع الأعشى برفقة أمها وأشقائها متعب وضاري والجازية، كانت مثالا للفتاة التي تحلم بحب نقي، بعلاقة تنصف قلبها وتكافئ طيبتها. شهدت قصصا كثيرة من حولها: صديقتها عزيزة التي وقعت في حب أحد الشباب العاملين في تجارة الأقمشة، وكيف غدرت بها امرأة لعوب فخطفته. أختها الجازية وهي تتزوج برجل لا يُحبها، فعاشت معه أسوأ حياة زوجية، وأخوها ضاري الذي وقع هو الآخر في الحب. مزنة لم تكن تختلف عنهم، لكنها اصطدمت بجدار الأعراف السميك.
كانت مزنة تعيش في مجتمع محافظ، حيث يُمنع على النساء الغناء أو العمل أو حتى الوجود في سوق الحريم إلا ضمن ضوابط صارمة. في هذا السياق، تعرفت على رياض، الذي أعرب عن رغبته في الزواج بها. ورغم ترددها وافقت بعد أن رأت فيه حريتها، وانعتاقها من سلطة الأخوين والمجتمع الرافض.
تقدم رياض وأهله رسميا، لكن الأم رفضت، خاصة بعد أن رآها ضاري تتحدث معه في السوق، وظن بها السوء. أقسم أن يمنع هذا الزواج، معلنا أن رياض "غريب لا يعرف عاداتهم"، وهكذا مُنعت مزنة من الخروج.
في لحظة يأس، قررت الانتحار، واضعة سكينا على عنقها. ضربها ضاري وهو يصرخ: "إلا الشرف! عقرب الثرى! تريد تذبح عمرها عشانه؟ أنا اللي بذبحها".
لترد الأم بحزن: "هذه بنيتي، ولا أحد له قول بعد قولي وأنتَ لا تمسّ شعرة منها...".
وفي مواجهة بين الأم وابنتها، تسألها الأم بمرارة: "لم أتوقعك هكذا".
فترد عليها: "ماني خايفة من الموت".
لترد الأم:" كل هذا عشق! ما خفتي تخسرين عمرش؟ تخسرين دينش عشانه؟ ما هجيتك كذيه يا مزنة، قوية... شجاعة".
ترد عليها مزنة بإصرار: "ما خفت من الموت ولا ني خايفة منه".
لكن الأم، رغم صدمتها، لم تفقد رجاحة عقلها، تحاول إقناع ابنتها بأن الحب وحده لا يكفي: "... وهو. هجوتك بيذبح عمره عشانش؟ بيتحمل أخوانش، بيتحمل ضاري والطج والطعن؟ اسمعي يا مزنة هالعشق يخصكم أنتم الاثنين، الخطر منه علينا الجميع، ما حدن يأخذ إلا من ربعه ومن جماعته. أنا اليوم حميتش من أخوانش، أما هو فمن يفكه منهم، وهذا اللي عندي".
ومع تصاعد التوتر، يتقدم رجل آخر يُدعى مطلق بن نافل لخطبتها، ويبدأ الحديث داخل العائلة عن فكرة الستر والخلاص الشرعي من هذه الفضيحة. تُرمي الكرة في ملعب مزنة، فتوافق على الزواج به ظاهريا، لكنها تخطط سرًا للهروب مع رياض. في لحظة الذروة، وفي حضور شيخ المسجد والمتشددين الذين واجهوا الثلاثي رياض ومزنة وعزيزة ليلا في شارع الأعشى، أنقذت الأم الموقف بذكاء: "البنت هذي بنيتي، والذي معها رجالها والبنت الثانية من جماعتنا جاءت تودعها قبل لا يسافرون. هذا سعد نسيبنا ماخذ أختها"، ثم قالت لرياض: "باكر تمرنا أنتَ وأهلك، وشوف من يسعى لك في التصريح".
فيرد عليها رياض: "أنا معي الجنسية، وما يصير إلا اللي تبينه".
في نهاية الأمر، تقرر الأم تزويج مزنة من رياض، بعد أن تأكدت مِن أن معه تصريحا رسميا. لكن ذلك لا يمنع ضاري من رفض الزواج والتهديد بدفنها. المشهد يكشف عمق الأزمة؛ بين القانون والتقليد، بين حب يُريد الحياة وخوف من العار المجتمعي. في خلفية هذه القصة، يَسكن خطاب ديني واجتماعي مشترك، يُشيطن المرأة ويصور حريتها كفتنة واختلاطها كفضيحة. كما في خطبة الإمام: "...الفتن أصبحت تحيط بنا من جميع الجهات ونحن في غفلة. كان المسلم يطأطئ رأسه في سَيره وهو يمشي في الطريق حتى إذا التقى امرأة لا يراها؛ لأن الله -عز وجل- أمر الرجال بأن يغضوا من أبصارهم. أما الآن فأصبح نظرهُ في الشارع، وفي المجلة والتلفاز والفيلم، وكلها في حكم زنا البصر والعياذ بالله".
إنه الخطاب المتكرر بلسان المتشددين: "يا عباد الله الحذر ثم الحذر يا أخوات. زينة المرأة في سترها، اتقوا الله يا أخوات وحافظوا على حجابكم. والمزامير من الشيطان ولا يجوز عزفها ولا سماعها ولا تداولها". هذا الخطاب التقليدي يصوّر المرأة كجوهرة، والرجل كذئب، ويحكم على الحب النقي بأنه تهديد لحصن العائلة، وليس فرصة للحياة.
إن قصة مزنة ليست قصة فتاة أحبت رجلا من خارج قبيلتها، بل هي مأساة مجتمع يخشى الحب أكثر مما يخشى الظلم. إنها اختناق متكرر لحلم مشروع، يحاصر المرأة من الجهات كلها، ويصنع من الوصمة عدوا لا يُرى، لكنه حاضر في كل قرار.
قصة مزنة أيضا، ليست مجرد دراما تلفزيونية، بل تعكس واقعا تعيشه العديد من النساء الخليجيات. فزواج المرأة الخليجية من أجنبي لا يزال يواجه تحديات قانونية وعراقيل اجتماعية متعددة. ففي المملكة العربية السعودية، يتطلّب زواج المرأة من أجنبي "الحصول على موافقة وزارة الداخلية، مع شروط تتعلق بالاستقرار المالي والفارق العمري والفحوصات الطبية والسجل الجنائي للزوج، وعدم استيفاء هذه الشروط قد يؤدي إلى رفض الطلب"، وفي معظم دول الخليج، لا تَمنح المرأة المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأطفالها، مما يؤدي إلى مشكلات في الإقامة والتعليم والرعاية الصحية تصل إلى المحاكم، وينطبق الحال على جميع دول الخليج. ورغم التطور القانوني في بعض دول الخليج، إلا أن الوصمة الاجتماعية لا تزال قائمة.
ما عاشته مزنة في شارع الأعشى، بكل ما فيه من حب مكبوت ومقاومة خافتة وضغوط عائلية ودينية ليس مجرد حالة معاصرة، بل هو تكرار لصورة المرأة في السرد العربي القديم منذ الجاهلية، مرورا بالعصور الإسلامية وصولا إلى أدب النهضة. في السرد العربي القديم كانت المرأة تمثل الفتنة أو المَتاع، إما معبودة تقاتل القبائل لأجلها أو مصدر بلاء يجب ضبطه أو أداة للصلح والنسب (عنتر وعبلة)، ومزنة في هذا الامتداد، ليست بعيدة عن تلك الصور وتمثيلاتها الرمزية، فهي محكومة بسلطات ثلاث كبرى: سلطة الأخ، وسلطة الأم، وسلطة المجتمع والفتاوى وخطبة الصلاة وتهمة التجريم. ومثل بطلات السرد العربي القديم، فإنّ كل تمرّد منها يُقابل بالعنف أو الخنق أو التهديد بالموت كما لو أن حياتها لا تُحتمل إلا ضمن حدود يقرّها الذكور المتشددون.
لكن المختلف هنا، أن مزنة تقف على حافة التغيير. فهي لا تموت كما ماتت ليلى الأخيلية قهرًا، ولا تُمنع من الحب كما مُنعت بلقيس في الأسطورة، بل تصرخ، تحاول، تجرّب، تفكر في الانتحار، لكنها في نهاية الأمر تنتزع شبه اعتراف من الأم، وتضع الجميع أمام خيار أخير: إما أن أكون أو لا أكون.
إن قصة مزنة في الحقيقة ليست بعيدة عن قصص النساء العربيات منذ فجر السرد: نساء يُحببن لكن لا يُصدقن، يُردن لكن لا يُمنحن، يُفكرن لكن لا يُسألن. ومزنة بهذا تمثّل لحظة تقاطع بين الماضي الثقيل والحاضر الذي سيأتي متأخرا.