جوران فوينوفيتش: يتحول العالم فجأة إلى شعلة نار مدمرة
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
أثير -مكتب أثير في القاهرة
إعداد: محمد الحمامصي
تشكل رواية كاتب سيناريو والروائي والمخرج والشاعر جوران فوينوفيتش “يوغوسلافيا.. أرض أبي” إضاءة قوية على تأثيرات الحرب على الشعوب وما تخلفه من دمار على مختلف الأوضاع الاجتماعية والإنسانية نفسيا وعمرانيا، وذلك من خلال قصص وحكايات من عايشوا هذه الحرب وكتبت لهم النجاة.
إنها رواية عن الذين نجوا من الحرب في يوغوسلافيا، لكنهم لم ينجوا من مصائرهم المأساوية، بعد أن تجمعت يوغوسلافيا على حلم الفوز بكأس العالم في عام 1990، حدث بعدها أن بدأت الانقسامات والانهيار وتفككت الدولة والأسر واستقلت كل مجموعة عرقية بدولتها.
الرواية التي ترجمها شرقاوي حافظ وحررتها إيزيس عاشور وصدرت عن دار العربي، قدم لها المؤلف مقدمة خاصة بالقارئ العربي، حيث قال “منذ بضع سنوات، نظمت صديقة لي من سيريلانكا ندوة لمناقشة روايتي “يوغوسلافيا.. أرض أبي”، وذلك في منزلها في كولمبو. كانت الندوة من أكثر الندوات المثيرة التي عقدت لمناقشة روايتي، فالناس الذين لم يعرفوا شيئًا عن حروب يوغوسلافيا أو الذين يعرفون منها شذرات تحدثوا معي فورًا عن تجاربهم في الحروب الأهلية. ومن المثير للدهشة أنني أدركت أن روايتي يمكن قراءتها وفهمها بأكثر من طريقة، وأنني – دون تعمد – لم أكتب فقط عن يوغوسلافيا، بل عن أماكن كثيرة سيئة الحظ”.
وأضاف فوينوفيتش “في تلك الأمسية في كولمبو، استوعب الجمهور جيدًا ما أرمي إليه عندما تحدثت عن العنف المفاجئ بسبب العرقية. كانوا على وعي تام بكيفية تحول الجيران والأصدقاء الذين دامت علاقاتهم لسنين طويلة إلى أعداء ألداء ما بين عشية وضحاها. ومن جهة أخرى، تفهمت تمامًا حديثهم عن الصمت المفروض ذاتيًا الذي ساد بلادهم بعد الحرب، وعن عدم رغبة الجميع وعجزهم عن مواجهة الأعمال الوحشية التي ارتكبتها جميع الأطراف المتناحرة. بانتهاء الأمسية لم نكن نتحدث عن الأسرار المظلمة الخاصة بيوغوسلافيا أو سيريلانكا فحسب، بل عن الأسرار المظلمة التي تعم الجنس البشري بأكمله. وتجاوز نقاشنا التفاصيل المحلية، التي اعتقدت حتى ذلك الحين أنها مفتاح فهم كتابي. لقد وصلنا إلى نقطة وجدنا فيها أنفسنا نتحدث عن تجربتنا المشتركة في الحرب. مرة أخرى، أيقنت أن جماليات الأدب ما هي إلا حقيقة. فإننا قادرون على معرفة أنفسنا في الآخر، أيًا كان هذا الآخر فإنه بإمكاننا أن نعرف الكثير عن عالمنا من خلال قصص بعيدة في الزمان والمكان. ولقد اكتشفت مرة أخرى أن الأدب لا شيء فيه غريب، حيث لغة الأدب هي لغة التفاهم.
وأوضح فوينوفيتش “لقد أمضيت في ديسمبر 2010 أسبوعًا في القاهرة حيث كان العرض الأول لفيلمي الروائي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي. وكنت في وقت سابق في ذلك العام نفسه قد قمت برحلة عبر الأردن وسوريا. ظللت لسنوات عدة تالية أرجع لهاتين الرحلتين، أقلب في ذاكرتي صورًا ما لبثت أن انتشرت عبر شاشات تليفزيوننا وعلى أغلفة صحفنا. مثلما كنت في طفولتي ومثل “فلادان”، الشخصية الرئيسية في الرواية، حاولت جاهدًا أن أفهم كيف يتحول العالم فجأة إلى شعلة نار مدمرة، أو يتبدد كما هو الحال في سوريا. عدت بمخيلتي إلى حمص، حلب، وحماة، كما عدت إلى ميدان التحرير أبحث عن أدنى أثر لهذه التشققات. فلم أجد شيئًا مهما كان تخيلك. مجرد بعض الغضب من سائقي التاكسي في اللاذقية، الذين طعن بعضهم بعضًا من أجل حفنة من اليوروهات؛ وبعض الاكتئاب لدى الناس في فندق دمشقي رخيص الذين ملؤوا بهو الفندق كالدخان الكثيف؛ وبعض اليأس من عمال فلسطينيين بمحطة باص، وهم ينتظرون دخول النهار في الليل. كما أنني وجدت بعض الفوضى الباعثة على التوتر بفظاعة في حفل عشاء مهرجان القاهرة، والوهج الذي ينحسر عن عيني “عمر الشريف” المتعبتين. ولكن كما حدث في يوغوسلافيا منذ ثلاثين عامًا، كانت هذه التشققات مخبأة بشكل واضح في انتظار أي شخص لا يعرف عما يبحث”.
ويختم فوينوفيتش “لقد تعلمت في أيام حياتي الأولى أن العالم يمكنه أن ينزع إلى الاختفاء. وتعلمت أيضًا أن اختفاء العالم هو اختفاء الجنس البشري. وبغض النظر عن أين وكيف يتم هذا الاختفاء، فإن العواقب متشابهة جدًا، وحشية ومدمرة. هذا هو سبب شعوري بالارتباط الغريب بين الأماكن والشعوب التي عانت من نوع ما من اختفاء العالم، الذين يعانون عواقب هذا الاختفاء. وهو السبب الذي جعلني أشعر بأننا نعيش القصة نفسها. قصة المأساة العميقة، القصة التي في حاجة بشكل حزين إلى سردها مرة بعد المرة. وهذا أيضًا هو السبب في اعتقادي بأن القارئ العربي سيجد يأسه وإحساسه بالوحدة وشعوره ببث الشكوى مبعثرًا على صفحات روايتي، مثلما كنت أجد حزني في روايات الروَّاد من الكتَّاب العرب. وكما قلت؛ لا شيء غريب في الأدب، فلغة الأدب هي لغة التفاهم.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
ترامب: أزمة أوكرانيا كانت تدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة
حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، من أن الحرب في أوكرانيا كانت تدفع العالم نحو صراع عالمي ثالث غير مسبوق، في ظل وجود الأسلحة النووية، مؤكدًا أن إدارته تسعى لإيجاد حل ينهي الأزمة.
وفي تصريحات له، قال ترامب إن أوكرانيا وافقت على وقف إطلاق النار، بينما تجري محاولات لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتخاذ خطوة مماثلة، مضيفًا: "أعتقد أننا نبلي بلاءً حسنًا الآن مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا. نحن نجري محادثات مع الرئيس بوتين ونعمل على وضع حد لهذا النزاع".
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن هناك جهودًا مكثفة لإقناع موسكو بالموافقة على وقف إطلاق النار، موضحًا: "نسعى الآن للحصول على موافقة روسيا على وقف القتال، وقد أجرينا محادثات جيدة جدًا بهذا الشأن، إنه ليس أمرًا سهلًا، لكنني أعتقد أننا نحقق تقدمًا".
ووجّه ترامب انتقادات حادة لسلفه جو بايدن، محملًا إياه مسؤولية اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث قال: "بايدن هو من سمح باندلاع هذه الحرب، ونحن الآن نعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لقد ورطنا في مأزق حقيقي مع روسيا، ولم يكن يعرف ماذا يفعل لأنه لم يكن حتى يوقّع شخصيًا على الوثائق".
من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا تبحث عن ذرائع متعددة لتجنب إنهاء الحرب، معتبرًا أن استمرار الضغط الدولي ووحدة الشركاء الغربيين يمكن أن يدفع موسكو إلى تغيير موقفها.
يأتي هذا التطور في وقت تتكثف فيه الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وسط تباين في المواقف بين كييف وموسكو بشأن شروط أي اتفاق سلام محتمل.