الجزيرة:
2025-02-01@00:51:21 GMT

ماذا وراء إنشاء الميناء الصهيو – أميركي في غزة؟

تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT

ماذا وراء إنشاء الميناء الصهيو – أميركي في غزة؟

بينما تشقّ السفينة الأميركية طريقها إلى غزة محملة بالمعدات اللازمة لبناء الرصيف العائم هناك، والمتوقع وصولها في السابع من الشهر القادم؛ ما زال الغموض يخيم على دوافع إنشاء هذا الرصيف، والأهداف التي يسعى التحالف الصهيو- أميركي إلى تحقيقها من وراء إنشائه، والذي من المتوقع أن يكون جاهزًا للاستخدام في الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران القادم.

وقد أوضحت في مقالي السابق كيف أن هذا المشروع لم يكن وليد اللحظة عند الرئيس الأميركي جو بايدن، وإنما بعد أسبوعين من بدء حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية على قطاع غزة. وها هو المشروع يدخل حيّز التنفيذ بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال الصهيوني عن إنشاء (جزر إنسانية) في قطاع غزة لنقل سكان مدينة رفح إليها، قبل العملية العسكرية التي ينوي القيام بها في الأيام القليلة القادمة.

المشكلة الكبرى التي تشغل الولايات المتحدة والدول الغربية ليست النتائج الإنسانية للحرب، وإنما فشل الكيان الصهيوني في القضاء على حركة حماس، وهذا يعني ضرورة مساعدته على تحقيق انتصار عسكري واضح وعاجل، يعيد هيبته الإقليمية والدولية التي مرّغتها المقاومة الفلسطينية والتفاف الشعب حولها

منطلقات أساسية للفهم

قبل الحديث عن الدوافع والأهداف المحتملة لإنشاء الرصيف العائم، لا بد من استحضار المنطلقات الأساسية التالية؛ لفهم أوضح لما يجري في قطاع غزة حاليًا من عمليات وتحركات، عسكرية وسياسية وإدارية:

وافقت الولايات المتحدة على إنشاء الرصيف العائم؛ نزولًا عند طلب الكيان الصهيوني المبيّت، وإذا كان هدفها لتمكين بواخر الإعانات الإنسانية من الوصول إلى النازحين؛ فقد كان بإمكانها إنشاؤه على ساحل البحر المتوسط شمال قطاع غزة في أراضي الكيان الصهيوني، أو جنوب قطاع غزة في الأراضي المصرية، لتجنب التعرض لأي هجمات من طرف المقاومة الفلسطينية حسب تخوفاتها، كما كان بإمكانها الاستعاضة عن ذلك بالاستعانة بميناء أسدود شمالًا أو العريش جنوبًا، بدلًا من إنشاء الرصيف العائم. أن الولايات المتحدة والدول الغربية تعتبر حركة حماس تنظيمًا إرهابيًا، وتقف بشكل صلب وموحّد مع الكيان الصهيوني في أهدافه المعلنة من الحرب على غزة، وأولها القضاء على حركة حماس، ويتفق معها في هذا الموقف – للأسف الشديد- السلطة الفلسطينية، وعدد من الدول العربية. أن الأزمة الحقيقية والمشكلة الكبرى التي تشغل الإدارة السياسية والأجهزة الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة والدول الغربية ليست النتائج الإنسانية للحرب، وإنما فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة، وفي مقدمتها القضاء على حركة حماس، وهذا يعني ضرورة مساعدة الكيان الصهيوني على تحقيق انتصار عسكري واضح وعاجل، يعيد له هيبته الإقليمية والدولية التي مرّغتها المقاومة الفلسطينية، والتفاف الشعب حولها. أن مسرحيات منع المساعدات الإنسانية وأزمة الأونروا والجوع لم تعد تنطلي على أحد، وأنّ تباكي الولايات المتحدة والدول الغربية على ما يحدث من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إنما هو للاستهلاك الإعلامي، وإرضاء الناخبين، والظهور المخادع بمظهر المحافظ على القيم الإنسانية الحضارية الغربية. لأنه لو كان التباكي حقيقيًا لاتخذت مبكرًا إجراءات ملزمة للكيان الصهيوني لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات، وحقن دماء المدنيين، فالولايات المتحدة والدول الغربية تسيطر على النظام العالمي، ودولة الكيان الصهيوني تعتبر حليفًا إستراتيجيًا لها. أن الغرب يتباكى على ما يحدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولكنه لم تصدر عنه حتى الآن أية إدانة واضحة وصريحة لما يقوم به الكيان الصهيوني، على غرار الإدانات العدوانية الشرسة التي انطلقت متلاحقة ضد حركة حماس على مدى الأسبوع الأول عقب هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. أن السلوكيات التي ينتهجها الكيان الصهيوني في حربه ضد حماس، ليست سلوكيات عسكرية منضبطة، تهدف إلى إلحاق الهزيمة بحركة حماس، وتحرير الأسرى والمختطفين، وإنما سلوكيات إبادة جماعية شاملة لسكان قطاع غزة وبنيتها الفوقية والتحتية؛ تكشف عن وجود أهداف أخرى غير معلنة، يؤكدها واقع الحال عسكريًا وسياسيًا، والخطط التي تتكشف يومًا بعد يوم. تتحدث الولايات المتحدة والدول الغربية كثيرًا عن رفضها عملية التهجير القسري لسكان قطاع غزة؛ باعتباره مخالفًا للقانون الدولي والإنساني، وهذا يعني تلقائيًا قبولها بالتهجير الطوعي، والعمل على تهيئة الظروف التي تحثّ سكان قطاع غزة على الهجرة الطوعية. أن الحديث عن الهجوم على مدينة رفح وإصرار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على القيام به؛ لا يمكن فهمه إلا في إطار الأهداف غير المعلنة؛ لأن المبررات التي يسوقها للقيام بهذا الهجوم سبق أن قدّمها عند بدء الاجتياح البري، وعند اجتياح المحافظات الوسطى، واجتياح خان يونس، والتي لا يزال يواجه فيها جميعًا مقاومة شرسة ومكلِفة حتى الآن. أن نهاية الحرب لا تبدو قريبة إذا استمر الوضع على ما هو عليه في حكومة الكيان الصهيوني، واستمر نتنياهو على رأس السلطة، والحديث عن تأهيل قطاع غزة، وترتيب الوضع القادم بعد الحرب سيستغرق سنوات، سيحدث فيها ما لم يخطر على بال أحد. أما الحماسة الدولية لحل الدولتين، فهي للاستهلاك السياسي المحلي والإقليمي والدولي، وليس من المتوقع لها أن تسفر سوى عن دورة جديدة من المؤتمرات الدولية التي لن تفضي إلى شيء.

دخلت الولايات المتحدة مياه غزة دون إذن أو تفويض من أحد، وستكون صاحبة الكلمة في المرحلة القادمة، فهل ستنجح في تنفيذ خططها ومشروعاتها الصهيو-أميركية أم ستغوص في رمال غزة، كما غاصت من قبل في الصومال وأفغانستان والعراق؟ وهل ستبقى الأمور تحت سيطرتها أم ستعصف بها رياح التجاذبات الإقليمية والدولية المتربصة؟

الدوافع المحتملة لإنشاء الميناء

في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، التقى وزير الخارجية الصهيوني "إسرائيل كاتس" بمجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وقدّم لهم مشروعين: الأول إنشاء خط سكة حديد يربط الكيان الصهيوني بالأردن والسعودية والبحرين والإمارات والهند، والثاني إنشاء جزيرة اصطناعية على ساحل قطاع غزة، مع مطار وميناء ومنطقة صناعية ومحطة تحلية، لكي يتم استيعاب الشعب الفلسطيني فيها لحين إعادة تأهيل قطاع غزة، وهو المشروع الذي قدمه كاتس عام 2017م لرئيس وزرائه نتنياهو في حكومته السابقة التي كان فيها وزيرًا للمواصلات، وقد لاقى حينها قبولًا واسعًا من نتنياهو وحكومته. ورغم الملحوظات التي أبداها جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على عرض الوزير كاتس، فإن الاتحاد الأوروبي من أوائل المؤيدين لإعلان الرئيس بايدن عن إنشاء الرصيف العائم في غزة.

وقد أكد الرئيس بايدن في اتصاله الهاتفي مع نتنياهو قبل يومين على "ضرورة هزيمة حماس في غزة، مع القيام في الوقت نفسه بحماية المدنيين وتيسير تسليم المساعدات". وأوضح مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان في اليوم نفسه أن الولايات المتحدة لن تسمح لحركة حماس بأن تجد ملاذًا آمنًا في رفح، وأن هناك خبراء عسكريين وأمنيين وإنسانيين من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سيجتمعون قريبًا لوضع خطط بديلة للهجوم على رفح تضمن تحقيق الهدفين معًا؛ هدف القضاء على حماس وهدف المحافظة على المدنيين، ويأخذ في الاعتبار التخوفات الأمنية المصرية.

وبالعودة إلى المنطلقات الأساسية السابقة لفهم ما يدور، يمكننا استنتاج الدوافع الصهيو-أميركية والغربية من إنشاء الرصيف العائم، ومن أهمها:

تنفيذ مشروع الميناء الذي عرضه نتنياهو على الرئيس بايدن، وعرضه الوزير كاتس على وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، فالرصيف العائم لن يبقى رصيفًا، وإنما سيكون مقدمة لإنشاء الميناء، الذي استعدت دول عربية للمساهمة فيه، وتم الإعلان عن أنه سيستقبل ليس فقط سفن المساعدات الإنسانية؛ بل السفن التجارية كذلك.
وقد أعلن الناطق العسكري الصهيوني أن الجزر الإنسانية المؤقتة لنقل سكان رفح إليها قبل الهجوم عليها، سيتم بناؤها بالتعاون مع المجتمع الدولي، وتوفير الإمدادات الإنسانية اللازمة لها عن طريق الأمم المتحدة. وسيكون لهذا المشروع -الذي سيدار بالتنسيق مع الكيان الصهيوني- دور كبير في تنفيذ مخططات الوضع القادم لقطاع غزة، والتي لم يعلن عنها بعد. دعم جيش الكيان الصهيوني ميدانيًا، ومساعدته على تحقيق الانتصار على حركة حماس، عن طريق القوات التي سترافق عملية إنشاء الرصيف العائم، ويصل عددهم في المرحلة الأولى إلى 1000 من أفراد البحرية الأميركية، ومن المتوقع أن يضم هذا العدد كوادر أمنية واستخباراتية وعسكرية وإدارية تعمل على اختراق المجتمع الفلسطيني، وإضعاف الالتفاف الشعبي حول المقاومة، وخاصة بعد نقل النازحين إلى الجزر الإنسانية، وعزلهم عن الحياة اليومية الحالية وتخفيف المعاناة عنهم. كسر إرادة وصمود الشعب الفلسطيني، وتهيئة الظروف له للهجرة الطوعية، وخاصة للنازحين المتواجدين في الجزر الإنسانية، بتشجيع من الأمم المتحدة، وتسهيلات من الدول الغربية، ما سيزيد الضغط على حركة حماس، ويفقدها ورقة التأييد الشعبي. ويبدو أن إدخال قبرص على خط النقل البحري جاء ليخدم غرض الهجرة الطوعية. إعطاء مزيد من الوقت لتمكين جيش الكيان الصهيوني لإنجاز هدف القضاء على حماس، بعد تفريغ المناطق من السكان والمستشفيات ودور العبادة، واقتصار ساحة المعركة على الجيش الصهيوني وكتائب المقاومة المسلحة، وفي مقدمتها كتائب عزالدين القسام. الضغط على مصر لتقديم تسهيلات في استيعاب قسم من النازحين وتسهيل انتقالهم من رفح إلى الأراضي المصرية بالتنسيق مع الأمم المتحدة، حتى لا تفوتها الفرص الاستثمارية القادمة، وتفقد دورها في ترتيب أوضاع المرحلة التالية.

وليس من المستبعد أن يكون لهذا الميناء دور في التحضيرات الأولية لمشروع استخراج الغاز الطبيعي من المياه الإقليمية لغزة، وغيرها من مشروعات المرحلة القادمة.

إن الخطط والتصورات المطروحة حاليًا لمرحلة ما بعد الحرب، تختلف كثيرًا عما تتجادل حوله الأوساط الفلسطينية والعربية؛ بحثًا عن موقع حماس في المشهد القادم، ومن سيحكم غزة بعدها، وعن دور السلطة الفلسطينية والقوى الفلسطينية المتربصة خلف الأبواب. فإذا كتب النجاح لهذه الخطط والتصورات، فقد لا يكون هناك شيء اسمه قطاع غزة، ولا شعب قطاع غزة حتى يختلف الفرقاء الفلسطينيون والعرب حول مَن وكيف.

لقد دخلت الولايات المتحدة مياه غزة دون إذن أو تفويض من أحد، وستكون صاحبة الكلمة في المرحلة القادمة، فهل ستنجح في تنفيذ خططها ومشروعاتها الصهيو-أميركية أم ستغوص في رمال غزة، كما غاصت من قبل في الصومال وأفغانستان والعراق؟ وهل ستبقى الأمور تحت سيطرتها؟ أم ستعصف بها رياح التجاذبات الإقليمية والدولية المتربصة؟

أما السؤال عن موقف حركة حماس من كل ذلك، فسيكون لنا حديث حوله في مقال قادم بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الإقلیمیة والدولیة الکیان الصهیونی فی الاتحاد الأوروبی على حرکة حماس فی قطاع غزة القضاء على

إقرأ أيضاً:

التحول الكبير في مشهد غزة.. ماذا حدث؟

وُلد اتفاق وقف إطلاق النار ولادة قيصرية معقّدة وصعبة بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من الرفض الإسرائيلي والعناد والتهرب والمناورة والكذب، بغية تحقيق أهداف العدوان مع مرور الوقت؛ بالقضاء على حركة حماس عسكريًا وسلطويًا، واستعادة الأسرى بالقوة العسكرية.

وهي الأهداف التي تطورت مع استمرار العدوان على غزة لتصبح تهجير الفلسطينيين ابتداء من شمال القطاع وفق ما عرف بخطة الجنرالات، واحتلال قطاع غزة، والبدء بمشاريع استيطانية احتلالية دائمة.

مكره نتنياهو لا بطل

بنيامين نتنياهو رئس وزراء الاحتلال عمل طوال الوقت على استدامة العدوان على غزة، لتحقيق النصر المطلق، حسب زعمه، واستخدم ذكاءه التكتيكي في إدارة المشهد بالهروب من أي استحقاقات تؤدي لوقف العدوان؛ فرفض اتفاق مايو/ أيار 2024 لوقف إطلاق النار، ورفض توصية محكمة العدل الدولية في مايو/ أيار 2024 التي دعت لوقف فوري للعمليات العسكرية في مدينة رفح وفتح معبر رفح؛ لضمان دخول المساعدات إلى قطاع غزة، ورفض الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 2735 الصادر في يونيو/ حزيران 2024 والداعي لوقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، ورفض اتفاق يوليو/تموز 2024 لوقف إطلاق النار الذي قبلته حركة حماس ورفضه نتنياهو.

إعلان

فما الذي أحدث هذا التحوّل الكبير في المشهد، ودفع نتنياهو للقبول؟

أولًا: أهداف انفعالية رغبوية

بنيامين نتنياهو وقع، ومنذ الأيّام الأولى بعد معركة طوفان الأقصى، في خطأ فادح باتخاذه قرارات انفعالية وبرأس حامٍ، دون رؤية سياسية واقعية لأهداف الحرب أو مستقبل قطاع غزة، ظانًا أنه قادر على تحقيق النصر المطلق في القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 سنة، فأصبحت تلك الأهداف قيدًا عليه وعلى حكومته المتطرفة أمام الجمهور الإسرائيلي المندفع بحماسة وغضب للانتقام من قطاع غزة بكل مكوناته، وبدون تمييز بين البشر والحجر والشجر، بدعم مطلق ومفتوح من إدارة الرئيس بايدن التي فتحت لإسرائيل مستودعاتها من الأسلحة الفتّاكة.

هذا الخطأ في اتخاذ القرار، علاوة على أنه انفعالي، أُخذ في ظل ضحالة المعلومات الاستخبارية عن قوّة كتائب القسام والمقاومة، وأُخذ في ظل الاستهانة بصلابة الشعب الفلسطيني المحاصر.

ثانيًا: أداء المقاومة وصمود الشعب

أداء المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عزالدين القسام، وقدرتها المذهلة تخطيطًا وتنفيذًا في ميدان المعركة، وتكبيدها الاحتلال خسائرَ اقتصادية جسيمة قدّرتها وزارة مالية الاحتلال بشكل أوّلي بـ 34 مليار دولار، وبعجز في ميزانية العام 2024 بلغ نحو 38 ملياردولار، وخسائر في جنود الاحتلال وضباطه (مقتل نحو 891 جنديًا وضابطًا، وإصابة نحو 13.500، 43% منهم يُعانون من أمراض نفسية، حسب مصادر الاحتلال)، وتدمير وإعطاب نحو 2000 آلية ثقيلة ودبابة.

الصمود الأسطوري للحاضنة الشعبية وحمايتها للمقاومة رغم الإبادة وجرائم التطهير العرقي التي تعرّضت لها (47 ألف شهيد، و110 آلاف جريج، و11 ألف مفقود)، وتدمير نحو 70-80% من المساكن والقطاعات الخدمية.

كل ذلك أفشل مخططات التهجير القسري وأحبط أهداف الاحتلال السياسية والعسكرية، وجعل كافة التقديرات الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية والأميركية تؤكّد استحالة هزيمة الفلسطينيين في قطاع غزة، أو هزيمة حركة حماس التي وصفت بفكرة يستحيل هزيمتها عسكريًا.

إعلان ثالثًا: التحوّل في الرأي العام الإسرائيلي

بعد معركة طوفان الأقصى اندفع الجمهور الإسرائيلي بشكل طاغٍ نحو تأييد العدوان على قطاع غزة، دون اعتبارات أخلاقية أو سياسية تعترف بوجود الشعب الفلسطيني أو بحقوقه الوطنية، ما شكّل شبكة أمان لحكومة نتنياهو المتطرفة في عدوانها المتوحّش على قطاع غزة وارتكاب جيشها جرائم حرب وإبادة جماعية.

بقي هذا التوجه قائمًا إلى أن تعاظمت حجم الخسائر الاقتصادية والبشرية وتزعزع الأمن والاستقرار داخل الكيان، وإلى أن عقدت حكومة الاحتلال اتفاقًا بوقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني، في وقت فشلت فيه بحسم المعركة في قطاع غزة حتى بعد استشهاد يحيى السنوار في ميدان المعركة، وهو المشار إليه بالمسؤولية عن معركة طوفان الأقصى.

هذا التراكم وعدم وجود أفق للمقاربة العسكرية بالقضاء على حركة حماس أو إطلاق سراح الأسرى بالقوة، دفع الجمهور الإسرائيلي إلى التحوّل نحو وقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى باتفاق مع حركة حماس، حيث تجاوزت نسبة المؤيدين لذلك الـ 80%، ما وضع حكومة اليمين المتطرف أمام ضغط داخلي متواصل ومتعاظم.

رابعًا: فشل المراهنة على الرئيس ترامب

عوّل نتنياهو واليمين المتطرف على فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية، بناء على تجربتهم معه في دورته الرئاسية السابقة التي نقل فيها السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وتبنّى صفقة القرن الأميركية التي صُمّمت حسب تصور بنيامين نتنياهو في حينه والتي كانت تعني عمليًا حكمًا ذاتيًا فلسطينيًا تحت السيادة الإسرائيلية.

لكن الرياح جاءت بما لا يشتهي نتنياهو واليمين الصهيوني بشأن غزة، حيث وضع الرئيس ترامب سقفًا زمنيًا لا يتجاوز الـ 20 من يناير/ كانون الثاني من هذا العام، يوم تنصيبه رئسيًا للولايات المتحدة، وأرسل مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي التقى نتنياهو وكان، حسب العديد من المصادر الإسرائيلية والأميركية، حازمًا وفظًا مع نتنياهو وطالبه بالموافقة على وقف إطلاق النار، وإلا فإن رفضه سيكون له عواقب على إسرائيل، الأمر الذي حشر نتنياهو في الزاوية واضطره مكرهًا للاستجابة والقبول باتفاق شبيه باتفاق مايو/أيار 2024 الذي رفضه سابقًا، فنزل عند شروط المقاومة وحركة حماس.

إعلان

تفسير موقف الرئيس ترامب، يعود إلى قناعة، بأن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، ولن تستطيع القضاء على حركة حماس عسكريًا أو سلطويًا بعد أن أخذت فرصتها التامّة خلال 15 شهرًا.

هذا بالإضافة إلى أن ترامب ربّما يرى في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة معوّقًا لمعالجة العديد من الملفات في الشرق الأوسط كالملف النووي الإيراني، والتطبيع مع السعودية التي ترفض التقارب مع إسرائيل في ظل استمرار العدوان على غزة، هذا ناهيك عن رغبة واشنطن بالتخلص من الاستنزاف والصداع اللذين سببهما فشل إسرائيل في القضاء على حركة حماس أو كسر إرادة الشعب الفلسطيني، في وقت تقع فيه عين ترامب على الصين والحرب في أوكرانيا، والسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، وضم كندا إن استطاع.

فشل ونجاح

بمقارنة سريعة فإن الاحتلال الإسرائيلي بقيادة نتنياهو واليمين المتطرف فشلوا في تحقيق أهدافهم؛ فلم ينجحوا في تهجير الفلسطينيين أو احتلال القطاع رغم القصف المتوحّش والتدمير والقتل الممنهج، ولم يفلحوا في القضاء على حركة حماس عسكريًا وسلطويًا، ولم يستطيعوا استرداد الأسرى بالقوة العسكرية، حيث تابعنا كيف أدارت حركة حماس تسليم الأسيرات الثلاث وسط مدينة غزة، بطريقة أذهلت المراقبين، حيث التحكم والسيطرة وسط حشود كبيرة من الجماهير الفرحة، وظهور عسكري كبير ولافت لكتائب القسام بزي موحّد وسلاح وعربات جديدة وسط الدمار الهائل.

في المقابل تمكّنت حركة حماس ومنذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار من نشر الشرطة التي قَتَل الاحتلال من منتسبيها أكثر من 700 شخص خلال العدوان، ونشر قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، والدفاع المدني وفرق البلديات في المدن لمتابعة شؤون الناس وفتح الطرق الرئيسية المغلقة، مع بدء دخول المساعدات لتوزيعها على كافة المناطق.

هذا يشير إلى أن حركة حماس ما زالت تتمتّع بحضور سلطوي مدني وعسكري مقاوم، وتحظى بتأييد واسع لدى الجمهور الفلسطيني الذي شكّل وما زال حاضنة شعبية وفّرت لحماس الدعم والحماية والشرعية.

إعلان

وفي ذات السياق، فإن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أظهر، رغم الألم والوجع والفقد، حالة استثنائية من الصمود والإقبال على الحياة، ليعطي رسالة إلى المحتل والعالم أن الفلسطيني لم ولن ينكسر، وأنه كما نجح في المعركة فإنه سينجح في إعادة الحياة إلى قطاع غزة رغم الكارثة التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي بدعم من إدارة الرئيس بايدن.

وإذا كانت المعارك تقاس بنتائجها وأهدافها فيمكن القول؛ إن إسرائيل فشلت فشلًا ذريعًا، وحركة حماس والشعب الفلسطيني نجحوا في معركة الإرادة والوعي على طريق التحرير والعودة.

تداعيات إستراتيجية

من أهم التداعيات التي صنعتها معركة طوفان الأقصى، بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني:

لا نكبة ولا تهجير بعد اليوم، فقد فشلت أقوى قوة عسكرية متخيّلة أمام الصمود الأسطوري المثير للشعب الفلسطيني، الذي تشبّث بأرضه رغم الإبادة والكارثة. حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية وحقه في تقرير مصيره هي معيار الاستقرار في المنطقة، ودونها فإن المنطقة ستبقى تعيش على صفيح ساخن. تعزيز إستراتيجية المقاومة في العقل الجمعي الفلسطيني بعد الأداء الأسطوري والمذهل لكتائب عزالدين القسام وفصائل المقاومة في قطاع غزة المحاصر منذ نحو 18 سنة. تصدّع نظرية الردع الإسرائيلية، وسقوط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وهذا سيؤثر على ثقة واشنطن والمنظومة الغربية في قدرة إسرائيل مستقبلًا على القيام بالمهام الإستراتيجية الاستعمارية، أو حماية مصالح المنظومة الغربية في المنطقة. سقوط السردية الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي؛ كدولة متحضّرة تتمتّع بمنظومة أخلاقية، وتدافع عن نفسها أمام وحشية مزعومة بحق الفلسطينيين والعرب، بعدما ارتكبت إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا وجرائم حرب وانتهكت كافة القيم والقوانين الدولية والإنسانية، وأصبحت دولة ملاحقة أمام محكمتَي العدل الدولية والجنائية الدولية بشخص رئيس وزرائها نتنياهو، ووزير حربها المقال غالانت. ازدياد حجم الخلافات الداخلية في إسرائيل المحتلة، بعد الفشل الكبير في تحقيق أهداف العدوان على غزة، والفشل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وازدياد الصدْع بين التيار الديني المتطرف والتيار الليبرالي الذي يخشى من هيمنة اليمين المتطرف على الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات البيروقراطية للدولة. إعلان

كل ذلك سيشكّل علامة ضعف في جسد دولة إسرائيل المحتلة داخليًا وخارجيًا، وبداية النهاية لمستقبل بنيامين نتنياهو الذي سيواجه أسئلة صعبة بشأن المسؤولية عن هذا الإخفاق الإستراتيجي.

في المقابل سيتعاظم الإيمان إقليميًا ودوليًا بضرورة احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، كشرط للاستقرار الإقليمي والدولي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. تعرف على “محمد الضّيف” مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني
  • أراض اشترتها الولايات المتحدة عبر تاريخها.. ماذا عن غرينلاند؟
  • هذه هي الرسائل التي بعثت بها الولايات المتحدة لنتنياهو بشأن مراحل اتفاق غزة
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • التحول الكبير في مشهد غزة.. ماذا حدث؟
  • ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ قانونيا وبيئيا؟
  • شاهد | بلدة الخيام أسطورة الصمود أمام الكيان الصهيوني
  • الكيان الصهيوني يقتحم بلدة الخضر جنوب بيت لحم
  • الكيان الصهيوني يعتقل شابًا شرق جنين
  • كاتب أميركي: الزخم الغريب وراء سعي ترامب للاستحواذ على جزيرة غرينلاند