سرايا - حينما تتزلزل الأرض تحت حكومة نتنياهو، ويطالبها أخلص حلفائها بانتخابات جديدة، ويوجهون سهام اللوم لرئيسها نتنياهو، ويقولون؛ إنه عقبة أمام السلام ويضرّ إسرائيل أكثر مما ينفعها، ويترافق ذلك مع أزمات داخلية متعددة بين أقطابها وبين السياسيين والعسكريين، مصحوبة بالفشل في تحقيق أهداف الحرب، والعجز عن وضع تصور لما بعد الحرب، فإنّ هذا يطرح تساؤلات عن مدى صمود هذه الحكومة وتماسكها، ومستقبل عدوانها على غزة الذي جرى حتى الآن بغطاء أميركي سياسي وعسكري غير مسبوق.



فقدان الثقة لا شكّ أن تطوّر الموقف الأميركي السلبي من نتنياهو وحكومته لم يكن وليد اللحظة، ولكنه تطور على امتداد الشهور الماضية التي تلت الحرب، بدءًا برفض نتنياهو تصور اليوم التالي للحرب، وعدم قبوله بالدولة الفلسطينية، مرورًا بعدم استماعه للمطالب الأميركية بالتخفيف من استهداف المدنيين، حيث نُقل عن بايدن وصفه نتنياهو بالرجل السيئ، والرجل الأحمق، ثم قوله؛ إن التعامل مع نتنياهو أصبح مستحيلًا.

ثم تطور الأمر بين الطرفين بعد احتدام الخلاف حول اجتياح رفح والتعامل مع مفاوضات الهدنة، أو وقف إطلاق النار.

يواجه نتنياهو مشكلة أخرى مع وزير دفاعه يوآف غالانت والتي تعود إلى تخوف نتنياهو من طموحات غالانت السياسية، ومحاولة نتنياهو إرضاء شريكَيه اليمينيَين في الائتلاف الحكومي على حسابه

كما أن تعمد جيش الاحتلال قصف المدنيين الذين تجمعوا لالتقاط المساعدات عند دوّار النابلسي شمالي قطاع غزة؛ ما أدى لاستشهاد أكثر من 100 فلسطيني، فيما عرف بمجزرة الطحين أدخل هذه الخلافات في منحنى آخر، تمثل باعتبار بايدن أن نتنياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها، كما حظي بايدن بدعم الزعيم الأكثر ولاءً لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، وهو رئيس الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس تشاك تشومر، حينما فجّر المفاجأة الأكثر إيلامًا لنتنياهو بقوله؛ إن على إسرائيل تصحيح مسارها، معتبرًا أن نتنياهو يشكل عقبة أمام السلام، ودعا الإسرائيليين لإجراء انتخابات مبكرة، وهي الدعوة التي أثنى عليها بايدن، فيما اعتبرتها مجموعة الضغط اليهودية "جي ستريت" مؤشرًا على تحول تاريخي لديمقراطيين يهتمون بشدة بمستقبل إسرائيل.

ورغم أنّ موقف "الإيباك" اللوبي الإسرائيلي الأكثر تأثيرًا في الولايات المتحدة لم يكن واضحًا أو حادًا تجاه نتنياهو، فإن هذه التطورات تدل على بداية تزعزع الدعم الأميركي لحكومة نتنياهو في بعض مواقف الحرب، وهو ما قد يؤثّر على حجم الدعم اللوجستي غير المسبوق الذي تلقته إسرائيل من أميركا حتى الآن عبر الجسر الجويّ المتواصل الذي نقلت فيه الذخيرة والأسلحة.

وقد حذر مسؤول إسرائيلي رفيع من أن "إسرائيل قد تخسر الحرب على غزة، إذا لم تتوفر الذخيرة والشرعية، قائلًا: إن كلتيهما بدأتا تنفدان"!

ونقلت قناة "كان" العبرية عن مصدر إسرائيلي أن الولايات المتحدة أبطأت تقديم المساعدات العسكرية للكيان، فيما أبلغ مسؤول إسرائيلي رفيع قناة "ABC" الأميركية أن هناك نقصًا في قذائف المدفعية عيار 155 ملم، وقذائف الدبابات عيار 120 ملم، لدى جيش الاحتلال.

ورغم ذلك، فمن المهم التأكيد أنّ هذه المواقف السياسية الحادة لم تؤثر حتى الآن على الدعم الأميركي غير المحدود للكيان، وأن تصريحات بايدن وبعض المشرعين الأميركيين هي من باب الحرص على الكيان، وتخوفهم من الطريقة التي يقوده بها نتنياهو خدمة لمصالحه الشخصية.

أزمة داخلية وبالتوازي مع الأزمة مع الولايات المتحدة، فإن نتنياهو يعاني من تكاثر الأزمات الداخلية، أهمها الخلافات مع عضوَي مجلس الحرب بيني غانتس، زعيم حزب معسكر الدولة، وغادي آيزنكوت، رئيس الأركان السابق، وذلك على خلفية إدارة الحرب، وأولويتَي تحرير الأسرى، والقضاء على حماس، حيث يرى كلاهما أن تحرير الأسرى له الأولوية في ظل عدم تحقيق هدف القضاء على حماس، الذي يمكن استئناف العمل به بعد إنجاز صفقة الأسرى. وذلك فيما يماطل نتنياهو في إنجاز هذه الصفقة، ويحاول تهميش دور غانتس في الإشراف على المفاوضات مع الوسطاء، وهو الأمر الذي يوسع الخلافات بينهما.

وقد تعاظمت الخلافات بزيارة غانتس للولايات المتحدة والتقائه مع نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، وهو ما اعتبره نتنياهو بمثابة المؤامرة لإسقاطه.

ورغم تفوق غانتس على نتنياهو بضعف الأصوات فيما لو أجريت الانتخابات، فإن الأخير ربما يكون كسب نقطة على صعيد استقرار تحالفه اليميني المتشدد عبر انفصال جدعون ساعر ببرنامجه اليميني الأقرب لليمين ولنتنياهو عن حزب بيني غانتس، ومطالبته بمقعد في مجلس الحرب، بما يعزز من سطوة نتنياهو هناك إن وافق لساعر على هذا المطلب.

كما يواجه نتنياهو مشكلة أخرى مع وزير دفاعه يوآف غالانت والتي تعود إلى تخوف نتنياهو من طموحات غالانت السياسية، ومحاولة نتنياهو إرضاء شريكَيه اليمينيَين في الائتلاف الحكومي على حسابه، حيث عين رئيس حركة عظمة يهودية بن غفير وزيرًا للأمن القومي، فيما سلم رئيس حركة الصهيونية الدينية سموتريتش منصب منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية والإدارة المدنية منتزعًا إياها من صلاحيات غالانت.

كما سبق أن أقاله من منصبه في مارس/آذار 2023؛ بسبب دعمه المظاهرات المناوئة للتعديلات القضائية، ومشاركة العديد من قوات الاحتلال في هذه الاحتجاجات، وذلك قبل أن يتراجع عن قراره ويعيده لمنصبه. المهم أن هذه الخلافات استمرت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإن حاول الطرفان إخفاءها، وهي تعود للظهور في مفاصل قرارات الحرب وسير المعارك.

ونظرًا لأن نتنياهو يخشى من التعرض للمحاكمة بتهمة الفساد، وربما أيضًا بسبب الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنه يسعى للحفاظ على ائتلافه الحكومي الذي يتمتع بأغلبية 64 صوتًا في الكنيست، ويسعى في مواقفه لإرضاء شريكَيه المتطرفَين بن غفير وسموتريتش، حيث كان لهما التأثير البارز في موقف نتنياهو من الدولة المستقلة، وكذلك الموقف من مفاوضات وقف النار والأسرى، حيث يهددان بالانسحاب من الائتلاف في حال التوصل لاتفاق.

كما يبدو أنّ أزمة جديدة تلوح في الأفق، بعد إثارة وزير الدفاع قضية تجنيد الحريديم المتدينين في الجيش، وتأكيده على حاجة الجيش لهم (يتمتعون حاليًا باستثناء من الخدمة وفق قانون أقره الكنيست)، الأمر الذي دفع كبير حاخامات السفارديم (اليهود الشرقيين) يتسحاق يوسف للقول: "إذا أجبرتنا الحكومة على التجنيد فسنسافر جميعًا إلى خارج إسرائيل". وربما تؤدي مناقشة تعديلات مقترحة على قانون التجنيد إلى انقسامات في الحكومة، في الوقت الذي يؤكد الجيش حاجته لزيادة مدة التجنيد الإلزامي في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة.

ويضاف لذلك تصاعد وتيرة المظاهرات المطالبة لحكومة نتنياهو بإنجاز صفقة تبادل الأسرى، وتلك المطالبة باستقالة الحكومة، لتشمل حيفا والقدس وتل أبيب، وتهديد متظاهرين بحرق إسرائيل إن لم تذهب الحكومة لصفقة تبادل الأسرى.

ومع كل ذلك، لا يبدو حتى الآن أن هذا الائتلاف معرض لتهديد حقيقي بالانهيار، ما لم يرفع بن غفير وسموتريتش الغطاء عن نتنياهو، إذ فشل غانتس سابقًا في استمالة عدد من أعضاء الليكود للاستقالة لإفقاد نتنياهو الأغلبية، بما يمهّد لإجراء انتخابات أو تغيير الحكومة.

فشل مركّب إن اجتماع هذه الأزمات مع بعضها، واستمرار تصاعدها، إنما يعود بالأساس للهزة الكبرى التي أحدثها "طوفان الأقصى" بالمجتمع الإسرائيلي، وما تبع الحرب على غزة من فشل إسرائيلي في تحقيق أهدافها المعلنة: القضاء على حماس، وتحرير الأسرى بالقوة. إذ اتضح أن هذين الهدفين لم يكونا واقعيين، فمن غير الممكن القضاء على حركة متجذرة في الأرض سياسيًا واجتماعيًا، وتملك قدرات عسكرية وأمنية لا يستهان بها.

وقد أكدت شهادات الاستخبارات الأميركية، وكذلك شهادات خبراء عسكريين إسرائيليين، أن قوات الاحتلال لم تتمكن من القضاء على معظم القوة العسكرية لحماس، واستمرار احتفاظ الحركة بآلاف المقاتلين في المناطق التي تم اجتياحها، فيما لا تزال تحتفظ بكل مقاتليها في رفح.

كما أكدت الشهادات أن قوات الاحتلال لم تتمكن إلا من تدمير ثلث أنفاق حماس والتي تزيد على 500 كم تحت الأرض، الأمر الذي يؤكد استمرار السيطرة والتحكم وامتلاك القوة الصلبة في القطاع. كما أظهرت الحركة قدرة على استعادة دورها المدني على الأرض، عقب حملة التجريف الإسرائيلية.

كما عجزت قوات الاحتلال عن إيجاد بديل من العشائر لتوزيع المساعدات أو حكم القطاع، فيما لا يزال الخلاف ينخر في الحكومة بين نتنياهو وغالانت حول الاستفادة من شخصيات في فتح، مثل مسؤول المخابرات الفلسطينية في الحلول محل حماس في الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال.

كما تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها عالقة في خياراتها، في ظل إصرارها على اجتياح رفح، رغم أنها لم تنجح في مهمتها في شمال ووسط غزة، وفي خان يونس. ويعاني جيش الاحتلال من إرهاق واستنفاد طاقته، في وقت يصر فيه بايدن على إيجاد مأوى وإغاثة لنحو 1.4 مليون مدني نازح في رفح قبل شنّ أي هجوم بري، وهو ما فشلت فيه حكومة الاحتلال حتى الآن، الأمر الذي يهدد بتفاقم الخلاف مع الإدارة الأميركية في حال قرّر نتنياهو مهاجمة رفح.

كما ستعزز هذه الخطوة الخلافات مع كل العالم الغربي الذي دعم هذه الحرب في بدايتها، ليطالب الآن بوقفها وإغاثة الفلسطينيين وإنقاذهم من المجاعة التي يواجهونها.

وفي سياق آخر، نجحت حماس في تعميق أزمة حكومة الاحتلال، عندما قدمت اقتراحًا مرنًا في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف النار، ركّزت فيه على المطالب الإغاثية والسماح للمدنيين بالعودة من جنوب غزة إلى شمالها، بما يستدعي انسحاب قوات الاحتلال من شارعي الرشيد وصلاح الدين.

وفيما وصفت واشنطن الاقتراح بأنه يقع ضمن إطار اتفاق باريس 2، فإن نتنياهو دخل كعادته في مناورات داخل ائتلافه الحاكم، في محاولة لإجهاض أي فرصة للتوصل لاتفاق، لأن أي وقف مؤقت لإطلاق النار سيمهد لمفاوضات لوقف دائم للحرب، وهو ما يحاول نتنياهو تجنبه.

غير أن خياراته هذه المرة بدأت تضيق أمام احتدام الخلاف مع الإدارة الأميركية، إذ لا يمكنه الاستمرار حتى النهاية في استفزازها، وسيحتاج إلى مبادرات ومواقف تخفف الضغط عليه، مع موازنة الحفاظ على ائتلافه الحاكم، وإقناع المتشددين فيه بالموافقة على خطوة وقف النار، أو هدنة تؤدي إلى نزع فتيل التوتر مع إدارة بايدن.

لا يعني ذلك أنه سيذهب لهذا الاتفاق، ولكنه بالتأكيد سيضطر للتعامل بجدية أكثر مع هذا المسعى، بصرف النظر عن المدى الذي سيتجاوب فيه، وما يمكن أن يطلبه من شروط تلقى قبولًا أميركيًا، وتعيد الكرة إلى ملعب المقاومة.

وبصرف النظر عن مآلات الأمور بالنسبة لحكومة الاحتلال أو علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، أو مآل المفاوضات، فإن المؤكد هو أن مكانة الكيان تتراجع بشكل ملموس ضمن المنظومة الغربية، وتتآكل صورته الحضارية التي سوّقها عن نفسه طوال السنوات الماضية، أمام صور الإجرام والسادية في قتل المدنيين وتجويعهم واستهداف مستشفياتهم ومدارسهم، وهو الأمر الذي يحرج حلفاءَه، ويضعهم أمام خيارات صعبة وتحديات لقيمهم ومبادئهم التي يسوّقونها عن أنفسهم.

وهذا سيكون له أثر مدمر على صورة الكيان وعلاقاته الرسمية مع الغرب، بعد أن ضرب صورته وحطمها أمام جماهيره. ويضاف ذلك إلى فقدان قيمته الإستراتيجية لدى الغرب؛ بسبب هجوم "طوفان الأقصى" الذي ضرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأطاح بنظريته للردع.
 
إقرأ أيضاً : بلينكن: قريبون من التوصل لاتفاق تهدئة في قطاع غزة .. وجولتي في الشرق الأوسط تناقش مابعد الحربإقرأ أيضاً : قوات الاحتلال تهدد النازحين داخل مجمع الشفاء وتطالب بإخلاء المجمع فوراً إقرأ أيضاً : ارتفاع هائل في الحوادث البحرية منذ بدء هجمات الحوثي


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: قوات الاحتلال الأمر الذی القضاء على حتى الآن وهو ما

إقرأ أيضاً:

السودان؛ الأسئلة المُحرَّمة!

هل كان لحرب السودان أن (لا) تقع؟
و قبل الإجابة نؤكد على أن نعم علَّ السؤال أعلاه لا فائدة منه و لا معنى له و قد حدث ما حدث و ما زال يحدث و الأهم منه هو سؤال : أن كيف يمكن لحرب السودان أن تقف؟
*
لكن في أحيان معرفة الأسباب و الظروف تساعد في فهم الحقائق و تصور الإحتمالات و النتائج.
لتبقى الحقيقة أن أقدار الله لا محالة واقعة و علينا الدعاء.
*
عودة إلى السؤال فالجواب : نعم.
إن كان تم لجم طموح قائد الدعم السريع و تنظيم أمر تلك القوات بعد نجاح الثورة مباشرة.
لتأتي مقولة أو الإتهام أن "الكيزان" هم من أشعلوا الحرب في محاولتهم المستمرة المُستميتة للعودة إلى السلطة و هذا احتمال وارد.
لكن إن كان فعلاً هو صحيح فلماذا أشعل الحرب الكيزان بين أتابعهم (العسكر)؟
أليس كان من الأسهل عليهم مع زعم أن قيادة الجيش خاضعة لهم كما أن الدعم السريع هو من صنعيتهم و قائده جندي تابع لهم أن يعلنوا إنقلاب العسكر و على مدنيِّ الوثيقة الإنتقالية و فقط! بلا حرب و لا يحزنون!
إذا فكيف نعلل أن الحرب هي بين الجيش و الدعم السريع؟!
*
نعم هل الدعم هو من "تمرَّد" على صانعيه و شركائه في الجيش؟ و هل لتمرُّده ذاك سبب "وطني" كما يزعم قائده بإنحيازه للمدنيَّة!
فلماذا من الأول شارك قادة الجيش و من خلفهم ممن يعرفهم هو و وقف معهم في الإنقلاب على حكومة الشراكة و حمدوك (الأوَّلى)؟!
هل أنَّبه الضمير و عرف الحق فاستيقظ؟
أم (حرَّشهُ) أحدهم و كبر الأمر في رأسه أو جهة ما وجهته أو أخضعته؟
أو فقط لأنه عرف الضعف في قيادة الجيش و أيقن من قدرته على هزيمتهم و انتزاع السلطة في السودان له وحده و إن سمح للمدنين مشاركته و اقتسامها معه و إن في الشكل؟
*
ثم لماذا خرج قادة الجيش و انتفضوا فجأة من حالة الإنهزام المزمن و الهوان و خضوعهم لقائد الدعم صديقهم؟ و لماذا في هذا التوقيت تحديداً؟!
هل ضاق صدرهم أم استيقظت الكرامة و النخوة و الغيرة على الشعب و الأرض فيهم؟ أم تذكروا قسمهم و أنهم هم الجيش و تلك مجرّد عصابات من قطّاع الطرق كانت تابعة لهم!
بل إن قلنا أنهم كانوا يعلمون نيّة (صبيهم) في انتزاع السلطة له و لمن خلفه منهم فلماذا لم يستعدُّوا العدَّة بإستخباراتهم و أمنهم فينقضوا عليه في هدوء و ترتيب يشهد لهم بالخبرة و الحنكة الأمنيَّة العسكرية؟! لماذا خرجوا علينا بأنهم أخذوا على خوانة و حين غرَّة؟!
أليسوا هم أيضاً من أعلنوا بأن استخباراتهم كانت تراقب استعدادت الدعم السريع و من سنوات؟!
*
السيطرة على قوات الدعم السربع و طموحات قائدها كان واجب من صَنعَهم و أشرف عليهم و منحهم الحصانة و تبَّعهم للجيش. و انتقل أمرها بعد سقوط نظام البشير "سيُّدها" إلى قيادة الجيش و حكومة الثورة و مجلس السيادة و السلطة الإنتقاليّة أو أي تسمية لتلك الشراكة (الفتنة) ما بعد الثورة.
و ما كان ليتم ذاك إلا بتحرك و تصرف قادة الجيش و إن بمعزل عن المدنيين في السلطة حماية للشعب أولاً و أخراً من خطر تلك القوَّات هذا بإعترافات أكثر قيادات الجيش السابقة و الاحقة.
و هذا ما لم يحدث بل أن قادة الجيش ببرهانهم دافعوا عنها و رفعوا من قدر صاحبها و ملكوها مفاتيح البلاد و الحكم و شؤون العباد!
لا أحد منا يعلم حقيقة ما دار في أذهان مدنيي السلطة الإنتقالية في شراكتهم مع العسكر لكن ما نعرفه من تصريحاتهم أنهم حاولوا و أصروا على تقرير مصير تلك القوات و دمجها في الجيش مع غيرها و مثلها من الحركات المسلّحة.
فهل طموح حميدتي و عناده كان السبب الأساس أم هناك من حاول انتهاز هذا الطموح و تطويعه فيه لأغراض أن يُسيطر عن طريقه على السودان إن كان من الأحزاب عندنا أو الأفراد أو دول الجوار أو الأنظمة غيرها!
ما حدث أن الحرب اشتعلت بين الجيش و قواته من الدعم السريع الأمر الذي كتب عنه الكثيرون أنه كان يتوقعه قادة الجيش و حاولوا تحاشيه بمجاملاتهم و تنازلاتهم المستمرة حد تركيع الجيش أمام دقلو!
الخاسر في الحرب كان و مازال هو الشعب المُتضرِّر الأول و الأخير منها و فيها بإستباحته دماً و عرضاً و مالاً و أرضاً.
*
إذا ضعف قيادات الجيش قبل البرهان في مواجهة خطر قواتهم من الدعم السريع و حسمه فوراً عند شعورهم بهم بسبب سيطرة عمر البشير أو غيره عليهم ثم شخص البرهان شريك و زميل إن لم يكن الأستاذ لقائد تلك المليشيات كان أهم الأسباب التي أوصلتنا لهذا المصير.
اما المدنيين من قوى الحرية و التغيير و حمدوك فلا يمكن تحميلهم مسئولية الحرب "المباشرة" و إن كان يحق محاسبتهم على عدم حنكتهم و قدرتهم على السيطرة على عقلية قادة الجيش و الدعم السريع و توجيهها إلى ما يخدم السودان و الشعب و يحفظهم من الشر القابع في نفوس العسكر جميعهم.
نعم كان واجب عليهم أن "يُكافحوا" حتى لا تقع الحرب و هم بشهاداتهم أيضاً كانوا يرون شرارتها و قبل الشعب.
كان عليهم الوقوف بقوة أما العسكر و هم يمثلون الشعب و يبتعدوا عن الاعيب الكيد و الحفر و الوقيعة و الفتنة بين الجانبين. نعم كان عليهم القوة و الحكمة.
*

إذا وقعت الحرب؛
وفهل كان يمكن إيقافها في أيامها الأولى؟
و نكتب نعم؛ إذا كان الجيش جاهز ليحسمها و في وقتها.
لكن الجيش -و ليس القيادة- كان (مُغيَّب).
القيادة التي أشغلت الجيش في تطبيق استراتيجة في الحرب غريبة في وضاعتها! أن تُدافع عن نفسك و من مكانك! داخل قواعدك و حامياتك و سكناتك! و تستمر في الدفاع حتى السقوط أو الانسحاب أو انهزامك!
ثم أضافت لها خطة الاستعداد و اعلان الجاهزية من داخل قيادة كل ولاية ثم و مع اقتراب الهجوم عليها الانسحاب منها و قبل اطلاق أي رصاصة!
للتشغل نفسها و بعدها في كيفية استعادتها و بعد ما تمت الإستباحة!!!
نعم كانت قيادة الجيش تتساهل في أمر واجبها من حماية شعبها قبل نفسها.
*
ثم جاءت تطالب (مليشياتها المتمرِّدة) بالخروج من منازل الناس و الناس تشهد عليها أنها هي من سمحت لهم بالدخول إليها و مكنتها منها و من أهلها!!
ثم ما زلتم -قيادة الجيش- تريدونها حرباً لمئة سنة؟!!
*
و استمرت الحرب حتى يوم الناس هذا؛ فهل في الإمكان إيقافها؟
لنكتشف حقيقة أن دول الجوار و الأقليم و الدوليّة منقسمة فيما بينها في أمره السودان و لا يهمها الحقيقة أن شعبه هو ضحيَّة ترددها و ذاك الإنقسام!
فالإمارات "أبو ظبي" و من خلفها إسرائيل التي يشهد العالم على دعمها المباشر للدعم السريع ضد الجيش بل و يُعتقد أنَّها "المتحكم" الأساسي في قيادتها لم تتوقف و حتى اليوم عن ذاك الدعم رغم علمها بكل شيء بل و "حشرها" أنفها في كل لجان من إقليميّة و دوليّة تتعلق بالسودان و لا نفهم إن كانت لحماية التهمة عن نفسها أم دفاعاً عنها!
ثم شاهدنا موقف "مصر السيسي" الضعيف في شأن السودان رغم الأهميّة الأزلية للسودان بالنسبة لمصر! و رغم أن الحرب قبل اشتعالها تم التعدي على جيش مصر في مروي رغم استضافة جيش السودان بقيادة البرهان لهم لكن مصر لم تتحوَّط و لم في الأمر ذاك تشك! وقتها كان تحرك الدعم السريع معلالاً بمنع تدخل مرتقب للجيش المصري ضدَّ قواته! و سكت الجيش معللاً أن تلك القوات كانت في تدريب مشترك معه؟
مصر أيضاً أهملت وضع غزة و قبلها النيل و السد و بعدها قناة سيناء و البحر الأحمر حتى و فجأة انتفضت متوجهة و في وثبة إلى الصومال في محاولة ما للإنتفاخ أمام طوفان أثيوبيا في علاقتها الأزليّة مع إسرائيل و المُتربصّة و منذ تكوينها بمصر الدولة و الشعب.
*
حتى الحبشة نفسها فنظام "آبى أحمد" يجعل المتابع له في شأن علاقته بالسودان يتعجَّب! فأثيوبيا كانت واقفة مع الثورة السودانيّة و منذ انطلاقتها و دافعت عنها و حتى يوم انتصرت و اختلف المدنيين مع العسكر في شراكتهم جاء أحمد هنا "كفاعل وسيط خير" مُصلحاً الحال حتى توصل الجميع إلى (وثيقتهم الأولى)!
نفس النظام التي مازالت تطاله الإتهامات في شراكة له و إن اقتصاديّة و استثماريّة مع قيادة الدعم السريع! تلك القوات التي اعتزرت قيادتها عن مشاركة الجيش في استعادة أراضيه المغتصبة من أثيوبيا!
ثم يختلف البرهان مع الحبشة ليأتي من جديد أحمد يزوره و في مقره بورتسودان كأول رئيس لدولة يُكرم البرهان بزيارة رسميَّة و بعد الحرب!
*
و هكذا تشابكت مصالح الدول حول السودان ليتضح أن شعب السودان يواجه الحرب لا ناصر له و حافظ إلا الرحمن ربه.
*
إذا فكيف ستقف الحرب و بعد الكلام أعلاه و غيره كله؟
بإنتصار الجيش أو انهزامه أولاً. مما قد يفتح المجال لأسئلة أخرى عن مصير كل من انتمى لتلك القوات أو ساندها و أيدها من الشعب إذا ما انتصر و قد يصل إلى أمر مستقبل السودان نفسه في حالة انهزامه.
أو بإتمام الصلح بين الطرفين مع إشكاليّة ستواجه الأطراف كلها حتى المحكمين بينهما في كيفيّة محاسبة و القصاص و العقوبة من كل من أجرم بينهما و ارتكب كل أنواع الجرائم ضد الشعب. و أولهم القيادات فيهما!
أو بالتدخل الإقليمي أو الدولي في السودان و ما يفتحه من أبواب للمجهول عن مستقبل وحدة السودان!

اللهم فرَّج هم السودان و شعبه و أصلح أمره.
محمد حسن مصطفى

 

mhmh18@windowslive.com  

مقالات مشابهة

  • باحث إسرائيلي يكشف عن الرعب الذي تنتظره إسرائيل بسبب صمود حماس .. خياران كلاهما مر أمام نتنياهو
  • «القاهرة الإخبارية»: نتنياهو يستعد لتوسيع الحكومة بسبب الحرب المحتملة في الشمال
  • ‏وسائل إعلام إسرائيلية: نتنياهو كان هدد بإقالة غالانت لرفضه توسيع الحرب في لبنان
  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر
  • الكشف عن ابرز الملفات التي حسمها وفد الحكومة الاتحادية خلال زيارة الإقليم - عاجل
  • السودان؛ الأسئلة المُحرَّمة!
  • خبير شؤون عسكرية: نتنياهو مصر على استمرار الحرب في غزة
  • عاجل.. نتنياهو يعلن الحرب على الشمال
  • عائلات المحتجزين بغزة: استمرار نتنياهو في الحكم يعني أن الحرب لن تنتهي
  • أخنوش: الحكومة حققت ثورة اجتماعية وجعلت المغرب أول دولة اجتماعية في أفريقيا