أثير -مكتب أثير في القاهرة
إعداد: محمد الحمامصي

تشكل رواية كاتب سيناريو والروائي والمخرج والشاعر جوران فوينوفيتش “يوغوسلافيا.. أرض أبي” إضاءة قوية على تأثيرات الحرب على الشعوب وما تخلفه من دمار على مختلف الأوضاع الاجتماعية والإنسانية نفسيا وعمرانيا، وذلك من خلال قصص وحكايات من عايشوا هذه الحرب وكتبت لهم النجاة.

إنها رواية عن الذين نجوا من الحرب في يوغوسلافيا، لكنهم لم ينجوا من مصائرهم المأساوية، بعد أن تجمعت يوغوسلافيا على حلم الفوز بكأس العالم في عام 1990، حدث بعدها أن بدأت الانقسامات والانهيار وتفككت الدولة والأسر واستقلت كل مجموعة عرقية بدولتها.
الرواية التي ترجمها شرقاوي حافظ وحررتها إيزيس عاشور وصدرت عن دار العربي، قدم لها المؤلف مقدمة خاصة بالقارئ العربي، حيث قال “منذ بضع سنوات، نظمت صديقة لي من سيريلانكا ندوة لمناقشة روايتي “يوغوسلافيا.. أرض أبي”، وذلك في منزلها في كولمبو. كانت الندوة من أكثر الندوات المثيرة التي عقدت لمناقشة روايتي، فالناس الذين لم يعرفوا شيئًا عن حروب يوغوسلافيا أو الذين يعرفون منها شذرات تحدثوا معي فورًا عن تجاربهم في الحروب الأهلية. ومن المثير للدهشة أنني أدركت أن روايتي يمكن قراءتها وفهمها بأكثر من طريقة، وأنني – دون تعمد – لم أكتب فقط عن يوغوسلافيا، بل عن أماكن كثيرة سيئة الحظ”.
وأضاف فوينوفيتش “في تلك الأمسية في كولمبو، استوعب الجمهور جيدًا ما أرمي إليه عندما تحدثت عن العنف المفاجئ بسبب العرقية. كانوا على وعي تام بكيفية تحول الجيران والأصدقاء الذين دامت علاقاتهم لسنين طويلة إلى أعداء ألداء ما بين عشية وضحاها. ومن جهة أخرى، تفهمت تمامًا حديثهم عن الصمت المفروض ذاتيًا الذي ساد بلادهم بعد الحرب، وعن عدم رغبة الجميع وعجزهم عن مواجهة الأعمال الوحشية التي ارتكبتها جميع الأطراف المتناحرة. بانتهاء الأمسية لم نكن نتحدث عن الأسرار المظلمة الخاصة بيوغوسلافيا أو سيريلانكا فحسب، بل عن الأسرار المظلمة التي تعم الجنس البشري بأكمله. وتجاوز نقاشنا التفاصيل المحلية، التي اعتقدت حتى ذلك الحين أنها مفتاح فهم كتابي. لقد وصلنا إلى نقطة وجدنا فيها أنفسنا نتحدث عن تجربتنا المشتركة في الحرب. مرة أخرى، أيقنت أن جماليات الأدب ما هي إلا حقيقة. فإننا قادرون على معرفة أنفسنا في الآخر، أيًا كان هذا الآخر فإنه بإمكاننا أن نعرف الكثير عن عالمنا من خلال قصص بعيدة في الزمان والمكان. ولقد اكتشفت مرة أخرى أن الأدب لا شيء فيه غريب، حيث لغة الأدب هي لغة التفاهم.
وأوضح فوينوفيتش “لقد أمضيت في ديسمبر 2010 أسبوعًا في القاهرة حيث كان العرض الأول لفيلمي الروائي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي. وكنت في وقت سابق في ذلك العام نفسه قد قمت برحلة عبر الأردن وسوريا. ظللت لسنوات عدة تالية أرجع لهاتين الرحلتين، أقلب في ذاكرتي صورًا ما لبثت أن انتشرت عبر شاشات تليفزيوننا وعلى أغلفة صحفنا. مثلما كنت في طفولتي ومثل “فلادان”، الشخصية الرئيسية في الرواية، حاولت جاهدًا أن أفهم كيف يتحول العالم فجأة إلى شعلة نار مدمرة، أو يتبدد كما هو الحال في سوريا. عدت بمخيلتي إلى حمص، حلب، وحماة، كما عدت إلى ميدان التحرير أبحث عن أدنى أثر لهذه التشققات. فلم أجد شيئًا مهما كان تخيلك. مجرد بعض الغضب من سائقي التاكسي في اللاذقية، الذين طعن بعضهم بعضًا من أجل حفنة من اليوروهات؛ وبعض الاكتئاب لدى الناس في فندق دمشقي رخيص الذين ملؤوا بهو الفندق كالدخان الكثيف؛ وبعض اليأس من عمال فلسطينيين بمحطة باص، وهم ينتظرون دخول النهار في الليل. كما أنني وجدت بعض الفوضى الباعثة على التوتر بفظاعة في حفل عشاء مهرجان القاهرة، والوهج الذي ينحسر عن عيني “عمر الشريف” المتعبتين. ولكن كما حدث في يوغوسلافيا منذ ثلاثين عامًا، كانت هذه التشققات مخبأة بشكل واضح في انتظار أي شخص لا يعرف عما يبحث”.

ويختم فوينوفيتش “لقد تعلمت في أيام حياتي الأولى أن العالم يمكنه أن ينزع إلى الاختفاء. وتعلمت أيضًا أن اختفاء العالم هو اختفاء الجنس البشري. وبغض النظر عن أين وكيف يتم هذا الاختفاء، فإن العواقب متشابهة جدًا، وحشية ومدمرة. هذا هو سبب شعوري بالارتباط الغريب بين الأماكن والشعوب التي عانت من نوع ما من اختفاء العالم، الذين يعانون عواقب هذا الاختفاء. وهو السبب الذي جعلني أشعر بأننا نعيش القصة نفسها. قصة المأساة العميقة، القصة التي في حاجة بشكل حزين إلى سردها مرة بعد المرة. وهذا أيضًا هو السبب في اعتقادي بأن القارئ العربي سيجد يأسه وإحساسه بالوحدة وشعوره ببث الشكوى مبعثرًا على صفحات روايتي، مثلما كنت أجد حزني في روايات الروَّاد من الكتَّاب العرب. وكما قلت؛ لا شيء غريب في الأدب، فلغة الأدب هي لغة التفاهم.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

"أسبيدس" تعلن انضمام مدمرة إيطالية إلى أسطولها في البحر الأحمر

عززت مهمة "أسبيدس" قوتها البحرية، بانضمام مدمرة حربية إيطالية إلى أسطولها الحربي في البحر الأحمر، أعلنت عنها الأربعاء.

ورحبت مهمة الاتحاد الأوروبي “أسبيدس”، في بيان "بالمدمرة (ITS CAIO DUILIO) الإيطالية وطاقمها"، مشيرة إلى أن المدمرة وطاقهما "سيلعبون دوراً حاسماً في دعم" مهمتها "من خلال المساهمة في حرية الملاحة في جميع أنحاء منطقة العمليات بالبحر الأحمر وخليج عدن”.

ومهمة “أسبيدس” مكلفة في حماية السفن التجارية وتأمين ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن من هجمات مليشيا الحوثي (المصنّفة على قائمة الإرهاب).

وأشارت المهمة، في بيانها، إلى أن تعزيز الحضور البحري الأوروبي يأتي في سياق الردع ضد المليشيا المسلحة، التي تهدد أمن وسلامة خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، دشنت مليشيا الحوثي هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق المفخخة على السفن التجارية في البحرين الأحمر والعربي، توسعت لاحقاً لتشمل المحيط الهندي.

ويشرف على هذه الهجمات بشكل مباشر، خبراء في الحرس الثوري الإيراني، وتزعم مليشيا الحوثي أن هذه الهجمات تأتي تضامنا مع “الشعب الفلسطيني” في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي نفذته قوات الأخيرة رداً على هجوم شنته حركة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين 2023.

ولم تغيّر الهجمات الحوثية شيئاً في مجرى العدوان على غزة، حيث توسعت لتشمل قطاعات فلسطينية أخرى، قبل أن تمتد الى الجنوب اللبناني لمهاجمة قوات حزب الله (أحد اذرع إيران في المنطقة).

وتسببت الهجمات الحوثية، بتكبيد الاقتصاد اليمني ومعظم الدول المشاطئة وخاصة مصر، خسائر كبيرة، وأعاقت حركة الملاحة في المنطقة التي يمر عبرها 12 بالمئة من حركة التجارة البحرية العالمية.

مقالات مشابهة

  • مرشد سياحي: خيبر تعد أولى مناطق العالم التي اكتشف فيها قرية من العصر البرونزي
  • رئيس المجلس النرويجي للاجئين: غزة مدمرة.. والحرب ليست دفاعاً عن النفس
  • تقرير: المتفجرات التي أسقطت على قطاع غزة أكثر مما ألقي خلال الحرب العالمية الثانية
  • "أسبيدس" تعلن انضمام مدمرة إيطالية إلى أسطولها في البحر الأحمر
  • ظهر فجأة في الشوارع.. الإمساك بحيوان غريب أصاب 10 أشخاص ببني سويف
  • وجه الكورتيزول ومعجون الفحم للأسنان.. هذه صيحات الصحة التي شهدها العالم في 2024
  • من هي هاريس التي باتت قاب قوسين من أن تصبح أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في أقوى دولة في العالم؟
  • "المجاهدين": إقالة غالانت لن تمحو العار والهزيمة التي تلاحقه
  • اعتقال شخص بحوزته شعلة ومسدس ألعاب نارية في مبنى الكونجرس
  • أبرز شركات الطيران التي علقت رحلاتها للمنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية