وقّعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاقية أوسلو في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، الذي نص على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي (السلطة الفلسطينية) لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، وشكلت هذه الاتفاقية غطاء لعدة اتفاقيات بين الطرفين، منها اتفاقيات تتعلق بالنواحي الاقتصادية.
ومع انتهاء الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام، فشل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون سنة 2000 في التوصل لاتفاق جديد بين الطرفين، وإثر فشل تلك المفاوضات اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000، وكردة فعل قامت إسرائيل باقتحام المناطق التي تسيطر عليها السلطة ودمرت مقرات السلطة، كما تعرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لحصار في مقره برام الله دام حتى استشهاده سنة 2004.
وعقب استشهاد الرئيس عرفات، انتخب محمود عباس رئيسا للسلطة، وأعلن منذ أيامه الأولى رفضه للعنف، كما قام بوقف المفاوضات مع إسرائيل، مصرّا على وقف الأعمال الاستيطانية كشرط لاستئناف المفاوضات التي لا زالت متوقفة، والاستيطان يتوسع بشكل جنوني لغاية الآن. وقد لوّح الرئيس عباس أكثر من مرة بورقة حل السلطة التي قال عنها إنها سلطة بلا سلطات، وبوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، إلا أنه لم يتخذ أي خطوة فعلية في هذا الإطار، مع العلم أن المجلس الوطني والمركزي على مدار سنوات اتخذ أكثر من قرار حول الموضوع، وشُكلت لجان لتنفيذ هذه القرارات التي بقيت حبرا على ورق.
تعتبر اتفاقية باريس الاقتصادية ملحقا اقتصاديا لاتفاقية أوسلو التي وقعتها السلطة وإسرائيل في باريس في 29 نيسان/ أبريل 1994، لتنظِّيم العلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل؛ وتم تحديد الإطار الزمني لها بخمس سنوات، وكان من المقرر أن يتم تعديل هذه الاتفاقية حسب معطيات الواقع الفلسطيني والإسرائيلي؛ وهو الأمر الذي لم يحدث.
تعتبر اتفاقية باريس الاقتصادية ملحقا اقتصاديا لاتفاقية أوسلو التي وقعتها السلطة وإسرائيل في باريس في 29 نيسان/ أبريل 1994، لتنظِّيم العلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل؛ وتم تحديد الإطار الزمني لها بخمس سنوات، وكان من المقرر أن يتم تعديل هذه الاتفاقية حسب معطيات الواقع الفلسطيني والإسرائيلي؛ وهو الأمر الذي لم يحدثوتتكون اتفاقية باريس الاقتصادية من 83 بندا، ويبين البند الأول إطار عمل البروتوكول وأهدافه وآفاقه. ويؤسس هذا البروتوكول الاتفاق التعاقدي الذي سيحكم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ويشمل الضفة والقطاع، وهذا البروتوكول وملاحقه سيتم دمجها في اتفاقية أوسلو وسيكون جزءا منها، ويشكل الجانبان لجنة اقتصادية فلسطينية- إسرائيلية مشتركة، وذلك لمتابعة تنفيذ هذا البروتوكول ومعالجة المشاكل المتعلقة به، والتي قد تبرز من وقت لآخر، ويمكن لكل جانب أن يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق اللجنة.
ويذكر أن هذه الاتفاقية أعطت إسرائيل اليد العليا في السيطرة على الوضع الاقتصادي الداخلي والخارجي الفلسطيني، وألحقت الاقتصاد بإسرائيل بعدما أعطى اتفاق أوسلو أيضا اليد العليا الأمنية لإسرائيل في السيطرة الداخلية والخارجية، حيث غدت إسرائيل تتحكم في الشأن الفلسطيني الاقتصادي والأمني. ولكن إسرائيل تنصلت من كل الاتفاقيات الموقعة ولم تقم بتطبيق أي منها، على الرغم من تنفيذ السلطة لكل التزاماتها وعلى رأسها التنسيق الأمني. إلا أن إسرائيل تتمسك لغاية اليوم باتفاقية باريس الاقتصادية التي تعتبر الرافد الاقتصادي الدائم الذي منحه بروتوكول باريس الاقتصادي لإسرائيل.
إضافة لما سبق، لا يمكن للفلسطينيين إقامة علاقات اقتصادية مع دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كما تقف الاتفاقية عائقا أمام إنجاز عملة فلسطينية. وقد قامت إسرائيل بحجز أموال الضرائب في عدة مناسبات؛ في سنة 2006 بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وفي أيار/ مايو 2012 بعد توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، وفي أيلول/ سبتمبر 2012 عند مطالبة الأمم المتحدة بنيل عضوية كاملة، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود سنة 67.
وفي هذا الصدد، وافقت منظمة التحرير على اتفاقيات اقتصادية منحت الاحتلال سلطة الجباية وسلطة القرار على كل الوارد والصادر. وكان يمكن أن يجعلوا استيراد البضائع عبر الأردن وأن تصل لنقطة فلسطينية مباشرة وليس لنقطة إسرائيلية حتى لا يقع الفلسطينيون فريسة ابتزاز الاحتلال وجبايته، حيث كان أمام السلطة فرصة ذهبية للتخلص من هذا الاتفاق بفتح منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة ومصر للتخلص من التبعية الإسرائيلية لا سيما بعد انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة عام 2005، إلا أنها عادت وكررت الخطأ بتوقيع اتفاق المعابر لسنة 2005 لإعادة سيطرة الاحتلال على المعبر الفلسطيني- المصري.
وفي اتجاه آخر، أصدر رئيس الوزراء الأسبق رامي الحمد، لله في أيلول/ سبتمبر2018، تعميما إلى المؤسسات المعنية بالشأن الاقتصادي والمالي، طالب فيه بتقديم مقترحات من أجل تعديل اتفاق باريس الاقتصادي أو إضافة بنود جديدة إليه. إلا أنه لم يتم تعديل ولا حتى مناقشة الأمر جديا من قبل السلطة، وبقيت هذه الاتفاقية التي ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من تبعياتها التي تفاقمت في فترة الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث قام وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتش بحجز أموال المقاصة لعدة شهور، وزاد على هذا الحجز بحجز رواتب موظفي السلطة في غزة.
وفي هذا الصدد، صرح الرئيس عباس في عام 2018 بضرورة التخلص من بروتوكول باريس الاقتصادي أو تعديل بنوده، وإلزام إسرائيل بتطبيق كل بنوده بوجود طرف ثالث، معوّلا على الدور الفرنسي راعي الاتّفاق في ذلك. أما بخصوص الموقف الإسرائيلي، فقد كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، في 22 كانون الأول/ ديسمبر2018، أن رئيس وزراء بنيامين نتنياهو سينظر في الطلب الذي تقدمت به السلطة لإجراء تعديلات على اتفاقية باريس الاقتصادية، إلا أنه لم يتغير شيء بل زادت إسرائيل في التوغل بالاقتطاع من أموال الضرائب. لقد أقر الكنيست قانون خصم قيمة رواتب الأسرى والشهداء من أموال المقاصة وبشكل نهائي في 2 تموز/ يوليو2018، وقرر الكابنيت في 17شباط/ فبراير 2019، خصم جزء من أموال الضرائب بما يوازي مجموع الأموال التي تدفعها السلطة لأسر الشهداء والأسرى.
نشير إلى التأثير من الناحية المالية، فالمبلغ المقتطع كبير ويؤثر على الموازنة العامة، فهو يشكل ما يوازي 13 في المئة من إيرادات المقاصّة مع إسرائيل والتي تبلغ حوالي 9 مليارات شيكل، والتي تشكل بدورها حوالي 68 في المئة من الإيرادات المحلية للموازنة العامة، أي أنها أكبر مكوّن من مكونات إيرادات السلطة
يهدف هذا القانون إلى تجريم النضال الوطني الفلسطيني، واستخدام ورقة الضغط المالي من أجل كسر إرادة المقاومة، ومنع الفلسطينيين من ممارسة حقهم في المقاومة المشروعة ضد الاحتلال. ويهمنا في هذا السياق أن نشير إلى التأثير من الناحية المالية، فالمبلغ المقتطع كبير ويؤثر على الموازنة العامة، فهو يشكل ما يوازي 13 في المئة من إيرادات المقاصّة مع إسرائيل والتي تبلغ حوالي 9 مليارات شيكل، والتي تشكل بدورها حوالي 68 في المئة من الإيرادات المحلية للموازنة العامة، أي أنها أكبر مكوّن من مكونات إيرادات السلطة.
وتتفاوت المبالغ المقتطعة تحت هذا البند من شهر لآخر، حيث بلغ مجموعها نحو 11 مليار دولار في عشر سنوات (2011-2021)، وفي سنة 2019، بدأت حلقة جديدة للاقتطاعات، بخصم حوالي 50 مليون شيكل شهريا، توازي رواتب عوائل الشهداء والأسرى والجرحى، وفي سنة 2022، بلغ إجمالي الاقتطاعات حوالي 450 مليون دولار. وبحسب رئيس الوزراء محمد اشتية، فإن إجمالي المبالغ المقتطعة، المتراكمة تحت هذا البند منذ بداية 2019 حتى نهاية 2022، بلغ حوالي ملياري شيكل.
وقد رفضت السلطة، تسلم أموال الضرائب، بعد إعلان إسرائيل تحويلها بعد خصم مبالغ كانت توجه سابقا لقطاع غزة، حيث صدر قرار رئاسي بعدم تسلم أموال المقاصة منقوصة.
وقالت القناة 12 العبرية إن سموتريتش، وقع على قرار تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة، بعد خصم الحصة التي تحولها السلطة لغزة. وقالت: "رغم أن المجلس الوزاري السياسي والأمني الإسرائيلي وافق على تحويل الأموال إلى السلطة، لم يوقع سموتريتش على الأمر الذي يسمح بذلك، ثم بدأ رئيس الشاباك رونين بار محادثة مع سموتريتش، بأن "هذه الأموال سيستخدمها رئيس السلطة لدفع رواتب موظفي السلطة، حتى يتمكنوا من الحفاظ على استقرار نسبي في الضفة".
لم تتمكن الحكومات الفلسطينية الـ18 المتعاقبة، من تحقيق أي اختراق في أموال المقاصة، بهدف تحويل جبايتها فلسطينيا، الأمر الذي جعل هذه الأموال ورقة ضغط إسرائيلية على الفلسطينيين، للحصول على مكاسب سياسية. للمرة الثانية عشرة منذ 30 سنة، تستخدم إسرائيل أموال المقاصة كورقة ابتزاز لتحقيق أهداف سياسية، إلا أنه بعد التدخل الأمريكي، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تحويل الأموال إلى السلطة عبر النرويج.
وتعقيبا على ما سبق، صبغت إسرائيل الاقتطاعات بصبغة قانونية، مما يجعل تراجع الحكومة الإسرائيلية عنه أمرا مستحيلا، وحل الأزمة كان يتطلب إما تراجع إسرائيل عن حجز الأموال، وهو غير متوقع لسببين: أولها، الأحزاب اليمينية المتطرفة، وثانيها، أن حجز الأموال تم بتشريع وقانون أقر رسميا.. أما الحل الآخر فهو تراجع السلطة عن موقفها ورفض استلام أموال المقاصة منقوصة، وهذا ما حصل في ظل محدودية خياراتها. أما من الناحية القانونية، فقد استند الاحتلال في اقتطاعه للأموال إلى التزامات السلطة في اتفاقات أوسلو وملحقاتها التي تنص على أن تلتزم السلطة في علاجها للمشاكل مع إسرائيل بالمفاوضات المباشرة.
ووفقا لهذه الاتفاقيات باتت إسرائيل هي الخصم والحكم على السلطة، ومن هنا جاء موقف الاحتلال باعتبار المبالغ المالية التي تدفعها السلطة للشهداء والأسرى هي خرق لاتفاقات أوسلو، وبالتالي تم إصدار القانون المشار إليه لخصم هذه المبالغ المالية. وفي الوقت نفسه حصّنت أوسلو كل عدوان يقوم به الاحتلال أو أي إسرائيلي ضد السلطة وشعبها، وباتت اعتداءات الاحتلال خارج ولاية القضاء الفلسطيني.
وفقا لهذه الاتفاقيات باتت إسرائيل هي الخصم والحكم على السلطة، ومن هنا جاء موقف الاحتلال باعتبار المبالغ المالية التي تدفعها السلطة للشهداء والأسرى هي خرق لاتفاقات أوسلو، وبالتالي تم إصدار القانون المشار إليه لخصم هذه المبالغ المالية. وفي الوقت نفسه حصّنت أوسلو كل عدوان يقوم به الاحتلال أو أي إسرائيلي ضد السلطة وشعبها
أما على المستوى السياسي، فقد كانت المشكلة الكبرى للقيادة المهيمنة على منظمة التحرير هي أن تقبل منذ البداية بخضوع الحكم الذاتي الفلسطيني الأعزل والمحاصر لسيادة الاحتلال بكل ما تعنيه السيادة من مفاهيم وصلاحيات، وذلك بصرف النظر عما ورد في هذه الاتفاقيات من كلمات معسولة خادعة.
لكن في حال تحررت السلطة من أوسلو، ستنقلب الأمور رأسا على عقب، فقانونيا الاحتلال مرفوض في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارتها التي أقرت بحق الشعوب المستعمرة في الدفاع عن حقها في التحرر والاستقلال وعودة كل مواطنيها إلى بلدهم الأصلي. وسياسيا، فإن ذلك يتيح للحركة الوطنية الفلسطينية بحشد كل الشعوب الحرة في العالم وكل الدول المناصرة للحرية للوقوف في جبهة عالمية واحدة ضد الحلف الصهيوني الإمبريالي الأمريكي الجاثم على فلسطين وشعبها. صحيح أن هذا الطريق طويل، ولكنه مضمون النتائج على المدى الطويل.
فقد أقر المجلس المركزي عام 2015، وفي عام 2018 وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، لكن القرار بقي حبرا على ورق. لقد أثبتت السلطة المرة تلو الأخرى بأنها غير قادرة على تنفيذ وتطبيق القرارات التي تتخذها تجاه مقاومة القرارات الإسرائيلية، وهذا نتاج سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس عباس وما لبث أن تراجع عنها.
فقد رفضت السلطة استلام أموال المقاصة عام 2019 لمدة 7 أشهر احتجاجا على اقتطاع إسرائيل لرواتب الأسرى وبعدها استلمتها، وامتنعت السلطة مرة ثانية في عام 2020 عن استلامها، وفي بداية سنة 2024، رفضت للمرة الثالثة استلامها لعدة أشهر، ولكنها استلمتها دون تحقيق أي شرط من شروط عدم استلامها، إذن ما الهدف من عدم استلامها للمرة الثالثة؟!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اتفاقية أوسلو الفلسطينية الاقتصادية إسرائيل اقتصاد إسرائيل فلسطين اموال اتفاقية أوسلو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المبالغ المالیة السلطة وإسرائیل أموال المقاصة اتفاقیة أوسلو أموال الضرائب هذه الاتفاقیة فی المئة من إسرائیل فی الأمر الذی مع إسرائیل إلا أنه إلا أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في حوار لـ«البوابة نيوز»: مقترح إدارة مصر قطاع غزة «فخ» لن نقع فيه.. تهديدات ترامب بإيقاف المعونة العسكرية لا يمس اتفاقية السلام مع إسرائيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق فلسطين قضية مصر الأولى.. وحروب مصر كانت من أجل فلسطينسأتقدم بمقترح لتعديل قانون التجنيد وتأدية الخدمة العسكرية
تجد مصر نفسها اليوم وسط محيط مضطرب من الأزمات الإقليمية والدولية، حيث تتشابك التحديات من كل الاتجاهات، لتضع الدولة أمام اختبار صعب للحفاظ على أمنها القومى واستقرارها الداخلي.
فمن التصعيد المتواصل فى غزة شمالًا، إلى الصراع المستعر فى السودان جنوبًا، مرورًا بالاضطرابات فى ليبيا غربًا، وصولًا إلى تهديدات الحوثيين فى البحر الأحمر التى انعكست سلبًا على الملاحة العالمية، تواجه مصر مشهدًا شديد التعقيد يتطلب استراتيجيات دقيقة لمواجهته.
وفى حواره مع «البوابة نيوز»، أكد اللواء أحمد العوضي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب والنائب الأول لرئيس حزب حماة الوطن، أن مصر تمر بمرحلة غير مسبوقة من التحديات، حيث لم تعد المخاطر تقتصر على جهة واحدة كما فى الحروب التقليدية، بل باتت تحيط بها من جميع الاتجاهات، مما يستوجب التعامل بحذر وحنكة على مختلف الأصعدة.
وأوضح العوضى أن الأوضاع الإقليمية المتأزمة، إلى جانب التحديات الداخلية، تفرض على الدولة مواجهة محاولات بث الفتن ونشر الشائعات التى تستهدف زعزعة الاستقرار وإثارة البلبلة بين المواطنين.
وشدد على ضرورة الوعى المجتمعى والتكاتف الوطنى لمجابهة هذه التحديات، مؤكدًا أن الحفاظ على استقرار البلاد يتطلب وعيًا وإدراكًا جماعيًا بحجم المخاطر التى تحيط بها فى هذه المرحلة الدقيقة.. وفيما يلى نص الحوار:
اللواء أحمد العوضي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب
■ هناك قنوات غربية وأبواق إعلامية تحاول التشكيك فى دور مصر فى القضية الفلسطينية.. بحكم خبرتكم نريد توضيح الدور المصرى لكل من يحاول التشكيك؟
- فى البداية لاشك أن فلسطين هى قضية مصر الأولى؛ ولن تتدخر جهدا سياسيا أو عسكريا لدعم الشعب الفلسطيني، والتصدى لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، التى لم تكن وليدة اليوم.
فمنذ حرب ٤٨ وحتى اليوم، فإن جميع الحروب التى خاضتها مصر كانت من أجل فلسطين، باستثناء حرب السادس من أكتوبر ٧٣، والتى كانت لتحرير الأراضى المصرية، وصولاً لأحداث طوفان الأقصى فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، والقيادة السياسية المصرية كان لديها رؤية واضحة؛ حيث تصدت لمحاولات منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بل وكانت الداعم الأكبر؛ حيث قدمت ٨٠٪ من إجمالى المساعدات التى تم إدخالها.
بالإضافة إلى حشد القوى السياسية بجميع دول العالم لرفض مقترحات التهجير القسري والاعتداء على الشعب الفلسطينى الأعزل، بالرغم من أن الاتجاه العالمى الذى تشكله الدول الكبرى، هو أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولكن هذا الحق مغلوط، لأن الشعب الفلسطينى لا يزال تحت الاحتلال منذ أكثر من ٧٠ سنة، ومن حقه أن ينال حريته بكل الطرق المشروعة والمقاومة.
■ بعد حرب طوفان الأقصى ما هو تقييمك السياسى والعسكرى للمقاومة الفلسطينية والأحداث الجارية فى غزة اليوم؟
بالنسبة لتقييم الوضع الحالى سياسيا بالتأكيد ما قامت به المقاومة الفلسطينية لم يكن فى صالح الشعب الفلسطيني، ولم تعد عليه أى استفادة من أحداث ٧ أكتوبر حتى الآن، وليس هناك أسوأ من تدمير حياة شعب بأكمله، حيث تم استهداف البنية التحتية والمستشفيات والمدارس، ليصبح قطاع غزة غير صالح لتواجد الشعب الفلسطينى والعيش فيه.
وبالرغم من تكرار الأحداث والصراعات بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، إلا أن الأحداث الحالية هى الأصعب على مدار تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي، وذلك لأنه للمرة الأولى فى التاريخ نجد حربا تستمر لأكثر من ١٥ شهرًا.
وهذا يرجع إلى عدم تقدير المقاومة للموقف، أى تحديد المكاسب والخسائر والنتائج المتوقعة من القيام بهذا الهجوم على الكيان المحتل، بجانب الدعم الأمريكي، ودعم الدول الأوروبية اللامحدود للكيان الإسرائيلي، الذى ساهم فى استمرار مدة الصراع، والذى منح اسرائيل القدرة على الاستمرار فى القتال طوال هذه الفترة.
ولذلك لا بد للعالم العربى أن يتحد ويكون له هدف رئيسى ويكون هناك موقف للدول العربية كلها تجاه ما حدث بالنسبة للقضية الفلسطينية .
أما عن الموقف العسكرى بالنسبة لحماس فهو بالتأكيد تأثر بشكل كبير جدا بدليل أن القوات الاحتلال استطاعت التوغل داخل قطاع غزة بالكامل والسيطرة عليه عسكريا وهذا إن دل على شيء، فهو أن المقاومة لم تكن على القدر من الاستعداد للتصدى لقوات جيش الاحتلال، أو حتى إحكام السيطرة على قطاع غزة.
اللواء أحمد العوضي ومحررة البوابة■ كيف ترى تصريحات ترامب حول قضية التهجير القسرى للشعب الفلسطيني؟
- تصريحات الرئيس ترامب من الصعب تنفيذها؛ حيث إن تهجير الشعب الفلسطينى خارج أرضه، سواء إلى مصر أو الأردن، أمر مرفوض، كما أنها تأتى بنتيجة عكسية على الأوضاع فى فلسطين، حيث تزيد من حالة الاحتقان والكراهية والعداء من قبل الفلسطينيين للشعب الإسرائيلي.
ومنذ بداية الأحداث أعلنت القيادة السياسية المصرية أن هذا الأمر خط أحمر ولا يمكن قبوله بأى وضع من الأوضاع، وهذا موقف ثابت، لأن ذلك يعنى تصفية القضية الفلسطينية. بجانب أنه يضر بالأمن القومى المصري، لأن انتقال الفلسطينيين إلى سيناء يعنى انتقال المقاومة إلى سينا، ما يترتب عليه أن مصر أصبحت طرفا فى هذا الصراع.
بالإضافة إلى أنه مخالف لكل القوانين الدولية، والاتفاقيات التى تم إبرامها من ضمنها اتفاقية "أوسلو" التى وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أمريكية والتى قدم خلالها ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية وقتها العديد من التنازلات، ومع ذلك لم يتم تنفيذ أى شئ وأصبحت حبرا على ورق.
وأؤكد أنه لا حل لهذا الصراع إلا بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، عاصمتها القدس، ودولة إسرائيلية، للعيش معًا فى سلام.
■ تابعت مؤخرا تصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلى يائير لابيد وحديثه عن إدارة مصر لقطاع غزة.. فما رأيك فيها؟
- قطعا هذا اقتراح مرفوض لأنه يهدف إلى توريط الدولة المصرية والجيش المصرى للانخراط فى الصراع بين المقاومة وقوات الاحتلال، حيث إنه فى هذه الحالة ستكون مصر المسئولة عن تأمين القطاع وحماية المصريين المتواجدين به فى حالة حدوث أى صراع.
ولذلك فإن السلطة الفلسطينية هى المسيطرة والمسئولة عن إدارة قطاع غزة، ومصر لن تكون طرفا فى هذا الأمر، ولن تتدخل فى الشئون الداخلية، وليست مسئولة عن توفير الأمن داخل القطاع. كما أن الجيش المصر موجود للدفاع عن أرضه وليس للدفاع عن أراضى دول أخرى.
■ ترامب هدد بإيقاف المساعدات الأمريكية لمصر.. فى رأيك ما هى البدائل فى حال اتخاذ خطوة كهذه؟
- أريد أن أوضح أن قطع المعونة العسكرية لا يمس اتفاقية السلام مع إسرائيل، بل إنه كان مطروح منذ اكثر من ١٥ عاما أى منذ فترة إدارة المشير طنطاوى للقوات المسلحة، وهذا وارد لاختلاف وجهات النظر والرؤى السياسية للدولة المصرية، وخاصة تجاه القضية الفلسطينية، ولذلك كان الجيش المصري ولا يزال متحسبا لهذا الأمر.
حيث كان يعتمد على نفسه، ولديه الإمكانيات والقدرات لمواجهة أى تهديد بقطع المعونات العسكرية الأمريكية عن مصر، كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه المسئولية كوزير للدفاع، وهو يسعى إلى تنويع مصادر السلاح، من فرنسا وألمانيا وروسيا، لتوفير الاحتياجات اللازمة لتجهيز قوات مسلحة، قادرة على الحفاظ على الأمن القومى المصري وتأمين الحدود المصرية.
ونظرًا لأن من يمنح لديه الحق فى ماذا يمنح، أى نوعية الأسلحة، فإن المعونة الأمريكية الحالية ليست فى صالح القطاع العسكري، وليست فى صورة أسلحة جديدة، كما يظن البعض. ولكنها عبارة عن عقود صيانة، وانتداب خبراء أجانب، لتطوير معدات الجيش، حتى السلاح الذى كان يتم إرساله إلينا كان يتم إرساله أكثر تطورا لإسرائيل، وبفروق تكنولوجيا كبيرة.
ولذلك فإن الرئيس عبد الفتاح السيسى كان حريصًا على أن يكون لدينا إرادة سياسية، وقدرة على تنويع مصادر الأسلحة.
وعن اتفاقية السلام مع اسرائيل؛ فنحن حريصون كل الحرص على الحفاظ عليها وكما قال الرئيس السيسى ان السلام يعنى مصر.
■ كيف ترى مستقبل غزة بعد الصراعات الدموية والمعاناة التى عاشها أهلها؟
- تعمير غزة مسئولية قومية، وهناك خطط عديدة مطروحة لإعادة إعمار القطاع، وجعله وطنًا آمنًا للشعب الفلسطيني، تحت قيادة السلطة الفلسطينية، ولذلك نسقت القيادة السياسية المصرية مع جميع الدول العربية، على أن يتم تنفيذ مخطط لتعمير قطاع غزة، مع إبقاء الشعب الفلسطينى داخل القطاع.
كما أنه تم إرسال مساكن مجهزة، منذ بداية وقف إطلاق النار كخطوة أولى لإقامة السكان مؤقتًا لمدة ٦ أشهر، بالتزامن مع رفع الركام، وإدخال المواد الغذائية، والوقود وآليات الإعمار، ولكن قوات الاحتلال منعت دخولها مؤخرًا.
وهذا امتداد لدور الدولة المصرية التى كانت حريصة كل الحرص منذ بداية الأحداث على الوصول إلى حل، وإيقاف إطلاق النيران، وتبادل المحتجزين، ووصول المساعدات إلى الشعب الفلسطينى حتى الآن.
■ ما تقييمك للوضع فى سوريا اليوم؟
- سوريا كانت دولة شقيقة وعظيمة، خاضت معنا حرب ٧٣ جنبا إلى جنب؛ حيث كان الجيش السوري من الجيوش القوية التى يحسب لها ألف حساب، بالإضافة إلى أن الجيش العراقى والجيش السورى والمصري كانوا أقوى جيوش المنطقة وقتها.
لكن اليوم وبمجرد سقوط النظام؛ قامت قوات الاحتلال الإسرائيلى باختراق المنطقة العازلة، الفاصلة بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة، واستولت على المرتفعات الاستراتيجية التى لم تستطع ان تحتلها سابقا، على مدار٥٠ عاما.
بالإضافة إلى أنه تم تدمير الجيش السورى بالكامل، من قبل إسرائيل، ونحن نتمنى أن تعود سوريا، ويكون لها جيشها وشرطتها، وأن يحرص الشعب السوري على أرضه.
■ ما هى أبر القوانين التى تقدم بها حزب حماة الوطن؟
- كل القوانين والتشريعات التى يتم تقديمها بلجنة الدفاع والأمن القومى تأتى من أمانة المجلس؛ حيث إن المشروعات تتحول من الحكومة إلى المجلس، ومن ثم يحدد رئيس المجلس الموضوعات المتعلقة بالأمن القومي، وما يخص وزارة الداخلية أو القوات المسلحة، وتحول إلى لجنة الدفاع والأمن القومي.
وسوف أتقدم بصفتى رئيسا للجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، بمقترح قانون لتعديل بعض المواد بقانون التجنيد وتأدية الخدمة العسكرية، لتخفيف الأعباء على أبنائنا المطالبين بتأدية الخدمة العسكرية.
وبالنسبة لما تقدم به حزب حماة الوطن فقد كان لنا دور بارز فى كل المقترحات والمخرجات بالحوار الوطني، وتقدمنا برؤى عديدة بقانون الانتخابات والنظام السياسي والاقتصادي، وكل ما تم طرحه يهم الشعب المصري.
■ الانتخابات البرلمانية على الأبواب فكيف يستعد حزب حماة الوطن لخوضها؟
- حزب حماة الوطن على أتم الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية ٢٠٢٦، من خلال النظام الفردي، وكذلك نظام القائمة، كما عقد الحزب العديد من ورش العمل والاجتماعات، للتوصل إلى رؤية واضحة، والبحث عن عوامل مختلفة لدعم المواطن المصرى على جميع المستويات.
حيث قمنا بإطلاق فاعلية لزفاف ١٠٠ عريس وعروسة بمحافظة الغربية؛ واستطعنا أن ندخل الفرحة على قلب ٢٠٠ أسرة، ونسعى لحصول حزب حماة الوطن على ٢٥٪ لـ٣٠٪ من عدد المقاعد بمجلس النواب.
■ هل تؤيد دمج الأحزاب المتقاربة أيدلوجيا فى حزب واحد خاصة أن مصربها أكثر من ١٠٠ حزب سياسي؟
- يمكن تحالف الأحزاب الصغيرة ولكن الاحزاب الكبير مثل حزب حماة الوطن من الصعب ان يندمج مع أى حزب آخر؛ حيث ان فى برلمان ٢٠١٥ لم يكن هناك حزب أغلبية، وتم عمل ائتلاف دعم مصر الذى ضم مجموعة أحزاب بغرض أن يكون هناك أغلبية داخل البرلمان.
■ مع تدشين حزب الجبهة الوطنية، هل تعتقد أن خريطة المشهد السياسى والكوتة البرلمانية ستتغير أم أن الحكم سيبقى للناخبين؟
- حزب الجبهة الوطنية كيان سياسى جديد وشقيق لنا، كما أنه لا يوجد أى خلاف بيننا وبين أى حزب سياسى على الإطلاق، حيث إن كل الاحزاب السياسية تسعى لأن يكون لها دور سياسى وحزبي، من خلال الجهود التى تقدمها بجانب الجهود التى تقدمها الدولة المصرية.
أما عن خريطة الكوتة البرلمانية؛ فالنظام الحالى هو الأمثل، وهو أن يتكون المجلس من ٥٠٪ فردي، و٥٠٪ بنظام القائمة، وفقا لمحددات الدستور. أما عن ما يتردد عن زيادة عدد المقاعد بمجلسى النواب والشيوخ، فهى شائعات ليس لها أساس من الصحة، ولم تصلنا بالمجلس أى تعديلات أو تشريعات بتعديل النظام الانتخابى حتى وقتنا هذا، رغم تحديد موعد انتخابات مجلس الشيوخ فى ٥ أغسطس المقبل، ومجلس النواب فى ١٠ نوفمبر المقبل.
■ البعض أطلق على حزب الجبهة الوطنية حزب الدولة ما رأيك؟
- الرئيس عبد الفتاح السيسى حريص كل الحرص على الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وغير ذلك شائعات لا أساس لها من الصحة.