وصف الكاتب ويسلي ألكسندر هيل الخبير في شئون أفريقيا والصين في مقال نشره موقع ” The National Interest” ما شهدته تشاد فى 28 فبراير 2024 من أحداث عنف، بعد الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى 6 مايو 2024، من اعتقال زعيم “الحزب الاشتراكي بلا حدود” يحيى ديلو وقتله، بأنه يدخل ضمن إطار ما تسميه الأدبيات بـ”الانقلاب الذاتي” the self-coup، حيث يستولي رئيس الدولة على المزيد من السلطة من داخل جهاز الدولة[1].
ربما يكون هذا المشهد مألوفًا في الساحة السياسية في تشاد، حيث تلعب الانقلابات والقبلية دورًا رئيسيًا. يأتي الرؤساء الجدد عن طريق الانقلابات، غالبًا ما يدعمون أبناء قبيلتهم على حساب القبائل الأخرى ويتمسكون بالسلطة، مما يؤدي إلى تصاعد حركات التمرد المسلحة التي تعتقد أن الطريق إلى السلطة يمر عبر استخدام القوة للإطاحة بالحكومة.
نجح الرئيس الراحل إدريس ديبي في الفوز بالانتخابات ست مرات على مدار ثلاثة عقود بتهديد وترغيب المعارضة، بجانب تعزيز سيطرته على السلطة وتمكين قبيلته.
تُعتبر عدم قدرة جماعات المعارضة على الوصول إلى السلطة دون التمرد المسلح سمة مستمرة في السياسة التشادية. وقد استغلت هذه الجماعات، في بعض الأحيان، القوة للوصول إلى السلطة، وفي أحيان أخرى أجبرت الحكومة على المفاوضات التي قد تؤدي إلى منحها بعض المناصب الرئيسية، لكن هذا لم يمنع عودتها للتمرد مجددًا.
هذا المشهد يثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في تشاد، خاصة مع الانتخابات المقررة في مايو المقبل التي أعلن الرئيس الانتقالي محمد ديبي ترشحه لها. وعلى الرغم من التأييد الغربي، يتنبأ التطور السياسي في تشاد بمزيد من الفوضى، مع زيادة قبضة السلطة وسعيها لإقصاء المعارضين باستمرار.
ملامح المشهد السياسى والأمنى
1- صراع قبلى وعائلى ممتد: أطاح رئيس المجلس العسكرى محمد ديبى بأقوى معارضيه وابن عمته، حيث كان يحيى ديلو ينافس الرئيس الراحل إدريس ديبى في الانتخابات الرئاسية التي عقدت فى أبريل 2021. كما كان من المقرر أن يخوض الانتخابات المزمع عقدها فى مايو 2024. ومن ناحية أخرى، قامت السلطات فى تشاد بالقبض على عم الرئيس محمد ديبى، صالح ديبى، والذي انضم إلى “الحزب الاشتراكي بلا حدود” الذى كان يرأسه يحيى ديلو مؤخراً، بعدما ترك حزب “جبهة الإنقاذ” الحاكم في البلاد، وذلك وسط اتهامات له بالفساد والسرقة.
وتعود الأحداث الأخيرة إلى سنوات من الاستبداد الذى تعانى منه الدولة مع استمرار حكم الرئيس إدريس ديبى الذى وصل الى السلطة فى عام 1990 عبر انقلاب وظل في الحكم لمدة ثلاثين عاماً، حيث تصاعد الخلاف خلال السنوات الثلاثة الأخيرة وخاصة بعد مقتل إدريس ديبى، بين أجنحة داخل قبيلة الزغاوة الحاكمة، كما برزت الانتماءات القبلية كمحرك للعديد من الجماعات المتمردة التى تعرضت قبائلها للإقصاء خلال عهد إدريس ديبى ومنها قبيلتى القرعان والتبو وعشائر من الزغاوة.
2- تأثيرات إقليمية مختلفة: تنعكس العديد من التطورات التى تشهدها الدول المجاورة لتشاد على الاستقرار فى هذه الدولة، مما يزيد من قبضة المؤسسات العسكرية والأمنية فى البلاد. ففضلاً عن الأحداث التى تشهدها ليبيا منذ عام 2011، والتى أدت الى تحول جنوب ليبيا لمركز للحركات المسلحة من تشاد ودارفور، فقد تحول المثلث بين تشاد وليبيا والسودان إلى مسرح للصراعات الإقليمية وممر إقليمى لعبور المقاتلين العابرين للحدود[2].
وقد استخدمت الحركات المتمردة التشادية جنوب ليبيا فى تهديد الأمن التشادى، حيث لا تزال العديد من الحركات المتمردة نشطة في شمال تشاد، رغم توقيع اتفاق سلام الدوحة فى أغسطس 2022. وأطلق الجيش الوطنى الليبى منذ أغسطس 2023 عملية عسكرية موسعة لتأمين الحدود الجنوبية، وبسط السيطرة عليها مع زيادة الاضطرابات على الحدود بين ليبيا وتشاد.
ومع تجدد المعارك بين الجماعات الإرهابية والمتمردة التشادية، التي تتواجد في قواعد بجنوب ليبيا، وبين الجيش التشادي، وإعلان “جبهة الوفاق من أجل التغيير” (فاكت) المتمردة، العودة لحمل السلاح ضد الجيش التشادي، بعد هجوم شنه فصيل متمرد آخر يطلق عليه “مجلس القيادة العسكرية من أجل الجمهورية” (CCMSR) والذى ينشط منذ عام 2016 فى جنوب ليبيا ضد الجيش التشادي، في 10 أغسطس 2023، في شمال البلاد، تعرضت قواعد حركة “فاكت” لهجوم من الجيش.
كما ظهرت جماعة متمردة جديدة في الجنوب في أوائل عام 2023 على الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى. وتزامن ظهورها مع تصاعد الاشتباكات العنيفة بين مجتمعات الرعاة والمزارعين في الجنوب. ومنذ شهر مايو 2023، يشتبك الجيش التشادى مع جماعات مسلحة في منطقة تيبستي الشمالية وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، بالقرب من الحدود الجنوبية لتشاد، في حين يهدد الانقلاب الذي وقع في أواخر يوليو 2023 في النيجر بزعزعة استقرار الحدود الغربية.
كما أدت الحرب التى اندلعت فى السودان منذ أبريل 2023 وتبعاتها على إقليم دارفور إلى تصاعد حدة العديد من التهديدات، حيث تستقبل تشاد أكثر من 500 ألف من اللاجئين السودانيين وخاصة الفارين من إقليم دارفور، فى ظل أوضاع اقتصادية سيئة تعانى منه الدولة، ونقص كبير فى تمويل المانحين للمساعدات المرتبطة بالصراع فى السودان .
تداعيات محتملة
تفرض التطورات السياسية والأمنية التي طرأت على الساحة الداخلية التشادية تداعيات محتملة عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تصاعد العنف: هناك مخاوف عبر عنها التشاديون من أن يؤدى مقتل زعيم المعارضة ديلو إلى ردود فعل انتقامية. فقد تم تشييع جثمانه من منزل تيمان أرديمي، أحد زعماء التمرد السابقين، ورئيس اتحاد قوى المقاومة، والذي قاد عمليات تمرد مسلح كادت تودي برئيس البلاد السابق، ثم انخرط قبل عامين في توقيع اتفاق الدوحة للسلام بين الحكومة والمتمردين، وبعد ذلك شارك في تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية، على نحو يؤشر إلى أن أرديمي قد يقود التمرد القادم، في سياق يدعم هذا المسار، بسبب تزايد تأثير المتغير القبلي على الصراعات المسلحة التى تشهدها تشاد، حيث خلَّفت المواجهات التى قادها الرئيس السابق إدريس ديبي الكثير من التداعيات على القبائل المختلفة فى تشاد وامتداداتها فى الدول المجاورة، وخاصة قبائل القرعان والتبو فى شمال تشاد، والقبائل العربية المسلحة في دارفور على الحدودية التشادية-السودانية.
2- تجميد اتفاق الدوحة: بعد مقتل إدريس ديبى خلال مواجهة بين الجيش وقوات “جبهة الوفاق من أجل التغيير” (فاكت) فى أبريل 2021، انخرط ابنه الذى ورث الحكم عبر مجلس عسكرى انتقالى غضت الطرف عنه فرنسا وكذلك مجموعة دول الساحل والاتحاد الأفريقى، فى حوار مع مجموعة كبيرة من الحركات المسلحة وتوصلوا إلى اتفاق الدوحة فى أغسطس 2022 الذى لم يتم تنفيذ بنوده.
وقد أعلن تيمان أرديمى فى أكتوبر 2023 عن ضرورة مراجعة الاتفاق الذى وقعه محمد ديبى مع 46 حركة مسلحة، وأتاح للحركات السياسية العسكرية المشاركة في الحوار الوطني الشامل السيادي في تشاد، على نحو يوحي بأن تلك المراجعة سوف تكون محوراً رئيسياً في التفاعلات التي سوف تجري على الساحة السياسية التشادية خلال المرحلة القادمة.
3- تفاقم الانقسام داخل الجيش: يعد الجيش التشادى من أقوى جيوش دول الساحل، حيث كانت فرنسا تعتمد عليه فى حماية مصالحها ومواجهة التنظيمات الإرهابية، وقدمت تشاد على مر السنين مساهمات عسكرية كبيرة لعمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية في منطقة الساحل. كما ساهمت فى عملية “سيرفال” التى قادتها فرنسا فى شمال مالى وأصبحت القوات التشادية فيما بعد ثالث أكبر قوة عسكرية في “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” (مينوسما)، التي أنهى مجلس الأمن ولايتها وأتمت انسحابها من مالى فى ديسمبر 2023. كما تعد تشاد شريكاً رئيسياً في القوة المتعددة الجنسيات التى تضم نيجيريا والكاميرون والنيجر ومالي وبوركينافاسو وبنين وتتولى مواجهة فروع تنظيمى “القاعدة” و”داعش”.
وفى أعقاب اغتيال يحيى ديلو، برزت انتقادات من قيادات فى الجيش بسبب ما أقدمت عليه الحكومة التشادية من تصفية المعارضين. وهنا، فإن التعددية الإثنية التى تتسم بها تشاد يمكن أن تزيد من حدة المخاوف تجاه احتمال حدوث انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية على أسس عرقية.
4- توفير فرصة جديدة للإرهابيين: لا تزال إمكانية التحالف بين الحركات المسلحة فى تشاد والتنظيمات الإرهابية قائمة، وخاصة فى ظل وجود “خصم واحد” للطرفين هو الحكومة التشادية، حيث تكررت هذه التجربة فى مالى وليبيا.
وأخيراً، تنذر التطورات المتلاحقة التى تشهدها تشاد خلال الأشهر الأخيرة من قمع وتصفية المعارضين والرافضين لتوجهات النظام العسكرى الذى يحكم البلاد، بأن تشاد مقبلة على مرحلة صعبة، على المستويين السياسي والأمني، وخاصة فى ظل تنامى حركات التمرد وعدم انضمام الحركات الرئيسية كـ”جبهة الوفاق من أجل التغيير” (فاكت)، ومجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (CCMSR) إلى اتفاق الدوحة للسلام بل وعودة هذه الحركات لعملياتها المسلحة، هذا فضلاً عن موجة الغضب التى أثارها مقتل المعارض يحيى ديلو واعلان زعماء حركات تمرد موقعة على اتفاق الدوحة رفضها للاغتيالات التى يتبعها المجلس العسكرى.
كما أن اعتماد محمد ديبى على دعم الدول الغربية، وخاصة فرنسا، بات يواجه بالكثير من الانتقادات الداخلية التى ترى أن استمرار العلاقات مع فرنسا يؤثر سلبياً على شعبية المجلس العسكرى وأن السياسات القمعية التى يعتمد عليها الأخير لن تسفر إلا عن مزيد من التوترات والتهديدات. كما أن محاولاته تحقيق التوازن بين علاقاته بكل من فرنسا وروسيا، أو استخدام التقارب مع روسيا فى الحصول على مزيد من الدعم الفرنسى والأمريكى، لن تؤدى إلى نتائج ملموسة لحسم تصاعد تهديدات الحركات المسلحة التى يمكن أن تتجه فى مرحلة ما إلى التعاون مع التنظيمات الإرهابية فى مواجهة النظام العسكرى الحاكم الذى لم يجد أسلوباً للتعامل مع معارضيه سوى التصفية الجسدية وذلك قبل شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية.
د. أميرة محمد عبد الحليم
خبيرة الشئون الأفريقية – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: اتفاق الدوحة التى تشهدها فی تشاد من أجل
إقرأ أيضاً:
مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
فى حضرة الشاشة الكبيرة تجوب الأنفس أرجاء العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تتلاقى الثقافات والفنون والعادات والتقاليد من مختلف دول العالم فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الـ45، التى تحمل تنوعاً وثراءً فنياً واضحاً من جميع الدول، فى رحلة لا منتهية من السعادة والمتعة، فمن بين الأعمال السينمائية المشاركة والتى تعرض لأول مرة ضمن فعاليات المهرجان، الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، والسورى «سلمى»، كل منهما يحمل قصة ورسالة مختلفة بقضية إنسانية تلمس الوجدان.
«أنا مش أنا» فيلم مغربى مدبلج باللهجة المصريةوقال هشام الجبارى، مخرج ومؤلف الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، الذى جرى عرضه باللهجة المصرية بعد دبلجته، إن الفيلم يعد خطوة فى مسار تعزيز التبادل الفنى بين المغرب ومصر، وبخاصة أن اللهجة المغربية صعبة الفهم، لذا تمت دبلجة الفيلم لكسر الحاجز بين الشعوب العربية حتى يتمكنوا من فهم أحداث العمل.
والأمر نفسه أكده بطل العمل عزيز داداس، الذى أعرب عن فخره وسعادته بمشاركته فى مهرجان القاهرة، قائلاً: «شرف كبير لى عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وسعيد بدبلجته إلى اللهجة المصرية».
وشهدت قاعة العرض حالة كبيرة من التصفيق والتفاعل مع الحضور فور انتهاء عرض الفيلم، الذى حرص عدد من نجوم الفن والرياضة المغاربة على دعمه بمشاهدته بالمهرجان، حيث رفع الفيلم شعار كامل العدد قبل أيام من انطلاقه بدور العرض المصرية.
فيلم «أنا مش أنا» من تأليف وإخراج هشام الجبارى، بطولة عزيز داداس، مجدولين الإدريسى، دنيا بوطازوت، وسكينة درابيل، ووِصال بيريز، وإنتاج فاطنة بنكران.
يأتى ذلك كجزء من مبادرة مهرجان القاهرة السينمائى لدعم التجارب السينمائية التى تعزز التواصل الثقافى بين الشعوب، إذ يمكن الجمهور المصرى من التفاعل مع إنتاجات دول أخرى خارج الدائرة المعتادة للسينما العالمية.
وذكر مهرجان القاهرة السينمائى، فى بيان، أنه فخور بهذه التجربة التى تسعى إلى تقديم صورة جديدة للإبداع السينمائى، من خلال التفاعل بين الصورة والصوت والتجارب الثقافية المختلفة، وهو ما يعكس التزامه بدعم التنوع السينمائى عالمياً.
«سلمى» يسلط الضوء على معاناة الشعب السورىأما الفيلم السورى «سلمى»، الذى يشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية، فهو من بطولة الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أعربت عن سعادتها بالعرض العالمى الأول لفيلمها بمهرجان القاهرة السينمائى، موضحة فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الفيلم يتناول قضية إنسانية رغم المآسى التى يتطرق إليها وتعبر عن واقع الشعب السورى إلا أنها حاولت أن يكون الفيلم رسالة قوية للقدرة على المواصلة فى تجاوز الصعاب بالإرادة.
«سولاف»: رسالة لتجاوز الصعاب بالإرادةوقال جود سعيد، مخرج «سلمى»، الذى يشارك فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى للمرة السادسة، منذ عام 2009، إنه كان يشعر بالحزن عندما لا يشارك بأفلامه ضمن المهرجان، مشدداً على رفضه لفكرة حمل الفيلم رسالة محددة، وأن كل مشاهد هو صانع العمل بعينه ويراه حسبما يشاء تبعاً لثقافته وما يشعر به.
وأضاف «سعيد» أنه مهووس بالقصص والحكايات الحقيقية وتحويلها لعمل فنى يتفاعل ويستمتع معه الجمهور، لافتاً إلى أنه تجمعه علاقة صداقة قوية مع «سولاف»، أفضت إلى مزيد من التعاون بينهما وحالة من الشراكة انعكست على الشاشة.
من جانبه، أعرب الفنان السورى ورد، الذى يجسد دور شقيق بطلة العمل «سولاف» بالأحداث، أن مشاركة «سلمى» بالمهرجان حلم بالنسبة له وطموح لكل من يعمل فى صناعة السينما، معرباً عن فخره بفكرة الفيلم التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء.